الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلْإِقْرَارِ أَوْ وَلَّى عَلَى الْأَيْتَامِ مَنْ ظَنَّ أَهْلِيَّتَهُ لِذَلِكَ ثُمَّ أَخْلَفَ ظَنَّهُ بَطَلَ حُكْمُهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ حَكَمَ بِعِلْمِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجَلْدَ قَدْ أُسْقِطَ قَبْلَ حُكْمِهِ بَطَلَ حُكْمُهُ، وَلَوْ اجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ثُمَّ بَانَ كَذِبُ ظَنِّهِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ بِظَنٍّ يُسَاوِيهِ أَوْ تَرَجَّحَ عَلَيْهِ أَدْنَى رُجْحَانٍ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ يَنْقُضُ حُكْمَهُ وَبَنَى عَلَى اجْتِهَادِهِ الثَّانِي فِيمَا عَدَا الْأَحْكَامَ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ تَبَاعَدَ الْمَأْخَذَانِ بِحَيْثُ تَبْعُدُ إصَابَتُهُ فِي الظَّنِّ الْأَوَّلِ نُقِضَ حُكْمُهُ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا لِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ، أَوْ لِلْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ حُكْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ بَنَى عَلَى مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ ثَانِيًا، إلَّا أَنْ يَسْتَوِيَ الظَّنَّانِ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ عَلَى الْأَصَحِّ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَصَالِحِ الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ]
اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَلَقَ الْخَلْقَ وَأَحْوَجَ بَعْضَهُمْ إلَى بَعْضٍ لِتَقُومَ كُلُّ طَائِفَةٍ بِمَصَالِحِ غَيْرِهَا، فَيَقُومُ بِمَصَالِحِ الْأَصَاغِرِ الْأَكَابِرُ، وَالْأَصَاغِرُ بِمَصَالِحِ الْأَكَابِرِ، وَالْأَغْنِيَاءُ بِمَصَالِحِ الْفُقَرَاءِ، وَالْفُقَرَاءُ بِمَصَالِحِ الْأَغْنِيَاءِ، وَالنُّظَرَاءُ بِمَصَالِحِ النُّظَرَاءِ، وَالنِّسَاءُ بِمَصَالِحِ الرِّجَالِ، وَالرِّجَالُ بِمَصَالِحِ النِّسَاءِ، وَالرَّقِيقُ بِمَصَالِحِ السَّادَاتِ، وَالسَّادَاتُ بِمَصَالِحِ الْأَرِقَّاءِ، وَهَذَا الْقِيَامُ مُنْقَسِمٌ إلَى جَلْبِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ إلَى دَفْعِ مَفَاسِدِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا.
أَمَّا احْتِيَاجُ الْأَصَاغِرِ إلَى الْأَكَابِرِ فَهُوَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا: الِاحْتِيَاجُ إلَى الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ثُمَّ إلَى الْوُلَاةِ الْقَائِمِينَ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ إلَى الْقُضَاةِ الْقَائِمِينَ بِإِنْصَافِ الْمَظْلُومِينَ مِنْ الظَّالِمِينَ وَحِفْظِ الْحُقُوقِ عَلَى الْغَائِبِينَ، وَعَلَى الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ، ثُمَّ إلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ الْقَائِمِينَ بِمَصَالِحِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، ثُمَّ بِأَوْلِيَاءِ النِّكَاحِ، ثُمَّ بِالْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَوْلَا نَصْبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لَفَاتَتْ الْمَصَالِحُ الشَّامِلَةُ، وَتَحَقَّقَتْ الْمَفَاسِدُ الْعَامَّةُ
وَلَاسْتَوْلَى الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَالدَّنِيءُ عَلَى الشَّرِيفِ، وَكَذَلِكَ وُلَاةُ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ لِلْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ الْحُكَّامُ لَوْ لَمْ يُنَصَّبُوا لَفَاتَتْ حُقُوقُ الْمُسْلِمِينَ وَلَضَاعَتْ أَمْوَالُ الْغُيَّبِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ تُفَوَّضْ التَّرْبِيَةُ إلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ لَضَاعَ الْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُفَوَّضْ الْإِنْكَاحُ إلَى الرِّجَالِ لَاسْتَحْيَا مُعْظَمُ النِّسَاءِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ، وَلَتَضَرَّرْنَ بِالْخَجَلِ وَالِاسْتِحْيَاءِ، وَلَا سِيَّمَا الْمُسْتَحْسَنَاتُ الْخَفِرَاتُ، وَكَذَلِكَ الْأَمَانَاتُ الشَّرْعِيَّةُ لَوْ لَمْ تُشْرَعْ لَضَاعَتْ الْأَمْوَالُ الَّتِي اسْتَأْمَنَهُمْ الشَّرْعُ عَلَيْهَا وَلَتَضَرَّرَ مَالِكُوهَا، وَكَذَلِكَ اللُّقَطَاءُ لَوْ لَمْ يُشْرَعْ الْتِقَاطُهُمْ لَفَاتَتْ عَلَى أَرْبَابِهَا وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَوَائِدَ كُلِّ وِلَايَةٍ وِلَايَةٍ.
وَأَمَّا احْتِيَاجُ الْأَكَابِرِ إلَى الْأَصَاغِرِ فَنَوْعَانِ. أَحَدُهُمَا: الِاحْتِيَاجُ إلَى الْمُعَاوَنَةِ وَالْمُسَاعَدَةِ عَلَى
الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْأَجْسَامِ الْخَاصَّةِ بِهِمْ وَذَلِكَ بِالْمَنَافِعِ كَالِاسْتِيدَاعِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالْحِرَاثَةِ
وَالنِّسَاجَةِ وَالنِّجَارَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالْبِنَاءِ وَالطِّبِّ وَالْمِسَاحَةِ وَالْقِسْمَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يَحْتَاجُ الْعِبَادُ إلَيْهِ مِنْ الْمَنَافِعِ، كَالْوَكَالَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْجَعَالَةِ وَالسِّفَادَةِ وَالْحَلْبِ وَكِرَاءِ الْجِمَالِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْأَنْعَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَوْ تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَاتُ لَوْ لَمْ يَأْذَنْ الشَّرْعُ فِي هَذَا بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، لَأَدَّى إلَى هَلَاكِ الْعَالَمِ، إذْ لَا يَتِمُّ نِظَامُهُ إلَّا بِمَا ذَكَرْتُهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ سبحانه وتعالى:{وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] ، أَيْ لِتُسَخِّرَ الْأَغْنِيَاءُ الْفُقَرَاءَ فِيمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُبَحْ ذَلِكَ لَاحْتَاجَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ حَرَّاثًا زَرَّاعًا سَاقِيًا بَاذِرًا حَاصِدًا دَائِسًا مُنَقِّيًا طَحَّانًا عَجَّانَا خَبَّازًا طَبَّاخًا، وَلَاحْتَاجَ فِي آلَاتِ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَكُونَ حَدَّادًا لِآلَاتِهِ نَجَّارًا لَهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ جَلْبِ الْحَدِيدِ وَالْأَخْشَابِ وَاسْتِصْنَاعِهَا، وَكَذَلِكَ اللِّبَاسُ يَفْتَقِرُ قُطْنُهُ وَكَتَّانُهُ إلَى مَا يَفْتَقِرُ إلَيْهِ الزَّرْعُ
ثُمَّ إلَى غَزْلِهِ وَنَسْجِهِ أَوْ جَزِّهِ إنْ كَانَ مِنْ الْأَصْوَافِ وَالْأَوْبَارِ وَالْأَشْعَارِ، ثُمَّ إلَى غَزْلِهِ وَنَسْجِهِ.
وَكَذَلِكَ الْمَسَاكِنُ لَوْ لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهَا لَكَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ مَطْرُوحِينَ عَلَى الطُّرُقَاتِ مُتَعَرِّضِينَ لِلْآفَاتِ وَظُهُورِ الْعَوْرَاتِ، وَلِانْكِشَافِ أَزْوَاجِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمْ، وَكَذَلِكَ كُلُّ حِرْفَةٍ مِنْ الْحِرَفِ وَصَنْعَةٍ مِنْ الصَّنَائِعِ لَوْ لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ فِيهَا لَتَعَطَّلَتْ جَمِيعُ مَصَالِحِهَا الْمَبْنِيَّةِ عَلَيْهَا لِنُدْرَةِ التَّبَرُّعِ بِهَا، وَلَا سِيَّمَا الدَّلَّاكُ وَالْحَلَّاقُ وَالْحَشَّاشُ وَالْقَمَّامُ لَوْلَا اضْطِرَارُ الْفَقْرِ إلَيْهِ لَمَا بَاشَرُوهُ وَلَا أَكَبُّوا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَحْوَجَهُمْ إلَى ذَلِكَ فَلَا مَسُوءَةَ لِاضْطِرَارِهِمْ إلَيْهِ.
وَمِنْ حِكْمَتِهِ سبحانه وتعالى أَنْ وَفَّرَ دَوَاعِيَ كُلِّ قَوْمٍ عَلَى الْقِيَامِ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَصَالِحِ فَزَيَّنَ لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ وَحَبَّبَهُ إلَيْهِمْ لِيَصِيرُوا بِذَلِكَ إلَى مَا قَضَى لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ.
وَلَوْ نَظَرَ النَّاظِرُونَ فِي جُلِّ هَذِهِ الْمَصَالِحِ وَدِقِّهَا، لَعَجَزُوا عَنْ شُكْرِهَا، بَلْ لَوْ عَدُّوهَا لَمَا أَحْصَوْا عَدَّهَا، وَلَا قُدِّرَ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا عِنْدَ فَقْدِهِ وَعَدَمِهِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَلَّا يُخَلِّيَنَا مِنْ فَضْلِهِ وَكَرْمِهِ، فَلَوْ فَقَدَ أَحَدُنَا بَيْتًا يَأْوِيهِ، أَوْ ثَوْبًا يُوَارِيهِ أَوْ مُدْفِئًا يُدْفِئُهُ، لَمَا أَطَاقَ الصَّبْرَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّنَا لَمَّا غَمَرَتْنَا النِّعَمُ نَسِينَاهَا.
وَكَذَلِكَ احْتَاجَ النُّظَرَاءُ إلَى النُّظَرَاءِ فِي الْمُعَامَلَاتِ عَلَى الْمَنَافِعِ وَالْأَعْيَانِ، وَإِبَاحَتُهُمَا بِالْمُعَاوَضَاتِ، وَالْعَوَارِيّ وَالْإِبَاحَاتِ كَالْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ وَالْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يُبِحْ الشَّرْعُ فِيهِ التَّمْلِيكَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ لَهَلَكَ الْعَالَمُ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِهِ نَادِرٌ.
وَمِنْ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ: مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمِنْهَا مَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ، وَمِنْهَا مَا أَجْمَعُوا عَلَى إبَاحَتِهِ كَالتَّتِمَّاتِ وَالتَّكْمِلَاتِ مِنْ لُبْسِ النَّاعِمَاتِ، وَأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ، وَشُرْبِ اللَّذِيذَاتِ، وَسُكْنَى الْقُصُورِ الْعَالِيَاتِ، وَالْغُرَفِ الْمُرْتَفِعَاتِ.
وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَمَصَالِحُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ كُلُّ قِسْمٍ مِنْهَا فِي مَنَازِلَ مُتَفَاوِتَاتٍ. فَأَمَّا مَصَالِحُ الدُّنْيَا فَتَنْقَسِمُ إلَى الضَّرُورَاتِ وَالْحَاجَاتِ وَالتَّتِمَّاتِ وَالتَّكْمِلَاتِ. فَالضَّرُورَاتُ: كَالْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ وَالْمَنَاكِحِ وَالْمَرَاكِبِ الْجَوَالِبِ لِلْأَقْوَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا تَمَسُّ إلَيْهِ الضَّرُورَاتُ، وَأَقَلُّ الْمُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ، وَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ فِي أَعَلَا الْمَرَاتِبِ كَالْمَآكِلِ الطَّيِّبَاتِ وَالْمَلَابِسِ النَّاعِمَاتِ، وَالْغُرَفِ الْعَالِيَاتِ، وَالْقُصُورِ الْوَاسِعَاتِ، وَالْمَرَاكِبِ النَّفِيسَاتِ وَنِكَاحِ الْحَسْنَاوَاتِ، وَالسَّرَارِي الْفَائِقَاتِ، فَهُوَ مِنْ التَّتِمَّاتِ وَالتَّكْمِلَاتِ، وَمَا تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مِنْ الْحَاجَاتِ.
وَأَمَّا مَصَالِحُ الْآخِرَةِ فَفِعْلُ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ وَفِعْلُ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَاتِ الْفَاضِلَاتِ مِنْ الْحَاجَاتِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ التَّابِعَةِ لِلْفَرَائِضِ وَالْمُسْتَقِلَّات فَهِيَ مِنْ التَّتِمَّاتِ وَالتَّكْمِلَاتِ.
وَفَاضِلُ كُلِّ قِسْمٍ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَفْضُولِهِ، فَيُقَدَّمُ مَا اشْتَدَّتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ عَلَى مَا مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ سَاوَى الشَّرْعُ فِي الْقِسْمَةِ الْعَامَّةِ عَلَى تَفَاوُتِ الْحَاجَاتِ دُونَ الْفَضَائِلِ وَالْمَنَاقِبِ فَهَلَّا كَانَتْ قِسْمَةُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ كَذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ قِسْمَةَ الْقَدَرِ لَوْ كَانَتْ كَقِسْمَةِ الشَّرْعِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يَعْجِزَ النَّاسُ عَنْ قِيَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى هَلَاكِ الْعَالَمِ وَتَعْطِيلِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْغَرَضَ بِقِسْمَةِ الْقَدَرِ أَنْ يَنْظُرَ الْغَنِيُّ إلَى مَنْ دُونَهُ امْتِحَانًا لِشُكْرِهِ، وَيَنْظُرَ الْفَقِيرُ إلَى الْغَنِيِّ اخْتِبَارًا لِصَبْرِهِ، وَقَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ عَلَى هَذَا