الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه الصلاة والسلام، إلى رفع عيسى صلى الله عليه وسلم.
وعقيدة التوحيد هي دين الأنبياء وأتباعهم، كما أن كتب العهد القديم عند أهل الكتاب ناطقة بأن اللَّه واحد، أزليٌّ، أبديٌّ، حيٌّ لا يموت، قادر يفعل ما يشاء، ليس كمثله شيء، لا في الذات ولا في الصفات، وعبادة غير اللَّه حرام، وحرمتها مصرحة في مواضع شتى، وهذا الأمر لشهرته وكثرته في تلك الكتب غير محتاج إلى نقل الشواهد (1).
2 - النصارى تلقوا عقيدة التثليث عن أصحاب المجامع:
إن المصادر النصرانية الموثوق فيها لا تملك سوى الإقرار بأن دعوة عيسى صلى الله عليه وسلم كانت توحيد اللَّه الخالص من الشرك، إلى بداية القرن الرابع الميلادي (2)، وذلك أن اللَّه عز وجل بعث عبده ورسوله عيسى ابن مريم إلى بني إسرائيل، فجدد لهم الدين، وصدق لما بين يديه من التوراة، وأحل لهم بعض الذي حُرّم عليهم، ودعاهم إلى عبادة اللَّه وحده، فعادوه وكذبوه، ورموه وأمه بالعظائم، وأرادوا قتله، فطهره اللَّه - تعالى - منهم، ورفعه إليه، ولم يصلوا إليه بسوء، وأقام اللَّه - تعالى - للمسيح أنصاراً دعوا إلى دينه وشريعته حتى ظهر دينه على من خالفه، ودخل فيه الملوك، واستقام الأمر على السداد
(1) انظر: إظهار الحق، لرحمة الله الهندي، 1/ 543، 577.
(2)
انظر: إغاثة اللهفان لابن القيم، 2/ 270، وهداية الحيارى، ص622، والمناظرة بين الإسلام والنصرانية، ص164.
بعده نحو ثلاثمائة سنة، ثم أخذ دين المسيح في التبديل والتغيير، ولم يبق بأيدي النصارى منه إلا بقايا: كالختان، والاغتسال من الجنابة، وتعظيم السبت، وتحريم الخنزير، وتحريم ما حرمته التوراة إلا ما أحلت لهم بنصها، ثم استحلوا الخنزير، وأحلوا السبت، وعوضوا منه يوم الأحد، وتركوا الختان، والاغتسال من الجنابة، وكان المسيح يصلي إلى بيت المقدس فصلوا إلى المشرق، وعظموا الصليب وعبدوه، وعندما أخذ دين المسيح صلى الله عليه وسلم في التغير والفساد اجتمعت النصارى عدة مجامع، ثم يفترقون على الاختلاف والتلاعن، ومن أهم هذه المجامع: مجمع نيقية عام 325م، فقد جمع الملك قسطنطين – باني القسطنطينية – ألفين وثمانية وأربعين أسقفاً (2048) من جميع بلدان العالم، وكانوا مختلفي الآراء والأديان، واتفق منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً (318) على أن المسيح ابن اللَّه – تعالى عن كفرهم – وأنه مساوٍ له في الجوهر، وأنه نزل من السماء وتجسد من روح القدس، وصار إنساناً، وحمل به، ثم ولد من مرين، وقُتِلَ وصُلِبَ، ودُفِنَ، وقام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين أبيه، وهو مستعد للمجيء مرة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء، وقالوا: نؤمن بروح القدس، وأجبر الملك الناس على هذه العقيدة التي أسسها هؤلاء الأساقفة.
ثم عُقِدَ مجمع آخر عام 381م، وحضره مائة وخمسون أسقفاً (150)، وأجمعوا على أن روح القدس خالق غير مخلوق، وبهذا
المجمع تم لهم التثليث، وقالوا: بأن الأب والابن وروح القدس ثلاثة أقانيم، وفرض ملوك النصارى هذه العقيدة على الناس.
ثم عُقِدَ مجمع سنة 431م، وحضره نحو مائتي أسقف (200) وقرروا أن مريم ولدت إلهاً .. !
واستمرت المجامع تُعقد بعد ذلك، وأشهرها المجامع العشرة التي عُقِدَت على مر العصور، وكلهم يُكفِّر بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً، فدينهم الذي ابتدعوا قائم على اللعنة (1).
فثبت بهذا الاستعراض أن دين المسيح صلى الله عليه وسلم هو التوحيد إلى نهاية القرن الثالث الميلادي، وأن المجامع النصرانية هي التي فرضت عقيدة التثليث، وألزم الملوك الناس بذلك بالسيف والعطاء (2).
فعُلِمَ قطعاً بأن عقيدة التثليث عقيدة وثنية مصدرها المجامع النصرانية، بدءاً بمجمع نقية سنة 325م، وهذا من أعظم ما يُردُّ به على النصارى، ولكن بالقول الحكيم، وبالرفق واللين، والجدال بالتي هي أحسن.
(1) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، 1/ 115، 2/ 90 - 135، 3/ 22 - 45، وإغاثة اللهفان، 2/ 270 - 281، وهداية الحيارى، ص646 - 658، والبداية والنهاية لابن كثير، 2/ 150، 151، والمناظرة بين الإسلام والنصرانية، ص202 - 216.
(2)
انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم، 2/ 228.