المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فائدة اعلم أنه لا يحصل السماع المحمود إلا عند ذكر الصفات] - قواعد الأحكام في مصالح الأنام - جـ ٢

[عز الدين بن عبد السلام]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَفُوتُ مِنْ الْمَصَالِحِ أَوْ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَعَ النِّسْيَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُنَاسَبَةِ الْعِلَلِ لِأَحْكَامِهَا وَزَوَالِ الْأَحْكَامِ بِزَوَالِ أَسْبَابِهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا خَلَفَ الْعِلَّةَ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ حُكْمَ الْأُولَى]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُتَدَارَكُ إذَا فَاتَ بِعُذْرٍ وَمَا لَا يُتَدَارَكُ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ مَنْ كُلِّفَ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ فَقَدَرَ عَلَى بَعْضِهِ وَعَجَزَ عَنْ بَعْضِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَخْفِيفَاتِ الشَّرْعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَشَاقِّ الْمُوجِبَةِ لِلتَّخْفِيفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَقْتَضِيهِ النَّهْيُ مِنْ الْفَسَادِ وَمَا لَا يَقْتَضِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ عَلَى الظُّنُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْغَرِيمِ إذَا دُعِيَ إلَى الْحَاكِمِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا لَزِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إحْضَارُ الْعَيْنِ لِتَقُومَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْحَقَّ مُسْنَدًا إلَى سَبَبٍ فَنَفَاهُ أَوْ نَفَى سَبَبَهُ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْقَوْل قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَقْدَحُ فِي الظُّنُونِ مِنْ التُّهَمِ وَمَا لَا يَقْدَحُ فِيهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ شَهِدَتْ بِحَقٍّ آخَرَ]

- ‌[فَائِدَةٌ لَا تُرَدُّ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ أَنَّهُ طَلَّقَ ضَرَّةَ أُمِّهِ ثَلَاثًا]

- ‌[فَائِدَةٌ شَهِدَ الْفَاسِقُ الْمُسْتَخْفِي بِفِسْقِهِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَأَعَادَهَا بَعْدَ الْعَدَالَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ بَحْثُ الْحَاكِمِ عَنْ الشُّهُودِ عِنْدَ الرِّيبَةِ وَالتُّهْمَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْغَرَضُ مِنْ نَصْبِ الْقُضَاةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ إخْبَارِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إنَّمَا شُرِطَ الْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ قَوْلُ الْحَاكِمِ هَلْ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمًا]

- ‌[فَائِدَةٌ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْبَاطِنِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فِي فَسْخٍ وَلَا عَقْدٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ قَوْلَ الْحَاكِمِ ثَبَتَ عِنْدِي]

- ‌[فَائِدَةٌ ادَّعَى رَجُلٌ رِقَّ إنْسَانٍ يَسْتَسْخِرُهُ وَيَنْطَاعُ انْطِيَاعَ الْعَبْدِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِمَّنْ يُخْبِرُ عَنْ الْوَاقِعَةِ عَنْ سَمَاعٍ أَوْ مُشَاهَدَةٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا أَمَرَ الْقَاضِي أَوْ الْوَالِي بِمَا هُوَ مَحْبُوبٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ]

- ‌[فَائِدَةٌ حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي مَحَلٍّ يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ وَهِيَ ضَرْبَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَعَارُضِ أَصْلٍ وَظَاهِرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَصْلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ ظَاهِرَيْنِ]

- ‌[فَائِدَةٌ يُحْكَمُ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ أَوْ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِصْحَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ كَذِبِ الظُّنُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَصَالِحِ الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ التَّكَالِيفُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ حَقَائِقِ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي نَقْلِ الْحَقِّ مِنْ مُسْتَحِقٍّ إلَى مُسْتَحِقٍّ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي إسْقَاطِ الْحُقُوقِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْقَبْضِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِقْبَاضِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ غَائِبًا]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْتِزَامِ الْحُقُوقِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ الْخَلْطُ وَالشَّرِكَةُ ضَرْبَانِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ إنْشَاءُ الْمِلْكِ فِيمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ الِاخْتِصَاصُ بِالْمَنَافِعِ]

- ‌[الْبَابُ التَّاسِعُ فِي الْإِذْنِ]

- ‌[الْبَابُ الْعَاشِرُ الْإِتْلَافُ]

- ‌[الْبَابُ الْحَادِيَ عَشْرَ التَّأْدِيبُ وَالزَّجْرُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَصَرُّفِ الْوُلَاةِ وَنُوَّابِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَسْرِي مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي أَلْفَاظِ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْأَسْبَابِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْمُنَاسَبَةُ فِي الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْسِيمِ الْمَوَانِعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشَّرْطِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الشُّبُهَاتِ الْمَأْمُورِ بِاجْتِنَابِهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا كَانَ حَرَامًا بِوَصْفِهِ وَسَبَبِهِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا أَكَلَ بُرًّا مَغْصُوبًا أَوْ شَاةً مَغْصُوبَةً]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا يَحْرُمُ بِوَصْفِهِ لَا يَحِلُّ إلَّا لِضَرُورَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّقْدِيرِ عَلَى خِلَافِ التَّحْقِيقِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا يُقْبَلُ مِنْ التَّأْوِيلِ وَمَا لَا يُقْبَلُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ أَطْلَقَ لَفْظًا لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمُقْتَضَاهُ]

- ‌[فَائِدَةٌ اللَّفْظُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ فِي اللُّغَةِ أَوْ الْعُرْفِ]

- ‌[فَائِدَةٌ تَعْلِيقُ التَّصَرُّفِ عَلَى الْمَشِيئَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا أُثْبِتَ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ هَلْ لَا يَلْحَق الْوَلَدَ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُر]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنْزِيلِ دَلَالَةِ الْعَادَاتِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَنْزِلَةَ صَرِيحِ الْأَقْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْأَلْفَاظِ عَلَى ظُنُونٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ الْعَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الْعَالِمُ وَالْحَاكِمُ وَمَا لَا يُثَابَانِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْيَدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُرْبِ وَالِاتِّصَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْغَالِبِ وَالْأَغْلَبِ فِي الْعَادَاتِ وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي اخْتِلَافِ أَحْكَامِ التَّصَرُّفَاتِ لِاخْتِلَافِ مَصَالِحِهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْعُقُوبَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْقِسْمَةُ الْمُجْبَرُ عَلَيْهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي اخْتِلَافِ مَصَالِحِ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَالْقِصَاصَ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا شَهِدَ اثْنَانِ بِالزُّورِ عَلَى تَصَرُّفٍ ثُمَّ رَجَعَا]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ وَمَنْ تَجُوزُ طَاعَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الشُّبُهَاتِ الدَّارِئَةِ لِلْحُدُودِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذْكَارِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْأَذْكَارُ الْمَشْرُوعَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُخْتَرَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السُّؤَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْبِدَعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاقْتِصَادِ فِي الْمَصَالِحِ وَالْخُيُورِ]

- ‌[فَائِدَةٌ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ السَّمَاعُ الْمَحْمُودُ إلَّا عِنْدَ ذِكْرِ الصِّفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْفَضَائِلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْرِيفِ مَا يَظْهَرُ مِنْ مَعَارِفِ الْأَوْلِيَاءِ وَأَحْوَالِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ النَّاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الْحَادِثَاتِ عَلَى بَعْضِ الْجَوَاهِرِ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ النُّبُوَّةُ أَمْ الْإِرْسَالُ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا اسْتَوَى اثْنَانِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ]

الفصل: ‌[فائدة اعلم أنه لا يحصل السماع المحمود إلا عند ذكر الصفات]

وَلَا تَصْفِيقٌ، وَلَا يَصْدُرُ التَّصْفِيقُ وَالرَّقْصُ إلَّا مِنْ غَبِيٍّ جَاهِلٍ، وَلَا يَصْدُرَانِ مِنْ عَاقِلٍ فَاضِلٍ، وَيَدُلُّ عَلَى جَهَالَةِ فَاعِلِهِمَا أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تَرِدْ بِهِمَا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدُ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا مُعْتَبَرٌ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْجَهَلَةُ السُّفَهَاءُ الَّذِينَ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِمْ الْحَقَائِقُ بِالْأَهْوَاءِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] وَقَدْ مَضَى السَّلَفُ وَأَفَاضِلُ الْخَلَفِ وَلَمْ يُلَابِسُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ غَرَضٌ مِنْ أَغْرَاضِ نَفْسِهِ وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ إلَى رَبِّهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَا فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا لِكَوْنِهِ قُرْبَةً فَبِئْسَ مَا صَنَعَ لِإِيهَامِهِ أَنَّ هَذَا مِنْ الطَّاعَاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَقْبَحِ الرَّعُونَاتِ.

وَأَمَّا الصِّيَاحُ وَالتَّغَاشِي وَالتَّبَاكِي تَصَنُّعًا وَرِيَاءً فَإِنْ كَانَ حَالٌ لَا تَقْتَضِيهِ فَقَدْ أَثِمَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إيهَامُهُ الْحَالَ التَّامَّةَ الْمُوجِبَةَ لِذَلِكَ.

وَالثَّانِي: تَصَنُّعُهُ بِهِ وَرِيَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ حَالٍ تَقْتَضِيهِ أَثِمَ إثْمَ رِيَائِهِ لَا غَيْرَ، وَكَذَلِكَ نَتْفُ الشُّعُورِ وَضَرْبُ الصُّدُورِ، وَتَمْزِيقُ الثِّيَابِ مُحَرَّمٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَأَيُّ ثَمَرَةٍ لِضَرْبِ الصُّدُورِ وَنَتْفِ الشُّعُورِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ إلَّا رَعُونَاتٌ صَادِرَةٌ عَنْ النُّفُوسِ.

[فَائِدَةٌ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ السَّمَاعُ الْمَحْمُودُ إلَّا عِنْدَ ذِكْرِ الصِّفَاتِ]

(فَائِدَةٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ السَّمَاعُ الْمَحْمُودُ إلَّا عِنْدَ ذِكْرِ الصِّفَاتِ حَالَ يَخْتَصُّ بِهَا، فَمَنْ ذَكَرَ صِفَةَ الرَّحْمَةِ أَوْ ذُكِّرَ بِهَا كَانَتْ حَالُهُ حَالَةَ الرَّاجِينَ، وَسَمَاعُهُ سَمَاعَ الرَّاجِينَ، وَمَنْ ذَكَرَ شِدَّةَ النِّقْمَةِ أَوْ ذُكِّرَ بِهَا كَانَتْ حَالُهُ حَالَ الْخَائِفِينَ، وَسَمَاعُهُ سَمَاعَ الْخَائِفِينَ، وَمَنْ حَالُهُ حَالُ الْمَحَبَّةِ إذَا ذَكَرَ حَالَ الْمَحْبُوبِ أَوْ ذُكِّرَ بِهِ كَانَتْ حَالُهُ حَالَ الْمُحِبِّينَ، وَسَمَاعُهُ سَمَاعَ الْمُحِبِّينَ، وَمَنْ كَانَتْ حَالُهُ حَالَ الْمُعَظِّمِينَ الْهَائِبِينَ فَذَكَرَ الْعَظَمَةَ أَوْ ذُكِّرَ بِهَا كَانَتْ حَالُهُ حَالَ الْمُعَظِّمِينَ، وَسَمَاعُهُ سَمَاعَ الْهَائِبِينَ الْمُعَظِّمِينَ، وَمَنْ كَانَتْ حَالُهُ حَالَ التَّوَكُّلِ فَذَكَرَ تَفَرُّدَ الرَّبِّ بِالضُّرِّ وَالنَّفْعِ، وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ، وَالتَّقَرُّبِ وَالْإِبْعَادِ، وَالْإِشْقَاءِ وَالْإِسْعَادِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ أَوْ ذُكِّرَ بِهِ فِي السَّمَاعِ كَانَتْ حَالُهُ حَالَ

ص: 221

الْمُتَوَكِّلِينَ الْمُفَوِّضِينَ، وَسَمَاعُهُ سَمَاعَهُمْ، وَقَدْ يَنْتَقِلُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي السَّمَاعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَيَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ التَّذْكِيرِ، وَقَدْ يَغْلِبُ الْحَالُ عَلَى بَعْضِهِمْ بِحَيْثُ لَا يُصْغِي إلَى مَا يَقُولُهُ الْمُنْشِدُ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ لِغَلَبَةِ حَالِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ.

وَمِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ: الْخُضُوعُ وَالْخُشُوعُ. وَكِلَاهُمَا ذُلٌّ فِي الْقُلُوبِ وَالرِّضَا وَالصَّبْرُ وَالتَّوْبَةُ وَالزُّهْدُ فَأَمَّا الرِّضَا: فَهُوَ سُكُونُ النَّفْسِ إلَى سَابِقِ الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ عَلَى الْقَاضِي بِمَا قَضَى، وَأَمَّا الصَّبْرُ فَهُوَ حَبْسُ النَّفْسِ عَنْ الْجَزَعِ، وَالرِّضَا جُزْءٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ سُكُونٌ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَرْضَى بِالْمَقْضِيِّ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَقْضِيُّ بِهِ خَيْرًا، فَإِنْ كَانَ الْمُقْضَى بِهِ مَعْصِيَةً فَلْيَرْضَ بِالْقَضَاءِ وَلْيَكْرَهْ الْمَقْضِيَّ بِهِ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ حُكْمُ اللَّهِ وَالْمَقْضِيَّ هُوَ الْمَحْكُومُ بِهِ. وَهَذَا كَالْمَرِيضِ إذَا وَصَفَ الطَّبِيبُ الدَّوَاءَ الْمُرَّ أَوْ قَطَعَ الْيَدَ الْمُتَآكِلَةَ فَإِنَّهُ يَرْضَى لِوَصْفِ الطَّبِيبِ وَقَضَائِهِ وَإِنْ كَرِهَ الْمَقْضِيَّ بِهِ مِنْ مَرَارَةِ الدَّوَاءِ وَأَلَمِ الْقَطْعِ.

وَأَمَّا التَّوْبَةُ فَأَقْسَامٌ: أَحَدُهَا: التَّوْبَةُ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: التَّوْبَةُ مِنْ ارْتِكَابِ الْمَكْرُوهَاتِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: التَّوْبَةُ مِنْ الشُّبُهَاتِ.

الْقِسْمُ الرَّابِعُ: التَّوْبَةُ مِنْ مُلَابَسَةِ الْمُبَاحَاتِ إلَّا مَا تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَاتُ أَوْ تَمَسُّ إلَيْهِ الْحَاجَاتُ.

الْقِسْمُ الْخَامِسُ: التَّوْبَةُ مِنْ رُؤْيَةِ التَّوْبَةِ وَرُؤْيَةِ جَمِيعِ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى ذِي الْجَلَالِ وَمَعْنَى ذَلِكَ تَرْكُ الِاعْتِمَادِ وَالِاسْتِنَادِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ

ص: 222

وَالْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ، إذْ لَا يُنْجِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ صَاحِبَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا اعْتِمَادَ فِي النَّجَاةِ إلَّا عَلَى ذِي الْجَلَالِ، وَقَدْ قَالَ عليه السلام:«لَنْ يُنْجِيَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا أَنَا إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ» .

وَأَمَّا الزُّهْدُ فَأَقْسَامٌ:

أَحَدُهَا: الزُّهْدُ فِي الْحَرَامِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: الزُّهْدُ فِي الْمَكْرُوهَاتِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الزُّهْدُ فِي الشُّبُهَاتِ.

الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الزُّهْدُ فِي الْمُبَاحَاتِ إلَّا مَا تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَاتُ أَوْ تَمَسُّ إلَيْهِ الْحَاجَاتُ.

الْقِسْمُ الْخَامِسُ: الزُّهْدُ فِي رُؤْيَةِ الزُّهْدِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْبَةِ وَالزُّهْدِ وَإِنْ كَانَا مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ: أَنَّ التَّوْبَةَ ذَاتُ أَرْكَانٍ ثَلَاثَةٍ:

أَحَدُهَا: النَّدَمُ عَلَى مَا فَاتَ مِنْ الطَّاعَاتِ.

وَالرُّكْنُ الثَّانِي: الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إلَى تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ.

الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْإِقْلَاعُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ الْمَتُوبِ عَنْهَا فِي الْحَالِ.

وَيَتَحَقَّقُ الزُّهْدُ بِقَطْعِ تَعَلُّقِ الْقَلْبِ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ، وَلَيْسَ الزُّهْدُ عِبَارَةً عَنْ خُلُوِّ الْيَدِ مِنْ الْمَالِ، وَإِنَّمَا الزُّهْدُ خُلُوُّ الْقَلْبِ عَنْ التَّعَلُّقِ بِهِ، فَلَيْسَ الْغِنَى بِمُنَافٍ لِلزُّهْدِ.

فَإِنْ قِيلَ أَيُّمَا أَفْضَلُ حَالُ الْأَغْنِيَاءِ أَمْ حَالُ الْفُقَرَاءِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّاسَ أَقْسَامٌ:

أَحَدُهَا: مَنْ يَسْتَقِيمُ عَلَى الْغِنَى وَتَفْسُدُ أَحْوَالُهُ بِالْفَقْرِ، فَلَا خِلَافَ أَنَّ غِنَى هَذَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ فَقْرِهِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مَنْ يَسْتَقِيمُ عَلَى الْفَقْرِ وَيُفْسِدُهُ الْغِنَى وَيَحْمِلُهُ عَلَى الطُّغْيَانِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا فَقْرُهُ خَيْرٌ مِنْ غِنَاهُ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ إذَا افْتَقَرَ قَامَ بِجَمِيعِ وَظَائِفِ الْفَقْرِ كَالرِّضَا وَالصَّبْرِ، وَإِنْ اسْتَغْنَى قَامَ بِجَمِيعِ وَظَائِفِ الْغِنَى مِنْ الْبَذْلِ وَالْإِحْسَانِ وَشُكْرِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَيِّ حَالَيْ هَذَا أَفْضَلُ فَذَهَبَ قَوْمٌ: إلَى أَنَّ الْفَقْرَ لِهَذَا أَفْضَلُ.

وَقَالَ

ص: 223

آخَرُونَ: غِنَاهُ أَفْضَلُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، لِاسْتِعَاذَتِهِ صلى الله عليه وسلم، مِنْ الْفَقْرِ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى فَقْرِ النَّفْسِ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِلظَّاهِرِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لِهَؤُلَاءِ لِأَنَّ الرَّسُولَ عليه السلام كَانَ أَغْلِبُ أَحْوَالِهِ الْفَقْرَ إلَى أَنْ أَغْنَاهُ اللَّهُ عز وجل بِحُصُونِ خَيْبَرَ وَفَدَكَ وَالْعَوَالِي وَأَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ.

وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ لَا يَأْتِي عَلَيْهِمْ يَوْمٌ إلَّا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، فَإِنَّ مَنْ اسْتَوَى يَوْمَاهُ فَهُوَ مَغْبُونٌ وَمَنْ كَانَ أَمْسُهُ خَيْرًا مِنْ يَوْمِهِ فَهُوَ مَلْعُونٌ أَيْ مَطْرُودٌ مَغْبُونٌ، وَقَدْ خُتِمَ آخِرُ أَمْرِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، بِالْغِنَى وَلَمْ يُخْرِجْهُ غِنَاهُ عَمَّا كَانَ يَتَعَاطَاهُ فِي أَيَّامِ فَقْرِهِ مِنْ الْبَذْلِ وَالْإِيثَارِ وَالتَّقَلُّلِ حَتَّى أَنَّهُ مَاتَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ عَلَى آصُعٍ مِنْ شَعِيرٍ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَهُوَ عليه السلام يَقُولُ:«ابْنَ آدَمَ إنَّك إنْ تَبْذُلْ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَك وَإِنْ تُمْسِكْهُ شَرٌّ لَك» أَرَادَ بِالْفَضْلِ مَا فَضَلَ عَنْ الْحَاجَةِ الْمَاسَّةِ كَمَا فَعَلَ صلى الله عليه وسلم، فَمَنْ سَلَكَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ هَذَا الطَّرِيقَ فَبَذَلَ الْفَضْلَ كُلَّهُ مُقْتَصِرًا عَلَى عَيْشٍ مِثْلِ عَيْشِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا امْتِرَاءَ بِأَنَّ غِنَى هَذَا خَيْرٌ مِنْ فَقْرِهِ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «أَتَى فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ ذَوُو الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ يُعْتِقُونَ وَلَا نَجِدُ مَا نُعْتِقُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَجِدُ مَا نَتَصَدَّقُ، وَيُنْفِقُونَ وَلَا نَجِدُ مَا نُنْفِقُ؟ فَقَالَ أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ أَدْرَكْتُمْ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَفُتُّمْ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ؟ قَالُوا بَلَى، قَالَ: تُسَبِّحُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَتَحْمَدُونَهُ وَتُكَبِّرُونَهُ عَلَى إثْرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً فَلَمَّا صَنَعُوا ذَلِكَ سَمِعَ الْأَغْنِيَاءُ بِذَلِكَ فَقَالُوا مِثْلَ مَا قَالُوا، فَذَهَبَ الْفُقَرَاءُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا مِثْلَ

ص: 224

مَا قُلْنَا؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» .

وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ» وَقَوْلُهُ عليه السلام: «اطَّلَعْت عَلَى الْجَنَّةِ فَرَأَيْت أَكْثَرَهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْت عَلَى النَّارِ فَرَأَيْت أَكْثَرَهَا النِّسَاءَ» فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَحْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، إذْ لَا يَتَّصِفُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنْ يَعِيشَ عَيْشَ الْفُقَرَاءِ وَيَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا فَضَلَ مِنْ عَيْشِهِ مُقَدِّمًا فَضْلَ الْبَذْلِ فَأَفْضَلَهُ، إلَّا الشُّذُوذُ النَّادِرُونَ الَّذِينَ لَا يَكَادُونَ يُوجَدُونَ، الصَّابِرُونَ عَلَى الْفَقْرِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ، وَالرَّاضُونَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ الْقَلِيلِ.

وَيُحَقِّقُ هَذَا أَنَّهُ عليه السلام كَانَ قَبْلَ الْغِنَى قَائِمًا بِوَظَائِفِ الْفُقَرَاءِ فَلَمَّا أَغْنَاهُ اللَّهُ قَامَ بِوَظَائِفِ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ، فَكَانَ غَنِيًّا فَقِيرًا صَبُورًا شَكُورًا رَاضِيًا بِعَيْشِ الْفُقَرَاءِ جَوَادًا بِأَفْضَلِ جُودِ الْأَغْنِيَاءِ.

وَمِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ احْتِقَارُ مَا حَقَّرَهُ اللَّهُ مِنْ الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا، وَتَعْظِيمُ مَا عَظَّمَهُ اللَّهُ مِنْ الْفَقْرِ وَالذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَالْغُرْبَةِ وَعَدَمِ الْجَاهِ وَالْمَالِ: لِأَنَّ الْغِنَى بِالْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ أَفْضَلُ وَأَلَذُّ مِنْ الْغِنَى بِالْجَاهِ وَالْأَمْوَالِ، وَالْبَذْلُ لِلَّهِ عز وجل، وَالْفَقْرُ غِنًى، وَالْغُرْبَةُ لِأَجَلِهِ اسْتِيطَانٌ.

لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ عِنْدَ سَيِّدِهِ فَهُوَ فِي أَفْضَلِ الْأَوْطَانِ، وَإِنْ عَظُمَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ فَأَعْظِمْ بِهِ مِنْ خُسْرَانٍ.

وَمِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ أَنْ نُكْثِرَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِقُلُوبِنَا فَإِنَّهُ مِنْ الْمُثْمِرِ لِلْأَحْوَالِ عِنْدَ ذِي الْجَلَالِ مِنْ ذِكْرِ اللِّسَانِ، وَأَنْ نَخْتَارَ مِنْ الْمَعَارِفِ أَفْضَلَهَا فَأَفْضَلَهَا، وَمِنْ الْأَحْوَالِ أَكْمَلَهَا فَأَكْمَلَهَا، وَأَنْ نَحْفَظَ الْأَوْقَاتِ فَلَا نَصْرِفُ شَيْئًا إلَّا

ص: 225