الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سابعًا: الحلف بغير الله
عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يسير في ركب يحلف بأبيه، فقال: «ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت» (رواه البخاري ومسلم) وزاد مسلم قول عمر رضي الله عنه: «فَوَاللهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى عَنْهَا ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا» .قال الإمام النووي رحمه الله:مَعْنَى ذَاكِرًا: قَائِلًا لَهَا مِنْ قِبَل نَفْسِي، وَلَا آثِرًا ـ بِالْمَدِّ ـ أَيْ: حَالِفًا عَنْ غَيْرِي.
وعند ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق عكرمة قال: قال عمر: «حدثتُ قومًا حديثًا فقلت: لا وأبي. فقال رجل من خلفي: «لا تحلفوا بآبائكم» فالتفَتّ فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لو أن أحدكم حلف بالمسيح هلك والمسيح خير من آبائكم» . قال الحافظ: وهذا مرسل يتقوى بشواهده. وعند الترمذي من وجه آخر عن ابن عمر: «أنه سمع رجلًا يقول: لا والكعبة، فقال: لا تحلِفْ بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» . (قال الترمذي: حسن، وصححه الحاكم والألباني).
وقال النووي: «قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لأن أحلف بالله مائة مرة فآثم خير من أن أحلف بغيره فأبر» وروى عبد الرزاق عن الثوري عن أبي سلمة عن وبرة قال: «قال عبد الله ـ لا أدري ابن مسعود أو ابن عمر ـ: «لأَنْ أحلف بالله كاذبًا أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقًا» . قال الهيثمي: «ورواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح» .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: «لا يجوز الحلف بشيء من المخلوقات لا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا بالكعبة ولا بالأمانة ولا غير ذلك في قول جمهور أهل العلم. بل حكاه بعضهم إجماعًا. وقد روي خلاف شاذ في جوازه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قول لا وجه له بل هو باطل، وخلاف لما سبقه من إجماع أهل العلم وخلاف للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، ومنها ما خرجه الشيخان عن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من حلف فقال في حلفه باللات
والعزى فليقل لا إله إلا الله» ووجه ذلك أن الحالف بغير الله قد أتى بنوع من الشرك فكفارة ذلك أن يأتي بكلمة التوحيد عن صدق وإخلاص ليكفر بها ما وقع منه من الشرك. وخرج الترمذي والحاكم بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» وخرج أبو داود من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من حلف بالأمانة فليس منا» وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون» (أخرجه أبو داود والنسائي)، وممن حكى الإجماع في تحريم الحلف بغير الله الإمام أبو عمر بن عبد البر النمري رحمه الله.وقد أطلق بعض أهل العلم الكراهة فيجب أن تحمل على كراهة التحريم عملًا بالنصوص وإحسانًا للظن بأهل العلم.
وقال الشيخ ابن باز أيضًا: «الحلف بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو غيره من المخلوقات منكر عظيم ومن المحرمات الشركية ولا يجوز لأحد الحلف إلا بالله وحده
…
والأحاديث في هذا الباب كثيرة معلومة والواجب على جميع المسلمين ألا يحلفوا إلا بالله وحده ولا يجوز لأحد أن يحلف بغير الله كائنا من كان للأحاديث المذكورة وغيرها. ويجب على من اعتاد ذلك أن يحذره وأن ينهى أهله وجلساءه وغيرهم عن ذلك لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. (خرجه مسلم في صحيحه)» .
والحلف بغير الله من الشرك الأصغر للحديث السابق، وقد يكون شركا أكبر إذا قام بقلب الحالف أن هذا المحلوف به يستحق التعظيم كما يستحقه الله، أو أنه يجوز أن يعبد مع الله ونحو ذلك من المقاصد الكفرية».اهـ كلامه رحمه الله.
* إذا كان الحالف معَظّمًا لما يحلف به من دون الله كتعظيم الله أو أشد كان الحلف شركًا أكبر كمن يقال له: «احلف بالله» ، يحلف كاذبًا، فإذا قيل له:«احلف بالشيخ الفلاني» ، أقر واعترف، وخاف أن يحلف به كذبًا.