الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تُرِيَهُ وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة فكلَّمَتْه فأبى، فأتتْ راعيًا فأمْكَنَتْه من نفسها، فولدت غلامًا، فقالت: من جريج، فأتوه فكسروا صومعته، وأنزلوه وسبُّوه، وتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام، فقال: الراعي». (متفق عليه).
سادسًا: كرامة أسيد بن حضير وعبَّاد بن بشر رضي الله عنهما:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أسيد بن حضير وعبَّاد بن بشر رضي الله عنهما تحدثا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حاجة لهما، حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة، ثم خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينقلبان، وبيد كل واحد منهما عُصَيَّة، فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها، حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه، فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه، حتى بلغ أهله. (رواه البخاري).
سابعًا: كرامة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بعث جيشًا، وأَمَّرَ عليهم رجلًا يدعى سارية، فبينما عمر يخطب، فجعل يصيح: يا ساريةُ الجبلَ! فقدِم رسول من الجيش، فقال: يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا، فإذا بصائح يصيح: يا ساريةُ الجبلَ، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل، فهزمهم الله تعالى. (رواه البيهقي في دلائل النبوة ورواه ابن عساكر وغيره بإسناد حسن).
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان:
(1) 1)
* لا يكون وليًا لله إلا إذا كان مؤمنا تقيًا لقوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (التوبة:61 - 62)، وفي صحيح البخاري الحديث المشهور:«يقول الله تبارك وتعالى فيه: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» ولا يكون مؤمنًا تقيًا حتى يتقرب إلى الله بالفرائض فيكون من الأبرار أهل اليمين، ثم بعد ذلك لا يزال يتقرب بالنوافل حتى يكون من السابقين المقربين فمعلوم أن أحدًا من الكفار والمنافقين لا يكون وليًا لله.
(1) باختصار وتصرف من كتاب (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) لشيخ الإسلام ابن تيمية.
* قد علم أن الكفار والمنافقين ـ من المشركين وأهل الكتاب ـ لهم مكاشفات وتصرفات شيطانية كالكهان والسحرة وعباد المشركين وأهل الكتاب، فلا يجوز لأحد أن يستدل بمجرد ذلك على كون الشخص وليًا لله وإن لم يعلم منه ما يناقض ولاية الله فكيف إذا علم منه ما يناقض ولاية الله؟! مثل أن يعلم أنه لا يعتقد وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم باطنًا وظاهرًا، بل يعتقد أنه يتبع الشرع الظاهر دون الحقيقة الباطنة. أو يعتقد أن لأولياء الله طريقًا إلى الله غير طريق الأنبياء عليهم السلام. أو يقول: إن الأنبياء ضيقوا الطريق أو هم على قدوة العامة دون الخاصة ونحو ذلك مما يقوله بعض من يدعي الولاية فهؤلاء فيهم من الكفر ما يناقض الإيمان فضلا عن ولاية الله عز وجل. فمن احتج بما يصدر عن أحدهم من خرق عادة على ولايتهم كان أضل من اليهود والنصارى.
* فعلى هذا فمن أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض ولا يجتنب المحارم ـ بل قد يأتي بما يناقض ذلك ـ لم يكن لأحد أن يقول هذا ولي لله.
* ليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات، فلا يتميزون بلباس دون لباس إذا كان كلاهما مباحًا ولا بحلق شعر أو تقصيره أو ظفره إذا كان مباحًا، بل يوجدون في جميع أصناف أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذا لم يكونوا من أهل البدع الظاهرة والفجور، فيوجدون في أهل القرآن وأهل العلم ويوجدون في أهل الجهاد والسيف ويوجدون في التجار والصناع والزراع.
*أولياء الله يجب عليهم الاعتصام بالكتاب والسنة وليس فيهم معصوم يسوغ له أو لغيره اتباع ما يقع في قلبه من غير اعتبار بالكتاب والسنة، وهذا مما اتفق عليه أولياء الله عز وجل.من خالف في هذا فليس من أولياء الله سبحانه الذين أمر الله باتباعهم، بل إما أن يكون كافرًا وإما أن يكون مُفْرِطًا في الجهل.
وهذا كثير في كلام المشايخ كقول الشيخ أبي سليمان الداراني: «إنه ليقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين: الكتاب والسنة» .
وقال أبو القاسم الجنيد رحمه الله: «علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يصلح له أن يتكلم في علمنا أو قال: لا يقتدى به» .
وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع فيظن في شخص أنه ولي لله ويظن أن ولي الله يُقبَل منه كل ما يقوله، ويسلّم إليه كل ما يقوله، ويسلم إليه كل ما يفعله وإن خالف الكتاب والسنة، فيوافق ذلك الشخص ويخالف ما بعث الله به رسوله الذي فرض الله على جميع الخلق تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر وجعله الفارق بين أوليائه وأعدائه وبين أهل الجنة وأهل النار وبين السعداء والأشقياء، فمن اتبعه كان من أولياء الله المتقين وجنده المفلحين وعباده الصالحين، ومن لم يتبعه كان من أعداء الله الخاسرين المجرمين فتجره مخالفة الرسول وموافقة ذلك الشخص أولًا إلى البدعة والضلال وآخرًا إلى الكفر والنفاق.
*تجد كثيرًا من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه وليًا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة مثل أن يشير إلى شخص فيموت، أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها أو يمشي على الماء أحيانًا، أو أن يختفي أحيانا عن أعين الناس، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته، أو يخبر الناس بما سرق لهم، أو بحال غائب لهم أو مريض أو نحو ذلك من الأمور، وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله، بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموافقته لأمره ونهيه.
* وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور، وهذه الأمور الخارقة للعادة ـ وإن كان قد يكون صاحبها وليًا لله ـ فقد يكون عدوًا لله، فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين وتكون لأهل البدع وتكون من الشياطين؛ فلا يجوز أن يُظَنّ أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه وليّ لله، بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة ويُعرفون بنور الإيمان والقرآن وبحقائق الإيمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة.
مثال ذلك: أن هذه الأمور المذكورة وأمثالها قد توجد في أشخاص ويكون أحدهم لا يتوضأ، ولا يصلي الصلوات المكتوبة، بل يكون ملابسًا للنجاسات معاشرًا للكلاب،
يأوي إلى الحمامات والقمامين والمقابر والمزابل، رائحته خبيثة لا يتطهر الطهارة الشرعية، ولا يتنظف.
فإذا كان الشخص مباشرًا للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان أو يأوي إلى الحمامات والحشوش التي تحضرها الشياطين أو يأكل الحيات والعقارب والزنابير، وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق، أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان، أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات ويتوجه إليها، أو يسجد إلى ناحية شيخه ولا يخلص الدين لرب العالمين، أو يلابس الكلاب أو النيران أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة أو يأوي إلى المقابر، ولا سيما إلى مقابر الكفار من اليهود والنصارى أو المشركين أو يكره سماع القرآن وينفر عنه ويقدم عليه سماع الأغاني والأشعار ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن فهذه علامات أولياء الشيطان لا علامات أولياء الرحمن.
* من ادعى أن مِن الأولياء الذين بلَغَتْهم رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم مَن له طريق إلى الله لا يحتاج فيه إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهذا كافر ملحد، وإذا قال: أنا محتاج إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم في علم الظاهر دون علم الباطن أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة، فهو شر من اليهود والنصارى الذين قالوا: إن محمدًا رسول إلى الأميين دون أهل الكتاب. فإن أولئك آمنوا ببعض وكفروا ببعض فكانوا كفارًا بذلك، وكذلك هذا ـ الذي يقول إن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم بعث بعلم الظاهر دون علم الباطن ـ آمن ببعض ما جاء به صلى الله عليه وآله وسلم وكفر ببعض فهو كافر. وهؤلاء الملاحدة يدَّعون أن الولاية أفضل من النبوة.
*أولياء الله المتقون هم المقتدون بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فيفعلون ما أمر به وينتهون عما عنه زجر، ويقتدون به فيما بين لهم أن يتبعوه فيه فيؤيدهم بملائكته وروح منه ويقذف الله في قلوبهم من أنواره ولهم الكرامات التي يكرم الله بها أولياءه المتقين. وخيار أولياء الله كراماتهم لِحُجة في الدين أو لحاجة بالمسلمين كما كانت معجزات نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم كذلك.
