المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فائدة بحث الحاكم عن الشهود عند الريبة والتهمة] - قواعد الأحكام في مصالح الأنام - جـ ٢

[عز الدين بن عبد السلام]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَفُوتُ مِنْ الْمَصَالِحِ أَوْ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَعَ النِّسْيَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُنَاسَبَةِ الْعِلَلِ لِأَحْكَامِهَا وَزَوَالِ الْأَحْكَامِ بِزَوَالِ أَسْبَابِهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا خَلَفَ الْعِلَّةَ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ حُكْمَ الْأُولَى]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُتَدَارَكُ إذَا فَاتَ بِعُذْرٍ وَمَا لَا يُتَدَارَكُ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ مَنْ كُلِّفَ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ فَقَدَرَ عَلَى بَعْضِهِ وَعَجَزَ عَنْ بَعْضِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَخْفِيفَاتِ الشَّرْعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَشَاقِّ الْمُوجِبَةِ لِلتَّخْفِيفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَقْتَضِيهِ النَّهْيُ مِنْ الْفَسَادِ وَمَا لَا يَقْتَضِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ عَلَى الظُّنُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْغَرِيمِ إذَا دُعِيَ إلَى الْحَاكِمِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا لَزِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إحْضَارُ الْعَيْنِ لِتَقُومَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْحَقَّ مُسْنَدًا إلَى سَبَبٍ فَنَفَاهُ أَوْ نَفَى سَبَبَهُ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْقَوْل قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَقْدَحُ فِي الظُّنُونِ مِنْ التُّهَمِ وَمَا لَا يَقْدَحُ فِيهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ شَهِدَتْ بِحَقٍّ آخَرَ]

- ‌[فَائِدَةٌ لَا تُرَدُّ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ أَنَّهُ طَلَّقَ ضَرَّةَ أُمِّهِ ثَلَاثًا]

- ‌[فَائِدَةٌ شَهِدَ الْفَاسِقُ الْمُسْتَخْفِي بِفِسْقِهِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَأَعَادَهَا بَعْدَ الْعَدَالَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ بَحْثُ الْحَاكِمِ عَنْ الشُّهُودِ عِنْدَ الرِّيبَةِ وَالتُّهْمَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْغَرَضُ مِنْ نَصْبِ الْقُضَاةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ إخْبَارِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إنَّمَا شُرِطَ الْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ قَوْلُ الْحَاكِمِ هَلْ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمًا]

- ‌[فَائِدَةٌ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْبَاطِنِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فِي فَسْخٍ وَلَا عَقْدٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ قَوْلَ الْحَاكِمِ ثَبَتَ عِنْدِي]

- ‌[فَائِدَةٌ ادَّعَى رَجُلٌ رِقَّ إنْسَانٍ يَسْتَسْخِرُهُ وَيَنْطَاعُ انْطِيَاعَ الْعَبْدِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِمَّنْ يُخْبِرُ عَنْ الْوَاقِعَةِ عَنْ سَمَاعٍ أَوْ مُشَاهَدَةٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا أَمَرَ الْقَاضِي أَوْ الْوَالِي بِمَا هُوَ مَحْبُوبٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ]

- ‌[فَائِدَةٌ حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي مَحَلٍّ يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ وَهِيَ ضَرْبَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَعَارُضِ أَصْلٍ وَظَاهِرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَصْلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ ظَاهِرَيْنِ]

- ‌[فَائِدَةٌ يُحْكَمُ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ أَوْ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِصْحَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ كَذِبِ الظُّنُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَصَالِحِ الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ التَّكَالِيفُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ حَقَائِقِ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي نَقْلِ الْحَقِّ مِنْ مُسْتَحِقٍّ إلَى مُسْتَحِقٍّ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي إسْقَاطِ الْحُقُوقِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْقَبْضِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِقْبَاضِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ غَائِبًا]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْتِزَامِ الْحُقُوقِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ الْخَلْطُ وَالشَّرِكَةُ ضَرْبَانِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ إنْشَاءُ الْمِلْكِ فِيمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ الِاخْتِصَاصُ بِالْمَنَافِعِ]

- ‌[الْبَابُ التَّاسِعُ فِي الْإِذْنِ]

- ‌[الْبَابُ الْعَاشِرُ الْإِتْلَافُ]

