الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي تَنْوِيعِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ]
فِي تَنْوِيعِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا الْأَقْوَالُ: كَالتَّكْبِيرَاتِ وَالتَّحْمِيدَاتِ وَالتَّسْبِيحَاتِ وَالتَّهْلِيلَاتِ وَالتَّسْلِيمَاتِ وَالدَّعَوَاتِ، وَحَمْدَلَةِ الْعَاطِسِينَ وَتَشْمِيتِهِمْ، وَالتَّحِيَّاتِ وَرَدِّهَا، وَالْخُطَبِ الْمَشْرُوعَاتِ وَالْأَمْرِ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَالسُّؤَالِ عَمَّا يَجِبُ السُّؤَالُ عَنْهُ، وَالْفُتْيَا وَالْحُكْمِ وَالشَّهَادَاتِ، وَالْإِقَامَةِ وَالْأَذَانِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالْبَسْمَلَةِ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالنَّحْرِ وَالذَّبْحِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ فَزَعِ الشَّيَاطِينِ وَهَمَزَاتِهِمْ.
النَّوْعُ الثَّانِي: الْأَفْعَالُ الْمُجَرَّدَةُ كَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْقَاذِ الْغَرْقَى وَالْهَلْكَى وَدَفْعِ الصِّوَالِ وَالْأَغْسَالِ، وَكَذَلِكَ تَجْهِيزُ الْأَمْوَاتِ وَإِكْرَامُهُمْ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى مِنْ الْأَفْعَالِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْكَفُّ كَالصِّيَامِ الَّذِي هُوَ كَفٌّ مُجَرَّدٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: مَا يَشْتَمِلُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْكَفِّ وَهُوَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا الِاعْتِكَافُ وَهُوَ مُكْثٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ مَعَ الْكَفِّ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ وَالْجِمَاعِ، وَمِنْهَا الْحَجُّ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالتَّعْرِيفُ وَالْإِحْرَامُ وَالْكَفُّ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْمَعْرُوفَاتِ وَهُوَ: الطِّيبُ وَالدُّهْنُ وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَالْجِمَاعُ وَالْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةِ النِّكَاحِ وَالْإِنْكَاحُ، وَقَتْلُ الصَّيْدِ وَأَكْلُ مَا صَادَهُ أَوْ صِيدَ لَهُ وَسَتْرُ وُجُوهِ النِّسَاءِ وَرُءُوسِ الرِّجَالِ وَلُبْسُ الرِّجَالِ الْخِفَافَ.
النَّوْعُ الْخَامِسُ: الصَّلَاةُ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَفْعَالِهَا الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَعَلَى الْأَقْوَالِ وَعَلَى الْكَفِّ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ الْأَفْعَالِ الْمُتَوَالِيَةِ وَعَنْ الِالْتِفَاتِ
بِالْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ، وَالصَّلَاةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّاتِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَتَرْكِ الِالْتِفَاتِ الظَّاهِرِ.
وَكَذَلِكَ الْبَاطِنُ عَمَّا أُمِرَ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ مَأْمُورٌ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ أَنْ يُلَاحِظَ مَعَانِيَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي آيَةٍ وَعْدٌ رَجَاهُ، وَلِهَذَا قَالَ سبحانه وتعالى:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9] .
وَإِذَا كَانَتْ آيَاتُ الصِّفَاتِ تَأَمَّلْ تِلْكَ الصِّفَةَ فَإِنْ كَانَتْ مُشْعِرَةً بِالتَّوَكُّلِ فَلْيَعْزِمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْحَيَاءِ فَلْيَسْتَحْيِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلتَّعْظِيمِ فَلْيُعَظِّمْهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْحُبِّ فَلْيُحِبَّهُ، وَإِنْ كَانَتْ حَاثَّةً عَلَى طَاعَةٍ فَلْيَعْزِمْ عَلَى إتْيَانِهَا، وَإِنْ كَانَتْ زَاجِرَةً عَنْ مَعْصِيَةٍ فَلْيَعْزِمْ عَلَى اجْتِنَابِهَا، وَلَا يَشْتَغِلُ عَنْ مَعْنَى ذِكْرٍ مِنْ الْأَذْكَارِ بِمَعْنَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ لِأَنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ يَلِيقُ بِهِ وَلَا يَتَعَدَّاهُ، وَكَذَلِكَ لَا يَشْتَغِلُ عَنْ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْقُرْآنِ بِاسْتِحْضَارِ مَعْنًى غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَيُكْرَهُ التَّسْبِيحُ فِي الْقُعُودِ مَكَانَ الدُّعَاءِ، وَإِذَا دَعَا فَلْيَتَأَدَّبْ فِي الدُّعَاءِ بِالتَّضَرُّعِ وَالْإِخْفَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] فَالْتِفَاتُ الْجَنَانِ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ إعْرَاضٌ عَنْ الرَّبِّ سبحانه وتعالى بِأَفْضَلِ أَجْزَاءِ الْإِنْسَان، وَلَيْسَ الِالْتِفَاتُ بِالْأَرْكَانِ كَالِالْتِفَاتِ بِالْجَنَانِ لِأَنَّ الِالْتِفَاتَ بِالْجَنَانِ مُفَوِّتٌ لِهَذِهِ الْمَصَالِحِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ الْعِبَادَاتِ وَرَأْسُ الطَّاعَاتِ وَعَنْهَا تَصْلُحُ الْأَجْسَادُ وَتَسْتَقِيمُ الْأَبْدَانُ فَمَنْ صَلَّى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَتْ صَلَاتُهُ كَامِلَةً نَاهِيَةً عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى:{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] ، فَيَكُونُ الْأَلِفُ فِيهَا وَاللَّامُ لِلْكَمَالِ، وَمَا أَجْدَرَ مِثْلَ هَذِهِ الصَّلَاةِ أَنْ تُنْهِيَ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، إنَّ مَنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ وَالْمُلَاحَظَاتِ كَانَ إذَا تَحَلَّلَ مِنْ الصَّلَاةِ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِذِكْرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْأَحْوَالِ الزَّاجِرَةِ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.
النَّوْعُ السَّادِسُ: إسْقَاطُ الْحُقُوقِ كَالِاعْتِكَافِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْإِسَاءَاتِ، وَيَتَفَاوَتُ شَرَفُ الْإِسْقَاطِ بِتَفَاوُتِ الْمُسْقِطِ فِي الشَّرَفِ، فَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ أَفْضَلُ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ، وَالْعَفْوُ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ أَفْضَلُ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ التَّعْذِيرِ، وَالْإِبْرَاءُ مِنْ الدِّينَارِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِبْرَاءِ مِنْ الدِّرْهَمِ.
وَكَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ شَرَفُ التَّمْلِيكِ بِتَفَاوُتِ شَرَفِ الْمُمَلَّكِ، وَإِخْرَاجُ بِنْتِ مَخَاضٍ فِي الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ مِنْ إخْرَاجِ الشَّاةِ، وَإِخْرَاجُ بِنْتِ اللَّبُونِ أَفْضَلُ مِنْ إخْرَاجِ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَإِخْرَاجُ الْحِقَّةِ أَفْضَلُ مِنْ إخْرَاجِ بِنْتِ اللَّبُونِ، وَإِخْرَاجُ الْجَذَعَةِ أَفْضَلُ مِنْ إخْرَاجِ الْحِقَّةِ، وَإِخْرَاجُ الثَّنِيَّةِ أَفْضَلُ مِنْ إخْرَاجِ الْجَذَعَةِ، وَكَذَلِكَ إخْرَاجُ جَزَرَاتِ الْمَالِ وَخِيَارِهِ أَفْضَلُ مِمَّا دُونَ ذَلِكَ.
وَالْعِبَادَاتُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ، وَالْمُضَيَّقِ وَقْتُهُ وَالْمُوَسَّعِ زَمَانُهُ، وَإِلَى الْمُخَيَّرِ وَالْمُرَتَّبِ، وَإِلَى مَا يَقْبَلُ التَّقْدِيمَ، وَلَا يَقْبَلُ التَّأْخِيرَ، وَإِلَى مَا يَقْبَلُ التَّأْخِيرَ وَلَا يَقْبَلُ التَّقْدِيمَ، وَإِلَى مَا لَا يَقْبَلُهُمَا، وَإِلَى مَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِلَى مَا يَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي، وَإِلَى مَا يَقْبَلُ التَّدَاخُلَ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ، وَإِلَى مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَإِلَى مَا عَزِيمَتُهُ أَفْضَلُ مِنْ رُخْصَتِهِ، وَإِلَى مَا رُخْصَتُهُ أَفْضَلُ مِنْ عَزِيمَتِهِ، وَإِلَى مَا يُقْضَى فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَإِلَى مَا لَا يُقْضَى إلَّا فِي مِثْلِ وَقْتِهِ، وَإِلَى مَا يَقْبَلُ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ، وَإِلَى مَا يَتَعَذَّرُ وَقْتُ قَضَائِهِ مَعَ قَبُولِهِ لِلتَّأْخِيرِ، وَإِلَى مَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ مُتَرَاخِيًا، وَإِلَى مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِلَى مَا يَدْخُلُهُ الشَّرْطُ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَإِلَى مَا لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ عَلَى الشَّرْطِ، وَلِكُلِّ حُكْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ حِكْمَةٌ تَخْتَصُّ بِهِ: مِنْهَا مَا عَرَفْنَاهُ، وَمِنْهَا مَا جَهِلْنَاهُ كَمَا فِي الْأَوْقَاتِ وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالسَّجَدَاتِ وَالْقَعَدَاتِ، وَمَقَادِيرِ نُصُبِ الزَّكَاةِ وَمَقَادِيرِ الدِّيَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالزَّكَاةِ، وَتَعَيُّنِ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ
- رحمه الله، وَكَذَلِكَ تَعَيُّنُ لَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَاتِ وَتَقْدِيرِ الْحُدُودِ وَكَذَلِكَ الْعَدَدُ مَعَ الْقَطْعِ بِبَرَاءَةِ الْأَرْحَامِ.
وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ نِكَاحِ بَعْضِ الْأَقَارِبِ وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ، وَكَذَلِكَ حُضُورُ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَكَذَلِكَ تَوْقِيتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَتَعْيِينُ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ، وَكَذَلِكَ مَسْحُ الْخِفَافِ وَالْعَصَائِبِ وَالْعَمَائِمِ وَالْجَبَائِرِ فَإِنَّ الْحَدَثَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا.
وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ فَإِنَّ أَسْبَابَهُمَا لَا تُنَاسِبُهُمَا بَلْ هِيَ شَبِيهَةٌ بِالْأَوْقَاتِ، وَكَذَلِكَ إبْدَالُهُمَا بِالتَّيَمُّمِ بِالتُّرَابِ، وَكَذَلِكَ تَفَاوُتُ الْأَوْقَاتِ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ، وَكَذَلِكَ اعْتِبَارُ الْإِحْصَانِ فِي رَجْمِ الْمُحْصَنِينَ وَالْمُحْصَنَاتِ، وَكَذَلِكَ وُجُوبُ الْوُضُوءِ بِلَمْسِ النِّسَاءِ وَمَسِّ الْفُرُوجِ، وَكَذَلِكَ وُجُوبُ الْغُسْلِ مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ الْغُسْلُ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا لَا مَصَالِحَ فِيهَا ظَاهِرَةً وَلَا بَاطِنَةً سِوَى مَجْرَى الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالِامْتِثَالِ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ. فَأَمَّا الْأَدَاءُ فَمَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ شَرْعًا.
وَأَمَّا الْمُضَيَّقُ وَقْتُهُ فَمَا كَانَ فِيهِ بِمِقْدَارِ الْعَمَلِ كَالصِّيَامِ، فَإِنَّ وَقْتَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.
وَأَمَّا الْمُوَسَّعُ زَمَانُهُ فَكَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُقَدِّمَهَا فِي أَوَائِلِ أَوْقَاتِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يُوَسِّطَهَا، أَوْ يُؤَخِّرَهَا بِحَيْثُ يَقَعُ التَّحَلُّلُ مِنْهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ أَوْقَاتِهَا، وَأَذَانُ كُلِّ صَلَاةٍ مُؤَقَّتٌ بِوَقْتِهَا لَا يُقَدَّمُ عَلَى وَقْتِهَا إلَّا أَذَانَ الصُّبْحِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى وَقْتِهَا لِيَتَأَهَّبَ النَّاسُ بِالطَّهَارَاتِ وَقَضَاءِ الْحَاجَاتِ لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ وَقْتِهَا وَكَالْأُضْحِيَّةِ فِي وَقْتِهَا وَصَلَاةِ الضُّحَى.
