الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعِبَادَاتِ، وَمِنْهَا تَفْرِيغُ الْقَلْبِ مِنْ الْأَكْوَانِ الْحَادِثَاتِ شُغْلًا بِرَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْفَنَاءِ عِنْدَ أَهْلِ الصَّفْوَةِ وَالصَّفَاءِ، وَحَقِيقَتُهُ غَفْلَةٌ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ لِلشَّغْلِ بِرَبِّ كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهَا الزُّهْدُ فِي كُلِّ مَا يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ بِالْحَثِّ عَلَيْهِ وَالنَّدْبِ إلَيْهِ كَالنِّكَاحِ، وَالزُّهْدُ فِي الشَّيْءِ خُلُوُّ الْقَلْبِ مِنْ التَّعَلُّقِ بِهِ مَعَ الرَّغْبَةِ عَنْهُ، وَالْفَرَاغِ مِنْهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ خُلُوُّ الْيَدِ مِنْهُ وَلَا انْقِطَاعُ الْمِلْكِ عَنْهُ، فَإِنَّ سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ وَقُدْوَةَ الزَّاهِدِينَ مَاتَ عَنْ فَدَكَ وَالْعَوَالِي وَنِصْفِ وَادِي الْقُرَى وَسِهَامِهِ مِنْ خَيْبَرَ، وَمَلَكَ سُلَيْمَانُ الْأَرْضَ كُلَّهَا وَكَانَ شُغْلُهُمَا بِاَللَّهِ مَانِعًا لَهُمَا مِنْ التَّعَلُّقِ بِكُلِّ مَا مَلَكَا.
[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْأَبْدَانِ]
فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْأَبْدَانِ وَهُوَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا مَقَاصِدُ، وَالثَّانِي وَسَائِلُ.
فَالْمَقَاصِدُ: كَالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ، وَالِاعْتِكَافِ وَالسَّعْيِ، وَالتَّعْرِيفِ، وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَبِمِنًى وَالْأَغْسَالِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ.
وَالْوَسَائِلُ: كَالْمَشْيِ إلَى الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمُعَاتِ وَجَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ وَإِلَى تَغْيِيرِ الْمُذَكِّرَاتِ وَالْمَشْيِ إلَى عِيَادَةِ الْمَرْضَى وَزِيَارَةِ الْأَمْوَاتِ، وَمِنْ الْمُحَرَّمَاتِ لُبْسُ الْمَخِيطِ فِي الْإِحْرَامِ وَالتَّضَمُّخِ وَالْأَدْهَانِ.
[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْجَوَارِحِ]
الْجَوَارِحُ كَالْأَلْسُنِ وَالشِّفَاهِ وَالْأَفْوَاهِ وَالْبُطُونِ وَالْأُنُوفِ وَالْعُيُونِ وَالْآذَانِ وَالْوُجُوهِ وَالْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ وَالرُّكَبِ وَالْأَصَابِعِ وَالْأَنَامِلِ وَالْفُرُوجِ وَغَيْرِهَا.
فَأَمَّا اللِّسَانُ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْجَوَارِحِ وَالْأَرْكَانِ، بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَنَانِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْكَبَائِرِ كُلِّهَا وَالصَّغَائِرِ بِأَسْرِهَا، وَالْأَمْرِ بِكُلِّ مُنْكَرٍ وَالنَّهْيِ عَنْ كُلِّ مَعْرُوفٍ، وَالْقَذْفِ وَتَكْذِيبِ مَنْ لَا يَجُوزُ تَكْذِيبُهُ وَتَصْدِيقِ مَنْ لَا يَجُوزُ تَصْدِيقُهُ، وَالْكُفْرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَالْحُكْمِ بِالْبَاطِلِ وَالسِّحْرِ، وَالْهَجْوِ، وَكُلِّ كَلِمَةٍ مُحَرَّمَةٍ: كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالطَّعْنِ فِي الْأَنْسَابِ وَالتَّفَاخُرِ بِالْأَحْسَابِ وَالنِّيَاحَةِ.
وَكَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتَصْدِيقُ مَنْ يَجِبُ تَصْدِيقُهُ وَتَكْذِيبُ مَنْ يَجِبُ تَكْذِيبُهُ، وَالْأَمْرُ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَالنَّهْيُ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ، وَالشَّهَادَةُ بِالْحَقِّ، وَالْحُكْمُ بِالْقِسْطِ وَأَمْرُ الْأَئِمَّةِ بِمَا يَأْمُرُونَ بِهِ وَتَعْلِيمُ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْعِبَادَاتِ الْمَرَضِيَّةِ، وَالْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ، وَزَجْرُ الْمُفْسِدِينَ، وَإِرْشَادُ الضَّالِّينَ، وَتَعْلِيمُ الْجَاهِلِينَ، وَالثَّنَاءُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ بِجَمِيعِ أَوْصَافِهِ الْمَذْكُورَةِ وَالدُّعَاءُ إلَيْهِ، فَلَا أَحَدَ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إلَى اللَّهِ وَكَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِغْفَارُ، وَالدُّعَاءُ، وَالْوَعْظُ وَالتَّذْكِيرُ، وَالْإِقَامَةُ وَالْأَذَانُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ: كَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَحَمْدَلَتِهِ، وَالسَّلَامِ وَرَدِّهِ وَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ.
وَقَدْ قَالَ لُقْمَانُ عليه السلام فِي ذَلِكَ: لَيْسَ فِي الْإِنْسَانِ أَحْسَنُ مِنْ مُضْغَتَيْنِ وَأَفْسَدُ مِنْ مُضْغَتَيْنِ وَهُمَا: الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ، وَصَدَقَ فِيمَا قَالَهُ لِامْتِيَازِهِمَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ عَنْ سَائِرِ الْجَوَارِحِ وَالْأَرْكَانِ.
وَكَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ الْكَفُّ عَنْ كُلِّ قَبِيحٍ مِنْ الْكُفْرِ فَمَا دُونَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاللِّسَانِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَمْرُ مِنْ مَحَاسِنِ الْكَلَامِ.
وَلَيْسَ لِلْجَنَانِ فِي مِثْلِ هَذَا كُلِّهِ إلَّا الْقَصْدُ إلَيْهِ وَالْعَزْمُ عَلَيْهِ مَعَ إخْلَاصِهِ لِلَّهِ عز وجل، إثْمُ الْمَعَاصِي أَعْظَمُ مِنْ إثْمِ
قَصْدِهَا، كَمَا أَنَّ أَجْرَ الطَّاعَاتِ أَعْظَمُ مِنْ أَجْرِ قَصْدِهَا، فَإِنَّ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام: «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ» ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ أَجْرَ النِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْعَمَلِ خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ الْمُجَرَّدِ عَنْ النِّيَّةِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه السلام وَعَدَ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ بِأَجْرٍ فَنَوَى عُثْمَانُ رضي الله عنه أَنْ يَحْفِرَهَا فَسَبَقَهُ إلَى حَفْرِهَا يَهُودِيٌّ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ» ، أَيْ نِيَّةُ عُثْمَانَ خَيْرٌ مِنْ حَفْرِ الْيَهُودِيِّ الْبِئْرَ، فَإِنَّ عُثْمَانَ يُؤْجَرُ عَلَى نِيَّةِ الْحَفْرِ وَإِنْ لَمْ يَحْفِرْ، وَلَا أَجْرَ لِلْيَهُودِيِّ بِحَفْرِهِ لِإِحْبَاطِهِ بِيَهُودِيَّتِهِ.
وَأَمَّا الشِّفَاهُ فَإِنَّهَا مُعِينَةٌ عَلَى الْكَلَامِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يَتَعَلَّقُ بِإِتْمَامِ الْكَلَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِهَا التَّقْبِيلُ الْمُحَرَّمُ وَالْمَأْمُورُ بِهِ، كَتَقْبِيلِ الْأَجْنَبِيَّاتِ وَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ.
وَأَمَّا الْأَفْوَاهُ وَالْبُطُونُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْقَى فِيهَا مَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ، وَيَجِبُ أَنْ يَطْرَحَ فِيهَا مَا يَجِبُ أَكْلُهُ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ.
وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَطْرَحَ فِيهَا مَا يُنْدَبُ إلَى أَكْلِهِ مِنْ الْوَلَائِمِ وَالضَّحَايَا وَالْهَدَايَا، وَكَذَلِكَ الِابْتِلَاعُ وَالْمَضْغُ بِالْأَسْنَانِ، وَالشُّرْبُ كَالْأَكْلِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ «أَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فِي الْحُسَيْنِ رضي الله عنه تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ» ، وَتَقَيَّأَ الْعُمَرَانِ رضي الله عنه لَحْمَ جَزُورٍ أَكَلَاهُ ثُمَّ تَبَيَّنَّ لَهُمَا أَنَّهُ حَرَامٌ، وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى مَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَنْ يَتَقَيَّأَهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعَلَّلَ ذَلِكَ بِدَفْعِ مَفْسَدَةِ الْإِسْكَارِ وَإِنْ كَانَ لِكَوْنِهَا مُحَرَّمَةً اطَّرَدَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَأْكُولَاتِ بِالْحَرَامِ فَيَحْرُمُ تَغْذِيَةُ الْأَجْسَادِ بِالْحَرَامِ كَمَا يَحْرُمُ بِنَاءُ الدُّورِ بِالْآلَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَيَجِبُ نَثْرَتُهَا إنْ
بُنِيَتْ بِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْغِذَاءَ قَدْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَبَطَلَتْ مَالِيَّتُهُ وَاسْتَقَرَّ بَدَلُهُ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ أَبْنِيَةِ الدُّورِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ غَذَّى شَاةً عَشْرَ سِنِينَ بِمَالٍ مُحَرَّمٍ، فَإِنَّ أَكْلَهَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّ اسْتِحَالَةَ الْأَغْذِيَةِ عَنْ صِفَاتِهَا إلَى صِفَاتِ الْأَعْضَاءِ إتْلَافٌ لَهَا لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهَا وَاسْتِحْقَاقِ مَالِكِهَا لِبَدَلِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا مَضَغَ الطَّعَامَ الْمَغْصُوبَ فِي الْأَفْوَاهِ فَقَدْ فَسَدَتْ مَالِيَّتُهُ وَبَطَلَتْ قِيمَتُهُ وَاسْتَقَرَّ بَدَلُهُ، فَهَلْ يَبْقَى اخْتِصَاصُ مَالِكِهِ كَمَا يَبْقَى الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ عَلَى اخْتِصَاصِ مَالِكِهِ إذْ بَطَلَتْ مَالِيَّتُهُ بِالْمَوْتِ فَيَحْرُمُ ابْتِلَاعُهُ؟ قُلْت: لَا يَبْطُلُ اخْتِصَاصُهُ كَمَا لَا يَبْطُلُ الِاخْتِصَاصُ بِالْعَبْدِ لِوُجُوبِ تَغْسِيلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَحَفْرِ قَبْرِهِ وَدَفْنِهِ عَلَى مَالِكِهِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ، وَلَا نُسَلِّمُ إبْطَالَ مَالِيَّتِهِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَيَجُوزُ إطْعَامُهُ لِلطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ وَالْأَطْفَالِ، وَإِنْ أَكَلَ مَا يَحْرُمُ لِضُرِّهِ كَالسَّمُومِ وَغَيْرِهَا وَجَبَ اسْتِقْيَاؤُهُ إذَا كَانَتْ دَافِعَةً لِضَرَرِهِ أَوْ لِبَعْضِ ضَرَرِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ ابْتَلَعَ جَوْهَرَةً لِغَيْرِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ اسْتِقَاءَتِهَا لَزِمَهُ اسْتِقَاءَتُهَا إذْ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا إلَى رَبِّهَا مَعَ الْإِمْكَانِ، وَتَسْلِيمُهَا بِالِاسْتِقَاءَةِ مُمْكِنٌ فِي الْحَالِ، وَرَدُّ الْمَغْصُوبَاتِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَيَتَعَلَّقُ بِالْأَفْوَاهِ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ التَّطْهِيرُ بِالْمَضْمَضَةِ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ كَمَا يَتَعَلَّقُ الِاسْتِنْشَاقُ وَغَسْلُ النَّجَاسَةِ بِبَوَاطِنِ الْأُنُوفِ وَيَتَعَلَّقُ بِالْأَفْوَاهِ أَيْضًا النَّهْيُ عَنْ فَتْحِهَا عِنْدَ التَّثَاؤُبِ، وَيَتَعَلَّقُ بِالْأُنُوفِ التَّحْمِيدُ عِنْدَ الْعُطَاسِ وَغَضُّ الصَّوْتِ بِهِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَيْضًا السُّجُودُ عَلَيْهَا نَدْبًا.
وَأَمَّا الْعُيُونُ: فَيَتَعَلَّقُ بِهَا غَسْلُهَا مِنْ الْأَنْجَاسِ دُونَ الْأَحْدَاثِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا.
وَأَمَّا الْآذَانُ: فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَغْسَالُ الْوَاجِبَةُ وَالْمَنْدُوبَةُ وَالْمَسْحُ فِي الْوُضُوءِ.
وَأَمَّا الْوُجُوهُ: فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْإِيجَابُ وَالنَّدْبُ، فَأَمَّا الْإِيجَابُ فَكَالسُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ.
وَأَمَّا النَّدْبُ فَكَالْإِطْرَاقِ فِي الصَّلَاةِ وَالْبَشَاشَةِ فِي وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْعَبُوسَةِ عِنْدَ الْإِنْكَارِ عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْفَاسِقِينَ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَيْضًا تَحْرِيمُ سَتْرِهَا فِي النِّسَاءِ فِي الْإِحْرَامِ وَاسْتِحْبَابُ كَشْفِهَا لِلرِّجَالِ فِيهِ.
وَأَمَّا الرُّءُوسُ: فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْغُسْلُ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمَسْحُ فِي الْوُضُوءِ، وَكَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِهَا تَضَمُّخُهَا بِالطِّيبِ وَاسْتِحْبَابِهِ فِي حَالِ الْإِحْلَالِ، وَقِيلَ الْإِحْرَامُ وَالْإِحْلَالُ، وَكَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِهَا تَحْرِيمُ سَتْرِهَا فِي الْإِحْرَامِ، وَكَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْغُسْلُ بِشُعُورِ الْوَجْهِ وَالْأَجْسَادِ، وَقَصِّ الشَّوَارِبِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ، وَتَقْصِيرِ شَعْرِ الرُّءُوسِ وَحَلْقِهَا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَكَذَلِكَ جَزُّ الشُّعُورِ حِيَالَ الْمَنَاكِبِ وَالْآذَانِ عَلَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ، وَيَتَعَلَّقُ بِالشُّعُورِ أَيْضًا تَحْرِيمُ دُهْنِهَا فِي حَالِ الْإِحْرَامِ.
وَأَمَّا الْأَيْدِي: فَيَتَعَلَّقُ بِهَا كُلُّ بَطْشٍ أُمِرَ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالرَّجْمِ وَالْجَلْدِ فِي الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ، وَكَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِهَا كِتَابَةُ مَا أُمِرْنَا بِكِتَابَتِهِ وَالرَّفْعِ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَفِي بَعْضِ الدَّعَوَاتِ، وَالْوَضْعِ عَلَى الرُّكَبِ فِي الرُّكُوعِ وَعَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ، وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِالْيُمْنَى مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ بَسْطُهَا إلَى كُلِّ مَصْلَحَةٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ، وَكَذَلِكَ قَبْضُهَا عِنْدَ كُلِّ مَفْسَدَةٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَكَذَلِكَ الْبُدَاءَةُ بِغُسْلِ الْأَيْمَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْأَغْسَالِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ، وَكَذَلِكَ انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ بِمَسِّ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ.
وَأَمَّا الْأَرْجُلُ: فَيَتَعَلَّقُ بِهَا كُلُّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ
كَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كُلُّ مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، فَأَمَّا الْمَصَالِحُ فَكَالْمَشْيِ إلَى الْمَسَاجِدِ وَإِلَى الْجِهَادِ وَإِلَى تَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ وَالْأَعْيَادِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالرَّمَلِ وَالْإِسْرَاعِ، وَصَفِّهَا مَعَ تَفْرِيقِهَا فِي قِيَامِ الصَّلَاةِ وَكَشْفِهَا فِي الْإِحْرَامِ.
وَأَمَّا الْمَفَاسِدُ: فَكَالْمَشْيِ إلَى كُلِّ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ.
وَأَمَّا الرُّكَبُ: فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا السُّجُودُ عَلَيْهَا وَنَصْبُهَا فِي حَالِ الرُّكُوعِ وَتَقْدِيمُهَا فِي الْوَضْعِ عَلَى الْأَيْدِي فِي السُّجُودِ.
وَأَمَّا الْأَصَابِعُ: فَيَتَعَلَّقُ بِهَا كُلُّ مَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ.
فَأَمَّا الْوَاجِبَاتُ فَكَالرَّمْيِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكِتَابَةِ مَا يَجِبُ كِتَابَتُهُ، وَأَمَّا الْمَنْدُوبَاتُ فَكَقَبْضِ أَصَابِعِ الْيَدِ الْيُمْنَى فِي التَّشَهُّدَيْنِ وَعَقْدِ الْإِبْهَامِ مَعَ الْمُسَبِّحَةِ وَرَفْعِ الْمُسَبِّحَةِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَبَسْطِ أَصَابِعِ الْيَدِ الْيُسْرَى عَلَى الْفَخِذِ الْيُسْرَى، وَفَتْحِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فِي السُّجُودِ، وَالْبُدَاءَةِ بِتَخْلِيلِ خِنْصَرِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى، وَالْخَتْمِ بِخِنْصَرِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ الْيُسْرَى، لِأَنَّ خِنْصَرَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى هِيَ يَمِينُ أَصَابِعِهَا وَإِبْهَامَهَا هُوَ يَمِينُ إبْهَامِ الرِّجْلِ الْيُسْرَى وَإِبْهَامَ الرِّجْلِ الْيُسْرَى يَمِينُ الَّتِي تَلِيهَا.
وَكَذَلِكَ إلَى آخِرِهَا، وَكَذَلِكَ مَسْحُ الْآذَانِ بِأَصَابِع الْيَدَيْنِ وَلَمْ يُقَدِّمْ الشَّرْعُ مَسْحَ يَمِينِ الْأُذُنَيْنِ عَلَى يُسْرَاهُمَا إذْ لَا فَضْلَ لِيُمْنَاهُمَا عَلَى يُسْرَاهُمَا فِي الْمَصْلَحَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُمَا.
وَكَذَلِكَ لَمْ يُقَدِّمْ يَمِينَ الْخَدَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِخِلَافِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ فَإِنَّهُ قُدِّمَتْ يُمْنَاهَا عَلَى يُسْرَاهَا فِي الطَّهَارَاتِ وَالْمُصَافَحَاتِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالذَّبْحِ لِتَمْيِيزِهَا بِالْقُوَى الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِيهَا وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْعُضْوَيْنِ فَكَانَ مِنْ تَعْظِيمِ الْعِبَادَةِ وَشُكْرِ النِّعَمِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيهَا أَفْضَلَ الْعُضْوَيْنِ، وَلَمَّا شُرِّفَتْ بِمُبَاشَرَةِ الْعِبَادَاتِ كُرِهَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا وَأَنْ يَمَسَّ بِهَا
السَّوْآتِ، وَكَذَلِكَ لَا يَبْدَأُ بِهَا فِي الدُّخُولِ فِي الْحُشُوشِ وَلَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُقَابَلَةَ الشَّرِيفِ بِالشَّرِيفِ حَسَنَةٌ فِي الْعُقُولِ، وَكَذَلِكَ يَبْدَأُ بِهَا فِي الِانْتِقَالِ لِأَنَّهُ إكْرَامٌ لَهَا وَيُؤَخِّرُ نَزْعَهَا لِذَلِكَ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى بُدِئَ بِوَجْهِ الْبَيْتِ فِي الطَّوَافِ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ جُدْرَانِهِ، وَابْتُدِئَ بِالطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِأَنَّهُ يَمِينُ الْبَيْتِ فَيَبْدَأُ الطَّائِفُ بِوَجْهِ الْبَيْتِ مِنْ يَمِينِ الْوَجْهِ، وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ إلَى مَكَّةَ مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ لِأَنَّ الدَّاخِلَ مِنْهَا يَأْتِي الْبَيْتَ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، وَلَا يُؤْتَى مِنْ وَرَائِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَلِشَرَفِ وَجْهِ الْبَيْتِ أُمِرْنَا بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إلَيْهِ دُونَ سَائِرِ جِهَاتِهِ وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي كُلِّ مَنْ جَاءَ إلَى بَيْتٍ مُكَرِّمًا لِرَبِّهِ أَوْ زَائِرًا فَإِنَّهُ يَأْتِيهِ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ الَّذِي فِيهِ بَابُهُ، وَعَلَيْهِ يَقِفُ الْقَاصِدُونَ، وَلِذَلِكَ تُزَخْرِفُ النَّاسُ وُجُوهَ بُيُوتِهِمْ الَّتِي فِيهَا أَبْوَابُهُمْ، وَكُلُّ مَنْ أَتَى الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا فَقَدْ أَصَابَ.
وَسُمِّيَ الْيَمِينُ يَمِينًا لِوُقُوعِهِ عَلَى يَمِينِ الْبَيْتِ، وَسُمِّيَ الشَّامُ شَامًا لِأَنَّهُ عَلَى شَامَةِ الْبَيْتِ، وَسُمِّيَ الدَّبُّورُ دَبُورًا لِأَنَّهَا تَأْتِي مِنْ قِبَلِ دُبُرِ الْبَيْتِ وَبَابُهُ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ هَهُنَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَابَلْتُهُ كَانَ مَا حِذَاءُ يَمِينُكَ يَسَارًا لَهُ وَمَا حِذَاءُ يَسَارِك يَمِينًا لَهُ، وَلِذَلِكَ يُسَمَّى جَانِبَاهُ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ وَلِذَلِكَ يُسَمَّى جَانِبَاهُ الْآخَرَانِ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ، وَكَذَلِكَ قَدَّمْنَا الْأَعَالِيَ عَلَى الْأَسَافِلِ فِي الطَّهَارَةِ لِشَرَفِهَا فَبُدِئَ بِالْوَجْهِ لِشَرَفِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَلِمَا اشْتَمَلَ مِنْ الْحَوَاسِّ وَالنُّطْقِ، وَثَنَّى بِالْيَدَيْنِ لِكَثْرَةِ جَدْوَاهُمَا فِي الطَّاعَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدَّمَ الرَّأْسَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ لِشَرَفِهِ عَلَيْهِمَا وَلَا سِيَّمَا لِمَا اسْتَوْدَعَ فِيهِ مِنْ الْقُوَى الدَّارِكَةِ وَالْقُوَى الْمُوجِبَةِ لِحَرَكَاتِ الْأَعْضَاءِ وَأُخِّرَتْ الرِّجْلَانِ لِتَقَاعُدِهِمَا عَمَّا ذَكَرْنَاهُ.
