الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خُيُولِهِمْ وَإِبِلِهِمْ، إذَا كَانَتْ تَحْتَهُمْ فِي حَالِ الْقِتَالِ.
وَكَذَلِكَ قَتْلُ أَطْفَالِهِمْ إذَا تَتَرَّسُوا بِهِمْ، لِأَنَّهُ أَشَدُّ إخْزَاءً لَهُمْ مِنْ تَحْرِيقِ دِيَارِهِمْ وَقَطْعِ أَشْجَارِهِمْ.
[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَفَاسِدِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمَصَالِحِ]
إذَا اجْتَمَعَتْ الْمَفَاسِدُ الْمَحْضَةُ فَإِنْ أَمْكَنَ دَرْؤُهَا دَرَأْنَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ دَرْءُ الْجَمِيعِ دَرَأْنَا الْأَفْسَدَ فَالْأَفْسَدَ وَالْأَرْذَلَ فَالْأَرْذَلَ، فَإِنْ تَسَاوَتْ فَقَدْ يَتَوَقَّفُ وَقَدْ يَتَخَيَّرُ وَقَدْ يَخْتَلِفُ فِي التَّسَاوِي وَالتَّفَاوُتِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَفَاسِدِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَلِاجْتِمَاعِ الْمَفَاسِدِ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يُكْرَهَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِحَيْثُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ قُتِلَ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدْرَأَ مَفْسَدَةَ الْقَتْلِ بِالصَّبْرِ عَلَى الْقَتْلِ، لِأَنَّ صَبْرَهُ عَلَى الْقَتْلِ أَقَلُّ مَفْسَدَةً مِنْ إقْدَامِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى دَفْعِ الْمَكْرُوهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ لَزِمَهُ ذَلِكَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى دَرْءِ الْمَفْسَدَةِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ دَرْءُ الْقَتْلِ بِالصَّبْرِ لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ الْقَتْلِ وَاخْتِلَافِهِمْ فِي الِاسْتِسْلَامِ لِلْقَتْلِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُ دَرْءِ الْمَفْسَدَةِ لِلْجَمْعِ عَلَى وُجُوبِ دَرْئِهَا، عَلَى دَرْءِ الْمَفْسَدَةِ الْمُخْتَلَفِ فِي وُجُوبِ دَرْئِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا وَاللِّوَاطِ فَإِنَّ الصَّبْرَ مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِهِ وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى شَهَادَةِ زُورٍ أَوْ عَلَى حُكْمٍ بِبَاطِلٍ فَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِهِ أَوْ الْحُكْمِ بِهِ قَتْلًا أَوْ قَطْعَ عُضْوٍ وَإِحْلَالَ بِضْعٍ مُحَرَّمٍ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ وَلَا الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِسْلَامَ لِلْقَتْلِ أَوْلَى مِنْ التَّسَبُّبِ إلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ ذَنْبٍ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ بِغَيْرِ جُرْمٍ، أَوْ إتْيَانِ بِضْعٍ مُحَرَّمٍ وَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ أَوْ الْحُكْمُ بِمَالٍ لَزِمَهُ إتْلَافُهُ بِالشَّهَادَةِ أَوْ بِالْحُكْمِ حِفْظًا لِمُهْجَتِهِ كَمَا يَلْزَمُ حِفْظُهُمَا بِأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ غُصَّ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَسِيغُ بِهِ الْغُصَّةَ سِوَى الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْحَيَاةِ أَعْظَمُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْ رِعَايَةِ الْمُحَرَّمَاتِ الْمَذْكُورَاتِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: إذَا اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ أَكَلَهُ، لِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِ الْغَيْرِ أَخَفُّ مِنْ حُرْمَةِ النَّفْسِ، وَفَوَاتَ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ بِبَدَلٍ، وَهَذَا مِنْ قَاعِدَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ إحْدَى الْمَصْلَحَتَيْنِ وَبَذْلِ الْمَصْلَحَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا إذَا وَجَدَ عَادِمُ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ أَوْ الْخُبْثِ، فَإِنَّهُ يُطَهِّرُ بِهِ الْخُبْثَ وَيَتَيَمَّمُ عَنْ الْحَدَثِ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: إذَا وَجَدَ الْمُحْرِمُ مَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ أَوْ لِغَسْلِ الطِّيبِ الْعَالِقِ بِهِ، فَإِنَّهُ يَغْسِلُ بِهِ الطِّيبَ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ التَّنَزُّهِ مِنْهُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، وَيَتَيَمَّمُ عَنْ الْحَدَثِ، تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ بَدَلِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ، وَلَوْ عَكَسَ لَفَاتَتْ إحْدَى الْمَصْلَحَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: إذَا عَتَقَ بَعْضَ عَبْدٍ سَرَى الْعِتْقُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ تَكْمِيلِ الْعِتْقِ، وَتَجِبُ الْقِيمَةُ تَحْصِيلًا لِبَدَلِ مِلْكِ شَرِيكِهِ.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ: إذَا عَتَقَ الْوَاقِفُ أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْنَا لَا مِلْكَ لَهُ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ، وَإِنْ مَلَكْنَاهُ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ هُوَ الْوَاقِفُ كَانَ إعْتَاقُهُ كَإِعْتَاقِ الرَّاهِنِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ هُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ نَفَذَ إعْتَاقُهُ عَلَى الْأَصَحِّ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ تَكْمِيلِ الْعِتْقِ، وَيَلْزَمُ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لِيَشْتَرِيَ بِهَا مَا يُوقَفُ بَدَلُهُ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ بَدَلِ الْوَقْفِ، فَكَانَ تَحْصِيلُ إحْدَى الْمَصْلَحَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَعَ بَدَلِ الْأُخْرَى، أَوْلَى مِنْ تَحْصِيلِ إحْدَى الْمَصْلَحَتَيْنِ وَتَعْطِيلِ بَدَلِ الْأُخْرَى.
وَكَذَلِكَ لَوْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ النَّجَاسَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَكْلُهَا، لِأَنَّ مَفْسَدَةَ فَوَاتِ النَّفْسِ وَالْأَعْضَاءِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ أَكْلِ النَّجَاسَاتِ.
الْمِثَالُ السَّادِسُ: إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ إنْسَانًا مَيِّتًا أَكَلَ لَحْمَهُ لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ فِي أَكْلِ لَحْمِ مَيِّتِ الْإِنْسَانِ، أَقَلُّ مِنْ الْمَفْسَدَةِ فِي فَوْتِ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ.
الْمِثَالُ السَّابِعُ: لَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَنْ يَحِلُّ قَتْلُهُ كَالْحَرْبِيِّ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ الَّذِي تَحَتَّمَ قَتْلُهُ وَاللَّائِطِ وَالْمُصِرِّ، عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، جَازَ لَهُ ذَبْحُهُمْ وَأَكْلُهُمْ إذًا لَا حُرْمَةَ لِحَيَاتِهِمْ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةُ الْإِزَالَةِ، فَكَانَتْ الْمَفْسَدَةُ فِي زَوَالِهَا أَقَلَّ مِنْ الْمَفْسَدَةِ فِي فَوَاتِ حَيَاةِ الْمَعْصُومِ، وَلَك أَنْ تَقُولَ فِي هَذَا وَمَا شَابَهَهُ جَازَ ذَلِكَ تَحَصُّلًا لِأَعْلَى الْمَصْلَحَتَيْنِ أَوْ دَفْعًا لِأَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ. فَتَقُولُ: جَازَ التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَاتِ إذَا لَمْ يَجِدْ طَاهِرًا يَقُومُ مَقَامَهَا، لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْعَافِيَةِ وَالسَّلَامَةِ أَكْمَلُ مِنْ مَصْلَحَةِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ، وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ الشِّفَاءَ يَحْصُلُ بِهَا، وَلَمْ يَجِدْ دَوَاءً غَيْرَهَا، وَمِثْلُهُ قَطْعُ السِّلْعَةِ الَّتِي يَخْشَى عَلَى النَّفْسِ مِنْ بَقَائِهَا.
