المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في بيان تفاوت رتب المصالح والمفاسد وتساويها] - قواعد الأحكام في مصالح الأنام - جـ ١

[عز الدين بن عبد السلام]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ جَلْبِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ وَدَرْءِ مَفَاسِدِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُعْرَفُ بِهِ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ وَفِي تَفَاوُتِهِمَا]

- ‌[فَائِدَةٌ قَدَّمَ الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَصْفِيَاءُ مَصَالِحَ الْآخِرَةِ عَلَى مَصَالِحِ الدنيا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُعْرَفُ بِهِ مَصَالِحُ الدَّارَيْنِ وَمَفَاسِدُهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَقَاصِدِ هَذَا الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَائِدَةٌ سَعَى النَّاسُ فِي جَانِبِ الْأَفْرَاحِ وَاللَّذَّاتِ وَفِي دَرْءِ الْغُمُومِ الْمُؤْلِمَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَصَالِحُ ضَرْبَانِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْمَصَالِحُ الْمَحْضَةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَثِّ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ بِمَثَابَةِ الْأَوْقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا رُتِّبَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا عُرِفَتْ حِكْمَتُهُ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ وَمَا لَمْ تُعْرَفْ حِكْمَتُهُ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ رتب الْأَعْمَال بِتَفَاوُتِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الصَّغَائِرُ مِنْ الْكَبَائِرِ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا قَذْفًا لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَالْحَفَظَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً فِي ظَنِّهِ وَلَيْسَتْ فِي الْبَاطِنِ كَبِيرَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إتْيَانِ الْمَفَاسِدِ ظَنًّا أَنَّهَا مِنْ الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ فَعَلَ مَا يَظُنُّهُ قُرْبَةً أَوْ وَاجِبًا وَهُوَ مَفْسَدَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَقْسِيمِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَفَاوُتِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَتَسَاوِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَفَاوَتُ أَجْرُهُ بِتَفَاوُتِ تَحَمُّلِ مَشَقَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَسَاوِي الْعُقُوبَاتِ الْعَاجِلَةِ مَعَ تَفَاوُتِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْمَصَالِحِ إلَى الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْمَفَاسِدِ إلَى الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا عَظُمَتْ الْمَصْلَحَةُ أَوْجَبَهَا الرَّبُّ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ الْأَعْمَالِ مَعَ تَسَاوِيهَا بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَزْمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ إلَى فُرُوضِ كِفَايَاتٍ وَفُرُوضِ أَعْيَانٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ إلَى الْوَسَائِلِ وَالْمَقَاصِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي مَصَالِحِ الْمُبَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ تَقْسِيم الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَخْفَى مِنْ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ مِنْ غَيْرِ تَعَبُّدٍ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَصَالِحِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ مِنْ الْوِلَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنْفِيذِ تَصَرُّفَاتِ الْبُغَاةِ وَأَئِمَّةِ الْجَوْرِ لِمَا وَافَقَ الْحَقَّ لِضَرُورَةِ الْعَامَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقَيُّدِ الْعَزْلِ بِالْأَصْلَحِ لِلْمُسْلِمِينَ فَالْأَصْلَحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَصَرُّفِ الْآحَادِ فِي الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ عِنْدَ جَوْرِ الْأَئِمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُعَامَلَةِ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي يَدِهِ حَرَامٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي تَعَذُّرِ الْعَدَالَةِ فِي الْوِلَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْدِيمِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ بِالزَّمَانِ إذَا اتَّسَعَ وَقْتُ الْفَاضِلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَسَاوِي الْمَصَالِحِ مَعَ تَعَذُّرِ جَمْعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقْرَاعِ عِنْدَ تَسَاوِي الْحُقُوقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ مَصْلَحَتِهِ إلَّا بِإِفْسَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَفَاسِدِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَصَالِحِ مَعَ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا قَذَفَ امْرَأَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْوَسَائِلِ إلَى الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ وَسَائِلِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الْآثَارِ بِاخْتِلَافِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُؤْجَرُ عَلَى قَصْدِهِ دُونَ فِعْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ مِنْ الْأَفْعَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ الصِّفَاتِ وَمَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُعَاقَبُ مِنْ قُبْحِ الصِّفَاتِ وَمَا لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُلُومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الْعَالِمُ وَالْحَاكِمُ وَمَا لَا يُثَابَانِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الْمُتَنَاظِرَانِ وَمَا لَا يُثَابَانِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِ الْحُكَّامِ عَلَى الْمُفْتِينَ وَالْأَئِمَّةِ عَلَى الْحُكَّامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْجَوْرِ وَالْعَدْلِ فِي وِلَايَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ وَمَا لَا يُثَابُونَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ التَّسْمِيعِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَعْمَالُ الْقُلُوبِ وَطَاعَتُهَا مَصُونَةٌ مِنْ الرِّيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْإِعَانَةَ عَلَى الْأَدْيَانِ وَطَاعَةَ الرَّحْمَنِ لَيْسَتْ شِرْكًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ فَضْلِ الْإِسْرَارِ وَالْإِعْلَانِ بِالطَّاعَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الْحُقُوقِ الْخَالِصَةِ وَالْمُرَكَّبَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا مِنْ حَقٍّ لِلْعِبَادِ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِمْ إلَّا وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْحُقُوقِ إلَى الْمُتَفَاوِتِ وَالْمُتَسَاوِي وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يَتَسَاوَى مِنْ حُقُوقِ الرَّبِّ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ الْعَبْدُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَا اخْتَلَفَ فِي تَفَاوُتِهِ وَتَسَاوِيهِ مِنْ حُقُوقِ الْإِلَهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِيمَا يُقَدَّمُ مِنْ حُقُوقِ بَعْضِ الْعِبَادِ عَلَى بَعْضٍ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِيمَا يَتَسَاوَى مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ الْمُكَلَّفُ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِيمَا يَتَقَدَّمُ مِنْ حُقُوقِ الرَّبِّ عَلَى حُقُوقِ عِبَادِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِيمَا يَتَقَدَّمُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ عَلَى حُقُوقِ الرَّبِّ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّامِنُ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ تَقْدِيمِ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى حُقُوقِ عِبَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الطَّاعَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الْجَوَابِرِ وَالزَّوَاجِرِ]