* وكرامات أولياء الله إنما حصلت ببركة اتباع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فهي في الحقيقة تدخل في معجزات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مثل: انشقاق القمر (رواه البخاري)، وإتيان الشجر إليه (رواه
مسلم)، وحنين الجذع إليه (رواه البخاري)، وإتيانه بالكتاب العزيز، وتكثير الطعام والشراب مرات كثيرة: كما أشبع في الخندق العسكر من قدر طعام وهو لم ينقص (متفق عليه)، وأروى العسكر في غزوة خيبر من مزادة ماء ولم تنقص (متفق عليه)، وملأ أوعية العسكر عام تبوك من طعام قليل ولم ينقص، وهم نحو ثلاثين ألفًا (رواه مسلم)، ونبع الماء من بين أصابعه مرات متعددة حتى كفى الناس الذين كانوا معه كما كانوا في غزوة الحديبية نحو ألف وأربعمائة أو خمسمائة (متفق عليه)، ومثل هذا كثير قد جمعت نحو ألف معجزة.
*وكرامات الصحابة والتابعين بعدهم وسائر الصالحين كثيرة جدًا: مثل ما كان أسيد بن حضير يقرأ سورة الكهف فنزل من السماء مثل الظلة فيها أمثال السرج ـ وهي الملائكة نزلت لقراءته ـ (متفق عليه)، وعباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة مظلمة فأضاء لهما نور مثل طرف السوط فلما افترقا افترق الضوء معهما. (رواه البخاري وغيره).
وقصةالصدِّيق رضي الله عنه ـ في الصحيحين ـ لما ذهب بثلاثة أضياف معه إلى بيته وجعل لا يأكل لقمة إلا رَبَى من أسفلها أكثر منها فشبعوا وصارت أكثر مما هي قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر وامرأتُه فإذا هي أكثر مما كانت فرفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجاء إليه أقوام كثيرون فأكلوا منها وشبعوا. وخبيب بن عدي كان أسيرًا عند المشركين بمكة ـ شرفها الله تعالى ـ وكان يؤتى بعنب يأكله وليس بمكة عنبة (رواه البخاري).
*الكرامات قد تكون بحسب حاجة الرجل، فإذا احتاج إليها الضعيف الإيمان أو المحتاج أتاه منها ما يقوي إيمانه ويسد حاجته ويكون مَن هو أكمل ولاية لله منه مستغنيًا عن ذلك، فلا يأتيه مثل ذلك لعلو درجته وغناه عنها لا لنقص ولايته، ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين أكثر منها في الصحابة، بخلاف من يجري على يديه الخوارق لهدي الخلق ولحاجتهم فهؤلاء أعظم درجة.
* وهذا بخلاف الأحوال الشيطانية مثل حال ابن صياد الذي ظهر في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان قد ظن بعض الصحابة أنه الدجال وتوقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمره حتى تبين له
فيما بعد أنه ليس هو الدجال، لكنه كان من جنس الكهان، قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«قد خبأت لك خبئًا» ، قال: الدُّخ الدُّخ. وقد كان خبأ له سورة الدخان فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اخسَأ فلن تعدو قدرك» يعني إنما أنت من إخوان الكهان، والكهان كان يكون لأحدهم القرين من الشياطين يخبره بكثير من المغيبات بما يسترقه من السمع وكانوا يخلطون الصدق بالكذب كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«إن الملائكة تنزل في العنان ـ وهو السحاب ـ فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم» وفي الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من الأنصار إذ رمي بنجم فاستنار، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية إذا رأيتموه؟» قالوا: كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«فإنه لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ثم الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء ثم يسأل أهل السماء السابعة حملة العرش: ماذا قال ربنا؟ فيخبرونهم، ثم يستخبر أهل كل سماء حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا، وتخطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه إلى أوليائهم، فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يزيدون» .
وفي رواية قال معمر: قلت للزهري: أكان يرمى بها في الجاهلية؟ قال: نعم، ولكنها غلظت حين بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
* والأسود العنسي ـ الذي ادعى النبوة ـ كان له من الشياطين من يخبره ببعض الأمور المغيبة فلما قاتله المسلمون كانوا يخافون من الشياطين أن يخبروه بما يقولون فيه: حتى أعانتهم عليه امرأته لما تبين لها كفره فقتلوه.
* وكذلك مسيلمة الكذاب كان معه من الشياطين من يخبره بالمغيبات ويعينه على بعض الأمور وأمثال هؤلاء كثيرون مثل: الحارث الدمشقي الذي خرج بالشام زمن عبد الملك بن مروان وادعى النبوة، وكانت الشياطين يخرجون رجليه من القيد وتمنع
السلاح أن ينفذ فيه، وتسبح الرخامة إذا مسحها بيده، وكان يُرِى الناس رجالًا وركبانًا على خيل في الهواء، ويقول: هي الملائكة وإنما كانوا جِنًّا، ولما أمسكه المسلمون ليقتلوه طعنه الطاعن بالرمح فلم ينفذ فيه فقال له عبد الملك:«إنك لم تسم الله» ، فسمى الله فطعنه فقتله.
* وهكذا أهل الأحوال الشيطانية تنصرف عنهم شياطينهم إذا ذكر عندهم ما يطردها مثل آية الكرسي فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ـ لما وكّله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحفظ زكاة الفطر فسرق منه الشيطان ليلة بعد ليلة وهو يمسكه فيتوب فيطلقه ـ فيقول له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ما فعل أسيرك البارحة؟» فيقول: زعم أنه لا يعود، فيقول:«كذبك وإنه سيعود» ، فلما كان في المرة الثالثة. قال: دعني حتى أعلمك ما ينفعك: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي {اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} إلى آخرها، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال:«صدقك وهو كذوب» وأخبره أنه شيطان.
ولهذا إذا قرأها الإنسان عند الأحوال الشيطانية بصدق أبطلتها: مثل من يدخل النار بحال شيطاني، أو يحضر سماع المكاء والتصدية، فتنزل عليه الشياطين وتتكلم على لسانه كلامًا لا يُعلَم وربما لا يُفقَه، وربما كاشف بعض الحاضرين بما في قلبه، وربما تكلم بألسنة مختلفة كما يتكلم الجني على لسان المصروع.
والإنسان ـ الذي حصل له الحال لا يدري بذلك ـ بمنزلة المصروع الذي يتخبطه الشيطان من المس ولبسه وتكلم على لسانه فإذا أفاق لم يشعر بشيء مما قال.
* ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الموضع، ومنهم من يطير بهم الجني إلى مكة أو بيت المقدس أو غيرهما، ومنهم من يحمله عشية عرفة ثم يعيده من ليلته فلا يحج حجًا شرعيًا، بل يذهب بثيابه ولا يحرم إذا حاذى الميقات ولا يلبّي ولا يقف بمزدلفة ولا يطوف بالبيت، ولا يسعى بين الصفا والمروة ولا يرمي الجمار، بل يقف بعرفة بثيابه ثم يرجع من ليلته وهذا ليس بحج.
* وبين كرامات الأولياء وما يشبهها من الأحوال الشيطانية فروق متعددة: منها: أن كرامات الأولياء سببها الإيمان والتقوى والأحوال الشيطانية سببها ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
* ومِن هؤلاء مَن إذا حضر سماع المكاء والتصدية يتنزل عليه شيطانه حتى يحمله في الهواء ويخرجه من تلك الدار فإذا حصل رجل من أولياء الله تعالى طرد شيطانه فيسقط كما جرى هذا لغير واحد.
* ومن هؤلاء من يستغيث بمخلوق إما حي أو ميت سواء كان ذلك الحي مسلمًا أو نصرانيًا أو مشركًا، فيتصور الشيطان بصورة ذلك المستغاث به ويقضي بعض حاجة ذلك المستغيث، فيظن أنه ذلك الشخص أو هو ملك على صورته، وإنما هو شيطان أضله لما أشرك بالله كما كانت الشياطين تدخل الأصنام وتكلم المشركين.
* ومن هؤلاء من يتصور له الشيطان ويقول له: أنا الخضر، وربما أخبره ببعض الأمور وأعانه على بعض مطالبه كما قد جرى ذلك لغير واحد من المسلمين واليهود والنصارى.
* وكثير من الكفار بأرض المشرق والمغرب يموت لهم الميت فيأتي الشيطان بعد موته على صورته ـ وهم يعتقدون أنه ذلك الميت ـ ويقضي الديون ويرد الودائع ويفعل أشياء تتعلق بالميت ويدخل على زوجته ويذهب، وربما يكونون قد أحرقوا ميتهم بالنارـ كما تصنع كفار الهند ـ فيظنون أنه عاش بعد موته.