فَإِنْ قِيلَ. قَدْ أَجَزْتُمْ قَلْعَ الضِّرْسِ إذَا اشْتَدَّ أَلَمُهُ وَلَمْ تُجَوِّزُوا قَطْعَ الْعُضْوِ إذَا اشْتَدَّ أَلَمُهُ؟ قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَطْعَ الْعُضْوِ مُفَوِّتٌ لِأَصْلِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَقَلْعَ الضِّرْسِ مُفَوِّتٌ لِتَكْمِيلِ الِانْتِفَاعِ فَإِنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْأَضْرَاسِ وَالْأَسْنَانِ يَقُومُ مَقَامَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ قَلْعَ الضِّرْسِ لَا سِرَايَةَ لَهُ إلَى الرُّوحِ بِخِلَافِ قَطْعِ الْعُضْوِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ الْتَزَمَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ إدْخَالَ الضَّيْمِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِعْطَاءَ الدَّنِيَّةِ فِي الدِّينِ؟ قُلْنَا: الْتَزَمَ ذَلِكَ دَفْعًا لِمَفَاسِدَ عَظِيمَةٍ وَهِيَ قَتْلُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الَّذِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ لَا يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ وَفِي قَتْلِهِمْ مَعَرَّةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَاقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ إيقَاعَ الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ إلَى الْكُفَّارِ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ إلَى الْمُؤْمِنِينَ وَذَلِكَ أَهْوَنُ مِنْ قَتْلِ الْمُؤْمِنِينَ الْخَامِلِينَ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ عَلِمَ أَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْقِتَالِ مَصْلَحَةً عَظِيمَةً وَهِيَ إسْلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْكَافِرِينَ وَكَذَلِكَ قَالَ: {لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [الفتح: 25] أَيْ فِي مِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ رَحْمَتِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا} [الفتح: 25] أَيْ لَوْ تَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ وَتَمَيَّزَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا.
وَلِتَسَاوِي الْمَفَاسِدِ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا إذَا وَقَعَ رَجُلٌ عَلَى طِفْلٍ مِنْ بَيْنِ الْأَطْفَالِ إنْ أَقَامَ عَلَى أَحَدِهِمْ قَتَلَهُ، وَإِنْ انْفَتَلَ إلَى آخَرَ مِنْ جِيرَانِهِ قَتَلَهُ، فَقَدْ قِيلَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْأَصْلِ فِي انْتِفَاءِ الشَّرَائِعِ قَبْلَ نُزُولِهَا وَلَمْ تَرِدْ الشَّرِيعَةُ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَفْسَدَتَيْنِ، فَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُسْلِمًا وَبَعْضُهُمْ كَافِرًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِانْفِتَالُ إلَى الْكَافِرِ، لِأَنَّ قَتْلَهُ أَخَفُّ مَفْسَدَةً مِنْ قَتْلِ الطِّفْلِ الْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ؟ فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ لِأَنَّا نُجَوِّزُ قَتْلَ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ عِنْدَ التَّتَرُّسِ بِهِمْ حَيْثُ لَا يَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: إذَا اغْتَلَمَ الْبَحْرُ بِحَيْثُ عَلِمَ رُكْبَانُ السَّفِينَةِ أَنَّهُمْ لَا يَخْلُصُونَ إلَّا بِتَغْرِيقِ شَطْرِ الرُّكْبَانِ لِتَخِفَّ بِهِمْ السَّفِينَةُ، فَلَا يَجُوزُ إلْقَاءُ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي الْبَحْرِ بِقُرْعَةٍ وَلَا بِغَيْرِ قُرْعَةٍ، لِأَنَّهُمْ مُسْتَوُونَ فِي الْعِصْمَةِ، وَقَتْلُ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ مُحَرَّمٌ، وَلَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ مَالٌ أَوْ حَيَوَانٌ مُحْتَرَمٌ لَوَجَبَ إلْقَاءُ الْمَالِ ثُمَّ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ. لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ فِي فَوَاتِ الْأَمْوَالِ وَالْحَيَوَانَاتِ الْمُحْتَرَمَةِ أَخَفُّ مِنْ الْمَفْسَدَةِ فِي فَوَاتِ أَرْوَاحِ النَّاسِ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: إذَا أُكْرِهَ إنْسَانٌ عَلَى إفْسَادِ دِرْهَمٍ مِنْ دِرْهَمَيْنِ لِرَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ تَخَيَّرَ فِي إفْسَادِ أَيِّهِمَا شَاءَ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: لَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى إتْلَافِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ مِنْ حَيَوَانَيْنِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ قَدَحِ خَمْرٍ مِنْ قَدَحَيْنِ تَخَيَّرَ أَيْضًا.
