المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل فيما تتميز به الصغائر من الكبائر] - قواعد الأحكام في مصالح الأنام - جـ ١

[عز الدين بن عبد السلام]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ جَلْبِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ وَدَرْءِ مَفَاسِدِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُعْرَفُ بِهِ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ وَفِي تَفَاوُتِهِمَا]

- ‌[فَائِدَةٌ قَدَّمَ الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَصْفِيَاءُ مَصَالِحَ الْآخِرَةِ عَلَى مَصَالِحِ الدنيا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُعْرَفُ بِهِ مَصَالِحُ الدَّارَيْنِ وَمَفَاسِدُهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَقَاصِدِ هَذَا الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَائِدَةٌ سَعَى النَّاسُ فِي جَانِبِ الْأَفْرَاحِ وَاللَّذَّاتِ وَفِي دَرْءِ الْغُمُومِ الْمُؤْلِمَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَصَالِحُ ضَرْبَانِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْمَصَالِحُ الْمَحْضَةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَثِّ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ بِمَثَابَةِ الْأَوْقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا رُتِّبَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا عُرِفَتْ حِكْمَتُهُ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ وَمَا لَمْ تُعْرَفْ حِكْمَتُهُ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ رتب الْأَعْمَال بِتَفَاوُتِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الصَّغَائِرُ مِنْ الْكَبَائِرِ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا قَذْفًا لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَالْحَفَظَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً فِي ظَنِّهِ وَلَيْسَتْ فِي الْبَاطِنِ كَبِيرَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إتْيَانِ الْمَفَاسِدِ ظَنًّا أَنَّهَا مِنْ الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ فَعَلَ مَا يَظُنُّهُ قُرْبَةً أَوْ وَاجِبًا وَهُوَ مَفْسَدَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَقْسِيمِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَفَاوُتِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَتَسَاوِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَفَاوَتُ أَجْرُهُ بِتَفَاوُتِ تَحَمُّلِ مَشَقَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَسَاوِي الْعُقُوبَاتِ الْعَاجِلَةِ مَعَ تَفَاوُتِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْمَصَالِحِ إلَى الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْمَفَاسِدِ إلَى الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا عَظُمَتْ الْمَصْلَحَةُ أَوْجَبَهَا الرَّبُّ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ الْأَعْمَالِ مَعَ تَسَاوِيهَا بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَزْمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ إلَى فُرُوضِ كِفَايَاتٍ وَفُرُوضِ أَعْيَانٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ إلَى الْوَسَائِلِ وَالْمَقَاصِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي مَصَالِحِ الْمُبَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ تَقْسِيم الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَخْفَى مِنْ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ مِنْ غَيْرِ تَعَبُّدٍ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَصَالِحِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ مِنْ الْوِلَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنْفِيذِ تَصَرُّفَاتِ الْبُغَاةِ وَأَئِمَّةِ الْجَوْرِ لِمَا وَافَقَ الْحَقَّ لِضَرُورَةِ الْعَامَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقَيُّدِ الْعَزْلِ بِالْأَصْلَحِ لِلْمُسْلِمِينَ فَالْأَصْلَحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَصَرُّفِ الْآحَادِ فِي الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ عِنْدَ جَوْرِ الْأَئِمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُعَامَلَةِ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي يَدِهِ حَرَامٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي تَعَذُّرِ الْعَدَالَةِ فِي الْوِلَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْدِيمِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ بِالزَّمَانِ إذَا اتَّسَعَ وَقْتُ الْفَاضِلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَسَاوِي الْمَصَالِحِ مَعَ تَعَذُّرِ جَمْعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقْرَاعِ عِنْدَ تَسَاوِي الْحُقُوقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ مَصْلَحَتِهِ إلَّا بِإِفْسَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَفَاسِدِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَصَالِحِ مَعَ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا قَذَفَ امْرَأَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْوَسَائِلِ إلَى الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ وَسَائِلِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الْآثَارِ بِاخْتِلَافِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُؤْجَرُ عَلَى قَصْدِهِ دُونَ فِعْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ مِنْ الْأَفْعَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ الصِّفَاتِ وَمَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُعَاقَبُ مِنْ قُبْحِ الصِّفَاتِ وَمَا لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُلُومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الْعَالِمُ وَالْحَاكِمُ وَمَا لَا يُثَابَانِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الْمُتَنَاظِرَانِ وَمَا لَا يُثَابَانِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِ الْحُكَّامِ عَلَى الْمُفْتِينَ وَالْأَئِمَّةِ عَلَى الْحُكَّامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْجَوْرِ وَالْعَدْلِ فِي وِلَايَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ وَمَا لَا يُثَابُونَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ التَّسْمِيعِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَعْمَالُ الْقُلُوبِ وَطَاعَتُهَا مَصُونَةٌ مِنْ الرِّيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْإِعَانَةَ عَلَى الْأَدْيَانِ وَطَاعَةَ الرَّحْمَنِ لَيْسَتْ شِرْكًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ فَضْلِ الْإِسْرَارِ وَالْإِعْلَانِ بِالطَّاعَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الْحُقُوقِ الْخَالِصَةِ وَالْمُرَكَّبَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا مِنْ حَقٍّ لِلْعِبَادِ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِمْ إلَّا وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْحُقُوقِ إلَى الْمُتَفَاوِتِ وَالْمُتَسَاوِي وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يَتَسَاوَى مِنْ حُقُوقِ الرَّبِّ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ الْعَبْدُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَا اخْتَلَفَ فِي تَفَاوُتِهِ وَتَسَاوِيهِ مِنْ حُقُوقِ الْإِلَهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِيمَا يُقَدَّمُ مِنْ حُقُوقِ بَعْضِ الْعِبَادِ عَلَى بَعْضٍ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِيمَا يَتَسَاوَى مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ الْمُكَلَّفُ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِيمَا يَتَقَدَّمُ مِنْ حُقُوقِ الرَّبِّ عَلَى حُقُوقِ عِبَادِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِيمَا يَتَقَدَّمُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ عَلَى حُقُوقِ الرَّبِّ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّامِنُ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ تَقْدِيمِ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى حُقُوقِ عِبَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الطَّاعَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الْجَوَابِرِ وَالزَّوَاجِرِ]

- ‌[فَائِدَةٌ سَجْدَتَا السَّهْوِ جَبْرٌ مِنْ وَجْهٍ وَزَجْرٌ لِلشَّيْطَانِ مِنْ وَجْهٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمَاثُلُ مِنْ الزَّوَاجِرِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مُتَعَلِّقَاتِ حُقُوقِ اللَّهِ عز وجل وَمَحَالِّهَا]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ مُتَعَلِّقَاتِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْأَبْدَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْجَوَارِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْحَوَاسِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الطَّاعَاتُ مِنْ الْأَمْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمَاكِنِ مِنْ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَزْمَانِ مِنْ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنْوِيعِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ]

الفصل: ‌[فصل فيما تتميز به الصغائر من الكبائر]

مَصَالِحِهَا إلَى الْكَامِلِ وَالْأَكْمَلِ، وَانْقَسَمَتْ الْمَعَاصِي إلَى الْكَبِيرِ وَالْأَكْبَرِ لِانْقِسَامِ مَفَاسِدِهَا إلَى الرَّذِيلِ وَالْأَرْذَلِ.

[فَصْلٌ فِيمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الصَّغَائِرُ مِنْ الْكَبَائِرِ]

فِيمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الصَّغَائِرُ مِنْ الْكَبَائِرِ

إذَا أَرَدْتَ مَعْرِفَةَ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ فَاعْرِضْ مَفْسَدَةَ الذَّنْبِ عَلَى مَفَاسِدِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، فَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ أَقَلِّ مَفَاسِدِ الْكَبَائِرِ فَهِيَ مِنْ الصَّغَائِرِ وَإِنْ سَاوَتْ أَدْنَى مَفَاسِدِ الْكَبَائِرِ أَوْ أَرْبَتْ عَلَيْهَا فَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ. فَمَنْ شَتَمَ الرَّبَّ أَوْ الرَّسُولَ أَوْ اسْتَهَانَ بِالرُّسُلِ أَوْ كَذَّبَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَوْ ضَمَخَ الْكَعْبَةَ بِالْعَذِرَةِ أَوْ أَلْقَى الْمُصْحَفَ فِي الْقَاذُورَاتِ فَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ.

وَكَذَلِكَ لَوْ أَمْسَكَ امْرَأَةً مُحْصَنَةً لِمَنْ يَزْنِي بِهَا أَوْ مُسْلِمًا لِمَنْ يَقْتُلُهُ فَلَا شَكَّ أَنَّ مَفْسَدَةَ ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ دَلَّ الْكُفَّارَ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يَسْتَأْصِلُونَهُمْ بِدَلَالَتِهِ وَيَسْبُونَ حُرُمَهُمْ وَأَطْفَالَهُمْ، وَيَغْتَنِمُونَ أَمْوَالَهُمْ وَيَزْنُونَ بِنِسَائِهِمْ وَيُخَرِّبُونَ دِيَارَهُمْ، فَإِنَّ تَسَبُّبَهُ إلَى هَذِهِ الْمَفَاسِدِ أَعْظَمُ مِنْ تَوْلِيَتِهِ يَوْمَ الزَّحْفِ بِغَيْرِ عُذْرٍ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَذَبَ عَلَى إنْسَانٍ كَذِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِسَبَبِهِ، وَلَوْ كَذَبَ عَلَى إنْسَانٍ كَذِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ تَمْرَةٌ بِسَبَبِ كَذِبِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَقَدْ نَصَّ الشَّرْعُ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ وَأَكْلَ مَالَ الْيَتِيمِ مِنْ الْكَبَائِرِ فَإِنْ وَقَعَا فِي مَالٍ خَطِيرٍ فَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِنْ وَقَعَا فِي مَالٍ حَقِيرٍ كَزَبِيبَةٍ وَتَمْرَةٍ فَهَذَا مُشْكِلٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ الْكَبَائِرِ فِطَامًا عَنْ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ، كَمَا جُعِلَ شُرْبُ قَطْرَةٍ مِنْ الْخَمْرِ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَفْسَدَةُ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُضْبَطَ ذَلِكَ الْمَالُ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ.

