الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يُقَالُ حُظِرَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ، وَلَا يُقَالُ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُبِيحَ وَالْمُبَاحَ لَهُ بَدَلَ قَوْلِهِ الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ، بَلْ الْأَدَبُ التَّعْبِيرُ عَنْ الْمَعَانِي بِمَا عَبَّرَ الْعُظَمَاءُ عَنْهَا مُوَافَقَةً لَهُمْ وَإِجْلَالًا لَهُمْ، وَكَذَلِكَ تَنْزِيهُ الْقُلُوبِ وَالْأَلْسِنَةِ الَّتِي جَرَى فِيهَا ذِكْرُ الْإِلَهِ عَنْ أَنْ يُذْكَرَ بِهَا سِوَاهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَتَحُثُّ الضَّرُورَةُ عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ فِي السُّؤَالِ]
ِ يَشْرُفُ السُّؤَالُ بِشَرَفِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ: فَالسُّؤَالُ عَنْ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ سُؤَالٍ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى مَعْرِفَةِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] ثُمَّ السُّؤَالُ عَمَّا تَمَسُّ لِضَرُورَةٍ أَوْ الْحَاجَةِ إلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِهِ، وَكَذَلِكَ السُّؤَالُ عَمَّا يُلَابِسُهُ الْمُكَلَّفُ مِنْ مَجْهُولِ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ، ثُمَّ السُّؤَالُ عَنْ مَعْرِفَةِ مَصَالِحِ مَا يَعْزِمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُقَدَّمَةِ قَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُؤَخَّرَةِ أَخَّرَ، وَإِنْ جَهِلَ أَهُوَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُقَدَّمَةِ أَمْ الْمُؤَخَّرَةِ فَلَا يُقَدِّمُ حَتَّى يَعْلَمَ الْأَصْلَحَ مِنْ تَقْدِيمِهِ وَتَأْخِيرِهِ.
وَأَمَّا سُؤَالُ الشَّيْءِ وَطَلَبُهُ: فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مُحَرَّمًا فَسُؤَالُهُ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَسُؤَالُهُ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَسُؤَالُهُ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا فَسُؤَالُهُ نَدْبٌ، وَأَمَّا طَلَبُ الْمُبَاحِ: فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَأَذَّى الْمَطْلُوبُ مِنْهُ بِبَذْلِهِ وَلَا رَدِّهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَالسُّؤَالِ عَنْ الطَّرِيقِ وَعَنْ اسْمِ الرَّفِيقِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَأَذَّى بِبَذْلِهِ الْمَسْئُولُ مِنْهُ وَيَخْجَلُ إذَا رَدَّهُ فَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَإِنْ كَانَ السَّائِلُ قَادِرًا عَلَى تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ جِهَةِ أَنْ يَخْجَلَ الْمَسْئُولُ أَنْ يَرُدَّهُ فَيَتَأَذَّى بِمَشَقَّةِ الْخَجَلِ وَيَسْتَحِي إذَا مَنَعَهُ: إمَّا لِبُخْلِهِ، وَإِمَّا لِحَاجَتِهِ،
وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ تَحْصِيلِهِ مَعَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِسُؤَالِهِ، كَمَا سَأَلَ مُوسَى وَالْخَضِرُ عليهما السلام الضِّيَافَةَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ لِئَامٍ فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمَا.
فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ: «إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ، رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يَقْضِيَهَا ثُمَّ يَمْسِكَ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُولَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ - فَمَا سِوَاهُنَّ يَا قَبِيصَةُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا» فَجَعَلَ مَا عَدَا ذَلِكَ سُحْتًا.
قُلْنَا ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنْ يَسْأَلَ الزَّكَاةَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لَهَا، وَذَلِكَ مِنْ الطَّلَبِ الْمُحَرَّمِ، وَقَدْ سَأَلَ جَمَاعَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ الرَّسُولُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَكِنْ يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهَا وَقَائِعُ أَحْوَالٍ، وَلَعَلَّ الرَّسُولُ وَالصَّحَابَةُ شَاهَدُوا مِنْ ضَعْفِ السُّؤَالِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَا يُجَوِّزُ لَهُمْ السُّؤَالَ، فَلَوْ كَانُوا مِمَّنْ تَظْهَرُ مِنْهُمْ الْقُدْرَةُ عَلَى كَسْبِ الْكِفَايَةِ لِصِحَّةِ أَجْسَامِهِمْ وَقُوَّةِ أَبْدَانِهِمْ وَلَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ لَحَصَلَ الْغَرَضُ، وَقَدْ يَسْأَلُ الْكَرِيمُ الْأَرْيَحِيُّ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَيَتَأَذَّى بِمَنْعِهِ وَبَذْلِهِ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْكَرْمِ وَالْمُرُوآتِ، وَكَيْفَ يُفْلِحُ مَنْ عَوَّدَ نَفْسَهُ السُّؤَالَ مَعَ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ وَالْإِنْكَارِ، وَمِمَّا يُكْرَهُ السُّؤَالُ عَنْهُ سُؤَالُ مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مِنْ الْفُضُولِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ عَوْرَاتِ النَّاسِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَمُحَرَّمٌ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] . وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْمُرُوآت لَيَعِزُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ الطُّرُقَاتِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ.