المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فائدة القول قول المدعى عليه] - قواعد الأحكام في مصالح الأنام - جـ ٢

[عز الدين بن عبد السلام]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَفُوتُ مِنْ الْمَصَالِحِ أَوْ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَعَ النِّسْيَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُنَاسَبَةِ الْعِلَلِ لِأَحْكَامِهَا وَزَوَالِ الْأَحْكَامِ بِزَوَالِ أَسْبَابِهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا خَلَفَ الْعِلَّةَ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ حُكْمَ الْأُولَى]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُتَدَارَكُ إذَا فَاتَ بِعُذْرٍ وَمَا لَا يُتَدَارَكُ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ مَنْ كُلِّفَ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ فَقَدَرَ عَلَى بَعْضِهِ وَعَجَزَ عَنْ بَعْضِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَخْفِيفَاتِ الشَّرْعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَشَاقِّ الْمُوجِبَةِ لِلتَّخْفِيفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَقْتَضِيهِ النَّهْيُ مِنْ الْفَسَادِ وَمَا لَا يَقْتَضِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ عَلَى الظُّنُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْغَرِيمِ إذَا دُعِيَ إلَى الْحَاكِمِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا لَزِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إحْضَارُ الْعَيْنِ لِتَقُومَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْحَقَّ مُسْنَدًا إلَى سَبَبٍ فَنَفَاهُ أَوْ نَفَى سَبَبَهُ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْقَوْل قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَقْدَحُ فِي الظُّنُونِ مِنْ التُّهَمِ وَمَا لَا يَقْدَحُ فِيهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ شَهِدَتْ بِحَقٍّ آخَرَ]

- ‌[فَائِدَةٌ لَا تُرَدُّ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ أَنَّهُ طَلَّقَ ضَرَّةَ أُمِّهِ ثَلَاثًا]

- ‌[فَائِدَةٌ شَهِدَ الْفَاسِقُ الْمُسْتَخْفِي بِفِسْقِهِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَأَعَادَهَا بَعْدَ الْعَدَالَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ بَحْثُ الْحَاكِمِ عَنْ الشُّهُودِ عِنْدَ الرِّيبَةِ وَالتُّهْمَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْغَرَضُ مِنْ نَصْبِ الْقُضَاةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ إخْبَارِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إنَّمَا شُرِطَ الْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ قَوْلُ الْحَاكِمِ هَلْ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمًا]

- ‌[فَائِدَةٌ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْبَاطِنِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فِي فَسْخٍ وَلَا عَقْدٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ قَوْلَ الْحَاكِمِ ثَبَتَ عِنْدِي]

- ‌[فَائِدَةٌ ادَّعَى رَجُلٌ رِقَّ إنْسَانٍ يَسْتَسْخِرُهُ وَيَنْطَاعُ انْطِيَاعَ الْعَبْدِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِمَّنْ يُخْبِرُ عَنْ الْوَاقِعَةِ عَنْ سَمَاعٍ أَوْ مُشَاهَدَةٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا أَمَرَ الْقَاضِي أَوْ الْوَالِي بِمَا هُوَ مَحْبُوبٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ]

- ‌[فَائِدَةٌ حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي مَحَلٍّ يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ وَهِيَ ضَرْبَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَعَارُضِ أَصْلٍ وَظَاهِرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَصْلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ ظَاهِرَيْنِ]

- ‌[فَائِدَةٌ يُحْكَمُ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ أَوْ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِصْحَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ كَذِبِ الظُّنُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَصَالِحِ الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ التَّكَالِيفُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ حَقَائِقِ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي نَقْلِ الْحَقِّ مِنْ مُسْتَحِقٍّ إلَى مُسْتَحِقٍّ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي إسْقَاطِ الْحُقُوقِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْقَبْضِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِقْبَاضِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ غَائِبًا]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْتِزَامِ الْحُقُوقِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ الْخَلْطُ وَالشَّرِكَةُ ضَرْبَانِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ إنْشَاءُ الْمِلْكِ فِيمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ الِاخْتِصَاصُ بِالْمَنَافِعِ]

