الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رُتَبٌ عَالِيَةٌ، وَرُتَبٌ دَانِيَةٌ، وَرُتَبٌ مُتَوَسِّطَةٌ.
فَإِنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى أَدْنَاهُنَّ، إذْ لَا ضَبْطَ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا، فَإِذَا وَصَفَ الْجَارِيَةَ بِإِشْرَاقِ اللَّوْنِ، أَوْ بِالْكُحْلِ، أَوْ بِالْبَيَاضِ حُمِلَ عَلَى أَقَلِّ رُتَبِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصِّفَاتِ، فَهَلَّا قُلْتُمْ بِالْحَمْلِ هَهُنَا عَلَى أَدْنَى رُتَبِ الْمَشَاقِّ لِعُسْرِ ضَبْطِ رُتَبِ الْمَشَاقِّ الزَّائِدَةِ عَلَى أَدْنَاهُنَّ؟ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ تَفْوِيتُ مَصَالِحِ الْعِبَادَاتِ مَعَ عِظَمِهَا وَشَرَفِهَا بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَشَاقِّ مَعَ خِفَّتِهَا وَسُهُولَةِ تَحَمُّلِهَا، بَلْ تَحَمُّلُ هَذِهِ الْمَشَاقِّ لَا وَزْنَ لَهُ فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ مَصَالِحَ الْعِبَادَاتِ بَاقِيَةٌ أَبَدَ الْآبِدِينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ مَعَ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا مِنْ رِضَا رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلِذَلِكَ كَانَ اجْتِنَابُ التَّرَخُّصِ فِي مُعْظَمِ هَذِهِ الْمَشَاقِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَحَمُّلَ الْمَشَاقِّ فِيهَا أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ تَعَاطِيهِ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَضْلِ تَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ؛ لِأَجْلِ اللَّه.
وَإِنَّمَا حَمَلْنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ عَلَى الْأَقَلِّ تَحْصِيلًا لِمَقَاصِدِ الْمُعَامَلَاتِ وَمَصَالِحِهَا، فَإِنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْأَعْلَى يُؤَدِّي فِي السَّلَمِ إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ، وَهِيَ مُبْطِلَةٌ لِلسَّلَمِ، وَالْحَمْلُ فِي الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْبُيُوعِ عَلَى الْأَعْلَى يُؤَدِّي إلَى كَثْرَةِ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ، وَالْحَمْلُ عَلَى مَا بَيْنَهُمَا لَا ضَابِطَ لَهُ، وَلَا وُقُوفَ عَلَيْهِ؛ فَتَعَذَّرَ تَجْوِيزُهُ؛ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]
الْمَصَالِحُ الَّتِي أَمَرَ الشَّرْعُ بِتَحْصِيلِهَا ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَصَالِحُ الْإِيجَابِ.
وَالثَّانِي: مَصَالِحُ النَّدْبِ.
وَالْمَفَاسِدُ الَّتِي أَمَرَ الشَّرْعُ بِدَرْئِهَا ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَفَاسِدُ الْكَرَاهَةِ.
الثَّانِي: مَفَاسِدُ التَّحْرِيمِ.
وَالشَّرْعُ يَحْتَاطُ لِدَرْءِ مَفَاسِدِ الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ، كَمَا يَحْتَاطُ لِجَلْبِ مَصَالِحِ النَّدْبِ وَالْإِيجَابِ، وَالِاحْتِيَاطُ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَا يَنْدُبُ إلَيْهِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْوَرَعِ، كَغُسْلِ الْيَدَيْنِ ثَلَاثًا إذَا قَامَ مِنْ النَّوْمِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ، وَكَالْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ تَقَارُبِ الْمَأْخَذِ، وَكَإِصْلَاحِ الْحُكَّامِ بَيْنَ الْخُصُومِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَكَاجْتِنَابِ كُلِّ مَفْسَدَةٍ مُوهِمَةٍ، وَفِعْلِ كُلِّ مَصْلَحَةٍ مُوهِمَةٍ؛ فَمَنْ شَكَّ فِي عَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ، أَوْ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ، أَوْ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ، فَلْيُعِدْهُ بِشُرُوطِهِ وَأَرْكَانِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ فَرَغَ مِنْ عِبَادَةٍ، ثُمَّ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِهَا، أَوْ شَرَائِطهَا بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ، فَالْوَرَعُ أَنْ يُعِيدَهَا، فَلَوْ شَكَّ فِي إبْرَاءٍ مِنْ دَيْنٍ، أَوْ تَعْزِيرٍ، أَوْ حَدٍّ، أَوْ قِصَاصٍ؛ فَلْيُبْرِئْ مِنْ ذَلِكَ لِيَحْصُلَ عَلَى جَزَاءِ الْمُحْسِنِينَ، وَيَبْرَأَ خَصْمُهُ بِيَقِينٍ، وَإِنْ شَكَّ فِي إعْتَاقٍ، أَوْ نِكَاحٍ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلْيُجَدِّدْ النِّكَاحَ وَالْإِعْتَاقَ، وَإِنْ شَكَّ أَطْلَقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَلْيُجَدِّدْ رَجْعَةً وَنِكَاحًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، فَلْيُجَدِّدْ النِّكَاحَ، وَإِنْ شَكَّ أَطْلَقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، فَإِنْ أَرَادَ بَقَاءَ النِّكَاحِ مَعَ الْوَرَعِ، فَلْيُطَلِّقْ طَلْقَةً مُعَلَّقَةً عَلَى نَفْيِ الطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ، بِأَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَكُنْ طَلَّقْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ كَيْ لَا يَقَعَ عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ، وَإِنْ شَكَّ فِي الطَّلْقَةِ أَرَجْعِيَّةٌ هِيَ أَمْ خُلْعٌ فَلْيَرْتَجِعْ، وَلْيُجَدِّدْ النِّكَاحَ؛ لِأَنَّهَا إنْ تَكُنْ رَجْعِيَّةً، فَقَدْ تَلَافَاهَا بِالرَّجْعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ خُلْعًا، فَقَدْ تَلَافَاهَا، وَإِنْ شَكَّ فِي حَالِ الْمَالِ الْمُخْرَجِ فِي الزَّكَاةِ، أَوْ الْكَفَّارَةِ، أَوْ الدُّيُونِ، فَلْيُعِدْ ذَلِكَ، وَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، فَالْوَرَعُ أَنْ يُحْدِثَ، ثُمَّ يَتَطَهَّرَ، فَإِنْ تَطَهَّرَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ،
فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْوَرَعَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ؛ لِعَجْزِهِ عَنْ جَزْمِ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الطَّهَارَةِ يَمْنَعُهُ مِنْ الْجَزْمِ، كَمَا أَنَّ بَقَاءَ شَعْبَانَ يَمْنَعُ مِنْ جَزْمِ نِيَّةِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، وَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى أُصُولِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، رحمه الله، مِنْ جِهَةِ أَنَّ اسْتِصْحَابَ الْأَصْلِ قَدْ مَنَعَ الْجَزْمَ وَالْإِجْزَاءَ فِي مَسَائِلَ شَتَّى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ هَذَا، وَلَوْ الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْمَنِيُّ بِالْمَذْيِ فَلْيُجَامِعْ ثُمَّ يَغْتَسِلْ لِجَزْمِ النِّيَّةِ، فَإِنْ اغْتَسَلَ مِنْ غَيْرِ جَنَابَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْزِئَهُ إلَّا فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، لَا أَنَّ اسْتِصْحَابَ الطَّهَارَةِ فِيمَا عَدَا الْوُضُوءَ مَانِعٌ مِنْ جَزْمِ نِيَّةِ الْغُسْلِ فِيهَا، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ، وَضَابِطُهُ أَنْ يَدَعَ مَا يَرِيبُهُ إلَى مَا لَا يَرِيبُهُ، وَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي مَا يَجِبُ مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةَ إلَى تَحْصِيلِ مَا تَحَقَّقَ تَحْرِيمُهُ، فَإِذَا دَارَتْ الْمَصْلَحَةُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ، وَالِاحْتِيَاطِ، حَمَلَهَا عَلَى الْإِيجَابِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَحَقُّقِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ فَقَدْ حَصَلَ مَصْلَحَتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَنْدُوبَةً فَقَدْ حَصَلَ عَلَى مَصْلَحَةِ النَّدْبِ وَعَلَى ثَوَابِ نِيَّةِ الْجَوَابِ، فَإِنَّ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَإِذَا دَارَتْ الْمَفْسَدَةُ بَيْنَ الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ فَالِاحْتِيَاطُ حَمْلُهَا عَلَى التَّحْرِيمِ، فَإِنْ كَانَتْ مَفْسَدَةُ التَّحْرِيمِ مُحَقَّقَةً، فَقَدْ فَازَ بِاجْتِنَابِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَنْفِيَّةً فَقَدْ انْدَفَعَتْ مَفْسَدَةُ الْمَكْرُوهَةِ، وَأُثِيبَ عَلَى قَصْدِ اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمِ، فَإِنَّ اجْتِنَابَ الْمُحَرَّمِ أَفْضَلُ مِنْ اجْتِنَابِ الْمَكْرُوهِ، كَمَا أَنَّ فِعْلَ الْوَاجِبِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِ الْمَنْدُوبِ.
وَالِاحْتِيَاطُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ لَهُ أَمْثِلَةٌ
أَحَدُهَا: أَنَّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْخَمْسُ لِيَتَوَسَّلَ بِالْأَرْبَعِ إلَى تَحْصِيلِ الْوَاجِبَةِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: أَنَّ مَنْ نَسِيَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا أَوْ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَعْرِفْ مَحَلَّهُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ احْتِيَاطًا لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ
الْوَاجِبِ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ تَقْدِيرُ أَشَقِّ الْأَمْرَيْنِ وَالْإِتْيَانُ بِالْأَشَقِّ، مِنْهُمَا، فَإِذَا شَكَّ أَتَرَكَ الرُّكْنَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَمْ مِنْ الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ الْأَشَقُّ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: يَجِبُ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ أَنْ يَسْتَتِرَ فِي الصَّلَاةِ كَالتَّسَتُّرِ لِلنِّسَاءِ احْتِيَاطًا؛ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ السُّتْرَةِ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: إذَا اخْتَلَطَ قَتْلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلَى الْكُفَّارِ فَإِنَّا نُغَسِّلُ الْجَمِيعَ وَنُكَفِّنُهُمْ وَنَدْفِنُهُمْ، تَوَسُّلًا إلَى إقَامَةِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْغُسْلِ وَالدَّفْنِ وَالتَّكْفِينِ.
وَكَذَلِكَ إذَا تَعَارَضَتْ شَهَادَتَانِ فِي كُفْرِ الْمَيِّتِ وَإِسْلَامِهِ، فَإِنَّا نُغَسِّلُهُ وَنُكَفِّنُهُ وَنُصَلِّي عَلَيْهِ وَنَدْفِنُهُ فِي قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي اخْتِلَاطِ الْمُسْلِمِينَ بِالْكَافِرِينَ لَا نُصَلِّي عَلَى الْكَافِرِينَ.
بَلْ نَخُصُّ الْمُؤْمِنِينَ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ لِتَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَلَا يُمْكِنُ الِاخْتِلَاطُ عِنْدَ تَعَارُضِ النِّيَّاتِ إلَّا بِالصَّلَاةِ.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ: أَنَّ مَنْ لَزِمَتْهُ زَكَاةٌ مِنْ زَكَاتَيْنِ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا مِثْلَ أَنْ لَزِمَتْهُ زَكَاةٌ لَا يَدْرِي أَبَقَرَةٌ هِيَ، أَمْ بَعِيرٌ أَمْ دِينَارٌ، أَمْ دِرْهَمٌ أَمْ حِنْطَةٌ، أَمْ شَعِيرٌ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالزَّكَاةِ لِيُخْرِجَ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ، فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ نِسْيَانِ صَلَاةٍ مِنْ خَمْسٍ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ الْوُجُوبُ.
الْمِثَالُ السَّادِسُ: إذَا شَكَّ النَّاسِكُ هَلْ هُوَ مُفْرِدٌ أَوْ مُتَمَتِّعٌ أَوْ قَارِنٌ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الطَّوَافِ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ نَفْسَهُ قَارِنًا لِيَبْرَأَ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَارِنٌ لَمْ تَضُرَّهُ نِيَّةُ الْقِرَانِ، وَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَقَدْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَيَبْرَأُ مِنْ الْحَجِّ بِكُلِّ حَالٍ.
الْمِثَالُ السَّابِعُ: إذَا شَكَّتْ الْمَرْأَةُ هَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ وَفَاةٍ أَوْ عِدَّةُ طَلَاقٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا الْإِتْيَانُ بِالْعِدَّتَيْنِ لِتَخْرُجَ عَمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ.
الْمِثَالُ الثَّامِنُ: إذَا مَاتَ زَوْجُ الْأَمَةِ وَسَيِّدُهَا وَشَكَتْ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا الِاسْتِبْرَاءُ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ لِتَبْرَأَ بِيَقِينٍ.
الْمِثَالُ التَّاسِعُ: وُجُوبُ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى الْمُتَحَيِّرَةِ لِتَبْرَأَ عَمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَا طَهَارَةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَوَظِيفَتُهَا الْغُسْلُ وَقَدْ أَتَتْ بِهِ.
الْمِثَالُ الْعَاشِرُ: وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لِاحْتِمَالِ طُهْرِهَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا.
الْمِثَالُ الْحَادِيَ عَشْرَ: يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ مَعَ صَوْمِ شَهْرٍ آخَرَ، وَقَضَاءُ يَوْمَيْنِ بِسِتَّةٍ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ يَوْمًا لِتَبْرَأَ عَمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ، وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَدَّرَ لَهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ، وَذَلِكَ فِي غَايَةِ النُّدُورِ، وَرَدُّ الْمُعْتَادَةِ إلَى الْعِبَادَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ مَعَ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا قَدْ صَارَ إلَى خَمْسَةَ عَشْرَ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ رَدِّ الْمُعْتَادَةِ إلَى الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَغَيُّرِ الْعَادَةِ، وَبَيْنَ رَدِّ هَذَا إلَى غَالِبِ الْعَادَاتِ لِنُدْرَةِ دَوْرَانِ الْعَادَةِ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَأَقَلِّ الطُّهْرِ.
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَجْزِمُ الْمُسْتَحَاضَةُ نِيَّةَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا مَا مِنْ وَقْتٍ تَنْوِي فِيهِ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ إلَّا، وَهِيَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ طَاهِرَةً، وَأَنْ تَكُونَ حَائِضًا، وَلَا يُتَصَوَّرُ مَعَ هَذَا التَّرَدُّدِ جَزْمٌ؟ قُلْنَا: لَمَّا كَانَ وَقْتُ الطُّهْرِ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الْحَيْضِ غَالِبًا جَازَ اسْتِنَادُ الْجَزْمِ إلَى هَذِهِ الْغَلَبَةِ.
وَلِلِاحْتِيَاطِ لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ الْمُحَرَّمِ أَمْثِلَةٌ
أَحَدُهَا: إذَا اشْتَبَهَ إنَاءٌ طَاهِرٌ بِإِنَاءٍ نَجَسٍ، أَوْ ثَوْبٌ طَاهِرٌ بِثَوْبٍ نَجَسٍ، وَتَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الطَّاهِرِ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ اجْتِنَابُهُمَا دَرْءًا لِمَفْسَدَةِ النَّجَسِ مِنْهُمَا.
الْمِثَالُ الثَّانِي: إذَا اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ بِأَجْنَبِيَّةٍ فَإِنَّهُمَا يَحْرُمَانِ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا؛ لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ نِكَاحِ الْأُخْتِ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: إذَا اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ حَلَالٌ بِدِرْهَمٍ حَرَامٍ، وَجَبَ اجْتِنَابُهُمَا دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الْحَرَامِ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: إذَا اخْتَلَطَ حَمَامُ بَرٍّ بِحَمَامِ بَلَدٍ مَمْلُوكٍ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الِاصْطِيَادُ مِنْهُ دَرْءًا لِمَفْسَدَةِ اصْطِيَادِ الْمَمْلُوكِ عَلَى الِاخْتِيَارِ.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ: نِكَاحُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بَاطِلٌ دَرْءًا لِمَفْسَدَةِ الْمَرْأَةِ بِالْمَرْأَةِ أَوْ الرَّجُلِ بِالرَّجُلِ.
الْمِثَالُ السَّادِسُ: إذَا قَطَعَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ ذَكَرَ خُنْثَى مُشْكِلٍ وَشَفْرَيْهِ وَأُنْثَيَيْهِ فَإِنَّا لَا نُوجِبُ الْقِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَرْءًا لِمَفْسَدَةِ أَخْذِ الزَّائِدِ بِالْأَصْلِيِّ.
الْمِثَالُ السَّابِعُ: إذَا قَالَ إذَا كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَأَمَتِي حُرَّةٌ فَطَارَ الْغُرَابُ وَتَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهُ، فَإِنَّا نُحَرِّمُ عَلَيْهِ الْأَمَةَ وَالْمُطَلَّقَةَ دَرْءًا لِمَفْسَدَةِ تَحْرِيمِ إحْدَاهُمَا.
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إذَا كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَمَتِي حُرَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِمَا دَرْءًا لِمَفْسَدَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْحُرِّ مِنْهُمَا.
الْمِثَالُ الثَّامِنُ: تَحْرِيمُ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ
دَرْءًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ مَفْسَدَةِ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ، وَقَدْ جَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ نَظَرًا لِحَقِّ الزَّوْجِ فِي الْبُضْعِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ تَقْدِيرُ الْحَيْضِ بِأَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِ الطُّهْرِ؛ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ الدَّائِمِ وَلَا سِيَّمَا فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ الشَّابَّيْنِ، فَإِنْ قِيلَ الصَّلَاةُ مَعَ الْحَيْضِ حَرَامٌ، وَمَعَ الطُّهْرِ وَاجِبَةٌ فَلِمَ قَدَّمْتُمْ الِاحْتِيَاطَ لِتَحْصِيلِ مَصَالِحِ الصَّلَاةِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ الصَّلَاةِ فِي الْحَيْضِ؟ قُلْنَا: إنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَلَا تُهْمَلُ الْمَصَالِحُ الْحَاصِلَةُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَسَائِرِ شَرَائِطِهَا بِفَوَاتِ شَرْطٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ مَصَالِحَ الصَّلَاةِ خَطِيرَةٌ عَظِيمَةٌ لَا تُدَانِيهَا مَصْلَحَةُ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ مِنْهُ كَالتَّتِمَّةِ وَالتَّكْمِلَةِ لِمَقَاصِدِ الصَّلَاةِ، فَلَا تُقَدَّمُ التَّتِمَّاتُ وَالتَّكْمِلَاتُ عَلَى مَقَاصِدِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي مَقَاصِدِ الصَّلَاةِ، كَيْفَ وَكُلُّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَكُلُّ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا مَقْصُودٌ مُهِمٌّ لَا يَسْقُطُ مَيْسُورُهُ بِمَعْسُورِهِ.
وَكَذَلِكَ يُصَلِّي مَنْ لَا يَجِدُ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَلَا سُتْرَةً، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقِبْلَةِ وَلَا مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا مِنْ السُّجُودِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ.
الْمِثَالُ التَّاسِعُ: لَا يَقْتَدِي الرَّجُلُ بِالْخُنْثَى،، وَلَا الْخُنْثَى بِالْخُنْثَى دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ اقْتِدَاءِ الذُّكُورِ بِالْإِنَاثِ.
الْمِثَالُ الْعَاشِرُ: الِاحْتِيَاطُ لِمَنْ يُوجَدُ وَيُتَوَقَّعُ وُجُودُهُ كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأَمَةِ خَوْفًا مِنْ إرْقَاقِ الْوَلَدِ الَّذِي يُتَوَقَّعُ وُجُودُهُ، وَالرِّقُّ مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ أَجَزْتُمُوهُ مَعَ الْعَنَتِ وَفَقْدِ مَهْرِ الْحُرَّةِ؟ قُلْت: دَفْعُ مَفْسَدَةِ الزِّنَا عَمَّنْ تَحَقَّقَ وُجُودُهُ أَوْلَى مِنْ دَفْعِ مَفْسَدَةِ الرِّقِّ عَمَّنْ يُتَوَهَّمُ وُجُودَهُ، وَلَوْ تَحَقَّقَ وُجُودُهُ لَكَانَ حَقُّ أَبِيهِ فِي دَرْءِ مَفْسَدَةِ الزِّنَا أَوْلَى مِنْ حَقِّهِ فِي دَفْعِ مَفْسَدَةِ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ مَفَاسِدَ الزِّنَا عَاجِلَةٌ وَآجِلَةٌ وَمَفَاسِدَ الرِّقِّ عَاجِلَةٌ لَا غَيْرُ، إذْ لَا يَأْثَمُ أَحَدٌ بِكَوْنِهِ رَقِيقًا، وَيَأْثَمُ بِكَوْنِهِ زَانِيًا، بَلْ الْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ فَلَهُ أَجْرَانِ.
الْمِثَالُ الْحَادِيَ عَشْرَ: الشَّهَادَةُ بِحَصْرِ الْوَرَثَةِ وَلَهَا حَالَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ احْتِيَاطًا لِمَا تَحَقَّقَ وُجُودُهُ كَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ، فَإِذَا أَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَخُوهُ مِنْ أَبَوَيْهِ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ أَبَوَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ أَجْدَادُهُمَا وَجَدَّاتُهُمَا.
الْحَالُ الثَّانِيَةُ: الشَّهَادَةُ بِنَفْيِ الزَّوْجَيْنِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ فَإِنَّا لَا نَدْفَعُ شَيْئًا مِنْ الْمِيرَاثِ إلَّا بِالْحَصْرِ فِي الْوَارِثِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ الْأَزْوَاجِ وَالزَّوْجَاتِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، فَهَذَا احْتِيَاطٌ لِمَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُهُ، وَلَكِنَّ وُجُودَهُ كَثِيرٌ غَالِبٌ
وَلِلِاحْتِيَاطِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْمَنْدُوبِ أَمْثِلَةٌ
مِنْهَا: أَنَّ مَنْ نَسِيَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَهِيَ سُنَّةُ الْفَجْرِ أَمْ سُنَّةُ الظُّهْرِ فَإِنَّا نَأْتِي بِالسُّنَّتَيْنِ لِنَحْصُلَ عَلَى الْمَنْسِيَّةِ لِمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ مَفْرُوضَتَيْنِ.
وَمِنْهَا مَنْ شَكَّ هَلْ غَسَلَ فِي الْوُضُوءِ ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالثَّالِثَةِ احْتِيَاطًا لِلْمَنْدُوبِ.
وَلِلِاحْتِيَاطِ لِدَفْعِ مَفْسَدَةِ الْمَكْرُوهِ أَمْثِلَةٌ
مِنْهَا أَنْ لَا تَقُومَ الْخُنْثَى عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، وَمِنْهَا: أَلَا تَتَقَدَّمَ الْخُنْثَى عَلَى الرِّجَالِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَلرِّجَال أَنْ يُصَلُّوا وَرَاءَ الْخُنْثَى فِي الصُّفُوفِ وَفِي صَفٍّ فِيهِ خُنْثَى.
(فَائِدَةٌ) : قَدْ يَتَعَذَّرُ الْوَرَعُ عَلَى الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ كَمَا إذَا كَانَ