- ‌[الْبَابُ الْحَادِيَ عَشْرَ التَّأْدِيبُ وَالزَّجْرُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَصَرُّفِ الْوُلَاةِ وَنُوَّابِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَسْرِي مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي أَلْفَاظِ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْأَسْبَابِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْمُنَاسَبَةُ فِي الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْسِيمِ الْمَوَانِعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشَّرْطِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الشُّبُهَاتِ الْمَأْمُورِ بِاجْتِنَابِهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا كَانَ حَرَامًا بِوَصْفِهِ وَسَبَبِهِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا أَكَلَ بُرًّا مَغْصُوبًا أَوْ شَاةً مَغْصُوبَةً]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا يَحْرُمُ بِوَصْفِهِ لَا يَحِلُّ إلَّا لِضَرُورَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّقْدِيرِ عَلَى خِلَافِ التَّحْقِيقِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا يُقْبَلُ مِنْ التَّأْوِيلِ وَمَا لَا يُقْبَلُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ أَطْلَقَ لَفْظًا لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمُقْتَضَاهُ]

- ‌[فَائِدَةٌ اللَّفْظُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ فِي اللُّغَةِ أَوْ الْعُرْفِ]

- ‌[فَائِدَةٌ تَعْلِيقُ التَّصَرُّفِ عَلَى الْمَشِيئَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا أُثْبِتَ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ هَلْ لَا يَلْحَق الْوَلَدَ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُر]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنْزِيلِ دَلَالَةِ الْعَادَاتِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَنْزِلَةَ صَرِيحِ الْأَقْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْأَلْفَاظِ عَلَى ظُنُونٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ الْعَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الْعَالِمُ وَالْحَاكِمُ وَمَا لَا يُثَابَانِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْيَدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُرْبِ وَالِاتِّصَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْغَالِبِ وَالْأَغْلَبِ فِي الْعَادَاتِ وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي اخْتِلَافِ أَحْكَامِ التَّصَرُّفَاتِ لِاخْتِلَافِ مَصَالِحِهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْعُقُوبَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْقِسْمَةُ الْمُجْبَرُ عَلَيْهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي اخْتِلَافِ مَصَالِحِ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَالْقِصَاصَ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا شَهِدَ اثْنَانِ بِالزُّورِ عَلَى تَصَرُّفٍ ثُمَّ رَجَعَا]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ وَمَنْ تَجُوزُ طَاعَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الشُّبُهَاتِ الدَّارِئَةِ لِلْحُدُودِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذْكَارِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْأَذْكَارُ الْمَشْرُوعَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُخْتَرَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السُّؤَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْبِدَعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاقْتِصَادِ فِي الْمَصَالِحِ وَالْخُيُورِ]

- ‌[فَائِدَةٌ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ السَّمَاعُ الْمَحْمُودُ إلَّا عِنْدَ ذِكْرِ الصِّفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْفَضَائِلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْرِيفِ مَا يَظْهَرُ مِنْ مَعَارِفِ الْأَوْلِيَاءِ وَأَحْوَالِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ النَّاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الْحَادِثَاتِ عَلَى بَعْضِ الْجَوَاهِرِ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ النُّبُوَّةُ أَمْ الْإِرْسَالُ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا اسْتَوَى اثْنَانِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ]

الفصل: ‌[فائدة بحث الحاكم عن الشهود عند الريبة والتهمة]

فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ صَادِقًا فَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فِيمَا هُوَ صَادِقٌ فِيهِ؟ قُلْنَا الْكَذِبُ لِلْحَاجَةِ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ، كَمَا يَجُوزُ كَذِبُ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ، وَفِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُخْتَصِمَيْنِ، وَفِي هَذَا الْكَذِبِ مَصَالِحُ.

أَحَدُهَا: السَّتْرُ عَلَى الْمَقْذُوفِ، وَتَقْلِيلُ أَذِيَّتِهِ وَفَضِيحَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ.

الثَّانِيَةُ: قَبُولُ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ.

الثَّالِثَةُ: عَوْدُهُ إلَى الْوِلَايَاتِ الَّتِي تُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَالَةُ؛ كَنَظَرِهِ فِي أَمْوَالِ أَوْلَادِهِ وَإِنْكَاحِهِ لِمَوْلَيَاتِهِ.

الرَّابِعَةُ: تَعَرُّضُهُ لِلْوِلَايَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ.

[فَائِدَةٌ بَحْثُ الْحَاكِمِ عَنْ الشُّهُودِ عِنْدَ الرِّيبَةِ وَالتُّهْمَةِ]

(فَائِدَةٌ) بَحْثُ الْحَاكِمِ عَنْ الشُّهُودِ عِنْدَ الرِّيبَةِ وَالتُّهْمَةِ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، فَإِنْ بَحَثَ عَلَى حَسَبِ إمْكَانِهِ فَلَمْ تَزُلْ الرِّيبَةُ وَالتُّهْمَةُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَا فِي وُسْعِهِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ عِنْدَ قِيَامِ الشَّكِّ مَعَ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ، عِنْدَ غَلَبَةِ كَذِبِ الشُّهُودِ عَلَى ظَنِّهِ.

