المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[قاعدة في بيان الشبهات المأمور باجتنابها] - قواعد الأحكام في مصالح الأنام - جـ ٢

[عز الدين بن عبد السلام]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَفُوتُ مِنْ الْمَصَالِحِ أَوْ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَعَ النِّسْيَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُنَاسَبَةِ الْعِلَلِ لِأَحْكَامِهَا وَزَوَالِ الْأَحْكَامِ بِزَوَالِ أَسْبَابِهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا خَلَفَ الْعِلَّةَ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ حُكْمَ الْأُولَى]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُتَدَارَكُ إذَا فَاتَ بِعُذْرٍ وَمَا لَا يُتَدَارَكُ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ مَنْ كُلِّفَ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ فَقَدَرَ عَلَى بَعْضِهِ وَعَجَزَ عَنْ بَعْضِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَخْفِيفَاتِ الشَّرْعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَشَاقِّ الْمُوجِبَةِ لِلتَّخْفِيفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَقْتَضِيهِ النَّهْيُ مِنْ الْفَسَادِ وَمَا لَا يَقْتَضِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ عَلَى الظُّنُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْغَرِيمِ إذَا دُعِيَ إلَى الْحَاكِمِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا لَزِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إحْضَارُ الْعَيْنِ لِتَقُومَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْحَقَّ مُسْنَدًا إلَى سَبَبٍ فَنَفَاهُ أَوْ نَفَى سَبَبَهُ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْقَوْل قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَقْدَحُ فِي الظُّنُونِ مِنْ التُّهَمِ وَمَا لَا يَقْدَحُ فِيهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ شَهِدَتْ بِحَقٍّ آخَرَ]

- ‌[فَائِدَةٌ لَا تُرَدُّ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ أَنَّهُ طَلَّقَ ضَرَّةَ أُمِّهِ ثَلَاثًا]

- ‌[فَائِدَةٌ شَهِدَ الْفَاسِقُ الْمُسْتَخْفِي بِفِسْقِهِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَأَعَادَهَا بَعْدَ الْعَدَالَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ بَحْثُ الْحَاكِمِ عَنْ الشُّهُودِ عِنْدَ الرِّيبَةِ وَالتُّهْمَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْغَرَضُ مِنْ نَصْبِ الْقُضَاةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ إخْبَارِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إنَّمَا شُرِطَ الْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ قَوْلُ الْحَاكِمِ هَلْ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمًا]

- ‌[فَائِدَةٌ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْبَاطِنِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فِي فَسْخٍ وَلَا عَقْدٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ قَوْلَ الْحَاكِمِ ثَبَتَ عِنْدِي]

- ‌[فَائِدَةٌ ادَّعَى رَجُلٌ رِقَّ إنْسَانٍ يَسْتَسْخِرُهُ وَيَنْطَاعُ انْطِيَاعَ الْعَبْدِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِمَّنْ يُخْبِرُ عَنْ الْوَاقِعَةِ عَنْ سَمَاعٍ أَوْ مُشَاهَدَةٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا أَمَرَ الْقَاضِي أَوْ الْوَالِي بِمَا هُوَ مَحْبُوبٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ]

- ‌[فَائِدَةٌ حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي مَحَلٍّ يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ وَهِيَ ضَرْبَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَعَارُضِ أَصْلٍ وَظَاهِرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَصْلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ ظَاهِرَيْنِ]

- ‌[فَائِدَةٌ يُحْكَمُ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ أَوْ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِصْحَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ كَذِبِ الظُّنُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَصَالِحِ الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ التَّكَالِيفُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ حَقَائِقِ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي نَقْلِ الْحَقِّ مِنْ مُسْتَحِقٍّ إلَى مُسْتَحِقٍّ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي إسْقَاطِ الْحُقُوقِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْقَبْضِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِقْبَاضِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ غَائِبًا]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْتِزَامِ الْحُقُوقِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ الْخَلْطُ وَالشَّرِكَةُ ضَرْبَانِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ إنْشَاءُ الْمِلْكِ فِيمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ الِاخْتِصَاصُ بِالْمَنَافِعِ]

- ‌[الْبَابُ التَّاسِعُ فِي الْإِذْنِ]

- ‌[الْبَابُ الْعَاشِرُ الْإِتْلَافُ]

- ‌[الْبَابُ الْحَادِيَ عَشْرَ التَّأْدِيبُ وَالزَّجْرُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَصَرُّفِ الْوُلَاةِ وَنُوَّابِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَسْرِي مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي أَلْفَاظِ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْأَسْبَابِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْمُنَاسَبَةُ فِي الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْسِيمِ الْمَوَانِعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشَّرْطِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الشُّبُهَاتِ الْمَأْمُورِ بِاجْتِنَابِهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا كَانَ حَرَامًا بِوَصْفِهِ وَسَبَبِهِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا أَكَلَ بُرًّا مَغْصُوبًا أَوْ شَاةً مَغْصُوبَةً]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا يَحْرُمُ بِوَصْفِهِ لَا يَحِلُّ إلَّا لِضَرُورَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّقْدِيرِ عَلَى خِلَافِ التَّحْقِيقِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا يُقْبَلُ مِنْ التَّأْوِيلِ وَمَا لَا يُقْبَلُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ أَطْلَقَ لَفْظًا لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمُقْتَضَاهُ]

- ‌[فَائِدَةٌ اللَّفْظُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ فِي اللُّغَةِ أَوْ الْعُرْفِ]

- ‌[فَائِدَةٌ تَعْلِيقُ التَّصَرُّفِ عَلَى الْمَشِيئَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا أُثْبِتَ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ هَلْ لَا يَلْحَق الْوَلَدَ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُر]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنْزِيلِ دَلَالَةِ الْعَادَاتِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَنْزِلَةَ صَرِيحِ الْأَقْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْأَلْفَاظِ عَلَى ظُنُونٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ الْعَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الْعَالِمُ وَالْحَاكِمُ وَمَا لَا يُثَابَانِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْيَدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُرْبِ وَالِاتِّصَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْغَالِبِ وَالْأَغْلَبِ فِي الْعَادَاتِ وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي اخْتِلَافِ أَحْكَامِ التَّصَرُّفَاتِ لِاخْتِلَافِ مَصَالِحِهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْعُقُوبَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْقِسْمَةُ الْمُجْبَرُ عَلَيْهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي اخْتِلَافِ مَصَالِحِ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَالْقِصَاصَ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا شَهِدَ اثْنَانِ بِالزُّورِ عَلَى تَصَرُّفٍ ثُمَّ رَجَعَا]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ وَمَنْ تَجُوزُ طَاعَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الشُّبُهَاتِ الدَّارِئَةِ لِلْحُدُودِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذْكَارِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْأَذْكَارُ الْمَشْرُوعَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُخْتَرَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السُّؤَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْبِدَعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاقْتِصَادِ فِي الْمَصَالِحِ وَالْخُيُورِ]

- ‌[فَائِدَةٌ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ السَّمَاعُ الْمَحْمُودُ إلَّا عِنْدَ ذِكْرِ الصِّفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْفَضَائِلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْرِيفِ مَا يَظْهَرُ مِنْ مَعَارِفِ الْأَوْلِيَاءِ وَأَحْوَالِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ النَّاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الْحَادِثَاتِ عَلَى بَعْضِ الْجَوَاهِرِ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ النُّبُوَّةُ أَمْ الْإِرْسَالُ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا اسْتَوَى اثْنَانِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ]

الفصل: ‌[قاعدة في بيان الشبهات المأمور باجتنابها]

الْمِثَالُ الثَّانِي وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ، تَقْدِيرُهُ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَتَحَلَّلْتُمْ فَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ. أَيْ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ.

الْمِثَالُ الثَّالِثُ قَوْلُهُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] عَلَى التَّخْيِيرِ عَلَى أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا مَنْطُوقٌ بِهِ، وَالثَّانِي مَحْذُوفٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الصِّيَامِ.

[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الشُّبُهَاتِ الْمَأْمُورِ بِاجْتِنَابِهَا]

قَالَ عليه السلام: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» وَهَذَا حَثٌّ مِنْهُ عليه السلام عَلَى تَرْكِ الْمُشْتَبِهَاتِ.

اعْلَمْ أَنَّ التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ وَالْإِبَاحَةَ وَالنَّدْبَ وَالْإِيجَابَ وَالْكَرَاهَةَ لَيْسَ لَهَا مُتَعَلَّقٌ إلَّا أَفْعَالُ الْعِبَادِ الْمَقْدُورُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى التَّسَبُّبِ لَهَا، وَلَا يَطْلُبُ الشَّرْعُ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالتُّرُوكِ إلَّا مَا يَقْدِرُ الْمُكَلَّفُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجِدُهُ إلَّا فِي مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ وَصْفُ الْأَفْعَالِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَالنَّدْبِ وَالْإِيجَابِ وَصْفًا حَقِيقِيًّا قَائِمًا بِالْأَفْعَالِ إذْ لَا يَقُومُ عَرَضٌ بِعَرَضٍ، وَلَا يَقَعُ التَّكْلِيفُ إلَّا بِالْأَعْرَاضِ، وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَعَلُّقِ الشَّرْعِ بِالْأَفْعَالِ، وَكَذَلِكَ الْوَصْفُ بِالسَّبَبِيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ وَالْمَانِعِيَّةِ وَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْمِلْكِ وَالِاخْتِصَاصِ، فَالْمَمْلُوكُ مَا ثَبَتَ لَهُ أَحْكَامُ الْمِلْكِ، وَالْحُرُّ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ أَحْكَامُ الْحُرِّيَّةِ، وَالرَّقِيقُ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ أَحْكَامُ الرِّقِّ، وَالْوَقْفُ مَا ثَبَتَتْ لَهُ أَحْكَامُ الْوَقْفِ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ وَالْكُفْرَ

ص: 106

وَالْبِرَّ وَالْفُجُورَ أَوْصَافٌ حَقِيقِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْمَحَلِّ، وَإِطْلَاقُ أَسْمَائِهَا عَلَى النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَالْغَافِلِ عَنْهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ مَجَازِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ، وَالْوَصْفُ بِهَا فِي حَالِ الْغَفْلَةِ عَنْهَا كَالْوَصْفِ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَإِحْرَامُ الْأَحْكَامِ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ إعْطَاءِ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ عَقِيبَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ

ثُمَّ الْأَفْعَالُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَحْكَامُ ضَرْبَانِ - أَحَدُهُمَا مَا هُوَ حَسَنٌ فِي ذَاتِهِ وَثَمَرَاتِهِ كَمَعْرِفَةِ الْإِلَهِ وَصِفَاتِهِ وَالْإِيمَانِ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ أَحْسَنُ مَا كُلِّفَهُ الْإِنْسَانُ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ الَّتِي هِيَ خُلُودُ الْجِنَانِ وَالزَّحْزَحَةُ عَنْ النِّيرَانِ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا هُوَ قَبِيحٌ فِي ذَاتِهِ وَثَمَرَاتِهِ كَالْجَهْلِ بِمَا يَجِبُ مِنْ الْعِرْفَانِ وَالْإِيمَانِ، وَثَمَرَاتُهُ خُلُودُ النِّيرَانِ وَحِرْمَانُ الْجِنَانِ، وَجَزَاؤُهُ مِثْلُهُ فِي الْقُبْحِ قَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا} [الأنعام: 160] .

وَمِنْ الْأَفْعَالِ مَا هُوَ حَقِيقَتُهُ وَذَاتُهُ وَلَكِنَّهُ يُنْهَى عَنْهُ مَرَّةً لِقُبْحِ ثَمَرَاتِهِ وَيُؤْمَرُ بِهِ تَارَةً لِحُسْنِ ثَمَرَاتِهِ وَيُبَاحُ تَارَةً لِمَصَالِحَ تَتَقَارَبُهُ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَالْإِحْجَامِ عَنْهُ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ - أَحَدُهَا الْقَتْلُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ بِاعْتِبَارِ ثَمَرَاتِهِ لَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ لِأَنَّ ذَاتَه فَسَادٌ وَإِتْلَافٌ.

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: قَتْلُ مَنْ يَجِبُ قَتْلُهُ مِنْ الْكَافِرِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَهُوَ حَسَنٌ لِحُسْنِ ثَمَرَاتِهِ، أَمَّا قَتْلُ الْكَافِرِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ مَحْوِ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْسَدِ الْمَفَاسِدِ وَإِبْدَالِهِ بِالْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَصْلَحُ الْمَصَالِحِ، وَأَمَّا قَتْلُ الْجَانِي، فَلِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ الْأَرْوَاحِ بِزَجْرِ الْجُنَاةِ عَنْ الْجِنَايَاتِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: تَحْرِيمُ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُمَاثِلٌ فِي ذَاتِهِ لِقَتْلِ الْكَافِرِينَ وَالْمُسْلِمِينَ الْمُحَارِبِينَ، وَلَكِنَّهُ حُرِّمَ لِقُبْحِ ثَمَرَاتِهِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: قَتْلُ مَنْ يَجُوزُ قَتْلُهُ بِالْقِصَاصِ مِنْ الْجُنَاةِ، فَإِنَّهُ حَسَنٌ لِثَمَرَاتِهِ.

ص: 107

الْمِثَالُ الثَّانِي: الْأَكْلُ مُتَّحِدٌ فِي ذَاتِهِ وَحَقِيقَتِهِ، وَإِنَّمَا قُبِّحَ لِأَسْبَابِهِ أَوْ لِثَمَرَاتِهِ، فَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ مُسَاوٍ فِي حَقِيقَتِهِ وَذَاتِهِ لِأَكْلِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَلَكِنَّهُ حُرِّمَ لِقُبْحِ أَسْبَابِهِ وَثَمَرَاتِهِ.

الْمِثَالُ الثَّالِثُ: الْوَطْءُ مُتَّحِدٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَذَاتِهِ لَكِنَّهُ يَحْرُمُ تَارَةً لِقُبْحِ ثَمَرَاتِهِ وَيَحِلُّ تَارَةً لِحُسْنِ ثَمَرَاتِهِ، وَقَدْ يَجْمَعُ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ مَفَاسِدَ كَثِيرَةً فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا وَزَوَاجِرُهَا، وَكَفَّارَاتُهَا. مِثَالُهُ، إذَا زِنَا بِأُمِّهِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَهُمَا صَائِمَانِ فِي رَمَضَانَ، فَقَدْ أَتَى بِكَبَائِرَ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُهَا لَوْ تَفَرَّقَتْ. فَإِنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْكَعْبَةِ مُرْتَكِبٌ لِكَبِيرَةٍ مُوجِبَةٍ لِلتَّحْرِيمِ وَلِلتَّفْسِيقِ وَالتَّعْزِيرِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى إيقَاعِ الزِّنَا بِأُمِّهِ مُرْتَكِبٌ لِكَبِيرَةٍ عَظِيمَةٍ وَهِيَ أَنَّ عُقُوقَ الْأُمِّ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْزِيرِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ مُفْسِدًا لِلْعُمْرَةِ مُرْتَكِبًا لِكَبِيرَةٍ مُفَسِّقَةٍ مُوجِبَةٍ لِكَفَّارَةٍ مُرَتَّبَةٍ، وَبِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ زَانِيًا مُرْتَكِبًا لِكَبِيرَةٍ مُفَسِّقَةٍ مُوجِبَةٍ لِلرَّجْمِ إنْ كَانَ مُحْصَنًا، وَالْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ إنْ كَانَ بِكْرًا.

وَكَذَلِكَ قَدْ يَجْمَعُ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ مَصَالِحَ شَتَّى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْبِرَ الْإِمَامُ بِظُهُورِ الزِّنَا وَالرِّبَا وَاسْتِلَابِ الْأَمْوَالِ وَقَتْلِ الرِّجَالِ وَتَعْطِيلِ الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَاةِ وَانْتِهَاكِ الْحُرُمَاتِ وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ فَيَأْمُرُ بِتَغْيِيرِ ذَلِكَ كُلِّهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُثَابُ عَلَى تَسَبُّبِهِ إلَى تَغَيُّرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ بِكَلِمَةٍ كَمَا يُثَابُ عَلَيْهَا إذَا تَسَبَّبَ إلَى إزَالَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَلَى حِدَتِهَا.

وَأَسْبَابُ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا قَائِمٌ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ، وَالثَّانِي خَارِجٌ عَنْ الْمَحَلِّ، فَأَمَّا الْقَائِمُ بِالْمَحَلِّ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ فَهُوَ كُلُّ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِالْمَحَلِّ مُوجِبَةٍ لِلتَّحْرِيمِ كَصِفَةِ الْخَمْرِ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ، لِمَا قَامَ بِشُرْبِهَا مِنْ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعُقُولِ، وَكَالْمَيْتَةِ حُرِّمَتْ لِمَا قَامَ بِهَا مِنْ الِاسْتِقْذَارِ، وَكَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ يَحْرُمُ لِصِفَةٍ قَائِمَةٍ بِهِ، وَكَالسُّمُومِ الْقَاتِلَةِ حُرِّمَتْ

ص: 108

لِمَا قَامَ بِهَا مِنْ الصِّفَةِ الْقَاتِلَةِ، وَكَذَلِكَ الصِّفَاتُ النِّسْبِيَّةُ كَالْأُمُومَةِ وَالْجُدُودَةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ وَالْعُمُومَةِ وَالْخُؤُولَة وَاللِّعَانِ الْمُحَرِّمِ لِلنِّكَاحِ.

وَأَمَّا الْقَائِمُ بِالْمَحَلِّ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْلِيلِ فَهُوَ كُلُّ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِالْمَحَلِّ مُوجِبَةٍ لِلتَّحْلِيلِ، كَصِفَةِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ.

وَأَمَّا الْخَارِجُ عَنْ الْمَحَلِّ فَضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا الْأَسْبَابُ الْبَاطِلَةُ كَالْغَصْبِ وَالْقِمَارِ وَالْحُرِّيَّةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْبَيْعِ فَهَذِهِ أَسْبَابٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَحَلِّ مُوجِبَةٌ لِتَحْرِيمِ الْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: الْأَسْبَابُ الصَّحِيحَةُ كَالْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْمُعَامَلَاتِ الْمَحْكُومِ بِصِحَّتِهَا شَرْعًا إمَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَهَذَا حَلَالٌ بِسَبَبِهِ، فَمَا كَانَ فِي هَذِهِ الْأَعْيَانِ حَلَالًا بِوَصْفِهِ وَسَبَبِهِ فَهُوَ حَلَالٌ بَيِّنٌ كَمَا لَوْ بَاعَ النَّعَمَ أَوْ الْبُرَّ أَوْ الشَّعِيرَ أَوْ الرُّطَبَ أَوْ الْعِنَبَ بَيْعًا صَحِيحًا مُتَّفَقًا عَلَى صِحَّتِهِ أَوْ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا، وَمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ حَرَامٌ بِوَصْفِهِ وَسَبَبِهِ فَهُوَ حَرَامٌ بَيِّنٌ كَالْخَمْرِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ يُغْصَبَانِ مِنْ ذِمِّيٍّ، وَمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ مُتَّفَقًا عَلَى وَصْفِهِ الْقَائِمِ بِهِ مُخْتَلَفًا فِي سَبَبِهِ الْخَارِجِ عَنْهُ، أَوْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى سَبَبِهِ الْخَارِجِ عَنْهُ مُخْتَلَفًا فِي وَصْفِهِ الْقَائِمِ بِهِ، فَإِنَّك تَنْظُرُ إلَى مَأْخَذِ تَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ بِالنَّظَرِ إلَى وَصْفِهِ الْقَائِمِ بِهِ وَإِلَى سَبَبِهِ الْخَارِجِ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ أَدِلَّتُهُمَا مُتَفَاوِتَةٌ، فَمَا رَجَحَ دَلِيلُ تَحْرِيمِهِ كَانَ حَرَامًا، وَمَا رَجَحَ دَلِيلُ تَحْلِيلِهِ كَانَ حَلَالًا، وَإِنْ تَقَارَبَتْ أَدِلَّتُهُ كَانَ مُشْتَبَهًا وَكَانَ اجْتِنَابُهُ مِنْ تَرْكِ الشُّبُهَاتِ، فَإِنَّهُ أَشْبَهُ الْمُحَلِّلِ مِنْ جِهَةِ قِيَامِ دَلِيلِ تَحْلِيلِهِ، وَأَشْبَهَ الْمُحَرَّمَ مِنْ جِهَةِ قِيَامِ دَلِيلِ تَحْرِيمِهِ فَمَنْ تَرَكَ مِثْلَ هَذَا فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَإِذَا تَقَارَبَتْ الْأَدِلَّةُ فَمَا كَانَ أَقْرَبُ إلَى أَدِلَّةِ التَّحْرِيمِ تَأَكَّدَ اجْتِنَابُهُ وَاشْتَدَّتْ

ص: 109

كَرَاهَتُهُ، وَمَا كَانَ أَقْرَبُ إلَى أَدِلَّةِ التَّحْلِيلِ خَفَّ الْوَرَعُ فِي اجْتِنَابِهِ وَإِنْ كَافَأَ دَلِيلُ التَّحْلِيلِ دَلِيلَ التَّحْرِيمِ حُرِّمَ الْإِقْدَامُ وَلَمْ يُتَخَيَّرْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكُلُّ حُكْمٍ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ لَوْ حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ لَنَقَضَ حُكْمَهُ فَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى الْبُطْلَانِ، لِأَنَّا إنَّمَا حَكَمْنَا بِنَقْضِهِ لِبُطْلَانِ دَلِيلِهِ، وَمَا بَطَلَ دَلِيلُهُ كَانَ بَاطِلًا فِي نَفْسِهِ.

وَقَدْ أَطْلَقَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ شُبْهَةٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ، إذْ لَيْسَ عَيْنُ الْخِلَافِ شُبْهَةً بِدَلِيلِ أَنَّ خِلَافَ عَطَاءٍ فِي جَوَازِ وَطْءِ الْجَوَارِي بِالْإِبَاحَةِ خِلَافٌ مُحَقَّقٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَدْرَأُ الْحَدَّ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ الدَّارِئَةُ لِلْحَدِّ فَفِي مَأْخَذِ الْخِلَافِ وَأَدِلَّتِهِ الْمُتَقَارِبَةِ كَالْخِلَافِ فِي النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ، وَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ، فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ فِيهِ مُتَقَارِبَةٌ لَا يُبْعِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ إصَابَةَ خَصْمِهِ عِنْدَ اللَّهِ عز وجل فَنَذْكُرُ لِذَلِكَ أَمْثِلَةً: أَحَدُهَا: أَكْلُ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ لَوْ اُشْتُرِيَ بِعَقْدِ غَيْرِ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ لَوْ وَقَعَ فِيمَا يَحِلُّ بِصِفَتِهِ لَكَانَ الْخِلَافُ فِي صِفَتِهِ قَائِمًا، وَصِفَتُهُ مَا قَامَ بِهِ مِنْ نَابِهِ وَمِخْلَبِهِ.

الْمِثَالُ الثَّانِي: أَكْلُ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إذَا اُشْتُرِيَتْ بِبَيْعٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَبَيْعِ الْغَائِبِ وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ لَكَانَ الْخِلَافُ فِي سَبَبِهِ قَائِمًا مُوجِبًا لِلْوَرَعِ فِي مُبَاشَرَتِهِ، وَيَخْتَلِفُ الْوَرَعُ فِي مُبَاشَرَتِهِ، وَيَخْتَلِفُ الْوَرَعُ فِي هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ بِاخْتِلَافِ رُتَبِ أَدِلَّتِهِمَا.

الْمِثَالُ الثَّالِثُ: نِكَاحُ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ الزَّانِي إذَا عُقِدَ عَلَيْهَا عَقْدٌ لَوْ عُقِدَ عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ لَكَانَ صَحِيحًا بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَهَذَا مِمَّا يَشْتَدُّ التَّوَرُّعُ فِي نِكَاحِهَا لِلِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِ صِفَتِهَا مُقْتَضِيَةً لِلتَّحْرِيمِ.

وَقَدْ يُلْتَبَسُ مَا حُلَّ بِوَصْفِهِ وَسَبَبِهِ بِمَا حُرِّمَ بِوَصْفِهِ وَسَبَبِهِ وَلَهُ حَالَانِ.

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَلْتَبِسَ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ بِأُخْرَى كَمَا إذَا اخْتَلَطَتْ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ بِأَجْنَبِيَّةٍ فَالْإِقْدَامُ عَلَى تَزْوِيجِ إحْدَاهُمَا أَوْ وَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَرَامٌ بَيِّنٌ.

ص: 110