وَأَمَّا الْمُخَيَّرُ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا مَا لَا تَلْزَمُهُ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ثَمَنِهِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ شِرَاءِ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: تَخَيُّرُ الْمُتَوَضِّئِ بَيْنَ الْمَرَّةِ وَالْمَرَّتَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَكَذَلِكَ التَّخَيُّرُ فِي غُسْلِ النَّجَاسَاتِ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: التَّخَيُّرُ بَيْنَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ بِالْأَحْجَارِ وَالْعَزِيمَةُ أَفْضَلُ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: التَّخَيُّرُ بَيْنَ تَقْدِيمِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَائِلِ الْأَوْقَاتِ وَبَيْنَ تَأْخِيرِهَا، وَتَقْدِيمُهَا أَفْضَلُ إلَّا لِانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ عَلَى قَوْلٍ، أَوْ لِتَيَقُّنِ وُجُودِ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، أَوْ لِلْإِبْرَادِ عَلَى الْمَذْهَبِ أَوْ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ عَلَى قَوْلٍ.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ: التَّخْيِيرُ فِي تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَمَاعَاتِ وَتَطْوِيلِهَا، وَتَخْفِيفُهَا أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يُؤْثَرَ التَّطْوِيلُ.
الْمِثَالُ السَّادِسُ: التَّخْيِيرُ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ فِيمَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالْعَزِيمَةُ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ.
الْمِثَالُ السَّابِعُ: التَّخَيُّرُ فِي الصَّلَوَاتِ فِي مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَمَا زَادَ وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ فِيمَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَذَلِكَ فِيمَا بَعْدَهَا عَلَى الْأَصَحِّ.
الْمِثَالُ الثَّامِنُ: التَّخَيُّرُ بَيْنَ جَمْعِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْأَسْفَارِ وَالْعَزِيمَةُ أَفْضَلُ إلَّا بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ فَإِنَّ جَمْعَ التَّقْدِيمِ بِعَرَفَةَ أَوْلَى، وَجَمْعَ التَّأْخِيرِ بِمُزْدَلِفَةَ أَفْضَلُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ وَعَلَيْهِ دَرَجَ النَّاسُ، وَكَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَسْفَارِهِ تَفْرِيقَ الصَّلَوَاتِ عَلَى أَوْقَاتِهَا.
الْمِثَالُ التَّاسِعُ: التَّخَيُّرُ فِي الْخُطَبِ بَيْنَ التَّطْوِيلِ وَالتَّقْصِيرِ، وَالتَّقْصِيرُ أَفْضَلُ.
الْمِثَالُ الْعَاشِرُ: يَتَخَيَّرُ الْمَعْذُورُ الَّذِي لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الظُّهْرِ، وَالْجُمُعَةُ أَفْضَلُ.
الْمِثَالُ الْحَادِيَ عَشَرَ: مَنْ عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْمُسِنَّةِ وَالتَّبِيعِ وَالْمُسِنَّةُ أَفْضَلُ.
الْمِثَالُ الثَّانِي عَشَرَ: مَنْ عِنْدَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ شَاةٍ وَبِنْتِ الْمَخَاضِ وَابْنِ لَبُونٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقٍّ وَحِقَّةٍ وَجَذَعٍ وَجَذَعَةٍ وَثَنِيٍّ وَثَنِيَّةٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ سِنٍّ مَعَ مَا فَوْقَهُ.
الْمِثَالُ الثَّالِثَ عَشَرَ: مَنْ عِنْدَهُ مِائَتَانِ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَرْبَعِ حِقَاقٍ وَخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ أَوْ تَلْزَمُهُ الْحِقَاقُ أَوْ يَخْتَارُ السَّاعِي الْأَصْلَحَ لِلْفُقَرَاءِ؟ فِيهِ خِلَافٌ.
الْمِثَالُ الرَّابِعَ عَشَرَ: التَّخَيُّرُ بَيْنَ إخْرَاجِ الْجَيِّدِ وَالْأَجْوَدِ فِي الزَّكَاةِ، وَالْأَجْوَدُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ إيثَارِ الْفُقَرَاءِ.
الْمِثَالُ الْخَامِسَ عَشَرَ: التَّخَيُّرُ فِي الْجُبْرَانِ بَيْنَ الشَّاتَيْنِ وَالْعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَأَنْفَعُهُمَا لِلْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ.
الْمِثَالُ السَّادِسَ عَشَرَ: التَّخَيُّرُ فِي الْجَبْرِ بَيْنَ السِّنِّ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى وَخَيْرُهُمَا لِلْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ.
الْمِثَالُ السَّابِعَ عَشَرَ: التَّخَيُّرُ بَيْنَ تَعْجِيلِ زَكَاةِ الضَّالِّ الْمَغْصُوبِ وَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، وَبَيْنَ التَّأْخِيرِ إلَى الْحُضُورِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ قَبْضِهِ وَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ إرْفَاقِ الْفُقَرَاءِ.
الْمِثَالُ الثَّامِنَ عَشَرَ: التَّخَيُّرُ فِي تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى أَحَدِ سَنَى وُجُوبِهَا.
الْمِثَالُ التَّاسِعَ عَشَرَ: التَّخَيُّرُ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَاتِ بَعْدَ وُجُوبِهَا وَبَيْنَ تَأْخِيرِهَا، وَتَقْدِيمُهَا أَفْضَلُ.
الْمِثَالُ الْعِشْرُونَ: يَتَخَيَّرُ الْمُعْتَكِفُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَفِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَفْضَلُ.
الْمِثَالُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: التَّخَيُّرُ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ وَالْإِبْهَامِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: التَّخَيُّرُ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ عَلَى الْقَدِيمِ، وَالرُّكُوبُ أَفْضَلُ عَلَى الْجَدِيدِ لِإِعَانَتِهِ عَلَى مَقَاصِدِ النُّسُكَيْنِ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: التَّخَيُّرُ بَيْنَ الصِّيَامِ بِعَرَفَةَ وَبَيْنَ الْإِفْطَارِ، وَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى أَذْكَارِ عَرَفَةَ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: التَّخَيُّرُ فِي التَّضْحِيَةِ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَسَبْعٍ مِنْ الْغَنَمِ، وَالْبَعِيرُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرِ، وَالْبَقَرُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ، وَسَبْعٌ مِنْ الْإِبِلِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعٍ مِنْ الْبَقَرِ: وَسَبْعٌ مِنْ الْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعٍ مِنْ الْغَنَمِ، وَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ أَفْضَلُ مِنْ الْبَدَنَةِ، وَلَا يَدُلُّ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ عَلَى التَّسَاوِي فِي الْمَصَالِحِ وَالْفَضَائِلِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ مِنْ تَقْدِيمِ الْجُمُعَةِ عَلَى الظُّهْرِ، وَتَقْدِيمِ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ، وَتَقْدِيمِ الْجَذَعَةِ عَلَى الشَّاةِ.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: بَدَلُ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمِثْلِ وَالطَّعَامِ وَالصِّيَامِ.
الْمِثَالُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: كَفَّارَةُ الْحَلْقِ فِي الْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ وَهِيَ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ النُّسُكِ وَالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ.
الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّحْرِيرِ
وَالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهَذِهِ كَفَّارَةٌ مُخَيِّرَةٌ مُرَتَّبَةٌ.
الْمِثَالُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: يُخَيَّرُ مَنْ ثَبَتَ لَهُ فَسْخُ عَقْدٍ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ وَفِعْلِهِ مَا هُوَ الْأَغْبَطُ لِلْمَفْسُوخِ عَلَيْهِ.
الْمِثَالُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: تَخَيُّرُ الشَّفِيعِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالْعَفْوِ، وَالْعَفْوُ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي نَادِمًا مَغْبُونًا.
الْمِثَالُ الثَّلَاثُونَ: تَخَيُّرُ الْوَلِيِّ الْمُجْبَرِ بَيْنَ الْأَكْفَاءِ الْمُتَسَاوِينَ.
الْمِثَالُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: تَخَيُّرُ الْمَرْأَةِ فِي تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ عِنْدَ اتِّحَادِ الدَّرَجَةِ، وَتَخْصِيصِ الْإِذْنِ: بِالْأَسَنِّ أَوْلَى وَأَفْضَلُ.
الْمِثَالُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: تَخَيُّرُ الرِّجَالِ فِي السَّفَرِ بِالنِّسَاءِ أَوْ الْإِقَامَةِ بِهِنَّ وَفِعْلُ الْأَرْفَقِ أَفْضَلُ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: تَخَيُّرُ الرِّجَالِ فِي تَعْيِينِ الْمَسَاكِنِ، وَتَعْيِينُ الْأَرْفَقِ بِالنِّسَاءِ أَفْضَلُ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: تَخَيُّرُ الرِّجَالِ بَيْنَ الْجِمَاعِ وَتَرْكِهِ، وَفِعْلُ الْأَصْلَحِ لِلزَّوْجَيْنِ أَفْضَلُ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ خُيِّرَ الرَّجُلُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَأُجْبِرَتْ الْمَرْأَةُ؟ قُلْنَا: لَوْ خُيِّرَتْ النِّسَاءُ لَعَجَزَ الرِّجَالُ عَنْ إجَابَتِهِنَّ إذْ لَا تُطَاوِعُهُمْ الْقُوَى عَلَى إجَابَتِهِنَّ، وَلَا يَتَأَتَّى لَهُمْ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ لِضَعْفِ الْقُوَى وَعَدَمِ الِاسْتِنْشَارِ وَالْمَرْأَةُ يُمْكِنُهَا التَّمَكُّنُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جَعَلَ الطَّلَاقَ بِيَدِ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ؟ قُلْنَا: لِوُفُورِ عُقُولِ
الرِّجَالِ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِمَا هُوَ الْأَصْلَحُ مِنْ الطَّلَاقِ وَالتَّلَاقِ وَالِاتِّصَالِ وَالِافْتِرَاقِ.
فَإِنْ قِيلَ لِمَ جَوَّزَ لِلرِّجَالِ الطَّلَاقَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ النِّسَاءِ وَأَذِيَّتِهِنَّ؟ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَكْرَهُ الْمَرْأَةَ وَيَسُوءُهَا لِسُوءِ أَخْلَاقِهَا أَوْ لِدَمَامَةِ خَلْقِهَا أَوْ لِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، فَلَوْ أُلْزِمَ بِإِمْسَاكِهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ الضَّرَرِ لَعَظُمَ الْإِضْرَارُ بِالرِّجَالِ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا شَرَعَ الطَّلَاقَ مَرَّةً وَاحِدَة كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ عَلَى النِّسَاءِ كَسْرُ الطَّلَاقِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ؟ قُلْنَا: لَوْ جَوَّزَ الشَّرْعُ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ لَعَظُمَ الْإِضْرَارُ بِالنِّسَاءِ، وَلَوْ قُصِرَ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لَتَضَرَّرَ الرِّجَالُ، فَإِنَّ النَّدَمَ يَلْحَقُ الْمُطَلِّقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ فَقُصِرَ الطَّلَاقُ عَلَى الثَّلَاثِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ قَدْ عُرِفَتْ فِي مَوَاطِنِ الشَّرِيعَةِ كَإِحْدَادِ النِّسَاءِ عَلَى الْمَوْتَى وَالتَّهَاجُرِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ فَضَّلَ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ بِتَحْذِيرِهِنَّ وَالْحُكْمِ عَلَيْهِنَّ وَالْإِلْزَامِ بِالسَّفَرِ وَالْمُقَامِ؟ وَفَضَّلَ النِّسَاءَ عَلَى الرِّجَالِ بِإِيجَابِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِسْكَانِ مَعَ اسْتِوَائِهِمْ فِي نَيْلِ الْمُرَادِ وَقَضَاءِ الْأَوْطَارِ، قُلْنَا: لَمَّا جَعَلَ لِلرِّجَالِ التَّحَكُّمَ عَلَيْهِنَّ فِي التَّحْذِيرِ وَالتَّسْفِيرِ وَالْإِلْزَامِ بِالتَّمْكِينِ، جَعَلَ لَهُنَّ ذَلِكَ جَبْرًا لِمَا جَعَلَ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَحْكَامِ الرِّجَالِ فِي الِانْفِصَالِ وَالِاتِّصَالِ وَلُزُومِ الْمَسَاكِنِ وَتَعْيِينِ الدِّيَارِ وَالْمَوَاطِنِ، فَأَوْجَبَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ إذْ لَا قُدْرَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْغَالِبِ عَلَى اكْتِسَابِ الْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ وَتَحْصِيلِ الْمَسَاكِنِ، وَمَاعُونِ الدَّارِ وَلَا يَلِيقُ بِالرِّجَالِ الْكَامِلَةُ أَدْيَانُهُمْ وَعُقُولُهُمْ أَنْ تَحْكُمَ عَلَيْهِمْ النِّسَاءُ لِنُقْصَانِ عُقُولِهِنَّ وَأَدْيَانِهِنَّ وَفِي ذَلِكَ كَسْرٌ لِنَخْوَةِ الرِّجَالِ مَعَ غَلَبَةِ الْمَفَاسِدِ فِيمَا يَحْكُمُ بِهِ النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ وَقَدْ قَالَ عليه السلام:«لَنْ يَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» .