* ومن هؤلاء شيخ كان بمصر أوصى خادمه فقال: إذا أنا مت فلا تدع أحدًا يغسلني فأنا أجيء وأغسل نفسي فلما مات رآى خادمه شخصًا في صورته فاعتقد أنه هو دخل وغسل نفسه، فلما قضى ذلك الداخل غسله ـ أي غسل الميت ـ غاب. وكان ذلك شيطانًا، وكان قد أضل الميت وقال: إنك بعد الموت تجيء فتغسل نفسك، فلما مات جاء أيضًا في صورته ليغوي الأحياء كما أغوى الميت قبل ذلك.
* ومنهم من يرى عرشًا في الهواء وفوقه نور ويسمع من يخاطبه ويقول: أنا ربك، فإن كان من أهل المعرفة علم أنه شيطان فزجره واستعاذ بالله منه فيزول.
* ومنهم من يرى أشخاصًا في اليقظة يدعي أحدهم أنه نبي أو صديق أو شيخ من الصالحين وقد جرى هذا لغير واحد. ومنهم من يرى في منامه أن بعض الأكابر: إما الصديق رضي الله عنه أو غيره قد قص شعره أو حلقه أو ألبسه طاقيته أو ثوبه فيصبح وعلى رأسه طاقية وشعره محلوق أو مقصر وإنما الجن قد حلقوا شعره أو قصروه وهذه الأحوال الشيطانية تحصل لمن خرج عن الكتاب والسنة وهم درجات.
* والجن الذين يقترنون بهم من جنسهم وهم على مذهبهم والجن فيهم الكافر والفاسق والمخطئ فإن كان الإنسي كافرًا أو فاسقًا أو جاهلًا دخلوا معه في الكفر والفسوق والضلال وقد يعاونونه إذا وافقهم على ما يختارونه من الكفر مثل الإقسام عليهم بأسماء من يعظمونه من الجن وغيرهم، ومثل أن يكتب أسماء الله أو بعض كلامه بالنجاسة، أو يقلب فاتحة الكتاب أو سورة الإخلاص أو آية الكرسي أو غيرهن ويكتبهن بنجاسة، فيغورون له الماء وينقلونه بسبب ما يرضيهم به من الكفر. وقد يأتونه بما يهواه من امرأة أو صبي إما في الهواء وإما مدفوعا ملجأ إليه. إلى أمثال هذه الأمور التي يطول وصفها والإيمان بها إيمان بالجبت والطاغوت. والجبت: السحر، والطاغوت: الشياطين والأصنام.
* وإن كان الرجل مطيعًا لله ورسوله باطنًا وظاهرًا لم يمكنهم الدخول معه في ذلك أو مسالمته. ولهذا لما كانت عبادة المسلمين المشروعة في المساجد التي هي بيوت الله كان عُمَّار المساجد أبعد عن الأحوال الشيطانية، وكان أهل الشرك والبدع يعظمون القبور ومشاهد الموتى ـ فيدعون الميت أو يدعون به أو يعتقدون أن الدعاء عنده مستجاب ـ أقرب إلى الأحوال الشيطانية.
* والشيطان يضل بني آدم بحسب قدرته فمن عبد الشمس والقمر والكواكب ودعاها ـ كما يفعل أهل دعوة الكواكب ـ فإنه ينزل عليه شيطان يخاطبه ويحدثه ببعض الأمور ويسمون ذلك روحانية الكواكب وهو شيطان.
* والشيطان وإن أعان الإنسان على بعض مقاصده فإنه يضره أضعاف ما ينفعه وعاقبة من أطاعه إلى شر إلا أن يتوب الله عليه، وكذلك عباد الأصنام قد تخاطبهم
الشياطين، وكذلك من استغاث بميت أو غائب، وكذلك من دعا الميت أو دعا به أو ظن أن الدعاء عند قبره أفضل منه في البيوت والمساجد، ويروون حديثا هو كذب باتفاق أهل المعرفة وهو:«إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور» وإنما هذا وضع من فتح باب الشرك.
* ويوجد لأهل البدع وأهل الشرك المتشبهين بهم من عباد الأصنام والنصارى والضلال من المسلمين أحوال عند المشاهد يظنونها كرامات وهي من الشياطين: مثل أن يضعوا سراويل عند القبر فيجدونه قد انعقد أو يوضع عنده مصروع فيرون شيطانه قد فارقه. يفعل الشيطان هذا ليضلهم وإذ قرأت آية الكرسي هناك بصدق بطل هذا؛ فإن التوحيد يطرد الشيطان، ولهذا حمل بعضهم في الهواء فقال: لا إله إلا الله فسقط ومثل أن يرى أحدهم أن القبر قد انشق وخرج منه إنسان فيظنه الميت وهو شيطان. وهذا باب واسع لا يتسع له هذا الموضع.
* (قال شيخ الإسلام ابن تيمية):
…
فإني أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع، وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها، وأعرف من يخاطبهم الحجر والشجر وتقول: هنيئًا لك يا ولي الله، فيقرأ آية الكرسي فيذهب ذلك.
وأعرف من يقصد صيد الطير فتخاطبه العصافير وغيرها وتقول: خذني حتى يأكلني الفقراء، ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في الإنس ويخاطبه بذلك، ومنهم من يكون في البيت وهو مغلق فيرى نفسه خارجه وهو لم يفتح وبالعكس، وكذلك في أبواب المدينة، وتكون الجن قد أدخلته وأخرجته بسرعة. أو تمر به أنوار أو تُحضِر عنده من يطلبه ويكون ذلك من الشياطين يتصورون بصورة صاحبه، فإذا قرأ آية الكرسي مرة بعد مرة ذهب ذلك كله.
وأعرف من يخاطبه مخاطب ويقول له: أنا من أمر الله ويعده بأنه المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويظهر له الخوارق مثل أن يخطر بقلبه تصرف في الطير والجراد في الهواء، فإذا خطر بقلبه ذهاب الطير أو الجراد يمينًا أو شمالًا ذهب حيث أراد، وإذا خطر بقلبه قيام بعض المواشي أو نومه أو ذهابه حصل له ما أراد من غير حركة منه في الظاهر، وتحمله
إلى مكة وتأتي به وتأتيه بأشخاص في صورة جميلة وتقول له هذه الملائكة أرادوا زيارتك فيقول في نفسه: كيف تصوروا بصورة المردان (1)؟! فيرفع رأسه فيجدهم بلحى، ويقول له: علامة إنك أنت المهدي إنك تنبت في جسدك شامة فتنبت ويراها وغير ذلك، وكله من مكر الشيطان.
* كرامات الأولياء لابد أن يكون سببها الإيمان والتقوى فما كان سببه الكفر والفسوق والعصيان فهو من خوارق أعداء الله لا من كرامات أولياء الله.
فمن كانت خوارقه لا تحصل بالصلاة والقراءة والذكر وقيام الليل والدعاء وإنما تحصل عند الشرك: مثل دعاء الميت والغائب أو بالفسق والعصيان وأكل المحرمات: كالحيات والزنابير والخنافس والدم وغيره من النجاسات ومثل الغناء والرقص، لا سيما مع النسوة الأجانب والمردان، وحالة خوارقه تنقص عند سماع القرآن وتقوى عند سماع مزامير الشيطان فيرقص ليلًا طويلًا فإذا جاءت الصلاة صلى قاعدًا أو ينقر الصلاة نقر الديك، وهو يبغض سماع القرآن وينفر عنه ويتكلفه ليس له فيه محبة ولا ذوق، ويحب سماع المكاء والتصدية ويجد عنده مواجيد. فهذه أحوال شيطانية، وهو ممن يتناوله قوله تعالى:{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (الزخرف:36)
* ولقد أخبر بعض الشيوخ بصورة مكاشفة ومخاطبة فقال: يُرِيني الجن شيئًا براقًا مثل الماء والزجاج ويمثلون له فيه ما يُطلَب منه الإخبار به، قال: فأخبِر الناس به ويوصلون إليَّ كلام من استغاث بي من أصحابي فأجيبه فيوصلون جوابي إليه.
وكان كثير من الشيوخ الذين حصل لهم كثير من هذه الخوارق إذا كذب بها من لم يعرفها وقال: إنكم تفعلون هذا بطريق الحيلة كما يدخل النار بحجر الطلق وقشور النارنج ودهن الضفادع وغير ذلك من الحيل الطبيعية فيعجب هؤلاء المشايخ ويقولون: نحن والله لا نعرف شيئًا من هذه الحيل.
(1) الأَمْرَدُ: الشابُّ الذي بلغَ خروج لِحْيته، ونبَت شاربه، ولم تبْدُ لحيته.