المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة الخامسة: حديث الضرير: - كشف شبهات الصوفية

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌هل تعلم أيها الصوفي

- ‌الأدلة على حرص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بقاء أصلي التوحيد: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله»، نقيتن صافيتن

- ‌دعوة إلي التمسك بالكتاب والسنة

- ‌سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلية وتركية *

- ‌التمسك بالعمومات مع الغفلة عن بيان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بفعله وتركه هو من اتباع المتشابه الذي نهى الله عنه

- ‌إلى من يتبعون زلات العلماء

- ‌أقوال الأئمة في اتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها

- ‌المقصود بالكراهة في كلام السلف

- ‌ما هو التصوف

- ‌تلبيس الشيطان على الصوفية:

- ‌كيف تجادل صوفيًا

- ‌أولًا: البداية في النقاش بمنهج التلقي وإثبات الدين

- ‌ثانيًا: تبيِّن للصوفي المفاهيم الآتية:

- ‌ثالثًا: التدرج في مناقشة أخطائه حسب خطورتها على العقيدة

- ‌رابعًا: الرد على الشبهات التي يستدل بها:

- ‌خامسًا: عليك بالرفق والمجادلة بالتي هي أحسن

- ‌أولا: الدعاء والذبح والنذر والاستغاثة بغير الله

- ‌الرد على الشبهات من طريقين: مجمل، ومفصل

- ‌أما المجمل

- ‌وأما الجواب المفصل:

- ‌الشبهة الأولى: قولهم: نحن لا نشرك بالله، ونشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ولكننا مذنبون، والصالحون لهم جاه عند الله، ونطلب من الله بهم

- ‌الشبهة الثانية: قولهم: إن الآيات التي ذكرتها نزلت فيمن يعبد الأصنام، وهؤلاء الأولياء ليسوا بأصنام

- ‌الشبهة الثالثة: قولهم: الكفار يريدون من الأصنام أن ينفعوهم أو يضروهم

- ‌الشبهة الرابعة: قولهم: نحن لا نعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة

- ‌الشبهة الخامسة: قولهم: أنتم تنكرون شفاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌الشبهة السادسة: قولهم: إن الله أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشفاعة، ونحن نطلبه مما أعطاه الله

- ‌الشبهة السابعة: قولهم: نحن لا نشرك بالله شيئًا ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك. فالشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام

- ‌الشبهة الثامنة: قولهم: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويكذبون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌الشبهة التاسعة: قولهم: في قول بني إسرائيل لموسى {اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} وقول بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط» إن الصحابة وبني إسرائيل لم يكفروا

- ‌الشبهة العاشرة: قولهم: إن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم إبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى

- ‌الشبهة الحادية عشرة: قولهم: أن في قصة إبراهيم عليه السلام لما أُلقِي في النار اعترض له جبريل في الهواء فقال: ألك حاجة؟ فقال إبراهيم: أما إليك فلا، دليل على أنه لو كانت الاستغاثة بجبريل شركًا لم يعرضها على إبراهيم

- ‌الشبهة الثانية عشرة: قال بعض أهل البدع الذين يَدْعُون أهل القبور: كيف تقولون: الميت لا ينفع وقد نفعنا موسى عليه السلام حيث كان السبب في تخفيف الصلاة من خمسين إلى خمس

- ‌الشبهة الثالثة عشرة:

- ‌الشبهة الرابعة عشرة: قالوا: من الأدلة على جواز دعاء الصالحين وندائهم، ما ذكره الله عز وجل عن نبيه سليمان عليه السلام وقوله لآصف بن برخيا وقد طلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله

- ‌ثانيًا: الرد على من زعم رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقظة بعد موته

- ‌أقوال بعض أهل العلم في هذه المسألة:

- ‌الرد على الشبهات

- ‌ثالثًا: الرد على من زعم أن الأنبياء والأولياء يتصرفون في الكون

- ‌بعض الأدلة التي تثبت بقاء الأجساد في القبور

- ‌بعض الأدلة التي تثبت أن أرواح الشهداء والصالحين تتنعم في الجنة وتتمنى الرجوع إلى الدنيا لفعل الخيرات ولكن تمنع من ذلك:

- ‌هل الأموات يسمعون

- ‌رابعًا: الرد على شبهات من زعم جواز التوسل بالمخلوقين فى الدعاء، وطلب الشفاعة منهم بعد وفاتهم

- ‌ التوسل المشروع:

- ‌ التوسل غير المشروع له ثلاث مراتب:

- ‌دفع توهم:

- ‌الرد على الشبهات

- ‌الشبهة الأولى: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

- ‌الشبهة الثانية: قوله سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}

- ‌الشبهة الثالثة: قوله تبارك وتعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}

- ‌الشبهة الرابعة: حديث استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما

- ‌الشبهة الخامسة: حديث الضرير:

- ‌الشبهة السادسة: الأحاديث الضعيفة في التوسل:

- ‌بيان كذب قصة أبي جعفر المنصور مع الإمام مالك عند الحجرة النبوية:

- ‌الشبهة السابعة: أثران ضعيفان:

- ‌الشبهة الثامنة: قياس الخالق على المخلوقين:

- ‌الشبهة التاسعة: هل هناك مانع من التوسل المبتدع على وجه الإباحة لا الاستحباب؟ يقولون: ما المانع منه إذا فعلناه على طريق الإباحة؛ لأنه لم يأتِ نهْي عنه

- ‌الشبهة العاشرة: قياس التوسل بالذات على التوسل بالعمل الصالح:

- ‌الشبهة الحادية عشرة: قياس التوسل بذات النبي صلى الله عليه وآله وسلم على التبرك بآثاره:

- ‌الشبهة الثانية عشرة: قد يقول الرجل لغيره: بحق الرحم

- ‌الشبهة الثالثة عشرة: الحكاية المنقولة عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه كان يقصد الدعاء عند قبر الإمام أبي حنيفة رحمه الله

- ‌خامسًا: اتخاذ القبور مساجد

- ‌أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد:

- ‌معنى اتخاذ القبور مساجد:

- ‌ النهي عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهي عن الصلاة فيها

- ‌اتخاذ المساجد على القبور من الكبائر

- ‌الشبهة الأولى: قوله تعالى في سورة الكهف: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا}

- ‌الشبهة الثانية: كون قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده الشريف، ولو كان ذلك لا يجوز لما دفنوه صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده

- ‌الشبهة الثالثة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في مسجد الخيف وقد ورد في الحديث أن فيه قبر سبعين نبياّ

- ‌الشبهة الرابعة: ما ذُكِر في بعض الكتب أن قبر إسماعيل عليه السلام وغيره في الحِجْر من المسجد الحرام، وهو أفضل مسجد يتحرى المصلى فيه

- ‌الشبهة الخامسة: بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجدًا على قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في (الاستيعاب) لابن عبد البر

- ‌الشبهة السادسة: زعم بعضهم أن المنع من اتخاذ القبورمساجد إنما كان لعلة خشية الافتتان بالمقبور، زالت برسوخ التوحيد في قلوب المؤمنين، فزال المنع

- ‌الشبهة السابعة: روى ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه عنه قال: «كنت أصلي قريبًا من قبر، فرآني عمر بن الخطاب، فقال: القبر القبر. فرفعت بصري إلى السماء وأنا أحسبه يقول: القمر

- ‌سادسًا: شد الرحال لزيارة القبور

- ‌الشبهة الأولى: احتج بعض المتأخرين على جواز السفر لزيارة القبور بأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يزور مسجد قباء

- ‌الشبهة الثانية: أجابوا عن حديث «لا تشد الرحال» بأن ذلك محمول على نفى الاستحباب

- ‌الشبهة الثالثة: إن حديث (لا تُشَدّ الرحال الا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا)

- ‌سابعًا: الحلف بغير الله

- ‌الشبهة الأولى: قوله صلى الله عليه وآله وسلم لما سئل: أي الصدقة أفضل؟ فقال: «أما وأبيك لتنبأنه»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أفلح وأبيه إن صدق» رواهما مسلم

- ‌الشبهة الثانية: إن الله أقسم ببعض المخلوقات! كقوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} (الشمس: 1) وقوله {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} (البلد: 1) وقوله {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (الليل: 1) وما أشبه ذلك من المخلوقات التي أقسم الله بها

- ‌الشبهة الثالثة: إن الملائكة حلفت بحياة لوط عليه السلام فقالوا: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} (الحجر:72) فهو دليل على جواز حلف المخلوق بالمخلوق

- ‌ثامنا: إلحاق الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأذان

- ‌الجواب:

- ‌تاسعًا: ذم ما عليه الصوفية من الغناء والرقص وضرب الدف وسماع المزامير ورفع الأصوات المنكرة بما يسمونه ذكرًا وتهليلا

- ‌شبهة: قول الله عز وجل: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}

- ‌شبهة: ما رُوِي عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وَجَعْفَرٌ وَزَيْدٌ، فَقَالَ لِزَيْدٍ: «أَنْتَ مَوْلَايَ» فَحَجَلَ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: «أَنْتَ أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي»، فَحَجَلَ وَرَاءَ زَيْدٍ

- ‌الذكر الجماعي

- ‌ الاجتماع على الذكر غير الذكر الجماعي:

- ‌ استدلالهم بعموم الأحاديث الدالة على فضل الاجتماع على ذكر الله

- ‌ عن ابن جريج قال أخبرني عمرو أن أبا معبد مولى ابن عباس أخبره أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبره أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة

- ‌عاشرًا: الخضر عليه السلام في الفكر الصوفي

- ‌الخضر في السنة:

- ‌حادي عشر: الكشف الصوفي

- ‌شبهة:

- ‌ثاني عشر: رأس الحسين رضي الله عنه

- ‌سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَة

- ‌أَجَابَ:

- ‌ثالث عشر: زعم الصوفية أنه لولا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما خلق الله الخلق

- ‌الجواب:

- ‌رابع عشر: أبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌الرد على الشبهات

- ‌خامس عشر: الاحتفال بالمولد النبوي

- ‌الرد على الشبهات:

- ‌سادس عشر: الموالد

- ‌أسئلة تنتظر الإجابة

- ‌سابع عشر: هل النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلق من نور وهل هو أول مخلوقات الله

- ‌الرد على الشبهات

- ‌ثامن عشر: الأولياء والكرامات

- ‌الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان:

- ‌بعض الكراماتٌ من كتب الصوفية:

- ‌الأزهر يرد على الصوفيةقبسات من فتاوى دار الإفتاء المصرية

الفصل: ‌الشبهة الخامسة: حديث الضرير:

أبي سفيان والضحاك ابن قيس بيزيد بن الأسود الجرشي، وفيهما بيان دعائه بصراحة وجلاء.

فهل يجوز أن يُجمِع هؤلاء كلهم على ترك التوسل بذاته صلى الله عليه وآله وسلم لو كان جائزًا، سيّما والمخالفون يزعمون أنه أفضل من التوسل بدعاء العباس وغيره؟! اللهم إن ذلك غير جائز ولا معقول، بل إن هذا الإجماع منهم من أكبر الأدلة على أن التوسل المذكور غير مشروع عندهم، فإنهم أسمى من أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.

‌الشبهة الخامسة: حديث الضرير:

أخرج الإمام أحمد وغيره بسند صحيح عن عثمان بن حنيف أن رجلًا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: «إن شئتَ دعوتُ لك، وإن شئتَ أخّرتُ ذاك، فهو خير» ، (وفي رواية:«وإن شئتَ صبرتَ فهو خير لك» )، فقال: ادْعهُ. فأمره أن يتوضأ، فيحسن وضوءه، فيصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهتُ بك إلى ربي في حاجتي هذه، فتقضى لي، اللهم فشفّعْه فيَّ، وشفّعني فيه. قال: ففعل الرجل فبرأ».

يرى الصوفية: أن هذا الحديث يدل على جواز التوسل في الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو غيره من الصالحين، إذ فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم الأعمى أن يتوسل به في دعائه، وقد فعل الأعمى ذلك فعاد بصيرًا.

وهذا الحديث لا حجة لهم فيه على التوسل المختلَف فيه، وهو التوسل بالذات، بل هو دليل آخر على النوع الثالث من أنواع التوسل المشروع؛ لأن توسل الأعمى إنما كان بدعائه. والأدلة على ما نقول من الحديث نفسه كثيرة، وأهمها:

أولًا: أن الأعمى إنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليدعو له، وذلك قوله:(ادعُ الله أن يعافيني) فهو توسل إلى الله تعالى بدعائه صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه يعلم أن دعاءه صلى الله عليه وآله وسلم أرجى للقبول عند الله بخلاف دعاء غيره، ولو كان قصد الأعمى التوسل بذات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو جاهه أو حقه لما كان ثمة حاجة به إلى أن يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويطلب منه الدعاء له، بل كان يقعد في بيته، ويدعو ربه بأن يقول مثلًا: «اللهم إني أسألك بجاه نبيك ومنزلته عندك أن يشفيني،

ص: 86

وتجعلني بصيرًا». ولكنه لم يفعل، لماذا؟ لأنه عربي يفهم معنى التوسل في لغة العرب حق الفهم، ويعرف أنه ليس كلمة يقولها صاحب الحاجة، يذكر فيها اسم المتَوسَّل به، بل لابد أن يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصلاح والعلم بالكتاب والسنة، وطلب الدعاء منه له.

ثانيًا: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعده بالدعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«إن شئتَ دعوتُ، وإن شئتَ صبرتَ فهو خير لك» . وهذا الأمر الثاني هو ما أشار إليه صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه عن ربه ـ أنه قال: «إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه ـ أي عينيهـ فصبر، عوضته منهما الجنة» . (رواه البخاري)

ثالثًا: إصرار الأعمى على الدعاء وهو قوله: (فادْعُ) فهذا يقتضي أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دعا له؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم خير من وفَّى بما وعد، وقد وعده بالدعاء له إن شاء كما سبق، فقد شاء الدعاء وأصر عليه، فإذن لا بد أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعا له، فثبت المراد.

وقد وجَّهَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأعمى بدافع من رحمته، وبحرص منه أن يستجيب الله تعالى دعاءه فيه، وجهه إلى النوع الثاني من التوسل المشروع، وهو التوسل بالعمل الصالح، ليجمع له الخير من أطرافه، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يدعو لنفسه وهذه الأعمال طاعة لله ـ يقدمها بين يدي دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم له، وهي تدخل في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} .

وهكذا فلم يكتف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بدعائه للأعمى الذي وعده به، بل شغله بأعمال فيها طاعة لله ـ وقُربة إليه، ليكون الأمر مكتملًا من جميع نواحيه، وأقرب إلى القبول والرضا من الله ـ، وعلى هذا، فالحادثة كلها تدور حول الدعاء ـ كما هو ظاهر ـ وليس فيها ذكر شيء مما يزعمون.

رابعًا: أن في الدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إياه أن يقول: «اللهم فشَفّعْهُ فِيّ» وهذا يستحيل حمله على التوسل بذاته صلى الله عليه وآله وسلم، أو جاهه، أو حقه، إذ أن المعنى: اللهم اقبل شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم فِيّ، أي اقبل دعائه في أن ترد عليَّ بصري، والشفاعة لغةً الدعاء، وهو المراد

ص: 87

بالشفاعة الثابتة له صلى الله عليه وآله وسلم ولغيره من الأنبياء والصالحين يوم القيامة، وهذا يبين أن الشفاعة أخص من الدعاء، إذ لا تكون إلا إذا كان هناك اثنان يطلبان أمرًا، فيكون أحدهما شفيعًا للآخر، بخلاف الطالب الواحد الذي لم يشفع غيره، قال في (لسان العرب):(الشفاعة كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره، والشافع الطالب لغيره، يتشفع به إلى المطلوب، يقال تشفعت بفلان إلى فلان، فشفعني فيه).فثبت بهذا الوجه أيضًا أن توسل الأعمى إنما كان بدعائه صلى الله عليه وآله وسلم لا بذاته.

خامسًا: إن مما علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأعمى أن يقوله: «وشفعني فيه» أي اقبل شفاعتي (أي دعائي) في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم (أي دعاءه) في أن ترد عليَّ بصري. هذا الذي لا يمكن أن يفهم من هذه الجملة سواه.

ولهذا ترى المخالفين يتجاهلونها ولا يتعرضون لها من قريب أو من بعيد؛ لأنها تنسف بنيانهم من القواعد، وتجتثه من الجذور، وإذا سمعوها رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه. ذلك أن شفاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الأعمى مفهومة، ولكن شفاعة الأعمى في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كيف تكون؟ لا جواب لذلك عندهم البتة.

ومما يدل على شعورهم بأن هذه الجملة تبطل تأويلاتهم أنك لا ترى واحدًا منهم يستعملها، فيقول في دعائه مثلًا: اللهم شفع فيَّ نبيك، وشفعني فيه.

سادسًا: إن هذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعائه المستجاب، وما أظهره الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات، فإنه بدعائه صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره، ولذلك رواه المصنفون في (دلائل النبوة) كالبيهقي وغيره، فهذا يدل على أن السر في شفاء الأعمى إنما هو دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

كما أنه لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقدره وحقه، كما يفهم عامة المتأخرين، لكان من المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه صلى الله عليه وآله وسلم، بل ويضمون إليه أحيانًا جاه جميع الأنبياء المرسلين، وكل الأولياء والشهداء والصالحين، وجاه كل من له جاه عند الله من الملائكة، والإنس

ص: 88

والجن أجمعين! ولم نعلم ولا نظن أحدًا قد علم حصول مثل هذا خلال القرون الطويلة بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليوم.

* قول الأعمى في دعائه: «اللهم إني أسألك، وأتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم» إنما المراد به: أتوسل إليك بدعاء نبيك، أي على حذف المضاف، وهذا أمر معروف في اللغة، كقوله تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} (يوسف:82) أي أهل القرية وأصحاب العير. ونحن والمخالفون متفقون على ذلك، أي على تقدير مضاف محذوف، وهو مثل ما رأينا في دعاء عمر وتوسله بالعباس، فإما أن يكون التقدير: إني أتوجه إليك بـ (جاه) نبيك، ويا محمد إني توجهت بـ (ذات) ك أو (مكانت) ك إلى ربي كما يزعمون، وإما أن يكون التقدير: إني أتوجه إليك بـ (دعاء) نبيك، ويا محمد إني توجهت بـ (دعاء) ك إلى ربي كما هو قولنا. ولا بد لترجيح أحد التقديرين من دليل يدل عليه.

فأما تقديرهم (بجاهه) فليس لهم عليه دليل لا من هذه الحديث ولا من غيره، إذ ليس في سياق الكلام ولا سياقه تصريح أو إشارة لذكر الجاه أو ما يدل عليه إطلاقًا، كما أنه ليس عندهم شيء من القرآن أو من السنة أو من فعل الصحابة يدل على التوسل بالجاه، فيبقى تقديرهم من غير مرجح، فسقط من الاعتبار، والحمد لله.

ولو حمل حديث الضرير على التوسل بالذات لكان معطلًا لقوله فيما بعد: «اللهم فشفّعه فِيَّ، وشفّعني فيه» وهذا لا يجوز كما لا يخفى، فوجب التوفيق بين هذه الجملة والتي قبلها. وليس ذلك إلا على ما حملناه من أن التوسل كان بالدعاء، فثبت المراد، وبطل الاستدلال به على التوسل بالذات، والحمد لله.

تنبيه: وقع في بعض الطرق الأخرى لحديث الضرير السابق زيادتان لا بد من بيان شذوذهما وضعفهما، حتى يكون القارىء على بينة من أمرهما، فلا يغتر بقول من احتج بهما على خلاف الحق والصواب.

الزيادة الأولى: زيادة حماد بن سلمة قال: حدثنا أبو جعفر الخطمي .. فساق إسناده مثل رواية شعبة، وكذلك المتن إلا أنه اختصره بعض الشيء، وزاد في آخره بعد

ص: 89

قوله: وشفع نبيي في رد بصري: «وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك» رواه أبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه، فقال: حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا حماد بن سلمه به.

وقد أعلَّ هذه الزيادة شيخ الإسلام ابن تيمية في (القاعدة الجليلة)(ص102) بتفرد حماد بن سلمة بها، ومخالفته لرواية شعبة.

الزيادة الثانية: قصة الرجل مع عثمان بن عفان، وتوسله به صلى الله عليه وآله وسلم حتى قضى له حاجته، وأخرجها الطبراني في (المعجم الصغير) وفي (الكبير) من طريق عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أن رجلًا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف، فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان: ائت الميضأة، فتوضأ، ثم ائت المسجد، فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك عز وجل، فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح إليَّ حتى أروح معك، فانطلقَ الرجل فصنع ما قال، ثم أتى باب عثمان رضي الله عنه فجاء البواب حتى أخذ بيده، فأدخله عليه، فأجلسه معه على الطنفسة، وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته، فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال:«ما كانت لك من حاجة فَأْتِنا، ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيرًا، ما كان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إلي حتى كلمتَه فيَّ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتاه ضرير، فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم:فتصبر، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد، وقد شق علي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ائت الميضأة، فتوضأ ثم صلي ركعتين، ثم ادعُ بهذه الدعوات» قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا، وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط.

ص: 90