الْمِثَالُ السَّادِسُ: لَوْ وَجَدَ حَرْبِيِّينَ فِي الْمَخْمَصَةِ فَإِنْ تَسَاوَيَا تَخَيَّرَ فِي أَكْلِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ، تَفَاوَتَا بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا وَالْآخَرُ أَبًا أَوْ ابْنًا أَوْ أُمًّا أَوْ جَدَّهُ كُرِهَ أَنْ يَأْكُلَ قَرِيبَهُ وَيَدَعَ الْأَجْنَبِيَّ، كَمَا يُكْرَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ فِي الْجِهَادِ، وَلَوْ وَجَدَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا مَعَ بَالِغٍ كَافِرٍ أَكَلَ الْكَافِرَ بَعْدَ ذَبْحِهِ وَكَفَّ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِمَا فِي أَكْلِهِمَا مِنْ إضَاعَةِ مَالِيَّتِهِمَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ الْحَقِيقِيَّ أَقْبَحُ مِنْ الْكَافِرِ الْحُكْمِيِّ.
الْمِثَالُ السَّابِعُ: لَوْ وَجَدَ كَافِرَيْنِ قَوِيَّيْنِ أَيِّدَيْنِ فِي حَالِ الْمُبَارِزَةِ تَخَيَّرَ فِي قَتْلِ أَيِّهِمَا شَاءَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَعْرَفَ بِمَكَايِدِ الْقِتَالِ وَالْحُرُوبِ، وَأَضَرَّ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ قَتْلَهُ عَلَى قَتْلِ الْآخَرِ لِعِظَمِ مَفْسَدَةِ بَقَائِهِ، بَلْ لَوْ كَانَ ضَعِيفًا وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَكَايِدِ الْحُرُوبِ وَالْقِتَالِ، قَدَّمَ قَتْلَهُ عَلَى قَتْلِ الْقَوِيِّ، لِمَا فِي إبْقَائِهِ مِنْ عُمُومِ الْمَفْسَدَةِ.
الْمِثَالُ الثَّامِنُ: لَوْ قَصَدَ الْمُسْلِمِينَ عَدُوَّانِ، أَحَدُهُمَا مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ مِنْ الْمَغْرِبِ، فَتَعَذَّرَ دَفْعُهُمَا جَمِيعًا، دَفَعْنَا أَضَرَّهُمَا أَوْ أَكْثَرَهُمَا عَدَدًا وَنَجْدَةً وَنِكَايَةً فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الضَّعِيفَةُ أَقْرَبَ إلَيْنَا مِنْ الْقَوِيَّةِ وَنَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِمَا قَبْلَ أَنْ تَغْشَانَا الْفِئَةُ الْقَوِيَّةُ فَنَبْدَأُ بِهَا، وَلَوْ تَكَافَأَ الْعَدُوَّانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنْ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَغَيْرِهِمَا تَخَيَّرْنَا فِي ذَلِكَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ.