الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودعائهم إلى بعض عباد الله، يخافونهم ويرجونهم، مع أن هؤلاء العباد المعبودين قد أعلنوا إسلامهم، وأقروا لله بعبوديتهم، وأخذوا يتسابقون في التقرب إليه سبحانه، بالأعمال الصالحة التي يحبها ويرضاها، ويطمعون في رحمته، ويخافون من عقابه، فهو سبحانه يُسَفّه في هذه الآية أحلام أولئك الجاهلين الذين عبدوا الجن، واستمروا على عبادتهم مع أنهم مخلوقون عابدون له سبحانه، وضعفاء مثلهم، لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، وينكر الله عليهم عدم توجيههم بالعبادة إليه وحده، تبارك وتعالى، وهو الذي يملك وحده الضر والنفع، وبيده وحده مقادير كل شيء وهو المهيمن على كل شيء.
ومن الغريب أن بعض مدعي العلم اعتادوا الاستدلال بالآيتين السابقتين على ما يلهج به كثير منهم من التوسل بذوات الأنبياء أو حقهم أو حرمتهم أو جاههم، وهو استدلال خاطئ لا يصح حمل الآيتين عليه؛ لأنه لم يثبت شرعًا أن هذا التوسل مشروع مرغوب فيه، ولذلك لم يذكروا هذا الاستدلال عن أحد من السلف الصالح، ولا استحبوا التوسل المذكور، بل الذي فهموه منهما أن الله تبارك وتعالى يأمرنا بالتقرب إليه بكل رغبة، والتقدم إليه بك قربة، والتوصل إلى رضاه بكل سبيل.
ولكن الله سبحانه قد علمنا في نصوص أخرى كثيرة أن علينا إذا أردنا التقرب إليه أن نتقدم إليه بالإعمال الصالحة التي يحبها ويرضاها، وهو لم يَكِل تلك الأعمال إلينا، ولم يترك تحديدها إلى عقولنا وأذواقنا، لأنها حينذاك ستختلف وتتباين، وستضطرب وتتخاصم، بل أمرنا سبحانه أن نرجع إليه في ذلك، ونتبع إرشاده وتعليمه فيه، لأنه لا يعلم ما يرضي الله ? إلا الله وحده، فلهذا كان من الواجب علينا حتى نعرف الوسائل المقربة إلى الله أن نرجع في كل مسألة إلى ما شرعه الله سبحانه، وبينه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعني ذلك أن نرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا هو الذي وصانا به رسولنا محمد صلوات الله عليه وسلامه حيث قال:«تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله» . (رواه مالك، والحاكم وحسّن إسناده الألباني).
الشبهة الثالثة: قوله تبارك وتعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}
(النساء:64).
* قال الصوفية: يطلب الله عز وجل من المؤمنين الذهاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستغفار الله عز وجل عند ذاته الشريفة، وأن ذلك أرجى في قبول استغفارهم.
واستدلوا بالحكاية المشهورة التي ذكرت في تفسير ابن كثير عن العتبي قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} (النساء:64). وقد جئتك مستغفرًا لذنبي، مستشفعًا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول:
يا خيرَ من دُفِنتْ بالقاعِ أعظُمُه
…
فطاب مِن طِيبِهنّ القاعُ والأكَمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكنُه
…
فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرَمُ
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال: «يا عتبي الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له»
والجواب من وجوه:
أولا: هذه القصة ضعيفة لم يثبتها أحد ممن أوردها، بل صنيع بعضهم يدل على ضعفها:1 - فالنووي قال في (المجموع شرح المهذب)(8/ 274) وفي آخر منسكه المعروف بـ (الإيضاح): «ومن أحسن ما يقول: ما حكاه أصحابنا عن العتبي مستحسنين له، قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم
…
2 -
قال ابن كثير في (تفسيره): «ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي.
3 -
حكاها ابن قدامة في (المغني) بصيغة التمريض وهي تفيد التضعيف. (3/ 557) فقال: "ويُرْوَى عن العتبي
…
".
تخريج القصة: قال الألباني رحمه الله في (الصحيحة2928):أورد البيهقي في (الشُعَب) بإسناده عن أبي يزيد الرقاشي عن محمد بن روح بن يزيد البصري: حدثني أيوب الهلالي قال: «حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! جئتك مُثْقَلًا بالذنوب والخطايا أستشفع بك على ربك؛ لأنه قال في محكم كتابه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} (النساء:64) ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول:
يا خيرَ من دُفِنتْ بالقاعِ أعظُمُه
…
فطاب مِن طِيبِهنّ القاعُ والأكَمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكنُه
…
فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرَمُ
قلت (الألباني): وهذا إسناد ضعيف مظلم لم أعرف أيوب الهلالي ولا من دونه. وأبو يزيد الرقاشي أورده الذهبي في (المقتنى في سرد الكنى)(2/ 155) ولم يُسَمِّه وأشار إلى أنه لا يُعرَف بقوله: «حكى شيئًا» .وأرى أنه يشير إلى هذه الحكاية.
وهي منكرة ظاهرة النكارة وحسبك أنها تعود إلى أعرابي مجهول الهوية!. وهي في (ابن كثير) غير معزوة لأحد من المعروفين من أهل الحديث بل علَّقها على (العتبي)
…
وهو غير معروف إلا في هذه الحكاية ويمكن أن يكون هو أيوب الهلالي في إسناد البيهقي. وهي حكاية مستنكرة بل باطلة لمخالفتها الكتاب والسنة ولذلك يلهج بها المبتدعة لأنها تجيز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وطلب الشفاعة منه بعد وفاته وهذا من أبطل الباطل كما هو معلوم.
قال الحافظ ابن عبد الهادي في (الصارم المنكي في الرد على السبكي)(ص 212): «وهذه الحكاية التي ذكرها ـ يعني السبكي ـ بعضهم يرويها عن العتبي بلا إسناد، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب بلا إسناد، عن أبي الحسن الزعفراني عن الأعرابي.
وقد ذكرها البيهقي في كتاب (شعب الإيمان) بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن يزيد البصري حدثني أبوحرب الهلالي
…
وفي الجملة؛ ليست الحكاية المذكورة عن الأعرابي مما تقوم به الحجة، وإسنادها مظلم، ولفظها مختلف أيضًا، ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم».
فهذه القصة مروية عن العتبي وعن محمد بن حرب الهلالي وعن أبي الحسن الزعفراني وعن علي بن أبي طالب بإسناد موضوع، كما حقق ذلك الحافظ ابن عبد الهادي، وكلهم يرويها عن أعرابي أنه أتى إلى القبر فقرأ الآية فرأى العتبي في المنام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتاه وقال له:«الحق بذاك الأعرابي وأخبره أن الله قد غفر له بشفاعتي» وهذا منام لا يحتج به، والأعرابي مجهول لا حجة في فعله لو صح الإسناد إليه، فكيف وإسناد القصة لا تقوم به الحجة.
ثانيًا: على فرض صحة القصة ـ وهي غير صحيحة ـ فإن دليل الصوفية في القصة قول العتبي: «فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال: «يا عتبي الحق الأعرابي فبشِّره أن الله قد غفر له» .
ومتى كانت الأحلام والرؤى مصدرًا من مصادر التشريع؟!!! ولو جاء رجل لأحد هؤلاء الصوفية وقال له: رأيتُ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الرؤيا يأمرك أن تعطيني بيتك بلا مقابل، فهل سيعطيه بيته بلا مقابل؟ بالطبع لن يفعل؛ لأنها مجرد رؤيا، فكيف يقبلون الدين من الرؤى وهو عند كل مسلم أعز عليه من بيته وماله ووالده وولده والناس أجمعين؟
ثالثًا: هذه الآية لم تنزل لهذا الغرض مطلقًا إنما الآية نزلت في المنافقين الذين كانوا يصدون الناس عن متابعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويتحاكمون إلى الطاغوت
…
فهؤلاء إذا جاءوا النبي واستغفروا الله من نفاقهم في مجلسه، وسألوه أن يعقب على استغفارهم لأنفسهم
…
بأن يستغفر الرسول لهم عندها يجدون الله توابًا رحيمًا
…
ولكن لم يجيئوا ولم يستغفروا، ولم يستغفر لهم الرسول فما علاقة هذا بواقع الأعرابي الذي جاء رسول الله بعد وفاته وطلب منه وهو ميت أن يستغفر لهم. .؟!!
لا علاقة بين الموضوعين؛ بل ولا قياس بين الواقعين لاختلافهما. وليس هناك لفظ عام لا من جهة الآتي ولا الذي يؤتى إليه حتى يقال أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ولو صح حمل الآية على العموم لصح ذلك في قوله تعالى: {َيا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيم} (الممتحنة:12).فلو صح الاستدلال بالآية المذكورة على المجيء إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكان هنا من باب أولى ولا أحد يقول بهذا.
رابعًا: يدعي الصوفية أن العبرة في هذه الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ولكن هاهنا سؤال: ألم يكن الصحابة من هذا العموم؟!!
إذا كان الجواب: نعم. فمَن مِن الصحابة عمل بمقتضى هذا المفهوم الذي تزعمونه؟ لقد تركوا التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم ـ كما عند البخاري ـ ولم يأتوا قبره ولم يثبت عن واحد منهم أنه جاء إلى قبره صلى الله عليه وآله وسلم وطلب الاستغفار هناك بعد موته. وهذا يؤكد أن هذا العموم قد انقطع بموته ولو كانت العبرة بالعموم لفعلوه بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا كانت الآية عامة لزم منه أن خير القرون قد عطلوا هذا الواجب وتجاهلوه حتى جاء المتأخرون وعملوا به، أو أن السلف جهلوه وضلوا عنه وفقهه الخلف!!!
خامسًا: هذا القول فيه مصادمة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تجعلوا قبري عيدًا» (رواه أبو داود وصححه الألباني)؛ لأنه حينئذ سيكون عيدًا للمذنبين كلما أذنبوا.
سادسًا: مادام أنها ليست من سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا فعل خلفائه الراشدين، وصحابه المكرمين، ولا من فعل التابعين والقرون المفضلة وإنما هي مجرد حكاية عن مجهول، نقلت بسند ضعيف فكيف يحتج بها في عقيدة التوحيد الذي هو أصل الأصول، وكيف يحتج بها وهي تعارض الأحاديث الصحيحة التي نهى فيها صلى الله عليه وآله وسلم عن الغلو في القبور والغلو في الصالحين عموما وعن الغلو في قبره والغلو فيه صلى الله عليه وآله وسلم خصوصًا.
* وأما من نقلها من العلماء أو استحسنها فليس ذلك بحجة تعارَض بها النصوص الصحيحة وتخالَف من أجلها عقيدة السلف فقد يخفى على بعض العلماء ما هو واضح لغيرهم وقد يخطئون في نقلهم ورأيهم وتكون الحجة مع من خالفهم. وما دمنا قد علمنا طريق الصواب فلا شأن لنا بما قاله فلان أو حكاه فلان فليس ديننا مبنيًا على الحكايات والمنامات. وإنما هو مبني على البراهين الصحيحة.
سابعًا: كيف يتجاسر أحد أن يعارض نصوص كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بقول حكاه حاكٍ مستحسنا له، والله سبحانه يقول:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور:63)
فطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقدمة على طاعة كل أحد، وإن كان خير هذه الأمة أبا بكر وعمر، كما قال ابن عباس: أراهم سيهلكون، أقول: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتقولون: نهى أبو بكر وعمر. (رواه الإمام أحمد وصححه الشيخ أحمد شاكر).
فكيف لو رأى ابن عباس هؤلاء الناس الذين يعارضون السنة الثابتة، والحجة الواضحة بقول أعرابي في قصة العتبي الضعيفة المنكرة.
ثامنًا: ما يضير هذا المستغفر إذا توجه إلى الله وتاب من ذنوبه، وطلب من الله المغفرة
…
؟ أو اختار أحد الصالحين الأحياء وكلفه أن يدعو له فلا مانع من ذلك كما طلب عمر من العباس رضي الله عنهما أن يستسقي للمسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يطلب عمر رضي الله عنه من رسول الله بعد وفاته أن يستسقي للمسلمين.
ولو كان هذا جائزًا لفعله عمر رضي الله عنه ولكن لم يفعل ذلك
…
لأنه يعلم أن رسول الله التحق بالرفيق الأعلى ولم يعد يستطيع الدعاء وما أشبه ذلك.
تاسعًا: يقول الله تعالى: ({وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} و (إذ) هذه ظرف لما مضى، وليست ظرفًا للمستقبل، لم يقل الله عز وجل:«ولو أنهم إذا ظلموا» بل قال: {إِذ ظَّلَمُواْ} فالآية
تتحدث عن أمرٍ وقع في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والآية نزلت في قوم تحاكموا، أو أرادوا التحاكم إلى غير الله ورسوله؛ كما يدلُّ على ذلك سياقها السابق واللاحق.
عاشرًا: الآية ليس فيها التوسل بذات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل فيها (كما قال الحافظ ابن كثير): يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيستغفروا الله عنده ويسألوه أن يستغفر لهم فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم»
فالآية دليل على التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم،وهو حي، فهي حجة عليهم.
واستغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمذنبين ممكن حال حياته صلى الله عليه وآله وسلم أما بعد وفاته فغير ممكن؛ لأن حياته صلى الله عليه وآله وسلم في قبره حياة برزخية لا نعلم كيفيتها وهي تختلف عن حياتنا هذه. ولو كان المراد من هذه الآية الذهاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطلب الاستغفار منه بعد مماته لقال تعالى (ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم) بصيغة الاستقبال، ولكنه ـ قال:{إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} بصيغة الماضي.
حادي عشر: لم يفهم الصحابة رضي الله عنهم من الآية ما فهمه الصوفية؛ فلم يثبت بسند صحيح ـ فيما نعلم ـ أن أحدًا من الصحابة ذهب إلى قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته، وطلب منه أن يستغفر له، أو طلب منه أن يدعوَ الله له أن يرزقه مثلًا، مع العلم أن الصحابة كانوا من أحرص الناس على الخير، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه.
* والعجب من هؤلاء الصوفية أنهم لا يحتجون بالأحاديث الصحيحة في باب الاعتقاد، فكيف يتعلقون فيما يوافق أهواءهم بروايات المجهولين، الذين لا يعرفهم علماء الجرح والتعديل، الذين دونوا أسماء الثقات والضعفاء والمجهولين، وفاتَهم هؤلاء المجهولون الذين يتعلق برواياتهم أصحاب الأهواء.
ثم العجب ـ ثانيًا ـ أنهم يتعلقون بالمنامات، ويحتجون بها في الاعتقادات.
ثم العجب ـ ثالثًا ـ أنهم يتعلقون بما ينسب إلى الأعراب الأجلاف، ويعرضون عما ثبت عن أئمة الأسلاف من مثل ما روى عبد الرزاق عن معمر عن عبيد الله بن عمر،