الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القربة لابد أن تكون مشروعة.
وأما ما فعله الخلفاء ولم يكن موجودًا من قبلُ فهو لا يخرج عن أمور لم يوجد لها المقتضي في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل في عهد الخلفاء كجمع المصحف، أو كان المقتضي موجودًا في عهد الرسول ولكن كان هناك مانع كصلاة التراويح في جماعة فإن المانع من إقامتها جماعة والمواظبة عليها خوف الفرضية، فلما زال المانع بانتهاء زمن الوحي صح الرجوع فيها إلى ما رسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حال حياته.
* ما تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع قيام المقتضي على فعله فتركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفارق الدنيا إلا بعد أن أكمل الله الدين وأتم نعمته على المسلمين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا} (المائدة: 3).
* عدم عمل السلف الصالح بالنص على الوجه الذي يفهمه مَنْ بعدهم، يمنع اعتبار ذلك الفهم صحيحًا، إذ لو كان صحيحًا لم يعزب عن فهم السلف الصالح ويفهمه من بعدهم، كما يمنع اعتبار ذلك النص دليلًا عليه؛ إذ لو كان دليلًا لعمل به السلف الصالح.
التمسك بالعمومات مع الغفلة عن بيان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بفعله وتركه هو من اتباع المتشابه الذي نهى الله عنه
، ولو عوّلنا على العمومات وصرَفْنا النظر عن البيان لانفتح باب كبير من أبواب البدعة لا يمكن سده.
مثال: قال تعالى: {إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب: 56) لو صح الأخذ بالعمومات لصح أن يُتقرب إلى الله بالصلاة والسلام على النبي في قيام الصلاة وركوعها واعتدالها وسجودها إلى غير ذلك من الأمكنة التي لم يضعها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيها، ومَن الذي يجيز التقرب إلى الله تعالى بمثل ذلك وتكون الصلاة بهذه الصفة عبادة معتبرة؟ وكيف هذا مع حديث «صلوا كما رأيتموني أصلى» (رواه البخاري)، فلا يقرب إلى الله إلا العمل بما شرع، وعلى الوجه الذي شرع.
* كان الصحابة رضي الله عنهم يرون في ترك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للفعل، مع وجود المقتضي له، الحظر وأنه منهي عنه، دليل ذلك أنه لما قُدِّم الضب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفع يده عنه وترك أكْله فقال خالد بن الوليد:«أحرامٌ الضبّ يا رسول الله؟» قال: «لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه» ، قال خالد:«فاجتززته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إلى» (رواه البخاري، والضب: حيوان من الزواحف)، فلو لم يكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مُتَّبَعًا في تركه كما هو متبع في فعله، لما كان لتوقف الصحابة وترْك الأكل من الضب وجه وقد فهموا، وهم أدرى الناس بالدين، أولًا أنه امتنع عنه فتركوه، وبعد أن أخبرهم بأن هناك سببًا أخر ـ وهو عدم الإلف ـ أكلوا منه ولم يروا بذلك بأسًا.
* قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} (الأحقاف: 11)، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية:«أي قالوا عن المؤمنين بالقرآن لو كان القرآن خيرًا ما سبقنا هؤلاء إليه، يعنون بلالًا وعمارًا وصهيبًا وخبابًا رضي الله عنهم وأشباهم من المستضعفين والعبيد والإماء. .. وأما أهل السنة والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم هو بدعة، لأنه لو كان خيرًا لسبقونا إليه؛ لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها» .
قال حذيفة رضي الله عنه: «كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا تتعبدوا بها؛ فإن الأول لم يدَعْ للآخِر مقالًا» (الأمر بالاتباع للسيوطي ص62)
* يستدل كثير من الناس بالنصوص العامة لتسويغ بدعهم، والتدليل على واقعهم! وهذا خطأ كبير.
مثال: الأذان في العيدين، لما أحدثه بعض الأمراء، أنكره المسلمون؛ لأنه بدعة، فلو لم يكن كونه بدعة دليلًا على كراهته، وإلا لقيل: هذا ذكر لله ودعاء للخلق إلى عبادة الله، فيدخل في العمومات. كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} (الأحزاب:41) وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ} (فصلت:33) أو يقاس على الأذان في الجمعة، فإن الاستدلال على حسن الأذان في العيدين، أقوى من الاستدلال على حسن أكثر البدع. بل يقال: تَرْك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ مع وجود ما يُعتقَد
مقتضِيًا وزوال المانع ـ سنة، كما أن فِعْلَه سنة. فلما أمر بالأذان في الجمعة، وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة، كان ترْك الأذان فيهما سنة، فليس لأحد أن يزيد في ذلك، بل الزيادة في ذلك كالزيادة في أعداد الصلوات أو أعداد الركعات، أو صيام الشهر، أو الحج، فلو أن رجلًا أحب أن يصلي الظهر خمس ركعات وقال: هذا زيادة عمل صالح، لم يكن له ذلك. وليس له أن يقول: هذه بدعة حسنة، بل يقال له كل بدعة ضلالة.
ونحن نعلم أن هذه ضلالة قبل أن نعلم نهيًا خاصًا عنها، أو نعلم ما فيها من المفسدة. فهذا مثال لما حدث، مع قيام المقتضي له، وزوال المانع لو كان خيرًا. فإن كل ما يبديه المُحْدِث لهذا من المصلحة، أو يستدل به من الأدلة، قد كان ثابتًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا الترك سنة خاصة، مقدمة على كل عموم وكل قياس.
مثال آخر: عن نافع أن رجلًا عطس إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما، فقال:«الحمد لله، والسلام على رسوله» ، قال ابن عمر:«وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حالٍ» (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، فقد أنكر ابن عمر رضي الله عنهما على هذا الرجل مع أن عموم قولِ الله تعالى:{إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب: 56) تدخل فيه تلك الصلاة، ولكن ما هكذا فهمها الصحابة فمَن بعدهم وما هكذا طبقها السلف الصالح رضي الله عنهم، وفهمُهم أوْلى، ومرتبتهم أعلى.
مثال آخر: رأى سعيد بن المسيب رحمه الله رجلًا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين، يكثر فيهما الركوع والسجود، فنهاه، فقال: يا أبا محمد، يعذبني الله على الصلاة؟ قال: «لا
…
ولكن يعذبك على خلاف السنة» (رواه عبد الرزاق وإسناده صحيح).
مثال آخر: قال رجل للإمام مالك بن أنس رحمه الله: «يا أبا عبد الله، من أين أُحْرِم؟» فقال الإمام مالك: «من ذي الحليفة، من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» فقال: «إني