الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِاَللَّهِ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ وَبِالْعِبَادِ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْ طَرَفَيْهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ، وَالنُّبُوَّةُ سَابِقَةٌ عَلَى الْإِرْسَالِ فَإِنَّ قَوْلَ اللَّهِ لِمُوسَى:{إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: 30] مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِهِ: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [النازعات: 17] فَجَمِيعُ مَا تَحَدَّثَ بِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ: اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ نُبُوَّةٌ، وَمَا أَمَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ التَّبْلِيغِ فَهُوَ إرْسَالٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّبُوَّةَ رَاجِعَةٌ إلَى التَّعْرِيفِ بِالْإِلَهِ وَبِمَا يَجِبُ لَهُ، وَالْإِرْسَالَ إلَى أَمْرِ الرَّسُولِ بِأَنْ يُبَلِّغَ عَنْهُ إلَى عِبَادِهِ أَوْ إلَى بَعْضِ عِبَادِهِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ، وَكَذَلِكَ الرَّسُولُ عليه السلام لِمَا قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] إلَى قَوْلِهِ: {إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق: 8] كَانَ هَذَا نُبُوَّةً، وَكَانَ ابْتِدَاءُ الرِّسَالَةِ حِينَ جَاءَ جِبْرِيلُ: بِ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]{قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 2] .
[فَائِدَةٌ إذَا اسْتَوَى اثْنَانِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ]
(فَائِدَةٌ) إذَا اسْتَوَى اثْنَانِ فِي حَالِ مِنْ الْأَحْوَالِ فَهُمَا فِي التَّفَضُّلِ سِيَّانِ، وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي ذَلِكَ بِطُولِ الزَّمَانِ وَقِصَرِهِ كَانَ مَنْ طَالَ زَمَانُهُ أَفْضَلَ مِمَّنْ قَصُرَ زَمَانُهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْحَالِ، فَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْأَحْوَالِ: فَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الْحَالَتَيْنِ أَشْرَفَ وَأَطْوَلَ زَمَانًا، فَلَا شَكَّ أَنَّ صَاحِبَهَا أَشْرَفُ وَأَفْضَلُ، مِثَالُهُ الْخَائِفُ مَعَ الْهَائِبِ، فَإِنَّ الْهَيْبَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْخَوْفِ، فَإِذَا طَالَ زَمَانُ الْهَيْبَةِ وَقَصُرَ زَمَنُ الْخَوْفِ فَقَدْ فَضَلَتْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ اثْنَيْنِ، وَإِنْ اسْتَوَى الزَّمَانُ كَانَ الْهَائِبُ أَفْضَلَ وَكَذَلِكَ إنْ قَصُرَ زَمَانُ الْهَيْبَةِ عَنْ زَمَنِ الْخَوْفِ كَانَ الْهَيْبَةُ أَفْضَلَ لِعُلُوِّ رُتْبَتِهَا وَشَرَفِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ وَزْنَ دِينَارٍ مِنْ الْجَوْهَرِ أَفْضَلُ مِنْ الدِّينَارِ، وَالدِّينَارُ أَفْضَلُ مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَالْعَشَرَةِ لِشَرَفِ وَصْفِهِ عَلَى وَصْفِ الْفِضَّةِ، وَالدِّرْهَمُ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ النُّحَاسِ لِشَرَفِ وَصْفِهِ، وَبِهَذَا الْمِيزَانِ يُعْرَفُ تَفَاوُتُ
الرِّجَالِ وَكَذَلِكَ تُعْرَفُ مَرَاتِبُ الطَّائِعِينَ بِمُلَابَسَةِ بَعْضِهِمْ لِأَفْضَلِ الطَّاعَاتِ وَبِمُلَابَسَةِ الْآخَرِينَ لِأَدْنَى الطَّاعَاتِ وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الطَّاعَاتِ لَمْ يَجُزْ التَّفَضُّلُ فِي بَابِ الطَّاعَاتِ، وَإِنْ كَثُرَتْ طَاعَاتُ أَحَدِهِمْ وَقَلَّتْ مَعَارِفُ الْآخَرِ وَأَحْوَالُهُ يُقَدَّمُ شَرَفُ الْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ عَلَى شَرَفِ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:«مَا سَبَقَكُمْ أَبُو بَكْرٍ بِصَوْمٍ وَلَا صَلَاةٍ وَلَكِنْ بِأَمْرٍ وَقَرَ فِي صَدْرِهِ» وَقَالَ عليه السلام لَمَّا اسْتَعْظَمَ بَعْضُهُمْ طَاعَاتِهِ: «إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَعْلَمَكُمْ بِاَللَّهِ وَأَشَدَّكُمْ لَهُ خَشْيَةً» لِفَضْلِ الْمَعْرِفَةِ وَشِدَّةِ الْخَشْيَةِ عَلَى كَثْرَةِ الْأَعْمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.