الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في حقه، وقد أخبرا جميعاً أن اللَّه – تعالى – هو الذي أجرى ذلك على أيديهما، وأنه ليس من صنعهما، فتكذيب أحدهما وتصديق الآخر تفريق بين المتماثلين، وليس هناك دليل على أن موسى صلى الله عليه وسلم تلقى المعجزات عن اللَّه – تعالى – إلا وهو يدلُّ على أن عيسى صلى الله عليه وسلم تلقاها عن اللَّه – تعالى – فإن أمكن القدح في معجزات عيسى أمكن القدح في معجزات موسى، وإن كان ذلك باطلاً فهذا باطل أيضاً (1)، ولا شك أنه لا يمكن القدح في شيء من ذلك أبداً.
(ب) الحُججُ والبراهين على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
-:
ظهر على يده صلى الله عليه وسلم من الآيات والمعجزات الخارقة للعادات عند التحدي أكثر من سائر الأنبياء، والعهد بهذه المعجزات قريب، وناقلوها أصدق الخلق وأبرهم، ونقلها ثابت بالتواتر قرناً بعد قرن، وأعظمها مُعجزة: القرآن، لم يتغير ولم يتبدل منه شيء، بل كأنه منزل الآن، وما أخبر به يقع كل وقت على الوجه الذي أخبر به، كأنه يُشاهده عياناً، وقد عجز الأولون والآخرون على الإتيان بمثله {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (2).
ولا يمكن ليهودي أن يؤمن بنبوة موسى صلى الله عليه وسلم إن لم يؤمن بنبوة
(1) انظر: إغاثة اللهفان، 2/ 347.
(2)
سورة الإسراء، الآية:88.
محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن لنصراني أن يقر بنبوة المسيح صلى الله عليه وسلم إلا بعد إقراره بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لأن من كفر بنبوة نبي واحد فقد كفر بالأنبياء كلهم، ولم ينفعه إيمانه ببعضهم دون بعض، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً، أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا، وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (1).
ولا ينفع أهل الكتاب شهادة المسلمين بنبوة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام؛ لأن المسلمين آمنوا بهما على يد محمد صلى الله عليه وسلم، وكان إيمانهم بهما من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، فلولاه ما عرفنا نبوتهما، ولا سيما وليس بأيدي أهل الكتاب عن أنبيائهم ما يُوجب الإيمان بهم؛ فلولا القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم ما عرفنا شيئاً من آيات الأنبياء المتقدمين، فمحمد صلى الله عليه وسلم وكتابه هو الذي قرر نبوة موسى وعيسى، لا اليهود والنصارى، بل نفس ظهوره ومجيئه تصديقاً لنبوتهما؛ فإنهما أخبرا بظهوره، وبشّرا بظهوره:{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (2)، فلما بعث كان بعثه تصديقاً لهما، قال
(1) سورة النساء، الآيات: 150 – 152.
(2)
سورة الصف، الآية:6.
تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} (1).
فمجيئه تصديق لهما من جهتين: من جهة إخبارهم بمجيئه ومبعثه، ومن جهة إخباره بمثل ما أخبروا به وشهادته بنبوتهم، ولو كان كاذباً لم يصدق من قبله، كما يفعل أعداء الأنبياء (2).
ومن أعظم الأدلة على صدقه صلى الله عليه وسلم أنه قال لليهود لما بهتوه: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (3)، ولم يجسر أحد منهم على ذلك – مع اجتماعهم على تكذيبه وعداوته – لما أخبرهم بحلول الموت بهم إن أجابوه إلى ذلك، فلولا معرفتهم بحاله في كتبهم، وصدقه فيما يخبرهم به لسألوا اللَّه الموت لأي الفريقين أكذب، منهم أو من المسلمين على وجه المباهلة (4)، ونظير ذلك قوله تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ للَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (5).
(1) سورة الصافات، الآية:37.
(2)
انظر: درء تعارض العقل والنقل، 5/ 78 - 83، ودقائق التفسير لابن تيمية، 3/ 34، وإغاثة اللهفان لابن القيم، 2/ 350، 351، وهداية الحيارى، ص635.
(3)
سورة البقرة، الآية:94.
(4)
انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، 7/ 99، وتفسير ابن كثير، 1/ 128، 129، وتفسير السعدي، 1/ 114.
(5)
سورة الجمعة، الآيتان: 6 - 7.
وغير ذلك من دلائل نبوته وصدقه (1) صلى الله عليه وسلم، التي سأذكرها – إن شاء اللَّه – في آخر مطلب من مطالب حكمة القول مع أهل الكتاب.
(1) ومن دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم في هذا الزمن ما نشر في صحيفة البلاد السعودية، في عددها رقم 9422، في 15/ 8/1410هـ، الموافق 12 مارس 1990م، ودخل في الإسلام بسبب ذلك أربع قرى نيجيرية، وهذا نص المنشور:
((لقي أحد الضالين والمستهزئين بالإسلام حتفه إثر تشكيكه في الإسلام والقرآن وإعلانه أمام جمع من الناس قائلاً: إن كان القرآن والإسلام حقاً فإني أسأل الله ألا أرجع إلى بيتي حياً.
ويشاء الله أن يلقى هذا الكافر حتفه قبل أن يعود إلى منزله فعلاً!
هذا وقد وقعت هذه الحادثة في قرية (بوب) في ولاية غونفولي بشمالي نجيريا وأسلم على إثرها أهل القرية وثلاث قرى مجاورة. ويقول شهود عيان رأوا الحادثة: إن المكذب ويدعى عمر غيمو وهو قس في كنيسة باتيسي بقرية بوب وقف خطيباً في الكنيسة وبدأ في التطاول على الإسلام والقرآن الكريم وردد العديد من الأكاذيب والأباطيل والافتراءات على الإسلام والقرآن الكريم. ثم قال في نهاية خطبته: (إن كان القرآن والدين الإسلامي حقاً فأسأل الرب ألا يرجعني إلى بيتي حياً). وخرج القس من الكنيسة وهو على ثقة تامة بأنه لن يصيبه شيء وسيصل إلى منزله في صحة وعافية، ليتخذ ذلك فيما بعد دليلاً يؤكد به للناس افتراءه وأكاذيبه. ويشاء الله عز وجل وعلى الرغم من أن الطريق إلى منزله لا توجد به أي أخطار تهدد حياة الإنسان، يشاء الله أن تتعثر قدماه وهو يعبر جدول ماء صغير وسقط فيه حتى مات وسارع إليه جماعة من المسيحيين في دهشة وذهول ونقلوه إلى المستشفى والتي رفضت استلامه لوفاته، فذهبوا به إلى مستشفى آخر وثالث وكان التأكيد أنه قد لاقى حتفه ليسقط في أيديهم لحدوث الوفاة بهذه البساطة ودون حدوث أي إصابة أو جرح. والأعجب من ذلك أن أحد المارة كان قد حاول في البداية إنقاذ هذا المستهزئ عند تعثره فلقي مصرعه
…
تجدر الإشارة إلى أن هذا القس كان مسيحياً، ثم أسلم، وعاش فترة بين المسلمين يتعامل معهم ويتعاملون معه إلا أنه نكص على عقبيه وارتد عن الإسلام وأصبح حرباً على دين الله إلى أن لقي مصيره المحتوم)).