- ‌[الْبَابُ التَّاسِعُ فِي الْإِذْنِ]

- ‌[الْبَابُ الْعَاشِرُ الْإِتْلَافُ]

- ‌[الْبَابُ الْحَادِيَ عَشْرَ التَّأْدِيبُ وَالزَّجْرُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَصَرُّفِ الْوُلَاةِ وَنُوَّابِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَسْرِي مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي أَلْفَاظِ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْأَسْبَابِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْمُنَاسَبَةُ فِي الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْسِيمِ الْمَوَانِعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشَّرْطِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الشُّبُهَاتِ الْمَأْمُورِ بِاجْتِنَابِهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا كَانَ حَرَامًا بِوَصْفِهِ وَسَبَبِهِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا أَكَلَ بُرًّا مَغْصُوبًا أَوْ شَاةً مَغْصُوبَةً]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا يَحْرُمُ بِوَصْفِهِ لَا يَحِلُّ إلَّا لِضَرُورَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّقْدِيرِ عَلَى خِلَافِ التَّحْقِيقِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا يُقْبَلُ مِنْ التَّأْوِيلِ وَمَا لَا يُقْبَلُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ أَطْلَقَ لَفْظًا لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمُقْتَضَاهُ]

- ‌[فَائِدَةٌ اللَّفْظُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ فِي اللُّغَةِ أَوْ الْعُرْفِ]

- ‌[فَائِدَةٌ تَعْلِيقُ التَّصَرُّفِ عَلَى الْمَشِيئَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا أُثْبِتَ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ هَلْ لَا يَلْحَق الْوَلَدَ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُر]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنْزِيلِ دَلَالَةِ الْعَادَاتِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَنْزِلَةَ صَرِيحِ الْأَقْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْأَلْفَاظِ عَلَى ظُنُونٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ الْعَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الْعَالِمُ وَالْحَاكِمُ وَمَا لَا يُثَابَانِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْيَدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُرْبِ وَالِاتِّصَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْغَالِبِ وَالْأَغْلَبِ فِي الْعَادَاتِ وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي اخْتِلَافِ أَحْكَامِ التَّصَرُّفَاتِ لِاخْتِلَافِ مَصَالِحِهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْعُقُوبَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْقِسْمَةُ الْمُجْبَرُ عَلَيْهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي اخْتِلَافِ مَصَالِحِ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَالْقِصَاصَ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا شَهِدَ اثْنَانِ بِالزُّورِ عَلَى تَصَرُّفٍ ثُمَّ رَجَعَا]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ وَمَنْ تَجُوزُ طَاعَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الشُّبُهَاتِ الدَّارِئَةِ لِلْحُدُودِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذْكَارِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْأَذْكَارُ الْمَشْرُوعَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُخْتَرَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السُّؤَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْبِدَعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاقْتِصَادِ فِي الْمَصَالِحِ وَالْخُيُورِ]

- ‌[فَائِدَةٌ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ السَّمَاعُ الْمَحْمُودُ إلَّا عِنْدَ ذِكْرِ الصِّفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْفَضَائِلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْرِيفِ مَا يَظْهَرُ مِنْ مَعَارِفِ الْأَوْلِيَاءِ وَأَحْوَالِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ النَّاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الْحَادِثَاتِ عَلَى بَعْضِ الْجَوَاهِرِ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ النُّبُوَّةُ أَمْ الْإِرْسَالُ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا اسْتَوَى اثْنَانِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ]

الفصل: ‌[فائدة القول قول المدعى عليه]

مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُهُ بِنَفْيِ سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ قَدْ تَتَحَقَّقُ وَيَسْقُطُ حُقُوقُهَا وَمَوَاجِبِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا، فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ مَا بَاعَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْبَيْعُ ثُمَّ تَقَعُ الْإِقَالَةُ بَعْدَهُ، أَوْ الْفَسْخُ أَوْ الْإِبْرَاءُ مِنْ الثَّمَنِ، فَلَوْ كُلِّفَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى نَفْيِ الْبَيْعِ لِتَضَرُّرٍ، فَإِنَّهُ إنْ صَدَقَ أُلْزِمَ بِمُوجِبِ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَذَبَ فَقَدْ حَلَفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا كَذِبًا لَا تَدْعُوا الْحَاجَةُ إلَيْهِ، إذْ لَهُ عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ بِنَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ الْخَصْمِ.

وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ قَدْ يَتَعَقَّبُهَا مِنْ الْفَسْخِ، أَوْ الْإِبْرَاءِ، أَوْ الْإِقَالَةِ مَا يَقْطَعُ اسْتِحْقَاقَهَا، وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ قَدْ يَرْتَفِعُ بِالْإِبَانَةِ وَالْفُسُوخِ، فَلَوْ اعْتَرَفَ بِهِ لَأُلْزِمَ بِحُكْمِهِ وَمُوجِبِهِ، وَفِيهِ إضْرَارٌ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقِصَاصِ وَالْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ قَدْ يَقَعُ بَعْدَهَا عَفْوٌ أَوْ صُلْحٌ يُسْقِطُ مُوجَبَهَا، فَإِذَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ فَقَدْ نَفَى الْمَقْصُودَ بِالدَّعْوَى وَسَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْمُؤَاخَذَاتِ، وَلَوْ أُلْزِمَ الْحَلِفَ عَلَى نَفْيِ السَّبَبِ مَعَ تَحَقُّقِهِ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْحَلِفِ كَاذِبًا مَعَ أَنَّ كَذِبَهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالسَّبَبِ خَوْفًا مِنْ الْكَذِبِ تَضَرَّرَ بِإِلْزَامِهِ حَقًّا قَدْ سَقَطَ، فَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَقِّهِ فِي ذَلِكَ، وَبَيْنَ حَقِّ الْخَصْمِ فِي الْإِجَابَةِ لِنَفْيِ الْحَقِّ دَفْعًا بَيْنَ حَقَّيْهِمَا مِنْ غَيْرِ تَعْرِيضِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِضَرَرِ دِينِهِ أَوْ حَقِّهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ الْإِنْصَافِ الَّذِي يُبْنَى الْقَضَاءُ عَلَى أَمْثَالِهِ.

[فَائِدَةٌ الْقَوْل قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

(فَائِدَةٌ) إنْ قِيلَ كَيْفَ جَعَلْتُمْ الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ كَذِبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُمْكِنٌ؟ قُلْنَا: جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهُ لِظُهُورِ صِدْقِهِ فَإِنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الْحُقُوقِ، وَبَرَاءَةُ جَسَدِهِ مِنْ الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ، وَبَرَاءَتُهُ مِنْ الِانْتِسَابِ إلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَمِنْ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَالْأَفْعَالِ بِأَسْرِهَا، وَكَذَلِكَ الْأَصْلُ عَدَمُ إسْقَاطِ مَا ثَبَتَ لِلْمُدَّعِي مِنْ الْحُقُوقِ وَعَدَمِ نَقْلِهَا.

فَيَدْخُلُ فِي هَذَا جَمِيعُ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ حَتَّى الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ،

