الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَسْبَابًا، وَلِلْعِرْفَانِ أَسْبَابًا، وَلِلِاعْتِقَادَاتِ الصَّحِيحَةِ أَسْبَابًا، وَلِلْفَاسِدَةِ أَسْبَابًا، وَلِلشَّكِّ أَسْبَابًا، وَلِلْيَقِينِ أَسْبَابًا، وَلِلظُّنُونِ أَسْبَابًا، وَلِلْأَوْهَامِ أَسْبَابًا.
كُلُّ ذَلِكَ قَدْ نَصَبَهُ الْإِلَهُ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِخَلْقِ الْأَسْبَابِ وَمُسَبِّبَاتِهَا، فَلَا يُوجَدُ سَبَبٌ مُسَبِّبًا إذْ لَا مَوْجُودَ غَيْرَهُ، وَلَا مُدَبِّرَ إلَّا هُوَ، يَحْكُمُ بِمَا يَشَاءُ وَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ، وَلَا نَفْعَ يَحْصُلُ لَهُ، وَهُوَ بَعْدَ خَلْقِ الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا لَا يُفِيدُهُ شَيْءٌ غِنًى وَلَا عِزًّا وَلَا شَرَفًا، بَلْ هُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ مِنْ أَوْصَافِ الْجَلَالِ، وَنُعُوتِ الْكَمَالِ، وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْأَكْوَانِ.
[قَاعِدَةٌ فِيمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَالْقِصَاصَ]
َ يَجِبُ الضَّمَانُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الْيَدُ وَالْمُبَاشَرَةُ، وَالتَّسَبُّبُ، وَالشَّرْطُ.
فَأَمَّا الْيَدُ فَالْغُصُوبُ وَالْأَيْدِي الضَّامِنَةُ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ، وَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ فَهِيَ إيجَادُ عِلَّةِ الْهَلَاكِ، وَتَنْقَسِمُ إلَى الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ وَالْمُتَوَسِّطِ: فَأَمَّا الْقَوِيُّ فَكَالذَّبْحِ وَالْإِحْرَاقِ وَالْإِغْرَاقِ وَإِيجَادِ السَّمُومِ الْمُذَفَّفَةِ وَالْحَبْسِ مَعَ الْمَنْعِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
وَأَمَّا الضَّعِيفُ فَظَنُّ الْمَغْرُورِ بِنِكَاحِ الْأَمَةِ إذَا أَحْبَلَهَا ظَانًّا أَنَّهَا حُرَّةٌ يَضْمَنُ مَا فَاتَ مِنْ حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ بِظَنِّهِ فَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى مَنْ غَرَّهُ لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ غَارُّهُ هَهُنَا أَقْوَى مِنْ مُبَاشَرَتِهِ بِظَنِّهِ، وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ حَالَ وِلَادَتِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ فِي كَوْنِ الْمُتْلِفِ إنَّمَا يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ حَالَ إتْلَافِهِ دُونَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، وَإِنَّمَا خَرَجَ هَذَا عَنْ الْقَاعِدَةِ، إذْ لَا قِيمَةَ لَهُ يَوْمَ الْإِحْبَالِ فَإِنَّهُ نُطْفَةٌ قَذِرَةٌ لَكِنَّهُ كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ دَمَ أَمَةٍ، وَإِنْ كَانَ تَكَوُّنُهُ حَيَوَانًا بِالْقُوَى الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي رَحِمِ أُمِّهِ صَارَ كَالثَّمَرَةِ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ الشَّجَرِ كَسْبًا مِنْ أَكْسَابِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَلُحَ وَصَارَ حَيَوَانًا بِالْقُوَى الَّتِي فِي رَحِمِهَا فَيُشْبِهُ
مَا صَنَعَتْهُ بِيَدِهَا، فَذَلِكَ قَدْرُ الْإِتْلَافِ مُتَأَخِّرًا إلَى حِينِ الْوَضْعِ، وَكَأَنَّهُ رَقِيقٌ فَوَّتَ حُرِّيَّتَهُ حَالَ الْوَضْعِ، وَلِهَذَا جَعَلَ الْوَلَدَ تَابِعًا لِأُمِّهِ فِي الْمِلْكِ وَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ فَكَالْجِرَاحَاتِ السَّارِيَةِ، وَقَدْ تَتَرَدَّدَ صُوَرٌ بَيْنَ الضَّعِيفِ وَالْمُتَوَسِّطِ كَغَرْزِ الْإِبْرَةِ فَيُخْتَلَفُ فِيهَا.