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اُعْتُبِرَتْ الْمَسَاكِنُ بِحَالِ النِّسَاءِ وَالنَّفَقَاتُ والكسي بِحَالِ الرِّجَالِ قُلْنَا: الْمَرْأَةُ تَتَعَيَّرُ بِالْمَسْكَنِ الْخَسِيسِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ حَالَهَا لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَوْلِيَائِهَا وَأَعْدَائِهَا، بِخِلَافِ الْكِسْوَةِ وَالطَّعَامِ فَإِنَّهُمَا لَا يُشَاهَدَانِ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ فَكَانَ تَضَرُّرُهَا بِالْمَسْكَنِ الْخَسِيسِ أَعْظَمَ مِنْ تَضَرُّرِهَا بِأَكْلِ الرَّدِيءِ وَلُبْسِ الْخَسِيسِ.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: مِنْ أَمْثِلَةِ التَّخَيُّرِ: إذَا زَادَ الْعَدُوُّ عَلَى ضِعْفِ الْمُسْلِمِينَ فَالْغُزَاةُ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالِانْهِزَامِ إذَا لَمْ يُخْشَ الِاصْطِلَامُ. الْمِثَالُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: تَخَيُّرُ الْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ بَيْنَ جَلْبِ الْمَصَالِحِ الْمُتَسَاوِيَةِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ الْمُتَسَاوِيَةِ، وَكَذَلِكَ تَخَيُّرُ الْآحَادِ عِنْدَ تَمَاثُلِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ.
وَأَمَّا الْمُرَتَّبُ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا تَرْتِيبُ التَّيَمُّمِ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: تَرْتِيبُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْجِمَاعِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ، وَالصَّوْمُ فِيهَا مُرَتَّبٌ عَلَى التَّحْرِيرِ، وَالْإِطْعَامُ مُرَتَّبٌ عَلَى الصِّيَامِ وَكَذَلِكَ كَفَّارَةُ الْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ الْبَقَرَةُ بَعْدَ الْبَدَنَةِ، وَالشَّاةُ بَعْدَ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ الطَّعَامُ وَالصِّيَامُ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: كَفَّارَةُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَالصَّوْمُ فِيهَا مُرَتَّبٌ عَلَى النُّسُكِ الْمِثَالُ الرَّابِعُ: تَرْتِيبُ السَّعْيِ عَلَى الطَّوَافِ فِي النُّسُكَيْنِ.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ: تَرْتِيبُ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمِثَالُ السَّادِسُ: تَرْتِيبُ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى التَّحَلُّلِ مِنْ الصَّلَوَاتِ.
الْمِثَالُ السَّابِعُ: تَرْتِيبُ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَفِي تَرْتِيبِ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ
خِلَافٌ.
وَأَمَّا مَا يَقْبَلُ التَّقْدِيمَ وَلَا يَقْبَلُ التَّأْخِيرَ فَصَلَاةُ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، فَإِنَّ الْعَصْرَ يَقْبَلُ التَّقْدِيمَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ، وَالْعِشَاءَ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَلَا يَقْبَلَانِ التَّأْخِيرَ عَنْ وَقْتِهِمَا.
وَأَمَّا مَا يَقْبَلُ التَّأْخِيرَ وَلَا يَقْبَلُ التَّقْدِيمَ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا الظُّهْرُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى وَقْتِهَا، وَيَقْبَلُ التَّأْخِيرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: الْمَغْرِبُ لَا تَقْبَلُ التَّقْدِيمَ عَلَى وَقْتِهَا وَتَقْبَلُ التَّأْخِيرَ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: الصَّوْمُ لَا يَقْبَلُ التَّقْدِيمَ عَلَى وَقْتِهِ، وَيَقْبَلُ التَّأْخِيرَ إلَى الْأَوْقَاتِ الْقَابِلَةِ لِلصِّيَامِ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ قَبْلَ الصَّلَاةِ تَقْبَلُ التَّأْخِيرَ وَلَا تَقْبَلُ التَّقْدِيمَ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ: السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ لَا تَقْبَلُ التَّقْدِيمَ عَلَى التَّقْدِيمِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَتَقْبَلُ التَّأْخِيرَ.
وَأَمَّا مَا لَا يَقْبَلُ التَّقْدِيمَ وَلَا التَّأْخِيرَ فَكَصَلَاةِ الصُّبْحِ لَا تَقْبَلُ التَّقْدِيمَ عَلَى وَقْتِهَا وَلَا التَّأْخِيرَ عَنْهُ بَلْ تَقْبَلُ الْقَضَاءَ.
وَأَمَّا مَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ فَكَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَكَزَكَاةِ الْأَنْعَامِ وَالنَّقْدَيْنِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ.
وَكَذَلِكَ زَكَاةُ الْمُعَشَّرَاتِ وَكَذَلِكَ زَكَاةُ الرِّكَازِ عِنْدَ وِجْدَانِهِ وَفِي زَكَاةِ الْمَعَادِنِ خِلَافٌ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بَيْنَ الْخُصُومِ وَيَجِبُ سُلُوكُ أَقْرَبِ الطُّرُقِ فِيهِ دَفْعًا لِعِظَمِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْفَوْرِ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ بَيَانُ أَحْكَامِ الشَّرْعِ عَلَى الْمُفْتِي عَلَى
الْفَوْرِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الْعُقُوبَاتُ كُلُّهَا شُرِعَتْ عَلَى الْفَوْرِ تَحْصِيلًا لِمَصَالِحِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ فَإِنَّهَا لَوْ أُخِّرَتْ لَمْ يُؤْمَنْ مِنْ مُلَابَسَةِ جَرَائِمِهَا.
فَمِنْ ذَلِكَ قِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ وَضَرْبُ الصِّبْيَانِ وَقَتْلُ الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ دَفْعًا لِمَفَاسِدِ الصِّيَالِ إذَا لَمْ يَنْدَفِعُوا إلَّا بِالْقَتْلِ.
وَكَذَلِكَ حَدُّ الْحَنَفِيِّ عَلَى شُرْبِ النَّبِيذِ وَدَفْعُ الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ عَلَى الزِّنَا وَالْقَتْلِ وَالْعُقُوبَاتِ وَلَوْ بِالْقَتْلِ، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْحُدُودُ قُدِّمَ أَخَفُّهَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى اسْتِيفَائِهَا عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّ الْأَشَقَّ لَوْ قُدِّمَ طَالَ الِانْتِظَارُ إلَى الْبُرْءِ، وَإِذَا قُدِّمَ الْأَخَفُّ لَمْ يَطُلْ وَلِأَنَّ حِفْظَ مَحَلِّ الْحُقُوقِ وَاجِبٌ، فَلَوْ قُدِّمَ الْأَشَقُّ لَكَانَ تَغْرِيرًا بِضَيَاعِ مَحَلِّ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِالنَّهْيِ زَوَالُ الْمَفْسَدَةِ، فَلَوْ أُخِّرَ النَّهْيُ عَنْهَا لَتَحَقَّقَتْ الْمَفْسَدَةُ وَالْمَعْصِيَةُ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ كَيْ لَا تَتَأَخَّرَ مَصْلَحَتُهُ عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ إنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا سَدُّ الْخُلَّاتِ وَدَفْعُ الْحَاجَاتِ وَالضَّرُورَاتِ وَهِيَ مُحَقَّقَةٌ عَلَى الْفَوْرِ.
وَفِي تَأْخِيرِهَا إضْرَارٌ بِالْمُسْتَحَقِّينَ مَعَ أَنَّ الْفُقَرَاءَ تَتَعَلَّقُ أَطْمَاعُهُمْ بِهَا وَيَتَشَوَّفُونَ إلَيْهَا فَهُمْ طَالِبُونَ لَهَا بِلِسَانِ الْحَالِ دُونَ لِسَانِ الْمَقَالِ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ الَّتِي لَا شُعُورَ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَشَوَّفُونَ إلَى مَا لَا شُعُورَ لَهُمْ بِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى الْمُكَلَّفِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى أَدَائِهِ مَعَ عِلْمِ صَاحِبِهِ بِهِ وَلَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ إلَّا إذَا طَلَبَهُ بِلِسَانِ الْمَقَالِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ قَرَائِنُ تُشْعِرُ بِالطَّلَبِ بِلِسَانِ الْحَالِ فَفِي وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ تَرَدُّدٌ وَاحْتِمَالٌ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْحُكْمُ بَيْنَ الْخُصُومِ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ ظَالِمٌ مُبْطِلٌ وَظُلْمُهُ مَفْسَدَةٌ، وَلَوْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ لَتَحَقَّقَتْ الْمَفْسَدَةُ.
وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَدَاءُ
الشَّهَادَةِ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَلِكَ الْفُتْيَا عِنْدَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ عَنْ الْمُسْتَفْتِي. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سُئِلَ عَمَّا مَسَّتْهُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ بَادَرَ بِالْجَوَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ صَبَرَ حَتَّى يَنْزِلَ الْوَحْيُ بِجَوَابِ الْوَاقِعَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُفْتُونَ بَعْدَهُ إذَا سُئِلُوا عَمَّا لَا يَعْلَمُونَ صَبَرُوا حَتَّى يَجْتَهِدُوا فِي حُكْمِ الْوَاقِعَةِ، فَإِنْ كَانَ الْجَوَابُ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ فَالِاجْتِهَادُ فِي مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ وَاجِبٌ وَكُلُّ وَاجِبٍ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ إذَا ضَاقَ وَقْتُهُ، وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَمْدًا فَفِي وُجُوبِ قَضَائِهَا عَلَى الْفَوْرِ خِلَافٌ لِأَنَّ وَقْتَهَا لَمَّا ضَاقَ صَارَتْ عَلَى الْفَوْرِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ أَفْسَدَ الْحَجَّ وَجَبَ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ صَارَ عَلَى الْفَوْرِ لَمَّا أَحْرَمَ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ هَلَّا وَجَبَ الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ؟ قُلْنَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ مِنْهُ ثَوَابُ الْآخِرَةِ وَهُوَ مُتَرَاخٍ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا دَفْعُ الْحَاجَاتِ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ عَلَى الْفَوْرِ.
وَأَمَّا مَا يَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي فَكَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ وَالنُّذُورِ الْمُطْلَقَةِ، وَالْكَفَّارَاتِ.
وَأَمَّا مَا يَقْبَلُ التَّدَاخُلَ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا الْعُمْرَةُ تَدْخُلُ فِي الْحَجِّ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: فِي الْوُضُوءِ إذَا تَعَدَّدَ أَسْبَابُهُ أَوْ تَكَرَّرَ السَّبَبُ الْوَاحِدُ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: الْغُسْلُ إذَا تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهُ أَوْ تَكَرَّرَ السَّبَبُ الْوَاحِدُ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: سُجُودُ السَّهْوِ يَتَدَاخَلُ مَعَ تَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ، وَلَا تَدَاخُلَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ لِأَنَّهُ غَرَامَةٌ مُتْلِفَةٌ.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ: الْحُدُودُ الْمُتَدَاخِلَةُ الْمُتَمَاثِلَةُ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ أَسْبَابِهَا حَدٌّ وَكَذَلِكَ الْعَدَدُ إذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ.
وَأَمَّا مَا لَا يَقْبَلُ التَّدَاخُلَ كَالصَّلَوَاتِ، وَالزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ، وَدُيُونِ
الْعِبَادِ وَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، فَلَا يَتَدَاخَلُ فِيهَا، فَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ أَوْ أَدْخَلَ حَجًّا عَلَى حَجٍّ أَوْ عُمْرَةً عَلَى عُمْرَةٍ، أَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَنْ ظُهْرَيْنِ انْعَقَدَ لَهُ حَجٌّ وَاحِدٌ وَعُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ جَامَعَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ ثَلَاثُونَ كَفَّارَةً لِتَعَدُّدِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْجِنَايَاتُ، وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي ذَلِكَ فَأَوْجَبَ كَفَّارَةً وَاحِدَةً، وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَيْنِ فَفِيهِ فِي التَّدَاخُلِ رِوَايَتَانِ.
وَأَمَّا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكَالْكَفَّارَاتِ، وَدُخُولِ الْوُضُوءِ فِي الْغُسْلِ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا تَدَاخُلَ فِي الْكَفَّارَاتِ لِأَنَّ التَّدَاخُلَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ تَعَدُّدُ الْأَحْكَامِ بِتَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ، وَأَوْلَى الْوَاجِبَاتِ بِالتَّدَاخُلِ الْحُدُودُ لِأَنَّهَا أَسْبَابٌ مُهْلِكَةٌ وَالزَّجْرُ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدِ مِنْهَا، أَلَا تَرَى إيلَاجُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ مُوجِبَةٌ لِلْحَدِّ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْحَدُّ بِالْإِيلَاجَاتِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ الْإِيلَاجَةِ الْأُولَى لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ حُدُودٌ مُتَعَدِّدَةٌ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ كَرَّرْتُمْ الْحَدَّ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ؟ وَالْقَطْعُ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ السَّرِقَتَيْنِ؟ قُلْنَا لَمَّا عَلِمْنَا أَنَّ الْحَدَّ الْأَوَّلَ يَزْجُرُهُ حِينَ أَقْدَمَ عَلَى الْجَرِيمَةِ ثَانِيًا، جَدَّدْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ إصْلَاحًا لَهُ بِالزَّجْرِ وَفِطَامًا لَهُ عَنْ الْمُعَاوَدَةِ، إذْ لَا يُمْكِنُ إهْمَالُهُ بِغَيْرِ زَاجِرٍ فَإِنَّ إهْمَالَهُ مُؤَدٍّ إلَى تَكْثِيرِ جَرَائِمَ وَتَفْوِيتِ مَصْلَحَةِ الزَّجْرِ.
وَأَمَّا دُخُولُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْعِبَادَاتِ فَيَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى حَدِّ وُرُودِهِ، وَشَرْطُ التَّدَاخُلِ التَّمَاثُلُ: فَلَا يَدْخُلُ جَلْدٌ فِي قَطْعٍ وَلَا رَجْمٍ، وَقَدْ يَقَعُ التَّدَاخُلُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَذَلِكَ فِي الْعِدَدِ إذَا كَانَتْ الْعِدَّتَانِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَا شَخْصَيْنِ فَفِي التَّدَاخُلِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.
وَكَذَلِكَ تَدْخُلُ دِيَاتُ الْأَطْرَافِ فِي دِيَةِ النَّفْسِ إذَا فَاتَتْ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ قَدْ صَارَتْ قَتْلًا، وَلَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ لَزِمَهُ دِيَةٌ لِنَفْسِهِ وَوَجَبَتْ دِيَةُ الْأَطْرَافِ عَلَى قَاطِعِهَا، وَلَوْ قَتَلَهُ قَاطِعُ الْأَطْرَافِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى التَّدَاخُلِ وَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ السِّرَايَةَ قَدْ
انْقَطَعَتْ بِالْقَتْلِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ انْقَطَعَتْ بِالِانْدِمَالِ، وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ شُرَيْحٍ الشَّافِعِيَّ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ مُتَّجَهٌ.
وَأَمَّا مَا عَزِيمَتُهُ أَفْضَلُ مِنْ رُخْصَتِهِ فَكَالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ بِالْأَحْجَارِ.
وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ أَفْضَلُ مِنْهَا بِطَهَارَةِ التُّرَابِ.
وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالطَّوَافِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ أَفْضَلُ مِنْهَا بِطَهَارَةِ التُّرَابِ.
وَكَذَلِكَ صَوْمُ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ التَّرَخُّصِ بِتَأْخِيرِهِ.
وَأَمَّا مَا رُخْصَتُهُ أَفْضَلُ مِنْ عَزِيمَتِهِ فَكَقَصْرِ الصَّلَاةِ فِي مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ نَقَصَ عَنْهَا كَانَتْ الْعَزِيمَةُ أَفْضَلَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ أَطْلَقَ بَعْضُ أَكَابِرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ حَيْثُ وَقَعَ أَفْضَلُ مِنْ التَّوَرُّطِ فِيهِ وَلَيْسَ كَمَا أُطْلِقَ، بَلْ الْخِلَافُ عَلَى أَقْسَامٍ.
الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي التَّحْرِيمِ وَالْجَوَازِ فَالْخُرُوجُ مِنْ الِاخْتِلَافِ بِالِاجْتِنَابِ أَفْضَلُ.
الْقِسْمِ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْإِيجَابِ فَالْفِعْلُ أَفْضَلُ كَقِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَكَذَلِكَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَاتِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَرَاهُ مِنْ السُّنَنِ، وَكَذَلِكَ مَالِكٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ سُنَّةٌ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّةِ الْأَحَادِيثِ وَكَثْرَتِهَا فِيهِ.
وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْكُسُوفِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهَا سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَاهَا وَالسُّنَّةُ أَنْ يَفْعَلَ مَا خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَمْثَالِهِ.
وَكَذَلِكَ الْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلَا يَتْرُكُ الْمَشْيَ أَمَامَهَا لِاخْتِلَافِهِمْ وَالضَّابِطُ فِي هَذَا أَنَّ مَأْخَذَ الْمُخَالِفِ إنْ كَانَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالْبُعْدِ مِنْ الصَّوَابِ فَلَا نَظَرَ إلَيْهِ وَلَا الْتِفَاتَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ نَصُّهُ دَلِيلًا شَرْعًا، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مَأْخَذُهُ مِمَّا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِمِثْلِهِ.
وَإِنْ تَقَارَبَتْ الْأَدِلَّةُ فِي سَائِرِ الْخِلَافِ بِحَيْثُ لَا يَبْعُدُ قَوْلُ الْمُخَالِفِ كُلَّ الْبَعْدِ فَهَذَا مِمَّا يُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ حَذَرًا مِنْ كَوْنِ الصَّوَابِ مَعَ الْخَصْمِ وَالشَّرْعُ يَحْتَاطُ لِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ، كَمَا يَحْتَاطُ لِتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ.
وَأَمَّا الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إنَّهُ رُخْصَةٌ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْإِبْرَادَ سُنَّةٌ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إلَى الصَّلَاةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَأَمَّا مَا يُقْضَى فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتٍ فَكَالضَّحَايَا وَالْهَدَايَا الْمَنْذُورَاتِ.
وَأَمَّا مَا لَا يُقْضَى إلَّا فِي مِثْلِ وَقْتِهِ فَهُوَ كَالْحَجِّ.
وَأَمَّا مَا يَقْبَلُ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ فَكَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.
وَأَمَّا مَا يَقْبَلُ الْأَدَاءَ وَلَا يَقْبَلُ الْقَضَاءَ فَكَالْعُمْرَةِ وَالْجُمُعَاتِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرَّوَاتِبَ وَالْأَعْيَادَ قَابِلَةٌ لِلْقَضَاءِ، وَلَوْ فَاتَ الْقَارِنَ الْحَجُّ فَهَلْ يُحْكَمُ بِفَوَاتِ الْعُمْرَةِ تَبَعًا لِلْحَجِّ؟ فِيهِ خِلَافٌ.
وَأَمَّا مَا لَا يُوصَفُ بِقَضَاءٍ وَلَا أَدَاءٍ مِنْ النَّوَافِلِ الْمُبْتَدَآت الَّتِي لَا أَسْبَابَ لَهَا كَالصِّيَامِ، وَالصَّلَاةِ الَّتِي لَا أَسْبَابَ لَهَا وَلَا أَوْقَاتَ، وَكَذَا الْجِهَادُ لَا يُتَصَوَّرُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَضْرُوبٌ يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ وَالْفُتْيَا لَا يُوصَفَانِ بِقَضَاءٍ وَلَا أَدَاءً، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَكَذَلِكَ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ الْأَذْكَارُ الْمَشْرُوعَاتُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا مَا يَتَقَدَّرُ وَقْتُ قَضَائِهِ مَعَ قَبُولِهِ لِلتَّأْخِيرِ، فَكَصَوْمِ رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى دُخُولِ رَمَضَانَ ثَانٍ، مَعَ جَوَازِ قَضَائِهِ مَعَ رَمَضَانَ آخَرَ.
أَمَّا مَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ مُتَرَاخِيًا فَكَصَلَاةِ النَّائِمِ وَالنَّاسِي.
وَأَمَّا مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ، فَكَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إذَا فَسَدَا أَوْ فَاتَتَا.
وَأَمَّا مَا يَدْخُلُهُ الشَّرْطُ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَالنَّذْرُ قَابِلٌ لِلتَّعْلِيقِ عَلَى الشَّرَائِطِ
مَعَ اخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الْمَنْذُورَاتِ وَلَوْ شَرَطَ الْمُحْرِمُ التَّحَلُّلَ بِالْمَرَضِ أَوْ لِأَمْرٍ مُهِمٍّ فَفِي صِحَّةِ الشَّرْطِ خِلَافٌ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الِاعْتِكَافِ وَالْخُرُوجُ مِنْهُ بِكُلِّ عَرَضٍ مُعْتَبَرٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ، وَلَوْ شَرَعَ فِي صَوْمٍ مَنْذُورٍ بِنِيَّةِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ لِعَرَضٍ صَحِيحٍ لَا يُبِيحُ مِثْلُهُ الْإِفْطَارَ جَازَ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ وَيَقْضِيَهُ.
وَأَمَّا مَا لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ عَلَى الشَّرْطِ فَكَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ الْوَاجِبَيْنِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَمِنْ الطَّاعَاتِ مَا يُعْتَبَرُ بِوَقْتِ فِعْلِهِ لَا بِوَقْتِ وُجُوبِهِ فَكَطَهَارَةِ الصَّلَاةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالتَّسَتُّرِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِتْمَامِ أَرْكَانِهَا كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِوَقْتِ فِعْلِهَا لَا بِوَقْتِ وُجُوبِهَا، فَإِذَا قَدَرَ فِي وَقْتِ وُجُوبِهَا عَلَى إكْمَالِهَا بِأَرْكَانِهَا وَشُرُوطِهَا أَوْ طَهَارَتِهَا ثُمَّ عَجَزَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا نَاقِصَةً وَتُجْزِئُهُ، وَكَذَلِكَ الْعَدَالَةُ تُعْتَبَرُ بِوَقْتِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا بِوَقْتِ تَحَمُّلِهَا، وَمِنْ الطَّاعَاتِ مَا يُعْتَبَرُ بِوَقْتِ وُجُوبِهِ كَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فِي الْحَضَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ، وَكَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِكْرًا ثُمَّ صَارَ مُحْصَنًا فَإِنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الْأَبْكَارِ وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ مُحْصَنٌ ثُمَّ صَارَ رَقِيقًا فَإِنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الْإِحْصَانِ.
وَكَذَلِكَ الْقِصَاصُ يُعْتَبَرُ التَّكَافُؤُ فِيهِ بِوَقْتِ وُجُوبِهِ دُونَ وَقْتِ اسْتِيفَائِهِ. وَمِنْ الطَّاعَاتِ مَا اُخْتُلِفَ فِي اعْتِبَارِهِ بِوَقْتِ وُجُوبِهِ أَوْ بِوَقْتِ أَدَائِهِ كَالْكَفَّارَاتِ وَكَفَائِتَةِ السَّفَرِ إذَا قَضَاهَا فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ.