الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا الْحَوَالَةُ فَتَتَعَلَّقُ بِدَيْنٍ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنٍ، وَهِيَ مُعَاوَضَةٌ عَلَى رَأْيٍ، وَقَبْضٍ مُقَدَّرٍ عَلَى رَأْيٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُرَكَّبَةِ فَيَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْقَبْضِ. مِنْ وَجْهٍ، وَحُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ مِنْ وَجْهٍ.
وَأَمَّا الصُّلْحُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ بَيْعًا أَوْ إجَارَةً أَوْ إبْرَاءً أَوْ هِبَةً، وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى الْمَعْدُومِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ مَعَ أَنَّ الشَّرِيعَةَ طَافِحَةٌ بِهَا فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ، بَلْ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْإِبَاحَةُ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِكَسْبٍ مَعْدُومٍ، وَكَذَلِكَ مُعْظَمُ النُّذُورِ وَالْوُعُودِ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ.
[قَاعِدَةٌ فِيمَا يُقْبَلُ مِنْ التَّأْوِيلِ وَمَا لَا يُقْبَلُ]
ُ مَنْ ذَكَرَ لَفْظًا ظَاهِرًا مَعَ الْأَدِلَّةِ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ تَأَوَّلَهُ لَمْ يُقْبَلْ تَأْوِيلُهُ فِي الظَّاهِرِ إلَّا فِي صُورَةٍ يَكُونُ إقْرَارُهُ فِيهَا مَبْنِيًّا عَلَى ظَنِّهِ، فَإِقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِنَفْيِ الرَّجْعَةِ، وَإِقْرَارُ الْمُشْتَرِي فِي الْخِصَامِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ الْبَائِعِ، فَإِنَّ تَأْوِيلَهُمَا مَقْبُولٌ وَلَا نَحْكُمُ عَلَيْهِمَا بِظَاهِرِ إقْرَارِهِمَا، إذَا تَأَوَّلَاهُ لِأَنَّ رُجُوعَهُمَا لَا يُنَاقِضُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ إقْرَارَهُمَا لَا مَحَلَّ لَهُ إلَّا ظَنُّهُمَا، وَلَيْسَ تَكْذِيبُ الظَّنِّ بِمُنَاقِضٍ لِتَحَقُّقِ الظَّنِّ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَظُنُّ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ كَذِب ظَنِّي.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ السَّيِّدِ لِمُكَاتَبِهِ إذَا أَدَّى النُّجُومَ اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ ظَهَرَتْ النُّجُومُ مُسْتَحَقَّةً، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ إذَا تَأَوَّلَ قَوْلَهُ بِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ عِتْقٌ بِأَدَاءِ النُّجُومِ، وَنَحْوُهُ إذَا شَهِدَ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَى فُلَانٍ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَبْطُلُ إلَّا فِي الْحَصْرِ، لِأَنَّهُ أَسْنَدَ شَهَادَتَهُ بِذَلِكَ إلَى ظَاهِرٍ وَيَبْقَى الْحَصْرُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ أُخَرُ.
وَأَمَّا قَبُولُهُ فِي الْبَاطِنِ فَلَهُ أَحْوَالٌ: إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ قَابِلًا لِتَأْوِيلِهِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْفُتْيَا وَلَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ، فَلَوْ طَلَّقَ
بِصَحِيحِ اللَّفْظِ ثُمَّ قَالَ أَرَدْت بِذَلِكَ طَلَاقًا مِنْ وَثَاقٍ لَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ وَلَا يَسَعُ امْرَأَتَهُ أَنْ تُصَدِّقَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَا يَسَعُ الْحُكْمَ تَسْلِيمُهَا لِأَنَّهُمَا مُتَعَبَّدَانِ فِي الْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ لَمْ يُعْتَبَرْ تَصْدِيقُهَا لِمَا لِلَّهِ فِي تَحْرِيمِ الْأَبْضَاعِ مِنْ الْحَقِّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ قَالَ أَرَدْت حُرِّيَّةَ النَّفْسِ وَالْأَخْلَاقِ لَمْ يُقْبَلْ وَلَا يَسَعُهَا أَنْ تُسَلِّمَ نَفْسَهَا إلَيْهِ وَلَا أَنْ تَدَعَ الْحُقُوقَ الْوَاجِبَةَ لِلَّهِ عَلَى الْحَرَائِرِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يَسَعُهُ تَصْدِيقُهُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا يَجِبُ لِلَّهِ مِنْ الْحُقُوقِ عَلَى الْأَحْرَارِ، كَالْجُمُعَةِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُكَلَّفُ بِهِ الْأَحْرَارُ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْحُرِّيَّةِ يَتَضَمَّنُ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِغَيْرِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُسْتَحِقُّ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي فِي مِثْلِ هَذَا.
الْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْوِيَ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ مِثْلَ أَنْ يَنْوِيَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْأَمْرَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَيُلْزَمُ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا.
الْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَنْوِيَ وَضْعَ اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ فِي اللُّغَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْوَضْعِ الْخَاصِّ كَمَنْ يُعَبِّرُ بِالْأَلْفَيْنِ عَنْ الْأَلْفِ فِي مَسْأَلَةِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ.
الْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَنْوِيَ مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فِي اللُّغَةِ احْتِمَالًا ظَاهِرًا لَكِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، بَلْ يَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَيَجْرِي اللَّفْظُ عَلَى مُقْتَضَاهُ فِي اللُّغَةِ.
مِثَالُهُ: إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَأَوِّلًا لِيَمِينِهِ أَوْ مُعَلِّقًا لَهَا عَلَى الْمَشِيئَةِ وَهُوَ مُبْطِلٌ لِذَلِكَ، وَلَا عِبْرَةَ بِنِيَّتِهِ لِمَا تُؤَدِّي إلَيْهِ مِنْ إبْطَالِ فَائِدَةِ الْأَيْمَانِ، فَإِنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ لِيَهَابَ الْخَصْمُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ عز وجل، فَلَوْ صَحَّ