المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فائدة إذا قذف امرأة عند الحاكم] - قواعد الأحكام في مصالح الأنام - جـ ١

[عز الدين بن عبد السلام]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ جَلْبِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ وَدَرْءِ مَفَاسِدِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُعْرَفُ بِهِ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ وَفِي تَفَاوُتِهِمَا]

- ‌[فَائِدَةٌ قَدَّمَ الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَصْفِيَاءُ مَصَالِحَ الْآخِرَةِ عَلَى مَصَالِحِ الدنيا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُعْرَفُ بِهِ مَصَالِحُ الدَّارَيْنِ وَمَفَاسِدُهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَقَاصِدِ هَذَا الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَائِدَةٌ سَعَى النَّاسُ فِي جَانِبِ الْأَفْرَاحِ وَاللَّذَّاتِ وَفِي دَرْءِ الْغُمُومِ الْمُؤْلِمَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَصَالِحُ ضَرْبَانِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْمَصَالِحُ الْمَحْضَةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَثِّ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ بِمَثَابَةِ الْأَوْقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا رُتِّبَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا عُرِفَتْ حِكْمَتُهُ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ وَمَا لَمْ تُعْرَفْ حِكْمَتُهُ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ رتب الْأَعْمَال بِتَفَاوُتِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الصَّغَائِرُ مِنْ الْكَبَائِرِ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا قَذْفًا لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَالْحَفَظَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً فِي ظَنِّهِ وَلَيْسَتْ فِي الْبَاطِنِ كَبِيرَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إتْيَانِ الْمَفَاسِدِ ظَنًّا أَنَّهَا مِنْ الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ فَعَلَ مَا يَظُنُّهُ قُرْبَةً أَوْ وَاجِبًا وَهُوَ مَفْسَدَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَقْسِيمِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَفَاوُتِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَتَسَاوِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَفَاوَتُ أَجْرُهُ بِتَفَاوُتِ تَحَمُّلِ مَشَقَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَسَاوِي الْعُقُوبَاتِ الْعَاجِلَةِ مَعَ تَفَاوُتِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْمَصَالِحِ إلَى الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْمَفَاسِدِ إلَى الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا عَظُمَتْ الْمَصْلَحَةُ أَوْجَبَهَا الرَّبُّ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ الْأَعْمَالِ مَعَ تَسَاوِيهَا بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَزْمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ إلَى فُرُوضِ كِفَايَاتٍ وَفُرُوضِ أَعْيَانٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ إلَى الْوَسَائِلِ وَالْمَقَاصِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي مَصَالِحِ الْمُبَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ تَقْسِيم الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَخْفَى مِنْ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ مِنْ غَيْرِ تَعَبُّدٍ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَصَالِحِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ مِنْ الْوِلَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنْفِيذِ تَصَرُّفَاتِ الْبُغَاةِ وَأَئِمَّةِ الْجَوْرِ لِمَا وَافَقَ الْحَقَّ لِضَرُورَةِ الْعَامَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقَيُّدِ الْعَزْلِ بِالْأَصْلَحِ لِلْمُسْلِمِينَ فَالْأَصْلَحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَصَرُّفِ الْآحَادِ فِي الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ عِنْدَ جَوْرِ الْأَئِمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُعَامَلَةِ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي يَدِهِ حَرَامٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي تَعَذُّرِ الْعَدَالَةِ فِي الْوِلَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْدِيمِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ بِالزَّمَانِ إذَا اتَّسَعَ وَقْتُ الْفَاضِلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَسَاوِي الْمَصَالِحِ مَعَ تَعَذُّرِ جَمْعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقْرَاعِ عِنْدَ تَسَاوِي الْحُقُوقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ مَصْلَحَتِهِ إلَّا بِإِفْسَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَفَاسِدِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَصَالِحِ مَعَ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا قَذَفَ امْرَأَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْوَسَائِلِ إلَى الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ وَسَائِلِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الْآثَارِ بِاخْتِلَافِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُؤْجَرُ عَلَى قَصْدِهِ دُونَ فِعْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ مِنْ الْأَفْعَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ الصِّفَاتِ وَمَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُعَاقَبُ مِنْ قُبْحِ الصِّفَاتِ وَمَا لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُلُومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الْعَالِمُ وَالْحَاكِمُ وَمَا لَا يُثَابَانِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الْمُتَنَاظِرَانِ وَمَا لَا يُثَابَانِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِ الْحُكَّامِ عَلَى الْمُفْتِينَ وَالْأَئِمَّةِ عَلَى الْحُكَّامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْجَوْرِ وَالْعَدْلِ فِي وِلَايَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ وَمَا لَا يُثَابُونَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ التَّسْمِيعِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَعْمَالُ الْقُلُوبِ وَطَاعَتُهَا مَصُونَةٌ مِنْ الرِّيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْإِعَانَةَ عَلَى الْأَدْيَانِ وَطَاعَةَ الرَّحْمَنِ لَيْسَتْ شِرْكًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ فَضْلِ الْإِسْرَارِ وَالْإِعْلَانِ بِالطَّاعَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الْحُقُوقِ الْخَالِصَةِ وَالْمُرَكَّبَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا مِنْ حَقٍّ لِلْعِبَادِ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِمْ إلَّا وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْحُقُوقِ إلَى الْمُتَفَاوِتِ وَالْمُتَسَاوِي وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يَتَسَاوَى مِنْ حُقُوقِ الرَّبِّ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ الْعَبْدُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَا اخْتَلَفَ فِي تَفَاوُتِهِ وَتَسَاوِيهِ مِنْ حُقُوقِ الْإِلَهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِيمَا يُقَدَّمُ مِنْ حُقُوقِ بَعْضِ الْعِبَادِ عَلَى بَعْضٍ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِيمَا يَتَسَاوَى مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ الْمُكَلَّفُ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِيمَا يَتَقَدَّمُ مِنْ حُقُوقِ الرَّبِّ عَلَى حُقُوقِ عِبَادِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِيمَا يَتَقَدَّمُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ عَلَى حُقُوقِ الرَّبِّ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّامِنُ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ تَقْدِيمِ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى حُقُوقِ عِبَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الطَّاعَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الْجَوَابِرِ وَالزَّوَاجِرِ]

- ‌[فَائِدَةٌ سَجْدَتَا السَّهْوِ جَبْرٌ مِنْ وَجْهٍ وَزَجْرٌ لِلشَّيْطَانِ مِنْ وَجْهٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمَاثُلُ مِنْ الزَّوَاجِرِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مُتَعَلِّقَاتِ حُقُوقِ اللَّهِ عز وجل وَمَحَالِّهَا]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ مُتَعَلِّقَاتِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْأَبْدَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْجَوَارِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْحَوَاسِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الطَّاعَاتُ مِنْ الْأَمْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمَاكِنِ مِنْ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَزْمَانِ مِنْ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنْوِيعِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ]

الفصل: ‌[فائدة إذا قذف امرأة عند الحاكم]

أَحَدُهَا: قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ إذَا تَحَقَّقَ زِنَاهَا شِفَاءً لِصَدْرِهِ لِمَا أَدْخَلَتْهُ عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرِ إفْسَادِ فِرَاشِهِ وَإِرْغَامِ غَيْرَتِهِ.

الثَّانِي: وُجُوبُ قَذْفِهَا إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْذِفَهَا لِنَفْيِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ نَفْيَهُ لَخَالَطَ بَنَاتِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَجَمِيعَ مَحَارِمِهِ، وَوَرِثَهُ وَلَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ وَلَتَوَلَّى أَنْكِحَةَ بَنَاتِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنَّسَبِ، فَيَلْزَمُهُ نَفْيُهُ دَرْءًا لِهَذِهِ الْمَفَاسِدِ وَتَحْصِيلًا لِأَضْدَادِهَا مِنْ الْمَصَالِحِ، وَلَوْ أَتَتْ بِهِ خُفْيَةً بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ بِهِ فِي الْحُكْمِ لَمْ يَجِبْ نَفْيُهُ، وَالْأَوْلَى بِهِ السِّتْرُ وَالْكَفُّ عَنْ الْقَذْفِ.

الثَّالِثُ: جَرْحُ الشَّاهِدِ وَالرَّاوِي بِالزِّنَا، وَهُوَ وَاجِبٌ دَفْعًا عَنْ الْمَشْهُودِ عَنْهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا.

[فَائِدَةٌ إذَا قَذَفَ امْرَأَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ]

(فَائِدَةٌ) إذَا قَذَفَ امْرَأَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَبْعَثُ إلَيْهَا لِيُعْلِمَهَا بِقَذْفِهِ، نُصْحًا لَهَا حَتَّى تَعْفُوَ أَوْ تَسْتَوْفِيَ حَقَّهَا، وَهَذَا ضَارٌّ بِالْقَاذِفِ نَافِعٌ لِلْمَقْذُوفِ، وَفِي وُجُوبِهِ اخْتِلَافٌ، وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» لَمْ يَكُنْ هَذَا حِرْصًا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجْمِهَا وَإِنَّمَا كَانَ إعْلَامًا بِمَا يُمْكِنُ مِنْ ثُبُوتِ حَقِّهَا بِسَبَبِ هَتْكِ عِرْضِهَا.

الْمِثَالُ الْخَمْسُونَ: مِنْ أَمْثِلَةِ الْأَفْعَالِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ مَعَ رُجْحَانِ مَصَالِحِهَا عَلَى مَفَاسِدِهَا، قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ إفْسَادٌ لَهَا، لَكِنَّهُ زَاجِرٌ حَافِظٌ لِجَمِيعِ الْأَمْوَالِ، فَقُدِّمَتْ مَصْلَحَةُ حِفْظِ الْأَمْوَالِ عَلَى مَفْسَدَةِ قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ.

ص: 116

الْمِثَالُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: قَطْعُ أَعْضَاءِ الْجَانِي حِفْظًا لِأَعْضَاءِ النَّاسِ.

الْمِثَالُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: جَرْحُ الْجَانِي حِفْظًا لِلسَّلَامَةِ مِنْ الْجِرَاحِ

الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ: قَتْلُ الْجَانِي مَفْسَدَةٌ بِتَفْوِيتِ حَيَاتِهِ لَكِنَّهُ جَازَ لِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ حَيَاةِ النَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ وَلِذَلِكَ قَالَ سبحانه وتعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] .

الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: التَّمْثِيلُ بِالْجُنَاةِ إذَا مَثَّلُوا بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ فِي حَقِّهِمْ، لَكِنَّهُ مَصْلَحَةٌ زَاجِرَةٌ عَنْ التَّمْثِيلِ فِي الْجِنَايَةِ.

الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ: حَدُّ الْقَاذِفِ صِيَانَةٌ لِلْأَعْرَاضِ.

الْمِثَالُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ: جَلْدُ الزَّانِي وَنَفْيُهُ حِفْظًا لِلْفُرُوجِ وَالْأَنْسَابِ وَدَفْعًا لِلْعَارِ.

الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: الرَّجْمُ فِي حَقِّ الزَّانِي الثَّيِّبِ مُبَالَغَةٌ فِي حِفْظِ مَا ذَكَرْنَاهُ.

الْمِثَالُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ: حَدُّ الشُّرْبِ حِفْظًا لِلْعُقُولِ عَنْ الطَّيْشِ وَالِاخْتِلَالِ.

الْمِثَالُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ: حُدُودُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ حِفْظًا لِلنُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ وَالْأَمْوَالِ.

الْمِثَالُ السِّتُّونَ: دَفْعُ الصَّوْلِ - وَلَوْ بِالْقَتْلِ - عَنْ النُّفُوسِ وَالْأَبْضَاعِ وَالْأَمْوَالِ.

ص: 117

الْمِثَالُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: التَّعْزِيرَاتُ دَفْعًا لِمَفَاسِدِ الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ وَهِيَ إمَّا حِفْظًا لِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِحُقُوقِ عِبَادِهِ، أَوْ لِلْحَقَّيْنِ جَمِيعًا.

الْمِثَالُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: الْحَبْسُ وَهُوَ مَفْسَدَةٌ فِي حَقِّ الْمَحْبُوسِ، لَكِنَّهُ جَازَ لِمَصَالِحَ تُرَجَّحُ عَلَى مَفْسَدَتِهِ وَهِيَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا حَبْسُ الْجَانِي عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُسْتَحِقِّ حِفْظًا لِمَحَلِّ الْقِصَاصِ، وَمِنْهَا حَبْسُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ دَفْعِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ إلْجَاءً إلَيْهِ وَحَمْلًا عَلَيْهِ، وَمِنْهَا حَبْسُ التَّعْزِيرِ رَدْعًا عَنْ الْمَعَاصِي، وَمِنْهَا حَبْسُ كُلِّ مُمْتَنِعٍ مِنْ تَصَرُّفٍ وَاجِبٍ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ: كَحَبْسِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ وَامْتَنَعَ مِنْ تَعْيِينِ إحْدَاهُمَا، وَالْمُقِرُّ بِأَحَدِ عَيْنَيْنِ وَامْتَنَعَ مِنْ تَعْيِينِهَا دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الْمُبْطِلِ بِالْحَقِّ، وَمِنْهَا حَبْسُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ كَالْمُمْتَنِعِ مِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ فَإِنْ قِيلَ: إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَائِهِ وَمَعَ عَجْزِكُمْ عَنْ دَفْعِهِ إلَى خَصْمِهِ، فَإِنَّكُمْ تُخَلِّدُونَ عَلَيْهِ الْحَبْسَ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ. وَالتَّخْلِيدُ هُنَا فِي الْحَبْسِ عَذَابٌ كَبِيرٌ عَلَى جُرْمٍ صَغِيرٍ؟ قُلْنَا الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا عَاقَبْنَا بِعَذَابٍ صَغِيرٍ عَلَى جُرْمٍ صَغِيرٍ، فَإِنَّهُ عَاصٍ فِي كُلِّ سَاعَةٍ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ، فَتُقَابَلُ كُلُّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ امْتِنَاعِهِ بِسَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ حَبْسِهِ، وَلِلْحَاكِمِ زَجْرُهُ وَتَعْزِيرُهُ إذَا لَمْ يَنْجَعْ الْحَبْسُ فِيهِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ مَرَّاتٍ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ.

فَإِنْ قِيلَ؛ وَإِذَا شَهِدَ مَسْتُورَانِ ظَاهِرُهُمَا الْعَدَالَةُ فَلِمَ تَحْبِسُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى أَنْ يُزَكِّيَا، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا ادَّعَى عَلَيْهِ؟ وَكَذَلِكَ لِمَ يَحُولُونَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الْمَسْتُورِينَ؟ قُلْنَا لِأَنَّ الظَّنَّ الْمُسْتَفَادَ

ص: 118

مِنْ شَهَادَةِ الْمَسْتُورِينَ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ أَصْلِ بَرَاءَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ تَحْبِسُونَ مُدَّعِي الْإِعْسَارِ بِالْحَقِّ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغِنَى؟ قُلْنَا لَهُ أَحْوَالٌ: أَحَدُهَا أَنْ نَعْرِفَ لَهُ مَالًا بِمِقْدَارِ الْحَقِّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَنَحْبِسُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ ذَلِكَ، وَقَدْ انْتَسَخَ فِكْرَةَ الْقَدِيمِ بِالْغِنَى الَّذِي عَهِدْنَا.

فَإِنْ قِيلَ: إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ وَكَانَ ضَعِيفًا عَنْ الْكَسْبِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْفِقُ مِمَّا عَهِدْنَاهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ تَسْتَوْعِبُ نَفَقَتَهَا الْغِنَى الَّذِي عَهِدْنَاهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْبَسَ لِمُضَارَعَةِ هَذَا الظَّاهِرِ لِاسْتِمْرَارِ غِنَاهُ؟ قُلْنَا جَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ مُشْكِلٌ جِدًّا وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ حَلَّهُ، فَإِنَّ مَا ذَكَرُوهُ ظَاهِرٌ فِيمَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْغِنَى دُونَ مَنْ مَضَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ تَسْتَوْعِبُ نَفَقَتُهَا أَضْعَافَ غِنَاهُ، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اكْتِسَابِ غَيْرِ مَا فِي يَدِهِ، وَلَيْسَ تَقْدِيرُ الْإِنْفَاقِ مِنْ كَسْبِهِ بِأَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِهِ مِمَّا فِي يَدِهِ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُعْرَفُ لَهُ غِنًى وَلَا فَقْرٌ وَفِيهِ مَذَاهِبُ: أَحَدُهَا: لَا يُحْبَسُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فَقْرُهُ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ عِبَادَهُ فُقَرَاءَ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا.

وَالثَّانِي: نَحْبِسُهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي النَّاسِ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ مَا فَوْقَ كِفَايَتِهِمْ، وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا يَمْلِكُونَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَؤُلَاءِ قَلِيلٌ، وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا إذَا كَانَ الْحَقُّ كَثِيرًا عَزِيزًا كَالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ، إذْ لَيْسَتْ الْغَلَبَةُ مُتَحَقِّقَةً فِي الْغِنَى الْمُتَّسَعِ فَكَيْفَ نَحْبِسُ الْغَرِيمَ عَلَى عَشْرَةِ آلَافٍ وَلَيْسَ الْغَالِبُ فِي النَّاسِ مَنْ يَمْلِكُ عَشْرَةَ آلَافٍ وَلَا ضَابِطَ لِمِقْدَارِ الْغَالِبِ مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ

ص: 119

يُخَلَّدُ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ فِي الْحَبْسِ عَلَى مَا لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الِانْفِصَالُ مِنْهُ؟ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إذَا أَدَّى قَدْرًا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْغَلَبَةِ وَجَبَ إطْلَاقُهُ، وَهَذَا قَرِيبُ الْمَذْهَبِ.

الثَّالِثُ: إنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِاخْتِيَارِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي النَّاسِ أَنَّهُمْ لَا يَلْتَزِمُونَ مَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَهَذَا بَعِيدٌ، فَإِنَّ الْفُقَرَاءَ يَلْتَزِمُونَ الْأُجُورَ وَالْمُهُورَ وَالْأَثْمَانَ مَعَ عَجْزِهِمْ عَنْهَا. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ أَحْوَالِ مُدَّعِي الْإِعْسَارَ أَنْ يُعْهَدَ لَهُ مَالٌ نَاقِصٌ عَنْ مِقْدَارِ الْحَقِّ الَّذِي لَزِمَهُ فَيُحْبَسُ عَلَيْهِ وَفِي حَبْسِهِ عَلَى مَا رَوَاهُ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَالِ الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي بِهِ نَزْرًا يَسِيرًا، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُطْلَقُ الْأَصْلُ.

وَالثَّانِي: يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ وَبَيْنَ مَا لَزِمَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلَا يَجِيءُ

الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ إذْ لَا غَلَبَةَ.

الْحَالُ الرَّابِعَةُ إنْ ثَبَتَ عُسْرُهُ فَلَا يَجُوزُ حَبْسُهُ حَتَّى يَثْبُتَ يَسَارُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ عُسْرَتِهِ، وَأَنَّهُ إنْ اكْتَسَبَ شَيْئًا صَرَفَهُ فِي نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. فَإِنْ قِيلَ: تُخَلِّدُونَ مَجْهُولَ الْحَالِ فِي الْحَبْسِ إلَى أَنْ يَمُوتَ؟ قُلْنَا الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ عَدْلَيْنِ يَسْأَلَانِ عَنْ أَمْرِهِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمَا فَقْرُهُ شَهِدَا بِذَلِكَ وَوَجَبَ إطْلَاقُهُ؛ إذْ لَا يَلِيقُ بِالشَّرِيعَةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ أَنْ يُخَلَّدَ الْمُسْلِمُ فِي الْحَبْسِ بِظَنٍّ ضَعِيفٍ، وَإِنَّمَا يُخَلَّدُ فِي الْحَبْسِ مَنْ ظَهَرَ عِنَادُهُ وَإِصْرَارُهُ عَلَى الْبَاطِلِ إلَى أَنْ يَفِيءَ إلَى الْحَقِّ.

وَأَمَّا الْمَحْبُوسُ عَلَى الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يُخَلَّدُ فِي الْحَبْسِ إلَى أَنْ يَمُوتَ؛ حِفْظًا لِحَقِّ

ص: 120

مُسْتَحِقِّ الْقِصَاصَ إلَى أَنْ يَقْدُمَ الْغَائِبُ أَوْ يَبْلُغَ الصَّبِيُّ، إذْ لَا مَنْدُوحَةَ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِحَبْسِهِ الَّذِي هُوَ أَخَفُّ عَلَيْهِ مِنْ قَتْلِهِ أَوْ قَطْعِ يَدِهِ.

الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: مِنْ أَمْثِلَةِ الْأَفْعَالِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ مَعَ رُجْحَانِ مَصَالِحِهَا عَلَى مَفَاسِدِهَا: قِتَالُ الْبُغَاةِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الْبَغْيِ وَالْمُخَالَفَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي دَرْءِ الْمَفَاسِدِ أَنْ يَكُونَ مُلَابِسُهَا أَوْ الْمُتَسَبِّبُ إلَيْهَا عَاصِيًا.

وَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ وَالْمَنْهِيُّ عَاصِيَيْنِ، بَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُلَابِسًا لِمَفْسَدَةٍ وَاجِبَةِ الدَّفْعِ، وَالْآخَرُ تَارِكًا لِمَصْلَحَةٍ وَاجِبَةِ التَّحْصِيلِ. وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا أَمْرُ الْجَاهِلِ بِمَعْرُوفٍ لَا يَعْرِفُ إيجَابَهُ.

الْمِثَالُ الثَّانِي: نَهْيُهُ عَنْ مُنْكَرٍ لَا يَعْرِفُ تَحْرِيمَهُ.

الْمِثَالُ الثَّالِثُ: قِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ، مَعَ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِمْ فِي بَغْيِهِمْ لِتَأْوِيلِهِمْ.

الْمِثَالُ الرَّابِعُ: ضَرْبُ الصِّبْيَانِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الضَّرْبُ الْمُبَرِّحُ فَهَلْ يَجُوزُ ضَرْبُهُ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ تَأْدِيبِهِ؟ قُلْنَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ الَّذِي لَا يُبَرِّحُ مَفْسَدَةٌ، وَإِنَّمَا جَازَ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى مَصْلَحَةِ التَّأْدِيبِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ التَّأْدِيبُ سَقَطَ الضَّرْبُ الْخَفِيفُ، كَمَا يَسْقُطُ الضَّرْبُ الشَّدِيدُ؛ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ تَسْقُطُ بِسُقُوطِ الْمَقَاصِدِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْمُعَزَّرُ الْبَالِغُ لَا يَرْتَدِعُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ إلَّا بِتَعْزِيرٍ مُبَرِّحٍ فَهَلْ يَلْحَقُ بِالصَّبِيِّ؟ قُلْنَا: لَا يَلْحَقُ بِهِ بَلْ نُعَزِّرُهُ تَعْزِيرًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَنَحْبِسُهُ

ص: 121

مُدَّةً يُرْجَى فِيهَا صَلَاحُهُ.

وَكَذَلِكَ إذَا مَنَعْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ فِي التَّعْزِيرِ، وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَرْدَعُ الْمُعَزَّرَ فَانْضَمَّ إلَيْهِ الْحَبْسُ مُدَّةً يُرْجَى فِي مِثْلِهَا حُصُولُ الِارْتِدَاعِ.

الْمِثَالُ الْخَامِسُ: قَتْلُ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ إذَا صَالُوا عَلَى الدِّمَاءِ وَالْأَبْضَاعِ، وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُمْ إلَّا بِقَتْلِهِمْ.

الْمِثَالُ السَّادِسُ: حُدَّ الْحَنَفِيُّ عَلَى شُرْبِ النَّبِيذِ، مَعَ الْجَزْمِ بِعَدَالَتِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاصٍ، دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ شُرْبِ الْمُسْكِرِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا حَدَدْتُمْ بِالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِي صِحَّتِهِ، كَمَا حَدَدْتُمْ الْحَنَفِيَّ بِشُرْبِ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِي حِلِّ شُرْبِهِ؟ قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَفْسَدَةَ الزِّنَا لَا تَتَحَقَّقُ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْمَهْرَ وَالْعِدَّةَ، وَيُلْحِقُ النَّسَبَ، وَيُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ، بِخِلَافِ الزِّنَا فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الْأَنْسَابَ، وَلَا يُوجِبُ مَهْرًا وَلَا عِدَّةً، وَالْمَفْسَدَةُ فِي شُرْبِ النَّبِيذِ مِثْلُهَا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ.

الْمِثَالُ السَّابِعُ: إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي الْقِصَاصِ، ثُمَّ عَفَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ، أَوْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ بِالْعَفْوِ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ، وَأَرَادَ الِاقْتِصَاصَ، فَلِلْفَاسِقِ أَنْ يَدْفَعَهُ بِالْقَتْلِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ.

الْمِثَالُ الثَّامِنُ: إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي بَيْعِ جَارِيَتِهِ فَبَاعَهَا، فَأَرَادَ الْمُوَكِّلُ وَطْأَهَا ظَنًّا أَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يَبِعْهَا، فَأَخْبَرَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ، فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْهَا وَلَوْ بِالْقَتْلِ، مَعَ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الْوَطْءِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْحَالِ لَمْ يَكُنْ زَانِيًا وَلَا آثِمًا.

الْمِثَالُ التَّاسِعُ: ضَرْبُ الْبَهَائِمِ فِي التَّعْلِيمِ وَالرِّيَاضَةِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الشِّرَاسِ وَالْجِمَاحِ وَكَذَلِكَ ضَرْبُهَا حَمْلًا عَلَى الْإِسْرَاعِ لِمَسِّ الْحَاجَةِ إلَيْهِ عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ وَالْقِتَالِ.

ص: 122