- ‌[فَائِدَةٌ سَجْدَتَا السَّهْوِ جَبْرٌ مِنْ وَجْهٍ وَزَجْرٌ لِلشَّيْطَانِ مِنْ وَجْهٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمَاثُلُ مِنْ الزَّوَاجِرِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مُتَعَلِّقَاتِ حُقُوقِ اللَّهِ عز وجل وَمَحَالِّهَا]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ مُتَعَلِّقَاتِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْأَبْدَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْجَوَارِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْحَوَاسِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الطَّاعَاتُ مِنْ الْأَمْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمَاكِنِ مِنْ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَزْمَانِ مِنْ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنْوِيعِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ]

الفصل: ‌[فصل في بيان تفاوت رتب المصالح والمفاسد وتساويها]

كَمَا ظَفِرُوا وَكَيْفَ يَفْلَحُ مَنْ يُعَادِي حِزْبَ اللَّهِ وَيَسْعَى فِي إطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ؟ وَالْحَسَدُ يَحْمِلُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْيَهُودَ لَمَّا حَسَدُوا الرَّسُولَ عليه السلام حَمَلَهُمْ حَسَدُهُمْ عَلَى أَنْ قَاتَلُوهُ وَعَانَدُوهُ، مَعَ أَنَّهُمْ جَحَدُوا رِسَالَتَهُ وَكَذَّبُوا مَقَالَتَهُ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَفَاوُتِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَتَسَاوِيهَا]

الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ فِي رُتَبٍ مُتَفَاوِتَةٍ، وَعَلَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ تَتَرَتَّبُ الْفَضَائِلُ فِي الدُّنْيَا، وَالْأُجُورُ فِي الْعُقْبَى، وَعَلَى رُتَبِ الْمَفَاسِدِ تَتَرَتَّبُ الصَّغَائِرُ وَالْكَبَائِرُ وَعُقُوبَاتُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ تَسْتَوِي مَصْلَحَةُ الْفِعْلَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيُوجِبُ الرَّبُّ تَحْصِيلَ إحْدَى الْمَصْلَحَتَيْنِ نَظَرًا لِمَنْ أَوْجَبَهَا لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَيَجْعَلُ أَجْرَهَا أَتَمَّ مِنْ أَجْرِ الَّتِي لَمْ يُوجِبْهَا. فَإِنَّ دِرْهَمَ النَّفْلِ مُسَاوٍ لِدِرْهَمِ الزَّكَاةِ لَكِنَّهُ أَوْجَبَهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجِبْهُ لَتَقَاعَدَ الْأَغْنِيَاءُ عَنْ بِرِّ الْفُقَرَاءِ فَيَهْلِكُ الْفُقَرَاءُ، وَجَعَلَ الْأَجْرَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الْأَجْرِ عَلَى غَيْرِهِ، تَرْغِيبًا فِي الْتِزَامِهِ وَالْقِيَامِ بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُؤْجَرُ عَلَى أَحَدِ الْعَمَلَيْنِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ مَا لَا يُؤْجَرُ عَلَى نَظِيرِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِتَحَمُّلِ مَشَقَّةِ الْإِيجَابِ وَوُجُوبِ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ حَجَّ الْفَرْضِ وَعُمْرَتَهُ مُتَسَاوِيَانِ بِحَجِّ النَّفْلِ وَعُمْرَتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

الثَّانِي: أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مُسَاوٍ لِصَوْمِ شَعْبَانَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، مَعَ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ شَعْبَانَ، بَلْ لَوْ وَقَعَ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي أَقْصَرِ الْأَيَّامِ وَصَوْمُ غَيْرِهِ فِي أَطْوَلِهَا لَكَانَ صَوْمُ رَمَضَانَ أَفْضَلَ مَعَ خِفَّتِهِ وَقِصَرِهِ مِنْ صَوْمِ سَائِرِ الْأَيَّامِ مَعَ ثِقَلِهَا وَطُولِهَا.

الْمِثَالُ الثَّالِثُ: أَنَّ الذِّكْرَ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ مُتَسَاوِيَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مُمَاثِلَةٌ لِسَائِرِ

ص: 29

التَّكْبِيرَاتِ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ حَمْدَلَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ مُسَاوِيَةٌ لِقِرَاءَتِهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهَا إذَا قُرِئَتْ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الْأَذْكَارُ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ إذَا قُصِدَ بِهَا الْقِرَاءَةُ شُرِطَتْ فِيهَا الطَّهَارَةُ عَنْ الْجَنَابَةِ، وَلَوْ قُصِدَ بِهَا الذِّكْرُ كَالْبَسْمَلَةِ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْحَمْدَلَةِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، وَالتَّسْبِيحَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ، لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا الطَّهَارَةُ عَنْ الْجَنَابَةِ، مَعَ تَسَاوِي هَذِهِ الْأَذْكَارِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

وَكَذَلِكَ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ فِي الزَّكَاةِ قَدْ تُسَاوِي مَصْلَحَتُهُ مَصْلَحَةَ نَظِيرِهِ مِنْ الصَّدَقَاتِ فِي سَدِّ الْخَلَّاتِ وَدَفْعِ الْحَاجَاتِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا إخْرَاجُ دِرْهَمَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ أَحَدُهُمَا زَكَاةٌ وَالْآخَرُ صَدَقَةٌ.

الثَّانِي: شَاتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا وَزَكَّى بِالْأُخْرَى، الثَّالِثُ إخْرَاجُ الْعُشْرِ فِي الزَّكَاةِ مَعَ عُشْرٍ آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، فَالزَّكَاةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ مَعَ الْقَطْعِ بِالِاسْتِوَاءِ فِي دَفْعِ الْحَاجَاتِ وَسَدِّ الْخَلَّاتِ، وَقَدْ يَكُونُ النَّفَلُ مِنْ الصَّدَقَاتِ أَكْمَلَ مَصْلَحَةً مِنْ الْفَرْضِ فِي الزَّكَاةِ وَتَكُونُ الزَّكَاةُ أَفْضَلَ. وَلَهُ أَمْثِلَةٌ. أَحَدُهَا: أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَاةٍ نَفِيسَةٍ أَوْ بِغَيْرِ نَفِيسٍ أَوْ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ وَيُزْكِي بِشَاةٍ خَسِيسَةٍ أَوْ بَعِيرٍ رَذْلٍ أَوْ بِحِنْطَةٍ رَدِيَّةٍ.

الثَّانِي: أَنْ يُخْرِجَ بِنْتَ مَخَاضٍ فِي الزَّكَاةِ وَيَتَصَدَّقَ بِحِقَّةِ أَوْ جَذَعَةٍ.

الثَّالِثُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِفِضَّةٍ لَيِّنَةٍ حَسَنَةٍ وَيُزْكِيَ بِفِضَّةٍ خَشِنَةٍ رَدِيَّةٍ مِنْ جِنْسِ النِّصَابِ، فَإِنَّ الْجَيِّدَ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ أَكْمَلُ مَصْلَحَةً وَأَتَمُّ فَائِدَةً فِي بَابِ الصَّدَقَاتِ، مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ أَجْرَهُ دُونَ أَجْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الزَّكَاةِ، وَمَدَارُ ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُهُ عليه السلام عَنْ رَبِّهِ عز وجل أَنَّهُ قَالَ:«وَلَنْ يَتَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدٌ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَعْمُولٌ بِهِ إذَا سَاوَى الْفَرْضُ النَّفَلَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي دِرْهَمِ الصَّدَقَةِ وَدِرْهَمِ الزَّكَاةِ، وَفِي حَجِّ الْفَرْضِ وَحَجِّ النَّفْلِ وَفِي صَوْمِ الْفَرْضِ وَصَوْمِ النَّفْلِ، فَإِنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَمَّا إذَا تَفَاوَتَا بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ مِثْلَ أَنْ يُزَكِّيَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَيَتَصَدَّقَ بِعَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَزَكَّى

ص: 30

بِشَاةٍ وَتَصَدَّقَ بِعَشْرَةِ آلَافِ شَاةٍ، فَيُحْتَمَلُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ أَفْضَلَ مِنْ النَّفْلِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى تَفَاوُتِ الْمَصْلَحَتَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخَصَّ الْحَدِيثُ بِالْعَمَلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْمَصْلَحَةِ كَدِرْهَمِ الزَّكَاةِ مَعَ دِرْهَمِ الصَّدَقَةِ، وَشَاةِ الزَّكَاةِ مَعَ شَاةِ الصَّدَقَةِ، وَلَكِنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ تَفَضُّلِ الرَّبِّ أَنْ يُؤْجَرَ عَلَى أَقَلِّ الْعَمَلَيْنِ الْمُتَجَانِسَيْنِ، أَكْبَرَ مِمَّا يُؤْجَرُ عَلَى أَكْثَرِهِمَا، كَمَا فَضُلَ أَجْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ قِلَّةِ عَمَلِهَا عَلَى أَجْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مَعَ كَثْرَةِ عَمَلِهِمْ، وَكَمَا فَضُلَ أَجْرُ الْفَرَائِضِ عَلَى مُسَاوِيهَا مِنْ النَّوَافِلِ طُولًا عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَكَمَا أَنَّ قِيَامَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مُوجِبٌ لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لِقِيَامِ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيِ رَمَضَانَ.

وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ مَعَ التَّسَاوِي.

وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدَيْنِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي جَمِيعِ مَا شُرِعَ فِيهَا، وَإِذَا كَانَتْ الْحَسَنَةُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَفْضَلَ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ حَسَنَةٍ فِي غَيْرِهَا، مَعَ أَنَّ تَسْبِيحَهَا كَتَسْبِيحِ غَيْرِهَا، وَصَلَاتَهَا كَصَلَاةِ غَيْرِهَا، وَقِرَاءَتَهَا كَقِرَاءَةِ غَيْرِهَا؛ عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَتَفَضَّلُ عَلَى عِبَادِهِ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ بِمَا لَا يَتَفَضَّلُ بِهِ فِي غَيْرِهِ مَعَ الْقَطْعِ بِالتَّسَاوِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا تَفَضُّلًا مِنْ الْإِلَهِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَقْتٍ وَوَقْتٍ.

وَكَذَلِكَ تَفَضُّلُهُ سُبْحَانَهُ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ بِتَضْعِيفِ الْأُجُورِ؛ كَمَا جَعَلَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلَ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مَعَ التَّسَاوِي بَيْنَ الصَّلَوَاتِ.

وَمِمَّا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ يُؤْجِرُ عَلَى قَلِيلِ الْأَعْمَالِ مَا لَا يُؤْجِرُ عَلَى كَثِيرِهَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مِثْلُكُمْ وَمِثْلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَرَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ، فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ، ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ، فَهُمْ أَنْتُمْ، فَغَضِبَتْ

ص: 31

الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَالُوا مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً؟ ، فَقَالَ هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا لَا قَالَ فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ» ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَيَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ لَيْسَ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم. «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً أَفْضَلُهَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ» ، وَهُوَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لِكُلِّ مُجْتَازٍ بِالطَّرِيقِ بِإِزَالَةِ الشَّوْكِ وَالْأَحْجَارِ وَالْأَقْذَارِ مَعَ مَشَقَّةِ ذَلِكَ وَخِفَّةِ النُّطْقِ بِكَلِمَةِ الْإِيمَانِ.

فَإِنْ قِيلَ هَلْ تَتَفَاوَتُ رُتَبُ الْمَعَارِفِ وَالْإِيمَانِ بِالْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، كَمَا تَفَاوَتَتْ رُتَبُ الْعِبَادَاتِ بِالْفَرْضِ وَالنَّفَلِ؟ قُلْنَا نَعَمْ فَإِنَّ الْإِيمَانَ الْأَوَّلَ وَالتَّعَرُّفَ الْأَوَّلَ مَفْرُوضٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَاسْتِحْضَارُهَا بَعْدَ ذَلِكَ نَفْلٌ لَا يَلْزَمُ تَعَاطِيهِ، فَيَكُونُ تَفَاوُتُهُمَا لِسَبَبِ الْفَرْضِيَّةِ وَالنَّفْلِيَّةِ لَا بِتَفَاوُتِ شَرَفِهِمَا فِي أَنْفُسِهِمَا فَإِنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الشَّرَفِ وَالْكَمَالِ، إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ وُجُوبِ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِ.

وَأَمَّا التَّفَاوُتُ فِي الْأَحْوَالِ فَظَاهِرٌ فَإِنَّ مَرْتَبَةَ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ أَكْمَلُ مِنْ مَرْتَبَةِ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، لِأَنَّ الْإِعْظَامَ وَالْإِجْلَالَ صَدَرَا عَنْ مُلَاحَظَةِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَكَانَ لَهُمَا شَرَفَانِ: أَحَدُهُمَا مِنْ مَصْدَرِهِمَا، وَالثَّانِي مِنْ تَعَلُّقِهِمَا.

وَأَمَّا الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ فَإِنَّ الْخَوْفَ صَدَرَ عَلَى مُلَاحَظَةِ الْعُقُوبَاتِ وَالرَّجَاءَ صَدَرَ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْمَثُوبَاتِ، وَتَعَلَّقَا بِمَا صَدَرَا عَنْهُ فَانْحَطَّا عَنْ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ بِمَرْتَبَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ رُتْبَةُ الْمَحَبَّةِ الصَّادِرَةِ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْإِنْعَامِ وَالْأَفْضَالُ مُنْحَطَّةٌ عَنْ رُتْبَةِ الْمَحَبَّةِ الصَّادِرَةِ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْكَمَالِ وَالْجَمَالِ، لِصُدُورِ تِلْكَ الْمَحَبَّةِ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْأَغْيَارِ، وَصُدُورِ مَحَبَّةِ الْإِجْلَالِ عَنْ مُلَاحَظَةِ أَوْصَافِ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، وَالتَّعْظِيمُ وَالْمَهَابَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَحَبَّةِ الصَّادِرَةِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ لِمَا فِي الْمَحَبَّةِ مِنْ اللَّذَّةِ بِجَمَالِ الْمَحْبُوبِ، بِخِلَافِ الْمُعَظِّمِ الْهَائِبِ فَإِنَّ الْهَيْبَةَ وَالتَّعْظِيمَ يَقْتَضِيَانِ التَّصَاغُرَ وَالِانْقِبَاضَ، وَلَا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِي ذَلِكَ فَخَلَصَ لِلَّهِ وَحْدَهُ.

فَإِنْ قِيلَ هَلْ يَسْتَوِي الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ

ص: 32

وَالْمَحْجُوجُ عَنْهُ فِي مَقَاصِدِ الْحَجِّ؟ قُلْنَا: قِيلَ يَسْتَوِيَانِ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَلَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْأَجْرِ، وَأَيْنَ مُجَرَّدُ بَذْلِ الْأُجْرَةِ فِي مُبَاشَرَةِ الْحَجِّ وَالْقِيَامِ بِأَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِهِ وَسُنَنِهِ وَآدَابِهِ مَعَ تَحَمُّلِ مَشَقَّتِهِ، وَمَا يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَالتَّنَاوُشِ وَالِاسْتِكَانَةِ وَالتَّعْظِيمِ، وَهَكَذَا الْأَبْدَالُ كُلُّهَا لَا تُسَاوِي مُبْدَلَاتِهَا، فَلَيْسَ التَّيَمُّمُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَلَيْسَ صَوْمُ الْكَفَّارَةِ كَإِعْتَاقِهَا وَلَا إطْعَامُهَا كَصِيَامِهَا، وَلَا تَسَاوَتْ الْأَبْدَالُ وَالْمُبْدَلَاتُ فِي الْمَصَالِحِ لِمَا فِي شَرْطِ الِانْتِقَالِ إلَى أَحَدِهِمَا مِنْ فَقْدِ الْآخَرِ.

فَإِنْ قِيلَ لَوْ حَصَلَ لِلْأَجِيرِ عَلَى الْحَجِّ تَذَلُّلٌ وَتَمَسْكُنٌ وَتَنَاوُشٌ وَخُضُوعٌ وَخُشُوعٌ وَإِجْلَالٌ وَتَعْظِيمٌ وَمَهَابَةٌ وَمَحَبَّةٌ وَأُنْسٌ وَفَرَحٌ وَسُرُورٌ وَخَوْفٌ وَرَجَاءٌ وَبُكَاءٌ وَاسْتِحْيَاءٌ، فَهَلْ يَحْصُلُ أَجْرُ ذَلِكَ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ؟ قُلْنَا: لَا فَإِنَّ الْإِجَارَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَرْكَانِ الْحَجِّ وَوَاجِبَاتِهِ وَسُنَنِهِ وَلَا يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ إلَّا النِّيَّةَ لِوُقُوفِ الصِّحَّةِ عَلَيْهَا، وَلَا يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ، بَلْ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ لِلْعَجْزِ عَنْهُ فِي الْغَالِبِ، وَعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَسُنَنِهِ.

فَإِنْ قِيلَ. مَا تَقُولُونَ فِي مَنْ سَدَّ جَوْعَةَ مِسْكِينٍ فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ؟ هَلْ يُسَاوِي أَجْرُهُ أَجْرَ مَنْ سَدَّ جَوْعَةَ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ، مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ سَدَّ عَشْرَ جَوْعَاتٍ، وَالْكُلُّ عِبَادُ اللَّهِ، وَالْفَرْضُ الْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ تَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَصَالِحِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَحَالَّ مُتَعَدِّدَةٍ؟ قُلْنَا لَا يَسْتَوِيَانِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ وَلِيٌّ لِلَّهِ أَوْ أَوْلِيَاءٌ لَهُ فَيَكُونُ إطْعَامُهُمْ أَفْضَلَ مِنْ تَكْرِيرِ إطْعَامِ وَاحِدٍ.

وَقَدْ حَثَّ الرَّبُّ سبحانه وتعالى عَلَى الْإِحْسَانِ إلَى الصَّالِحِينَ بِقَوْلِهِ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، وَلِأَنَّهُ يُرْجَى مِنْ دُعَاءِ الْجَمَاعَةِ مَا لَا يُرْجَى مِنْ دُعَاءِ الْوَاحِدِ، كَمَا يُرْجَى مِنْ دُعَاءِ الْمُصَلِّينَ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا بَلَغُوا أَرْبَعِينَ مَا لَا يُرْجَى مِنْ دُعَائِهِمْ إذَا نَقَصُوا عَنْ ذَلِكَ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث، وَلِمِثْلِ

ص: 33

هَذَا أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه صَرْفَ الزَّكَاةِ إلَى الْأَصْنَافِ، لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْمَفَاسِدِ وَجَلْبِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْمَصَالِحِ، فَإِنَّ دَفْعَ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ نَوْعٌ مُخَالِفٌ لِدَفْعِ الرِّقِّ عَنْ الْمُكَاتَبِينَ، وَالْغُرْمِ عَنْ الْغَارِمِينَ، وَالْغُرْبَةِ وَالِانْقِطَاعِ عَنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَكَذَلِكَ التَّأْلِيفُ عَلَى الدِّينِ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ بَاقٍ، وَكَذَلِكَ إعَانَةُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ تِلْوُ الْإِيمَانِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَتَرَتَّبُ الشَّرْعُ عَلَى الْفِعْلِ الْيَسِيرِ مِثْلَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْفِعْلِ الْخَطِيرِ، كَمَا رُتِّبَ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ عَلَى الْحَجِّ الْمَبْرُورِ، وَرُتِّبَ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَةِ تَأْمِينِ الْمُصَلِّي تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ، وَرُتِّبَ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ عَلَى قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، كَمَا رَتَّبَهُ عَلَى قِيَامِ جَمِيعِ رَمَضَانَ، فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الطَّاعَاتِ وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي التَّكْفِيرِ فَلَا تَسَاوِي بَيْنَهَا فِي الْأُجُورِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى رَتَّبَ عَلَى الْحَسَنَاتِ رَفْعَ الدَّرَجَاتِ وَتَكْفِيرَ السَّيِّئَاتِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّسَاوِي فِي تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ التَّسَاوِي فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ، وَكَلَامُنَا فِي جُمْلَةِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْفِعْلِ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، وَذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الْأَعْمَالِ. فَمِنْ الْأَعْمَالِ مَا يَكُونُ شَرِيفًا بِنَفْسِهِ وَفِيمَا رُتِّبَ عَلَيْهِ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، فَيَكُونُ الْقَلِيلُ مِنْهُ أَفْضَلَ مِنْ الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْخَفِيفُ مِنْهُ أَفْضَلَ مِنْ الشَّاقِّ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ الثَّوَابُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ فِي مِثْلِ هَذَا الْبَابِ كَمَا ظَنَّ بَعْضُ الْجَهَلَةِ، بَلْ ثَوَابُهُ عَلَى قَدْرِ خَطَرِهِ فِي نَفْسِهِ، كَالْمَعَارِفِ الْعَلِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ السَّنِيَّةِ وَالْكَلِمَاتِ الْمُرْضِيَةِ. فَرُبَّ عِبَادَةٍ خَفِيفَةٍ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَةٍ فِي الْمِيزَانِ وَعِبَادَةٍ ثَقِيلَةٍ عَلَى الْإِنْسَانِ خَفِيفَةٍ فِي الْمِيزَانِ بِدَلِيلِ أَنَّ التَّوْحِيدَ خَفِيفٌ عَلَى الْجَنَانِ وَاللِّسَانِ وَهُوَ أَفْضَلُ مَا أُعْطِيَهُ الْإِنْسَانُ وَمَنَّ بِهِ الرَّحْمَنُ، وَالتَّفَوُّهُ بِهِ أَفْضَلُ كُلِّ كَلَامٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُوجِبُ الْجِنَانَ وَيَدْرَأُ غَضَبَ الدَّيَّانِ، وَقَدْ صَرَّحَ عليه السلام -

ص: 34

بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، لَمَّا «قِيلَ لَهُ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: إيمَانٌ بِاَللَّهِ» ، وَجُعِلَ الْجِهَادُ دُونَهُ مَعَ أَنَّهُ أَشَقُّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ مَعْرِفَةُ التَّوْحِيدِ أَفْضَلُ الْمَعَارِفِ، وَاعْتِقَادُهُ أَفْضَلُ الِاعْتِقَادَاتِ، مَعَ سُهُولَةِ ذَلِكَ وَخِفَّتِهِ مَعَ تَحَقُّقِهِ، وَقَدْ كَانَتْ قُرَّةُ عَيْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ، وَكَانَتْ شَاقَّةً عَلَى غَيْرِهِ، وَلَيْسَتْ صَلَاةُ غَيْرِهِ مَعَ مَشَقَّتِهَا مُسَاوِيَةً لِصَلَاتِهِ مَعَ خِفَّتِهَا وَقُرَّتِهَا، وَكَذَلِكَ إعْطَاءُ الزَّكَاةِ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ أَفْضَلُ مِنْ إعْطَائِهَا مَعَ الْبُخْلِ، وَمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ.

وَكَذَلِكَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَاهِرَ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ.

وَجَعَلَ لِلَّذِي يَقْرَؤُهُ يُتَعْتِعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ أَجْرَيْنِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ مَا رَوَى أَبُو الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا بَلَى قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ، قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: مَا شَيْءٌ أَنَجَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ» ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ» ، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

ص: 35