الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا» (رواه مسلم).
* يستفاد من هذا الحديث: أ- أن قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «أرواحهم في جوف طير» يدل على أنها ليست في الأجساد المدفونة في الأرض.
ب- أنهم سألوا ربهم أن ترد أرواحهم في أجسادهم، وهذا صريح في أنها قد فارقتها بالموت.
جـ - أنهم تمنَّوا الرجوع إلى الدنيا ليقاتلوا في سبيل الله لما رأوا من عظيم ثواب الشهادة، فمنعوا من ذلك، فقد انقطع التكليف وانقطع العمل وما بقي إلا الجزاء، فإذا لم يملكوا هم لأنفسهم نفعًا ولا حياة ولا تصرفًا، مع كرامتهم عند ربهم ووجاهتهم عنده، فكيف يملكون لغيرهم من الخلق جلب منفعة أو دفع مضرة؟!
فكيف يقال أن الأنبياء والصالحين يخرجون من قبورهم بأجسادهم لإنقاذ من يستغيث بهم؟!
هل الأموات يسمعون
الراجح في هذه المسألة هو أن الأصل في الأموات أنهم لا يسمعون إلا ما ورد الدليل بخصوصه مثل سماعهم لقرع النعال بعد وضع الميت في قبره، وكذلك سماع قتلى بدر من المشركين قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث إن الله أسمعهم صوت نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن أوضح الأدلة على عدم سماع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وغيره من الأموات كلام الأحياء قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «إن لله ملائكة سياحِين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام» . (رواه النسائي وصححه الألباني).
قال الشيخ الألباني رحمه الله في مقدمته لكتاب (الآيات البينات في عدم سماع الأموات) للعلامة الألوسي رحمه الله: «ووجه الاستدلال به أنه صريح في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يسمع سلام المسلمين عليه، إذ لو كان يسمعه بنفسه، لما كان بحاجة إلى من يبلغه إليه، كما هو ظاهر إن شاء الله.
وإذا كان الأمر كذلك، فبالأولى أنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يسمع غير السلام من الكلام، وإذا كان كذلك فلأن لا يسمع السلامَ غيرُه من الموتى أولى وأحرى». ومن أراد التفصيل في هذه
المسألة فليرجع إلى كتاب الألوسي رحمه الله المشار إليه سابقًا.
رد بعض الشبهات حول هذا الموضوع:
1 -
قد يستدل البعض بمعجزات المسيح عليه السلام.وهذا الاستدلال باطل لأن إحياء الموتى ـ بإذن الله ـ من خصوصيات المسيح عليه السلام، وليس لغيره من البشر لا من الأنبياء ولا غيرهم، ومما يؤيد هذه الخصوصية دعاء إبراهيم عليه السلام:{رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} (البقرة:260).فإنه عليه السلام لو كان من شأنه إحياء الموتى لما دعا بمثل هذا الدعاء، وإذا انتفى كون إحياء الموتى من معجزات نبي آخر غير المسيح فانتفاؤه عمن دون الأنبياء من الأولياء والصالحين من باب أولى.
2 -
قد يستدل البعض أيضًا بقول الله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون:14).
والجواب: أننا نثبت للمخلوق خلقًا، لكنه ليس كخلق الله تعالى. فخلق الله عز وجل إيجاد من العدم. وخلق المخلوق لا يكون إلا بالتغيير والتحويل والتصرف في شيء خلقه الله تعالى.
ومن ذلك ما جاء في (الصحيحين) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه يقال للمصورين يوم القيامة: «أحيوا ما خلقتم» . ومعلوم أن المصوِّر لم يوجِد شيئًا من العدم إنما حوَّل الطين، أو الحجر إلى صورة إنسان أو طير ـ بدون روح ـ، وحوَّل بالتلوين الرقعة البيضاء إلى ملونة، والطين والحجر والمواد والورق كلهم من خلق الله تعالى.
شبهة: رُوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ووفاتي خير لكم تعرض عليَّ أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرتُ الله لكم» .
يستدل الصوفية بهذا الحديث على سماع الأموات وعلمهم بحال الأحياء بعد وفاتهم، من أجل ترويج عقائدهم الفاسدة في جواز الطلب والاستمداد من القبور ومن يدفن فيها من الصالحين والأولياء، واستدلالهم هذا باطل عقلًا ونقلًا.
أولًا: تخريج الحديث: أخرجه البزار في مسنده 9/ 24 حديث رقم 1925، وقال: وهذا الحديث آخره لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد. وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده (2/ 884) حديث رقم: (953) وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 194) وأخرجه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب (1/ 184).
ثانيا: حكم علماء الحديث عليه: قال الحافظ العراقي في كتابه (طرح التثريب)(3/ 297): «إسناده جيد» ، ولكنه فصَّل في كتابة (المغني عن حمل الأسفار) (2/ 1051) حديث رقم:(3810) فقال: أخرجه البزار من حديث عبد الله بن مسعود ورجاله رجال الصحيح، إلا أن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه كثيرون، ورواه الحارث ابن أبي أسامة في مسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف.
ومن المعلوم أن هذا التعارض في قولي الحافظ العراقي رحمه الله سببه أن كلامه في طرح التثريب ـ وهو كتاب فقه ـ كلام مجمل، وأن كلامه في كتابه المعني ـ وهو كتاب تخريج وحكم على الحديث ـ كلام تفصيل وبيان لسبب الضعف، فعلم أن في مثل هذه الحالة يقدم قول التفصيل في كتاب خص للحكم على الحديث.
وممن حكم على الحديث بالضعف، العجلوني فقال: بأنه مرسل، كما في كتابه (كشف الخفاء 1/ 442)(حديث رقم 1178)، وكذلك ضعفه ابن القيسراني في كتابه (معرفة التذكرة 3/ 1250)(حديث رقم 2694).
لمزيد من الفائدة انظر كتاب (الكامل في ضعفاء الرجال) لابن عدي (3/ 75)(ترجمة رقم 622) وكتاب (ميزان الاعتدال) للإمام الذهبي (2/ 438)(ترجمة رقم 2503) وكتاب (لسان الميزان) للحافظ ابن حجر) (2/ 395)(ترجمة رقم 1620)
* هذا الحديث ضعفه الألباني في (السلسلة الضعيفة والموضوعة)(2/ 404) وحكم عليه بالشذوذ؛ لتفرد عبد المجيد بن عبد العزيز به لاسيما وهو متكلم فيه من قبل حفظه مع أنه من رجال مسلم وقد وثّقه جماعة وضعفه آخرون، فقال الخليلي: «ثقة
لكنه أخطأ في أحاديث وقال النسائي: «ليس بالقوي يُكتب حديثه» . وقال ابن عبد البر: «روَى عن مالك أحاديث أخطأ فيها» . وقال ابن حبان في (المجروحين)(2/ 152): «منكر الحديث جدًا يقلب الأخبار ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك» .
قال الألباني: «ولهذا قال فيه الحافظ في (التقريب): «صدوق يخطىء» . وإذا عرفت ما تقدم فقول الحافظ الهيثمي في (المجمع)(6/ 24): «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح» .فهو يوهم أنه ليس فيه من هو متكلم فيه! ولعل السيوطي اغتر بهذا حين قال في (الخصائص الكبرى)(2/ 281): «سنده صحيح» .ولهذا فإني أقول: «إن الحافظ العراقي - شيخ الهيثمي - كان أدق في التعبير عن حقيقة إسناد البزار حين قال عنه في (تخريج الإحياء)(4/ 128): «ورجاله رجال الصحيح
…
إلا أن عبد المجيد بن أبي رواد وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه بعضهم، ومخالفة عبد المجيد للثقات هي علة الحديث» اهـ كلام الألباني بتصرف.
* راجع ما تقدم ـ في باب الدعاء والذبح والنذر والاستغاثة بغير الله، الشبهة الثالثة عشرة ـ من أن قولهم:«رجاله رجال الصحيح» أو «رجاله ثقات» ،ليس تصحيحا للحديث.
* والكذب أسوأ من الاستدلال بالأحاديث الضعيفة، فقد كذب داعية التصوف علي الجفري فعزى هذا الحديث إلى مستدرك الحاكم على الصحيحين، ليوهم مستمعيه بأن الحديث صحيح، وبكل جرأة قال:«إن الحديث رواه الحاكم في المستدرك بإسناد حسن» ، والحديث غير موجود في هذا الكتاب نهائيًا، لا حسنًا ولا ضعيفًا ولا موضوعًا.
* لو ثبت هذا الحديث لم يكن فيه ما ادعاه الصوفية من جواز التوسل بعموم استغفار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمته؛ لأنَّ دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حياته لأمته وسؤاله الله لهم أبلغ وأقطع من استغفاره بعد موته ـ إن ثبت ـ وهذا السبب الذي كان موجودًا في حياته هو عين السبب الذي علق الحكم بعد مماته؛ فلما لم يشرع هذا العمل، وهو التوسل بالاستغفار العام مع القيام المقتضي له في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عُلم أنَّ إحداثه بدعة.
ويؤيد هذا أنَّ خير القرون ثم الذين يلونهم ثمَّ الذين يلونهم؛ لم يستعمل أحد منهم التوسل بهذا الطريق الذي اخترعه عشاق البدع، وهُجَّار السُنَن.
* واعلم أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يُعرض عليه من أعمالنا شيءٌ؛ باستثناء السلام والصلاة عليه. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أُمتي السلام» رواه النسائي وصححه الألباني، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:«صلوا عليَّ فإنَّ صلاتكم تبلغني حيثُ كنتم» رواه أبوداود صححه الألباني.
وقد ورد في الأحاديث الصحيحة ما يبين بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم من أعمال أُمَّته شيئاً بعد وفاته. فهذا الحديث الضعيف فيه لفظة (تعرض عليَّ أعمالكم) وهي تخالف الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول، وهو بين ظهراني أصحابه:«إني على الحوض. أنتظر من يَرِدُ عليَّ منكم. والله ليقتطعن دوني رجال. فلأقولَنَّ: أي رب! مني ومن أمتي. فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك. ما زالوا يرجعون على أعقابهم» .
فإذا كانت أعمال أمته تُعرض عليه ـ كما في الحديث الضعيف الذي يستدلون به ـ فكيف لا يدري ما أحدثوا بعده؟ فهذا يدلُّ على عدم علم النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بما يحدث في أُمته من بعده، وهذا يدلُّ على بطلان الحديث المتقدم ـ لو صحَّ سنده ـ فكيف والسند ضعيف!!.