وَقَدْ أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ وَخَالَفَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لَا يَجِبُ تَرْتِيبُ الْغُسْلِ وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَقُدِّمَتْ الْمَضْمَضَةُ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ لِشَرَفِ مَنَافِعِ الْفَمِ عَلَى مَنَافِعِ الْأَنْفِ
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ بُدِئَ بِغَسْلِ الْفَرْجَيْنِ فِي الْإِغْسَالِ؟ قُلْنَا: بُدِئَ بِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَوْ أُخِّرَا لَانْتَقَضَتْ الطَّهَارَةُ بِمَسِّهِمَا فَقُدِّمَا مُحَافَظَةً عَلَى الطَّهَارَةِ مِنْ الِانْتِقَاضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ فِي طَاعَةٍ، وَقَدْ خَرَجَ عَمَّا ذَكَرْتُهُ فِي تَقْدِيمِ الْيُمْنَى بِالشَّرَفِ، حَلْقُ الرَّأْسِ مَعَ تَسَاوِي الشَّعْرِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَوْدَيْنِ.
وَكَذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ نَادِرَةٍ كَكُحْلِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَقَصِّ إحْدَى الشَّارِبَيْنِ.
وَأَمَّا تَقْلِيمُ أَظْفَارِ الْيَدَيْنِ فَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْأَفْضَلِ الْأَنْفَعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالْمُسَبِّحَةِ وَالْإِبْهَامِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبُدَاءَةِ أَشْيَاءَ لَا أَصْلَ لَهَا، وَلَعَلَّ الْبُدَاءَةَ بِيُمْنَى الْمُتَسَاوِيَيْنِ تُفْعَلُ تَيَمُّنًا وَتَفَاؤُلًا بِالْيُمْنَى وَالْبَرَكَةِ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يُحِبُّ الْفَأْلَ وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ» ، لِأَنَّ التَّفَاؤُلَ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ وَالتَّطَيُّرَ سُوءُ ظَنٍّ بِاَللَّهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى، «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَيَظُنُّ بِي مَا شَاءَ» ، وَالتَّفَاؤُلُ أَنْ يَرَى أَوْ يَسْمَعَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخَيْرِ فَيَرْجُوَهُ وَيَطْلُبَهُ وَذَلِكَ حُسْنُ ظَنٍّ بِاَللَّهِ، وَالطِّيَرَةُ أَنْ يَرَى أَوْ يَسْمَعَ مَا يَدُلُّ عَلَى الشَّرِّ فَيَخَافَهُ وَيَرْهَبَهُ، وَذَلِكَ سُوءُ ظَنٍّ بِاَللَّهِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اسْتَحَبَّ حُسْنَ الظَّنِّ عِنْدَ الْمَوْتِ وَتَرَكَ الْخَوْفَ بِمَعْزِلٍ؟ قُلْت: لِأَنَّهُ إنَّمَا شَرَعَ الْخَوْفَ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ زَاجِرَةٌ عَنْ الْعِصْيَانِ، وَإِذَا حَضَرَ الْمَوْتُ انْقَطَعَتْ الْمَعَاصِي فَسَقَطَ الْخَوْفُ الَّذِي هُوَ رَادِعٌ عَنْهَا مَانِعٌ مِنْهَا بِخِلَافِ حُسْنِ الظَّنِّ.
وَأَمَّا الْأَنَامِلُ فَإِدْخَالُهَا فِي صِمَاخَيْ الْأُذُنَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ عَدَدِ التَّسْبِيحَاتِ وَالتَّكْبِيرَاتِ الْمَأْمُورِ بِعَدِّهَا، وَالْكِتَابَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَالْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَكُلُّ ذَلِكَ فِعْلٌ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِهَا، وَكَذَلِكَ اسْتِحْبَابُ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ لِلْمُحِلِّينَ وَتَحْرِيمُ قَلْمِهَا عَلَى الْمُحْرِمِينَ، وَتَرْكُ قَلْمِهَا فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِلْمُضَحِّينَ.