الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من آثار معضلات، بأسانيد واهيات موقوفات، أخرجها الأزرقي في (أخبارمكة)(ص39و219و220) فلا يلتفت إليها.
نقل السيوطي في (التدريب) عن ابن الجوزي قال: «ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين العقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع. قال: ومعنى مناقضته للأصول أن يكون خارجًا من دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة» . كذا في (الباعث الحثيث)(ص85).
ثانيًا: أن القبور المزعوم وجودها في المسجد الحرام غير ظاهرة ولا بارزة، ولذلك لا تقصد من دون الله تعالى، فلا ضرر من وجودها في بطن أرض المسجد، فلا يصح حينئذ الاستدلال بهذه الآثار على جواز اتخاذ المساجد على قبور مرتفعة على وجه الأرض لظهور الفرق بين الصورتين.
والقبر إذا لم يكن ظاهرًا غير معروفًا مكانه، فلا يترتب من وراء ذلك مفسدة كما هو مشاهد، حيث ترى الوثنيات والشركيات إنما تقع عند القبور المشرفة، حتى ولو كانت مزورة! لا عند القبور المندرسة، ولو كانت حقيقية، فالحكمة تقتضي التفريق بين النوعين، وهذا ما جاءت به الشريعة، فلا يجوز التسوية بينهما.
الشبهة الخامسة: بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجدًا على قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في (الاستيعاب) لابن عبد البر
.
الجواب: هذه شبهة لا تساوي حكايتها! والكلام عليها من وجهين:
الأول: رد ثبوت البناء المزعوم من أصله، لأنه ليس له إسناد تقوم الحجة به، ولم يروه أصحاب (الصحاح) و (السنن) و (المسانيد) وغيرهم، وإنما أورده ابن عبدالبر في ترجمة أبي بصير من (الاستيعاب) مرسلًا، فقال: «وله قصة في المغازي عجيبة، ذكرها ابن إسحاق وغيره وقد رواها معمر عن ابن شهاب. ذكر عبدالرزاق عن معمر عن ابن شهاب في قصة عام الحديبية، قال: «ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلت قريش في طلبه رجلين، فقالا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
العهد الذي جعلت لنا أن ترد إلينا كل من جاءك مسلمًا. فدفعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرجلين، فخرجا حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا جيد يا فلان! فاستله الآخر، وقال: أجل والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت، فقال له أبو بصير:«أرني أنظر إليه» ، فأمكنه منه، فضربه به حتى برد، وفرَّ الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد بعده، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين رآه: لقد رأى هذا ذعرًا، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: قتل والله صاحبي، وإني لمقتول. فجاء أبو بصير، فقال: يا رسول الله، قد والله وفَّى الله ذمتك، قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«ويل أمه مسعر حرب، لو كان معه أحد» ، فلما سمع ذلك علم أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر، قال: وانفلت منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأبي بصير
…
وذكر موسى بن عقبة هذا الخبر في أبي بصير بأتم ألفاظًا وأكمل سياقا قال:
…
وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي جندل وأبي بصير ليقدُما عليه ومن معهما من المسلمين، فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أبي جندل، وأبو بصير يموت، فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده يقرؤه، فدفنه أبو جندل مكانه، وصلى عليه، وبنى على قبر مسجدًا».
قال الألباني: هذه القصة مدارها على الزهري فهي مرسلة على اعتبار أنه تابعي صغير، سمع من أنس بن مالك رضي الله عنه، وإلا فهي معضلة.
وكيف ما كان الأمر فلا تقوم بها حجة، على أن موضع الشاهد منها وهو قوله:«وبنى على قبره مسجدًا» لا يظهر من سياق ابن عبد البر للقصة أنه من مرسل الزهري، ولا من رواية عبد الرزاق عن معمر عنه، بل هو من رواية موسى بن عقبة، كما صرح به ابن عبد البر، لم يجاوزه، وابن عقبة لم يسمع أحدًا من الصحابة، فهذه الزيادة ـ أعني قوله «وبنى على قبره مسجدًا» ـ معضلة، بل هي عندي منكرة؛ لأن القصة رواها البخاري في (صحيحة) وأحمد في (مسنده) موصولة من طريق عبد الرزاق عن معمر قال