ص: 32

وَكَذَلِكَ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مُخْتَصٌّ بِهِ فَجَعَلْنَا عَلَيْهِ لِرُجْحَانِ جَانِبِهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَقَوَّيْنَا الظَّنَّ الْمُسْتَنِدَ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ بِالظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْيَمِينِ، فَإِنْ نَكَلَ زَالَ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَجَسَدِهِ وَيَدِهِ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ وَازِعٌ عَنْ النُّكُولِ الْمُوجِبِ لِحَلِفِ الْمُدَّعِي بِمَا يَضُرُّ الْإِنْسَانَ فِي ذِمَّتِهِ وَجَسَدِهِ وَيَدِهِ فَرَجَّحَ بِذَلِكَ جَانِبُ الْمُدَّعِي فَعُرِضَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ لِيَحْصُلَ لَنَا الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ النُّكُولِ، وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الظَّنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ النُّكُولِ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ لِقُوَّتِهِ وَشِدَّةِ ظُهُورِهِ، فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ قُدِّمَتْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْهَا أَقْوَى وَأَظْهَرُ مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ تَحْلِيفِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أُمِرَ الْأَئِمَّةُ وَالْحُكَّامُ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُسْتَحَقِّينَ وَالْمُتَخَاصَمِينَ وَقَدْ فَاوتُمْ بَيْنَهُمْ فَقَدَّمْتُمْ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ قُلْنَا: أَمَّا الْحَاكِمُ فَيُسَوِّي بَيْنَ الْخُصُومِ مِنْ وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْإِقْبَالِ وَالْإِعْرَاضِ وَالنَّظَرِ وَالْمَجْلِسِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَمَلِ بِالظُّنُونِ فَيَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَ كُلِّ مُدَّعٍ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ كَالْقَسَامَةِ وَاللِّعَانِ، فَيُسَوِّي فِيهِ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ، وَكَذَلِكَ يُسَوِّي بَيْنَ النِّسَاءِ فِي دَرْءِ الْحُدُودِ بِاللِّعَانِ، وَكَذَلِكَ يُسَوِّي بَيْنَ الْخُصُومِ فِي تَحْلِيفِ كُلِّ مُدَّعٍ بَعْدَ النُّكُولِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَاكَلَا وَلَمْ يَحْلِفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَيُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي صَرْفِهِمَا.

وَأَمَّا الْإِمَامُ فَيَلْزَمُهُ مِثْلُ مَا لَزِمَ الْحَاكِمَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُقَدِّمَ الضَّرُورَاتِ عَلَى الْحَاجَاتِ فِي حَقِّ جَمِيعِ النَّاسِ.

وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ فِي تَقْدِيمِ أَضَرِّهِمْ فَأَضَرِّهِمْ وَأَمَسِّهِمْ حَاجَةً فَأَمَسِّهِمْ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ لَيْسَتْ مِنْ مَقَادِيرِ مَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ الْإِمَامُ، بَلْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ أَنْ يَدْفَعَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَدْفَعُ بِهِ

ص: 33

حَاجَتَهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى تَفَاوُتِ مَقَادِيرِهِ فَيَتَسَاوَوْا فِي انْدِفَاعِ الْحَاجَاتِ، وَكَذَلِكَ يُسَوِّي بَيْنَ النَّاسِ فِي نَصْبِ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّاتِ، وَلَا يُخْلِي كُلَّ قُطْرٍ مِنْ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ، وَلَا يُخْلِي الثُّغُورَ مِنْ كِفَايَتِهَا مِنْ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالْأَجْنَادِ الَّذِينَ يُرْجَى مِنْ مِثْلِهِمْ كَفُّ الْفَسَادِ وَدَرْءُ الْكُفَّارِ وَعَرَامَةِ الْفُجَّارِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَصَرَّفُ بِهِ الْأَئِمَّةُ.

وَإِذَا قَسَمَ الْإِمَامُ الْأَمْوَالَ فَلْيُقَدِّمْ الْأَفْضَلَ فَالْأَفْضَلَ مِنْهُمْ فِي تَسْلِيمِ نَصِيبِهِ إلَيْهِ كَيْ لَا تَنْكَسِرَ قُلُوبُ الْفُضَلَاءِ بِتَأْخِيرِهِمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَفْضُولُ أَعْظَمَ ضَرُورَةً وَأَمَسَّ حَاجَةً فَيَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ الْفَاضِلِ؛ لِأَنَّ الْفَاضِلَ إذَا عَرَفَ ضَرُورَةَ الْمُضْطَرِّ رَقَّ لَهُ، وَهَانَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهُ.

فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جَعَلْتُمْ الْقَوْلَ قَوْلَ بَعْضِ الْمُدَّعِينَ مَعَ يَمِينِهِ ابْتِدَاءً؟ قُلْنَا: فَعَلْنَا ذَلِكَ إمَّا لِتَرَجُّحِ جَانِبِهِ، أَوْ لِإِقَامَةِ

مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ

، أَوْ لِدَفْعِ ضَرُورَةٍ خَاصَّةٍ.

فَأَمَّا تَرَجُّحُ جَانِبِهِ فَلَهُ مِثَالَانِ: أَحَدُهُمَا: دَعْوَى الْقَتْلِ مَعَ اللَّوْثِ، فَإِنَّ اللَّوْثَ قَدْ رُجِّحَ جَانِبُهُ بِالظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ اللَّوْثِ فَانْتَقَلَتْ الْيَمِينُ إلَى جَانِبِهِ، ثُمَّ أَكَّدْنَا الظَّنَّ بِتَحْلِيفِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ بُعْدِ الْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ بِخَمْسِينَ كَاذِبَةً، فَأَوْجَبْنَا الدِّيَةَ لِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ صِدْقِهِ، وَفِي إيجَابِ الْقَوْلِ بِمِثْلِ هَذَا الظَّنِّ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.

الْمِثَالُ الثَّانِي: قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ، فَإِنَّ صِدْقَهُ فِيهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الزَّوْجِ نَفْيُ الْفَوَاحِشِ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَأَنَّهُ يَتَعَيَّرُ بِظُهُورِ زِنَاهَا، وَلَوْلَا صِدْقُهُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ لَمَا أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا ظَهَرَ صِدْقُهُ ضَمَمْنَا إلَى هَذَا الظُّهُورِ

ص: 34

الظُّهُورَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ أَيْمَانِ اللِّعَانِ، وَأَكَّدْنَا ذَلِكَ بِدُعَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِاللَّعْنِ الَّذِي لَا يَقْدُمُ عَلَيْهِ غَالِبًا إلَّا صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ، فَإِذَا تَمَّ لِعَانُهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَدِّ الْمَرْأَةِ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ، فَذَهَبَ إلَى أَنَّهَا لَا تُحَدُّ لِضَعْفِ هَذِهِ الْحُجَّةِ وَرَأْيُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهَا تُحَدُّ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ عز وجل:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 8] حَمْلًا لِلْعَذَابِ عَلَى الْجَلْدِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] ، وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَادِرَةٌ عَلَى دَرْءِ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّ الْمُقْتَصَّ مِنْهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَرْئِهِ.

وَأَمَّا قَبُولُ قَوْلِ الْمُدَّعِي لِإِقَامَةِ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا: قَبُولُ قَوْلِ الْأُمَنَاءِ فِي تَلَفِ الْأَمَانَةِ لَوْ لَمْ يَشْرَعْ لِزُهْدِ الْأُمَنَاءِ فِي قَبُولِ الْأَمَانَاتِ وَلَفَاتَتْ الْمَصَالِحُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى حِفْظِ الْأَمَانَاتِ.

الْمِثَالُ الثَّانِي: قَبُولُ قَوْلِ الْحُكَّامِ فِيمَا يَدَّعُونَهُ مِنْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ لَفَاتَتْ مَصَالِحُ تِلْكَ الْأَحْكَامِ لِرَغْبَةِ الْحُكَّامِ عَنْ وِلَايَةِ الْأَحْكَامِ.

الْمِثَالُ الثَّالِثُ: قَبُولُ قَوْلِ الْمُدَّعِي رَدَّ الْأَمَانَةِ عَلَى مُسْتَحَقِّهَا وَلِلْأَمِينِ فِي ذَلِكَ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَمِينًا مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيِّ يَدَّعِي رَدَّ الْمَالِ عَلَى الْيَتِيمِ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَادَّعَى رَدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا الَّذِي لَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَيْهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ لِتَيَسُّرِ الْإِشْهَادِ عَلَى الرَّدِّ فَإِذَا فَرَّطَ فِي الْإِشْهَادِ لَمْ نُخَالِفْ الْقَوَاعِدَ وَالْأُصُولَ؛ لِأَجْلِ تَفْرِيطِهِ.

وَأَمَّا مَا يُقْبَلُ فِي قَوْلِ الْمُدَّعِي لِرَفْعِ ضَرُورَةٍ خَاصَّةٍ: فَكَالْغَاصِبِ يَدَّعِي تَلَفَ الْمَغْصُوبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ رَدَدْنَا قَوْلَهُ لَأَدَّى إلَى أَنْ نُخَلِّدَهُ فِي الْحَبْسِ إلَى مَوْتِهِ، وَيَجِبُ طَرْدُ هَذَا فِي كُلِّ يَدٍ ضَامِنَةٍ كَيَدِ الْمُسْتَعِيرِ.

ص: 35