الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الْأَذْكَارِ]
ِ يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَخْتَارُ مِنْ الْأَذْكَارِ أَفْضَلَهَا، وَمِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ أَشْرَفَهَا، وَيَأْتِي بِالْأَفْضَلِ فِي أَحْيَانِهِ الَّتِي شُرِعَ فِيهَا. وَيَأْتِي بِالْمَفْضُولِ فِي وَقْتِهِ الَّذِي ضُرِبَ لَهُ، وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ كَمَا فِي ثَنَاءِ الْفَاتِحَةِ وَدُعَائِهَا، وَكَذَلِكَ دُعَاءُ السُّجُودِ بَعْدَ التَّسْبِيحِ وَالثَّنَاءِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ بَعْضِ الْقُرْآنِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، كَمَا نَهَى عَنْ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَنْ الثَّنَاءِ فِي الْقُعُودِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَعَنْ الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَزْمَانِ، وَعَنْ الصَّوْمِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ.
أَمَّا النَّهْيُ عَنْ الْعِبَادَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى الْمَلَالَةِ وَالسَّآمَةِ فَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إمَّا إلَى اسْتِثْقَالِهَا وَكَرَاهِيَتِهَا لِثِقَلِهَا، أَوْ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَفْهَمَ أَقْوَالَهَا، فَيَذْهَبُ إلَى أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِذَنْبِهِ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُلَابِسَهَا وَقَلْبُهُ سَاهٍ عَنْهَا، وَلَا لَاهٍ عَنْ الْمَقْصُودِ مِنْهَا.
فَإِنْ قِيلَ أَيُّمَا أَفْضَلُ قِرَاءَةُ تَبَّتْ أَمْ سُورَةِ الْكَافِرُونَ أَوْ الِاشْتِغَالِ بِالْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ وَهِيَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، مَعَ أَنَّ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ مُتَعَلِّقَةٌ بِاَللَّهِ وَهِيَ ثَنَاءٌ عَلَيْهِ، وَتَبَّتْ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَبِي لَهَبٍ وَبِالْكُفَّارِ، وَالْقَوْلُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مُتَعَلِّقِهِ.
فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ تَكُونُ الْقِرَاءَةُ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضِ الْأَذْكَارِ كَالْقِرَاءَةِ فِي قِيَامِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ تَكُونُ الْأَذْكَارُ أَفْضَلَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِ الْأَطْوَارِ، بَلْ تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ: كَالْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودِ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الثَّنَاءُ أَفْضَلَ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ فِي بَعْضِ الْأَطْوَارِ كَدُعَاءِ الْقُنُوتِ وَالدُّعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.
فَإِذَا كَانَ الْوَقْتُ قَابِلًا لِلْأَذْكَارِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِحَيْثُ لَوْ أَتَى بِأَحَدِهِمَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ فَهَلْ تَكُونُ قِرَاءَةُ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ الْإِلَهِ أَوْلَى مِنْ الْأَذْكَارِ لِحُرْمَةِ الْقُرْآنِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ قِرَاءَتُهُ وَيَأْتِي مِنْ الْأَذْكَارِ بِمَا شَاءَ، أَوْ تَكُونُ الْأَذْكَارُ لِتَعَلُّقِهَا بِالْإِلَهِ أَوْلَى مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ الْإِلَهِ؟ فَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْأَذْكَارَ أَوْلَى نَظَرًا إلَى شَرَفِ مُتَعَلِّقِهَا وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْكَلَامِ.
وَأَمَّا مَا يَشْتَمِلُ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَذْكَارِ وَالثَّنَاءِ: كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْآيَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّمْجِيدِ وَالتَّحْمِيدِ وَالثَّنَاءِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ الْأَذْكَارِ إلَّا أَنْ يَحْكِيَ بِالْأَذْكَارِ لَفْظَ الْقُرْآنِ وَمَعْنَاهُ فَحِينَئِذٍ الشَّرَفَانِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَعَارِفَ وَالْعِبَادَاتِ مَقَاصِدُ وَوَسَائِلُ إلَى ثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَالنَّظَرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَعْلَى مَقَاصِدِ الْآخِرَةِ، وَكَذَلِكَ رِضْوَانُهُ وَتَسْلِيمُهُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ أَعْلَى الْمَقَاصِدِ، وَالتَّسْلِيمُ فِي الدُّنْيَا وَسِيلَةٌ إلَى حُصُولِ السَّلَامَةِ، وَكَذَلِكَ الشَّفَاعَاتُ وَالدَّعَوَاتُ وَالْخَوْفُ وَسِيلَةٌ إلَى الْكَفِّ عَنْ الْعِصْيَانِ، وَالرَّجَاءُ وَسِيلَةٌ إلَى الطَّاعَاتِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِالرَّحْمَنِ، وَالتَّوَكُّلُ مَقْصُودٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَوَسِيلَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَالْحُبُّ وَالْإِجْلَالُ مَقْصُودَانِ، وَالْمَقْصُودُ وَسَائِلٌ إلَى كُلِّ مَطْلُوبٍ مِنْ الْوَسَائِلِ وَالْمَقَاصِدِ، وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَسِيلَةٌ إلَى تَحْصِيلِ الِاغْتِذَاءِ وَالِارْتِوَاءِ وَالشِّفَاءِ، وَالْحَيَاءُ وَسِيلَةٌ إلَى الْكَفِّ عَنْ الْقَبَائِحِ، وَالْغَضَبُ وَسِيلَةٌ إلَى دَفْعِ الضَّيْمِ، وَشَهْوَةُ الْجِمَاعِ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ، وَهُوَ وَسِيلَةٌ إلَى كَثْرَةِ النَّسْلِ، كَمَا أَنَّ شَهْوَةَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَسِيلَةٌ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ اللَّذَيْنِ هُمَا وَسِيلَتَانِ إلَى الِاغْتِذَاءِ وَالِارْتِوَاءِ، وَبَذْلُ الْمَالِ فِي