وَأَمَّا التَّسَبُّبُ فَإِيجَادُ عِلَّةِ الْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إلَى قَوِيٍّ وَضَعِيفٍ وَمُرَدَّدٌ بَيْنَهُمَا وَلَهُ أَمْثِلَةٌ.
أَحَدُهَا: الْإِكْرَاهُ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ وَالضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرِهِ لِأَنَّهُ مُلْجِئٌ الْمُكْرَهَ إلَى الْمُبَاشَرَةِ، فَإِنَّ طَبْعَهُ يَحْثُهُ عَلَى دَرْءِ الْمَكْرُوهِ عَنْهُ، وَقَدْ جَعَلَ الْمُكْرَهَ شَرِيكًا لِلتَّسَبُّبِ الَّذِي هُوَ الْمُكْرَهُ لِتَوَلُّدِ مُبَاشَرَتِهِ عَنْ الْإِكْرَاهِ.
الثَّانِي: إذَا شَهِدَ بِالزِّنَا عَلَى إنْسَانٍ فَقُتِلَ بِشَهَادَتِهِ أَوْ رُجِمَ فِي الْحَدِّ بِشَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ وَالْقِصَاصُ لِأَنَّ الشَّاهِدَ وَلَّدَ فِي الْحَاكِمِ وَفِي وَلِيِّ الدَّمِ الدَّاعِيَةَ إلَى الْقَتْلِ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَخَافُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَإِنْ تَرَكَ الْحُكْمَ، وَمِنْ عَارِ الدُّنْيَا إذْ يُنْسَبَ إلَى الْفُسُوقِ وَالْجَوْرِ، وَكَذَلِكَ الْوَلِيُّ وَلَّدَ فِيهِ الشَّاهِدُ دَاعِيَةً طَبِيعِيَّةً تَحُثُّهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَالْوَازِعُ الشَّرْعِيُّ دُونَ الْوَازِعِ الطَّبْعِيِّ.
وَالثَّالِثُ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْقَتْلِ جَائِرًا فِي حُكْمِهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، لِأَنَّهُ وَلَّدَ فِي الْوَلِيِّ دَاعِيَةَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَلَوْ أَمَرَ السُّلْطَانُ الْعَادِلُ الْعَالِمُ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ بِقَتْلِ رَجُلٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَتَلَهُ الْجَلَّادُ جَاهِلًا بِذَلِكَ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ دُونَ الْجَلَّادِ، وَإِنْ كَانَ الْجَلَّادُ مُخْتَارًا غَيْرَ مُلْجِئٍ، لِأَنَّهُ وَلَّدَ فِيهِ دَاعِيَةَ الْقَتْلِ، إذْ الْغَالِبُ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا بِحَقٍّ، فَالْجَلَّادُ وَإِنْ كَانَ مُخْتَارًا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُطِيعٌ لِلَّهِ.
وَكَذَلِكَ لَا إثْمَ عَلَى الْحَاكِمِ إذَا لَمْ يَعْلَمُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ أَثِمَ إذْ لَيْسَ عَلَى الْحَاكِمِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِشَهَادَةِ الزُّورِ بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ أَثِمَ إذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ نَفْسَهُ الْمَظْلُومَةَ بِنَفْسٍ مَعْصُومَةٍ إذْ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ، فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا ظَالِمًا لَمْ يَجُزْ لِلْجَلَّادِ امْتِثَالُ أَمْرِهِ إلَّا إذَا عَلِمَ أَوْ
غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ غَالِبٌ فِي أَمْرِهِ بِالْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعُقُوبَاتِ، لِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ فَاسِقٍ مِنْ الرَّعِيَّةِ أَكْرَهَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ، وَإِنْ أَكْرَهَ الْإِمَامُ عَلَى الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُكْرِهِينَ وَإِنْ لَمْ يُكْرِهْ وَلَكِنْ عَهْدٌ مِنْهُ أَنَّهُ يَسْطُو بِمَنْ خَالَفَهُ سَطْوَةً يَكُونُ مِثْلُهَا لَوْ هَدَّدَ بِهَا إكْرَاهًا فَفِي إلْحَاقِهِ بِالْإِكْرَاهِ خِلَافٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إكْرَاهٌ إذَا أَثَارَ خَوْفًا كَالْخَوْفِ الَّذِي يُثِيرُهُ التَّهْدِيدُ.
وَأَمَّا الشَّرْطُ فَفِي إيجَادِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْإِتْلَافُ وَلَيْسَ بِمُبَاشَرَةٍ وَلَا تَسَبُّبٍ كَالْمُمْسِكِ مَعَ الْمُبَاشِرِ أَوْ الْمُتَسَبِّبِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصْدَرْ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا هُوَ مُمْكِنٌ لِلْقَاتِلِ مِنْ الْقَتْلِ، وَقَدْ خَالَفَنَا مَالِكٌ فِي ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي صِيَانَةِ الدِّمَاءِ. وَاسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه فِي قَتِيلٍ قَتَلَهُ جَمَاعَةٌ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ بِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْأَثَرِ وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِمُوجِبِهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَوْ تَمَالَأَ عَلَى قَتْلِهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلَهُمْ بِهِ، وَالتَّمَالُؤُ عَلَى الْقَتْلِ إنَّمَا يَكُونُ بِالِاشْتِرَاكِ فِيهِ، وَالْمُمْسِكُ وَإِنْ كَانَ ذَنْبُهُ عَظِيمًا فَمَا كُلُّ ذَنْبٍ يَصْلُحُ لِإِرَاقَةِ الدَّمِ وَقَدْ يَتَرَدَّدُ فِي أَسْبَابٍ مِنْهَا تَقْدِيمُ الطَّعَامِ الْمَسْمُومِ إلَى الضَّيْفِ إذَا أَكَلَهُ فَمَاتَ بِسُمِّهِ فَهَذَا التَّقْدِيمُ لَا إلْجَاءَ فِيهِ، لِأَنَّ الضَّيْفَ مُخْتَارٌ فِي الْأَكْلِ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ وَدَاعِيَّةُ الْأَكْلِ مَخْلُوقَةٌ فِيهِ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْمُضِيفِ، فَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ ضَيَّفَ إنْسَانًا بِطَعَامٍ مَغْصُوبٍ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ وَالْآكِلِ وَلَا رُجُوعَ لِلْآكِلِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْجِئٍ وَقَدْ وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي مَسَائِلَ دَائِرَةٍ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ كَشُهُودِي الْإِحْصَانِ مَعَ شُهُودِي الزِّنَا، وَقَدْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْإِتْلَافَ يَقَعُ بِالظُّنُونِ وَالْأَيْدِي وَالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَيَجْرِي الضَّمَانُ فِي عَمْدِهَا وَخَطَئِهَا لِأَنَّهُ مِنْ الْجَوَابِرِ، وَلَا تَجْرِي الْعُقُوبَةُ وَالْقِصَاصُ إلَّا فِي عَمْدِهَا لِأَنَّهُمَا مِنْ الزَّوَاجِرِ.
أَمَّا الْعَمْدُ فَلَا بُدَّ مِنْ قِصَاصٍ، أَحَدُهُمَا الْقَصْدُ إلَى الْفِعْلِ وَالثَّانِي الْقَصْدُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمَقْصُودُ