المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في بيان مصالح المعاملات والتصرفات] - قواعد الأحكام في مصالح الأنام - جـ ٢

[عز الدين بن عبد السلام]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَفُوتُ مِنْ الْمَصَالِحِ أَوْ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَعَ النِّسْيَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُنَاسَبَةِ الْعِلَلِ لِأَحْكَامِهَا وَزَوَالِ الْأَحْكَامِ بِزَوَالِ أَسْبَابِهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا خَلَفَ الْعِلَّةَ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ حُكْمَ الْأُولَى]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُتَدَارَكُ إذَا فَاتَ بِعُذْرٍ وَمَا لَا يُتَدَارَكُ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ مَنْ كُلِّفَ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ فَقَدَرَ عَلَى بَعْضِهِ وَعَجَزَ عَنْ بَعْضِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَخْفِيفَاتِ الشَّرْعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَشَاقِّ الْمُوجِبَةِ لِلتَّخْفِيفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَقْتَضِيهِ النَّهْيُ مِنْ الْفَسَادِ وَمَا لَا يَقْتَضِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ عَلَى الظُّنُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْغَرِيمِ إذَا دُعِيَ إلَى الْحَاكِمِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا لَزِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إحْضَارُ الْعَيْنِ لِتَقُومَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْحَقَّ مُسْنَدًا إلَى سَبَبٍ فَنَفَاهُ أَوْ نَفَى سَبَبَهُ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْقَوْل قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَقْدَحُ فِي الظُّنُونِ مِنْ التُّهَمِ وَمَا لَا يَقْدَحُ فِيهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا زُكِّيَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ شَهِدَتْ بِحَقٍّ آخَرَ]

- ‌[فَائِدَةٌ لَا تُرَدُّ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ أَنَّهُ طَلَّقَ ضَرَّةَ أُمِّهِ ثَلَاثًا]

- ‌[فَائِدَةٌ شَهِدَ الْفَاسِقُ الْمُسْتَخْفِي بِفِسْقِهِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَأَعَادَهَا بَعْدَ الْعَدَالَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ بَحْثُ الْحَاكِمِ عَنْ الشُّهُودِ عِنْدَ الرِّيبَةِ وَالتُّهْمَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْغَرَضُ مِنْ نَصْبِ الْقُضَاةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ إخْبَارِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إنَّمَا شُرِطَ الْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ قَوْلُ الْحَاكِمِ هَلْ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمًا]

- ‌[فَائِدَةٌ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْبَاطِنِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فِي فَسْخٍ وَلَا عَقْدٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ قَوْلَ الْحَاكِمِ ثَبَتَ عِنْدِي]

- ‌[فَائِدَةٌ ادَّعَى رَجُلٌ رِقَّ إنْسَانٍ يَسْتَسْخِرُهُ وَيَنْطَاعُ انْطِيَاعَ الْعَبْدِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِمَّنْ يُخْبِرُ عَنْ الْوَاقِعَةِ عَنْ سَمَاعٍ أَوْ مُشَاهَدَةٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا أَمَرَ الْقَاضِي أَوْ الْوَالِي بِمَا هُوَ مَحْبُوبٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ]

- ‌[فَائِدَةٌ حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي مَحَلٍّ يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ وَهِيَ ضَرْبَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَعَارُضِ أَصْلٍ وَظَاهِرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَصْلَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ ظَاهِرَيْنِ]

- ‌[فَائِدَةٌ يُحْكَمُ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ أَوْ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِصْحَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ كَذِبِ الظُّنُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَصَالِحِ الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ التَّكَالِيفُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ حَقَائِقِ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي نَقْلِ الْحَقِّ مِنْ مُسْتَحِقٍّ إلَى مُسْتَحِقٍّ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي إسْقَاطِ الْحُقُوقِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْقَبْضِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِقْبَاضِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ غَائِبًا]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْتِزَامِ الْحُقُوقِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ الْخَلْطُ وَالشَّرِكَةُ ضَرْبَانِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ إنْشَاءُ الْمِلْكِ فِيمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ الِاخْتِصَاصُ بِالْمَنَافِعِ]

- ‌[الْبَابُ التَّاسِعُ فِي الْإِذْنِ]

- ‌[الْبَابُ الْعَاشِرُ الْإِتْلَافُ]

- ‌[الْبَابُ الْحَادِيَ عَشْرَ التَّأْدِيبُ وَالزَّجْرُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَصَرُّفِ الْوُلَاةِ وَنُوَّابِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَسْرِي مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي أَلْفَاظِ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ التَّصَرُّفَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْأَسْبَابِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْمُنَاسَبَةُ فِي الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْسِيمِ الْمَوَانِعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشَّرْطِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الشُّبُهَاتِ الْمَأْمُورِ بِاجْتِنَابِهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا كَانَ حَرَامًا بِوَصْفِهِ وَسَبَبِهِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا أَكَلَ بُرًّا مَغْصُوبًا أَوْ شَاةً مَغْصُوبَةً]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا يَحْرُمُ بِوَصْفِهِ لَا يَحِلُّ إلَّا لِضَرُورَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّقْدِيرِ عَلَى خِلَافِ التَّحْقِيقِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا يُقْبَلُ مِنْ التَّأْوِيلِ وَمَا لَا يُقْبَلُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ أَطْلَقَ لَفْظًا لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمُقْتَضَاهُ]

- ‌[فَائِدَةٌ اللَّفْظُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ فِي اللُّغَةِ أَوْ الْعُرْفِ]

- ‌[فَائِدَةٌ تَعْلِيقُ التَّصَرُّفِ عَلَى الْمَشِيئَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا أُثْبِتَ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ هَلْ لَا يَلْحَق الْوَلَدَ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُر]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنْزِيلِ دَلَالَةِ الْعَادَاتِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَنْزِلَةَ صَرِيحِ الْأَقْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْأَلْفَاظِ عَلَى ظُنُونٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ الْعَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الْعَالِمُ وَالْحَاكِمُ وَمَا لَا يُثَابَانِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْيَدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُرْبِ وَالِاتِّصَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْغَالِبِ وَالْأَغْلَبِ فِي الْعَادَاتِ وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي اخْتِلَافِ أَحْكَامِ التَّصَرُّفَاتِ لِاخْتِلَافِ مَصَالِحِهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْعُقُوبَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْقِسْمَةُ الْمُجْبَرُ عَلَيْهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي اخْتِلَافِ مَصَالِحِ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَالْقِصَاصَ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا شَهِدَ اثْنَانِ بِالزُّورِ عَلَى تَصَرُّفٍ ثُمَّ رَجَعَا]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِيمَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ وَمَنْ تَجُوزُ طَاعَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الشُّبُهَاتِ الدَّارِئَةِ لِلْحُدُودِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذْكَارِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْأَذْكَارُ الْمَشْرُوعَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُخْتَرَعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي السُّؤَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْبِدَعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاقْتِصَادِ فِي الْمَصَالِحِ وَالْخُيُورِ]

- ‌[فَائِدَةٌ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ السَّمَاعُ الْمَحْمُودُ إلَّا عِنْدَ ذِكْرِ الصِّفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْفَضَائِلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْرِيفِ مَا يَظْهَرُ مِنْ مَعَارِفِ الْأَوْلِيَاءِ وَأَحْوَالِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ النَّاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الْحَادِثَاتِ عَلَى بَعْضِ الْجَوَاهِرِ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ النُّبُوَّةُ أَمْ الْإِرْسَالُ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا اسْتَوَى اثْنَانِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ]

الفصل: ‌[فصل في بيان مصالح المعاملات والتصرفات]

لِلْإِقْرَارِ أَوْ وَلَّى عَلَى الْأَيْتَامِ مَنْ ظَنَّ أَهْلِيَّتَهُ لِذَلِكَ ثُمَّ أَخْلَفَ ظَنَّهُ بَطَلَ حُكْمُهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ حَكَمَ بِعِلْمِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجَلْدَ قَدْ أُسْقِطَ قَبْلَ حُكْمِهِ بَطَلَ حُكْمُهُ، وَلَوْ اجْتَهَدَ الْمُجْتَهِدُ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ثُمَّ بَانَ كَذِبُ ظَنِّهِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ بِظَنٍّ يُسَاوِيهِ أَوْ تَرَجَّحَ عَلَيْهِ أَدْنَى رُجْحَانٍ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ يَنْقُضُ حُكْمَهُ وَبَنَى عَلَى اجْتِهَادِهِ الثَّانِي فِيمَا عَدَا الْأَحْكَامَ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ تَبَاعَدَ الْمَأْخَذَانِ بِحَيْثُ تَبْعُدُ إصَابَتُهُ فِي الظَّنِّ الْأَوَّلِ نُقِضَ حُكْمُهُ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادُهُ الْأَوَّلُ مُخَالِفًا لِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ، أَوْ لِلْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ حُكْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ بَنَى عَلَى مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ ثَانِيًا، إلَّا أَنْ يَسْتَوِيَ الظَّنَّانِ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ عَلَى الْأَصَحِّ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَصَالِحِ الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ]

اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَلَقَ الْخَلْقَ وَأَحْوَجَ بَعْضَهُمْ إلَى بَعْضٍ لِتَقُومَ كُلُّ طَائِفَةٍ بِمَصَالِحِ غَيْرِهَا، فَيَقُومُ بِمَصَالِحِ الْأَصَاغِرِ الْأَكَابِرُ، وَالْأَصَاغِرُ بِمَصَالِحِ الْأَكَابِرِ، وَالْأَغْنِيَاءُ بِمَصَالِحِ الْفُقَرَاءِ، وَالْفُقَرَاءُ بِمَصَالِحِ الْأَغْنِيَاءِ، وَالنُّظَرَاءُ بِمَصَالِحِ النُّظَرَاءِ، وَالنِّسَاءُ بِمَصَالِحِ الرِّجَالِ، وَالرِّجَالُ بِمَصَالِحِ النِّسَاءِ، وَالرَّقِيقُ بِمَصَالِحِ السَّادَاتِ، وَالسَّادَاتُ بِمَصَالِحِ الْأَرِقَّاءِ، وَهَذَا الْقِيَامُ مُنْقَسِمٌ إلَى جَلْبِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ إلَى دَفْعِ مَفَاسِدِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا.

أَمَّا احْتِيَاجُ الْأَصَاغِرِ إلَى الْأَكَابِرِ فَهُوَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا: الِاحْتِيَاجُ إلَى الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ثُمَّ إلَى الْوُلَاةِ الْقَائِمِينَ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ إلَى الْقُضَاةِ الْقَائِمِينَ بِإِنْصَافِ الْمَظْلُومِينَ مِنْ الظَّالِمِينَ وَحِفْظِ الْحُقُوقِ عَلَى الْغَائِبِينَ، وَعَلَى الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ، ثُمَّ إلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ الْقَائِمِينَ بِمَصَالِحِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، ثُمَّ بِأَوْلِيَاءِ النِّكَاحِ، ثُمَّ بِالْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَوْلَا نَصْبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لَفَاتَتْ الْمَصَالِحُ الشَّامِلَةُ، وَتَحَقَّقَتْ الْمَفَاسِدُ الْعَامَّةُ

ص: 68

وَلَاسْتَوْلَى الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَالدَّنِيءُ عَلَى الشَّرِيفِ، وَكَذَلِكَ وُلَاةُ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ لِلْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ الْحُكَّامُ لَوْ لَمْ يُنَصَّبُوا لَفَاتَتْ حُقُوقُ الْمُسْلِمِينَ وَلَضَاعَتْ أَمْوَالُ الْغُيَّبِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ تُفَوَّضْ التَّرْبِيَةُ إلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ لَضَاعَ الْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ.

وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُفَوَّضْ الْإِنْكَاحُ إلَى الرِّجَالِ لَاسْتَحْيَا مُعْظَمُ النِّسَاءِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ، وَلَتَضَرَّرْنَ بِالْخَجَلِ وَالِاسْتِحْيَاءِ، وَلَا سِيَّمَا الْمُسْتَحْسَنَاتُ الْخَفِرَاتُ، وَكَذَلِكَ الْأَمَانَاتُ الشَّرْعِيَّةُ لَوْ لَمْ تُشْرَعْ لَضَاعَتْ الْأَمْوَالُ الَّتِي اسْتَأْمَنَهُمْ الشَّرْعُ عَلَيْهَا وَلَتَضَرَّرَ مَالِكُوهَا، وَكَذَلِكَ اللُّقَطَاءُ لَوْ لَمْ يُشْرَعْ الْتِقَاطُهُمْ لَفَاتَتْ عَلَى أَرْبَابِهَا وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَوَائِدَ كُلِّ وِلَايَةٍ وِلَايَةٍ.

وَأَمَّا احْتِيَاجُ الْأَكَابِرِ إلَى الْأَصَاغِرِ فَنَوْعَانِ. أَحَدُهُمَا: الِاحْتِيَاجُ إلَى الْمُعَاوَنَةِ وَالْمُسَاعَدَةِ عَلَى

الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْأَجْسَامِ الْخَاصَّةِ بِهِمْ وَذَلِكَ بِالْمَنَافِعِ كَالِاسْتِيدَاعِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالْحِرَاثَةِ

وَالنِّسَاجَةِ وَالنِّجَارَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالْبِنَاءِ وَالطِّبِّ وَالْمِسَاحَةِ وَالْقِسْمَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يَحْتَاجُ الْعِبَادُ إلَيْهِ مِنْ الْمَنَافِعِ، كَالْوَكَالَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْجَعَالَةِ وَالسِّفَادَةِ وَالْحَلْبِ وَكِرَاءِ الْجِمَالِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْأَنْعَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَوْ تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَاتُ لَوْ لَمْ يَأْذَنْ الشَّرْعُ فِي هَذَا بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، لَأَدَّى إلَى هَلَاكِ الْعَالَمِ، إذْ لَا يَتِمُّ نِظَامُهُ إلَّا بِمَا ذَكَرْتُهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ سبحانه وتعالى:{وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] ، أَيْ لِتُسَخِّرَ الْأَغْنِيَاءُ الْفُقَرَاءَ فِيمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُبَحْ ذَلِكَ لَاحْتَاجَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ حَرَّاثًا زَرَّاعًا سَاقِيًا بَاذِرًا حَاصِدًا دَائِسًا مُنَقِّيًا طَحَّانًا عَجَّانَا خَبَّازًا طَبَّاخًا، وَلَاحْتَاجَ فِي آلَاتِ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَكُونَ حَدَّادًا لِآلَاتِهِ نَجَّارًا لَهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ جَلْبِ الْحَدِيدِ وَالْأَخْشَابِ وَاسْتِصْنَاعِهَا، وَكَذَلِكَ اللِّبَاسُ يَفْتَقِرُ قُطْنُهُ وَكَتَّانُهُ إلَى مَا يَفْتَقِرُ إلَيْهِ الزَّرْعُ

ص: 69

ثُمَّ إلَى غَزْلِهِ وَنَسْجِهِ أَوْ جَزِّهِ إنْ كَانَ مِنْ الْأَصْوَافِ وَالْأَوْبَارِ وَالْأَشْعَارِ، ثُمَّ إلَى غَزْلِهِ وَنَسْجِهِ.

وَكَذَلِكَ الْمَسَاكِنُ لَوْ لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهَا لَكَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ مَطْرُوحِينَ عَلَى الطُّرُقَاتِ مُتَعَرِّضِينَ لِلْآفَاتِ وَظُهُورِ الْعَوْرَاتِ، وَلِانْكِشَافِ أَزْوَاجِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمْ، وَكَذَلِكَ كُلُّ حِرْفَةٍ مِنْ الْحِرَفِ وَصَنْعَةٍ مِنْ الصَّنَائِعِ لَوْ لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ فِيهَا لَتَعَطَّلَتْ جَمِيعُ مَصَالِحِهَا الْمَبْنِيَّةِ عَلَيْهَا لِنُدْرَةِ التَّبَرُّعِ بِهَا، وَلَا سِيَّمَا الدَّلَّاكُ وَالْحَلَّاقُ وَالْحَشَّاشُ وَالْقَمَّامُ لَوْلَا اضْطِرَارُ الْفَقْرِ إلَيْهِ لَمَا بَاشَرُوهُ وَلَا أَكَبُّوا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَحْوَجَهُمْ إلَى ذَلِكَ فَلَا مَسُوءَةَ لِاضْطِرَارِهِمْ إلَيْهِ.

وَمِنْ حِكْمَتِهِ سبحانه وتعالى أَنْ وَفَّرَ دَوَاعِيَ كُلِّ قَوْمٍ عَلَى الْقِيَامِ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَصَالِحِ فَزَيَّنَ لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ وَحَبَّبَهُ إلَيْهِمْ لِيَصِيرُوا بِذَلِكَ إلَى مَا قَضَى لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ.

وَلَوْ نَظَرَ النَّاظِرُونَ فِي جُلِّ هَذِهِ الْمَصَالِحِ وَدِقِّهَا، لَعَجَزُوا عَنْ شُكْرِهَا، بَلْ لَوْ عَدُّوهَا لَمَا أَحْصَوْا عَدَّهَا، وَلَا قُدِّرَ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا عِنْدَ فَقْدِهِ وَعَدَمِهِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَلَّا يُخَلِّيَنَا مِنْ فَضْلِهِ وَكَرْمِهِ، فَلَوْ فَقَدَ أَحَدُنَا بَيْتًا يَأْوِيهِ، أَوْ ثَوْبًا يُوَارِيهِ أَوْ مُدْفِئًا يُدْفِئُهُ، لَمَا أَطَاقَ الصَّبْرَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّنَا لَمَّا غَمَرَتْنَا النِّعَمُ نَسِينَاهَا.

وَكَذَلِكَ احْتَاجَ النُّظَرَاءُ إلَى النُّظَرَاءِ فِي الْمُعَامَلَاتِ عَلَى الْمَنَافِعِ وَالْأَعْيَانِ، وَإِبَاحَتُهُمَا بِالْمُعَاوَضَاتِ، وَالْعَوَارِيّ وَالْإِبَاحَاتِ كَالْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ وَالْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يُبِحْ الشَّرْعُ فِيهِ التَّمْلِيكَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ لَهَلَكَ الْعَالَمُ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِهِ نَادِرٌ.

وَمِنْ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ: مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمِنْهَا مَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ، وَمِنْهَا مَا أَجْمَعُوا عَلَى إبَاحَتِهِ كَالتَّتِمَّاتِ وَالتَّكْمِلَاتِ مِنْ لُبْسِ النَّاعِمَاتِ، وَأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ، وَشُرْبِ اللَّذِيذَاتِ، وَسُكْنَى الْقُصُورِ الْعَالِيَاتِ، وَالْغُرَفِ الْمُرْتَفِعَاتِ.

ص: 70

وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَمَصَالِحُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ كُلُّ قِسْمٍ مِنْهَا فِي مَنَازِلَ مُتَفَاوِتَاتٍ. فَأَمَّا مَصَالِحُ الدُّنْيَا فَتَنْقَسِمُ إلَى الضَّرُورَاتِ وَالْحَاجَاتِ وَالتَّتِمَّاتِ وَالتَّكْمِلَاتِ. فَالضَّرُورَاتُ: كَالْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ وَالْمَنَاكِحِ وَالْمَرَاكِبِ الْجَوَالِبِ لِلْأَقْوَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا تَمَسُّ إلَيْهِ الضَّرُورَاتُ، وَأَقَلُّ الْمُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ، وَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ فِي أَعَلَا الْمَرَاتِبِ كَالْمَآكِلِ الطَّيِّبَاتِ وَالْمَلَابِسِ النَّاعِمَاتِ، وَالْغُرَفِ الْعَالِيَاتِ، وَالْقُصُورِ الْوَاسِعَاتِ، وَالْمَرَاكِبِ النَّفِيسَاتِ وَنِكَاحِ الْحَسْنَاوَاتِ، وَالسَّرَارِي الْفَائِقَاتِ، فَهُوَ مِنْ التَّتِمَّاتِ وَالتَّكْمِلَاتِ، وَمَا تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مِنْ الْحَاجَاتِ.

وَأَمَّا مَصَالِحُ الْآخِرَةِ فَفِعْلُ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ وَفِعْلُ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَاتِ الْفَاضِلَاتِ مِنْ الْحَاجَاتِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ التَّابِعَةِ لِلْفَرَائِضِ وَالْمُسْتَقِلَّات فَهِيَ مِنْ التَّتِمَّاتِ وَالتَّكْمِلَاتِ.

وَفَاضِلُ كُلِّ قِسْمٍ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَفْضُولِهِ، فَيُقَدَّمُ مَا اشْتَدَّتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ عَلَى مَا مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ سَاوَى الشَّرْعُ فِي الْقِسْمَةِ الْعَامَّةِ عَلَى تَفَاوُتِ الْحَاجَاتِ دُونَ الْفَضَائِلِ وَالْمَنَاقِبِ فَهَلَّا كَانَتْ قِسْمَةُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ كَذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ قِسْمَةَ الْقَدَرِ لَوْ كَانَتْ كَقِسْمَةِ الشَّرْعِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يَعْجِزَ النَّاسُ عَنْ قِيَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى هَلَاكِ الْعَالَمِ وَتَعْطِيلِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْغَرَضَ بِقِسْمَةِ الْقَدَرِ أَنْ يَنْظُرَ الْغَنِيُّ إلَى مَنْ دُونَهُ امْتِحَانًا لِشُكْرِهِ، وَيَنْظُرَ الْفَقِيرُ إلَى الْغَنِيِّ اخْتِبَارًا لِصَبْرِهِ، وَقَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ عَلَى هَذَا

ص: 71