فَإِنْ قِيلَ: إذَا شَهِدَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ أَوْ الْعَدُوُّ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ الْفَاسِقُ بِمَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ الْحَقِّ، وَالْحَاكِمُ لَا يَشْعُرُ بِالْوِلَادَةِ وَالْفُسُوقِ وَالْعَدَاوَةِ فَهَلْ يَأْثَمُ الشُّهُودُ بِذَلِكَ؟ قُلْت: هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الْحَاكِمَ عَلَى بَاطِلٍ، وَإِنَّمَا حَمَلُوهُ عَلَى إيصَالِ الْحَقِّ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَإِنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ لِلتُّهَمِ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ مَانِعَةٌ لِلْحَاكِمِ مِنْ جِهَةِ قَدْحِهَا فِي ظَنِّهِ، وَهَهُنَا لَا إثْمَ عَلَى الْحَاكِمِ لِتَوَفُّرِ ظَنِّهِ، وَلَا عَلَى الْخَصْمِ؛ لِأَخْذِ حَقِّهِ، وَلَا عَلَى الشَّاهِدِ لِمَعُونَتِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا تَقُولُونَ فِيمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَى إنْسَانٍ فَاسْتَعَانَ عَلَى أَخْذِهِ بِبَعْضِ الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ فَسَاعَدَاهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْوَالِي وَالْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ مَعَ كَوْنِ الْوَالِي وَالْقَاضِي آثِمَيْنِ فِي أَخْذِهِمَا الْحَقَّ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؟ قُلْت: أَمَّا الْوَالِي وَالْقَاضِي فَآثِمَانِ.

وَأَمَّا الْمُسْتَعِينُ بِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ إلَى الْحَقِّ الْمُسْتَعَانِ عَلَيْهِ وَلَهُ رُتَبٌ.

ص: 41

أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ جَارِيَةً اسْتَحَلَّ غَاصِبُهَا بُضْعَهَا فَلَا أَرَى بَأْسًا بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْوَالِي وَالْقَاضِي، وَإِنْ عَصَيَا، بَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ مَعْصِيَةِ الْوَالِي وَالْقَاضِي دُونَ مَفْسَدَةِ الْغَصْبِ وَالزِّنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ غُصِبَ إنْسَانٌ عَلَى زَوْجَتِهِ فَاسْتَعَانَ عَلَى تَخْلِيصِهَا بِالْوَالِي وَالْقَاضِي فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِ الْقَاضِي وَالْوَالِي عَاصِيَيْنِ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ بَقَائِهَا مَعَ مَنْ يَزْنِي بِهَا أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ مُسَاعَدَةِ الْوَالِي وَالْقَاضِي بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ.

وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَانَ بِالْآحَادِ وَأَعَانُوهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَإِنَّهُمْ يَأْثَمُونَ بِذَلِكَ وَلَا يَأْثَمُ الْمُسْتَعِينُ بِهِمْ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ مُخَالَفَتِهِمْ الشَّرْعَ فِي مِثْلِ هَذَا دُونَ الْمَفْسَدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ.

الرُّتْبَةُ الثَّانِيَةُ إذَا اسْتَعَانَ بِالْوُلَاةِ أَوْ بِالْقُضَاةِ أَوْ بِالْآحَادِ عَلَى رَدِّ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبِهِ أَوْ الْمَجْحُودِ مِنْ جَاحِدِهِ فَأَعَانُوهُ عَلَى تَخْلِيصِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ مِثْلَ أَنْ غَصَبَ إنْسَانٌ دَابَّتَهُ وَثِيَابَهُ وَسِلَاحَهُ وَمَنْزِلَهُ وَمَاعُونَهُ أَوْ جَحَدَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ فَاسْتَعَانَ بِهِمْ فَأَعَانُوهُ فَإِنَّهُمْ يَأْثَمُونَ عَلَى إعَانَتِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ بَقَاءِ ذَلِكَ بِيَدِ لِلْغَاصِبِ وَالْجَاحِدِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ عِصْيَانِهِمْ؛ لِأَنَّ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُمْ مُجَرَّدُ مَعْصِيَةٍ لَا مَفْسَدَةً فِيهَا، وَاَلَّذِي صَدَرَ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْجَاحِدِ عِصْيَانٌ مَعَ تَحَقُّقِ الْمَفْسَدَةِ، وَقَدْ يَجُوزُ إجَابَةُ الْعَاصِي عَلَى مَعْصِيَتِهِ لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مَعْصِيَةً بَلْ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْإِعَانَةُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي فِدَاءِ الْأَسْرَى.

الرُّتْبَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ حَقِيرًا كَكِسْرَةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ فَهَذَا لَا تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ عَلَى تَخْلِيصِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لِأَنَّ مَعْصِيَةَ مَفْسَدَةِ الْمُسَاعِدِ عَلَيْهِ تَرْبَى عَلَى مَفْسَدَةِ فَوَاتِهِ.

ص: 42