ص: 23

وَالْحُكْمُ بِغَيْرِ الْحَقِّ كَبِيرَةٌ فَإِنَّ شَاهِدَ الزُّورِ مُتَسَبِّبٌ مُتَوَسِّلٌ وَالْحَاكِمُ مُبَاشِرٌ فَإِذَا جُعِلَ التَّسَبُّبُ كَبِيرَةً فَالْمُبَاشَرَةُ أَكْبَرُ مِنْ تِلْكَ الْكَبِيرَةِ، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِالزُّورِ عَلَى قَتْلٍ مُوجِبٍ لِلْقِصَاصِ فَسَلَّمَ الْحَاكِمُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إلَى الْوَالِي فَقَتَلَهُ وَكُلُّهُمْ عَالِمُونَ بِأَنَّهُمْ ظَالِمُونَ فَشَهَادَةُ الزُّورِ كَبِيرَةٌ وَالْحُكْمُ أَكْبَرُ مِنْهَا وَمُبَاشَرَةُ الْقَتْلِ أَكْبَرُ مِنْ الْحُكْمِ، وَالْوُقُوفُ عَلَى تَسَاوِي الْمَفَاسِدِ وَتَفَاوُتِهَا عِزَّةٌ وَلَا يَهْتَدِي إلَيْهَا إلَّا مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْوُقُوفُ عَلَى التَّسَاوِي أَعَزُّ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى التَّفَاوُتِ، وَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ إلَّا بِالتَّقْرِيبِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّصِّ عَلَى كَوْنِ الذَّنْبِ كَبِيرَةً أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ، فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ مِنْ الْكَبَائِرِ أَنْ يَشْتُمَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ فَقَالَ. نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ. جَعَلَ صلى الله عليه وسلم التَّسَبُّبَ إلَى سَبِّهِمَا مِنْ الْكَبَائِرِ، وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مُبَاشَرَةَ سَبِّهِمَا أَكْبَرُ مِنْ التَّسَبُّبِ إلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: «إنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ»

جُعِلَ اللَّعْنُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ لِفَرْطِ قُبْحِهِ بِخِلَافِ السَّبِّ الْمُطْلَقِ. وَقَدْ نَصَّ الرَّسُولُ عليه السلام عَلَى أَنَّ عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ مِنْ الْكَبَائِرِ، مَعَ الْخِلَافِ فِي رُتَبِ الْعُقُوقِ، وَلَمْ أَقِفْ فِي عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَلَا فِيمَا يَخْتَصَّانِ بِهِ مِنْ الْحُقُوقِ عَلَى ضَابِطٍ أَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ مَا يَحْرُمُ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ فَهُوَ حَرَامٌ فِي حَقِّهِمَا وَمَا يَجِبُ لِلْأَجَانِبِ فَهُوَ وَاجِبٌ لَهُمَا، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ طَاعَتُهُمَا فِي كُلِّ مَا يَأْمُرَانِ بِهِ وَلَا فِي كُلِّ مَا يَنْهَيَانِ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ حَرُمَ عَلَى الْوَلَدِ الْجِهَادُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا لِمَا يَشُقُّ عَلَيْهِمَا مِنْ تَوَقُّعِ قَتْلِهِ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَلِشِدَّةِ تَفَجُّعِهِمَا عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ أُلْحِقَ بِذَلِكَ كُلُّ سَفَرٍ يَخَافَانِ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَقَدْ سَاوَى الْوَالِدَانِ الرَّقِيقَ فِي النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ وَالسُّكْنَى. وَقَدْ ضَبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْكَبَائِرَ بِأَنْ قَالَ. كُلُّ ذَنْبٍ قُرِنَ بِهِ وَعِيدٌ أَوْ حَدٌّ أَوْ لَعْنٌ فَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ. فَتَغْيِيرُ مَنَارِ الْأَرْضِ كَبِيرَةٌ لِاقْتِرَانِ اللَّعْنِ بِهِ.

وَكَذَلِكَ قَتْلُ

ص: 24