الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للنصارى حجة إطلاقاً، فسقط قولهم بحمد اللَّه تعالى (1).
المسلك الثاني: الأدلة والبراهين القاطعة على بشرية عيسى وعبوديته للَّه:
ومن حكمة القول مع النصارى في دعوتهم إلى اللَّه أن يُبين لهم أن عيسى صلى الله عليه وسلم عبد اللَّه ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، خلقه عز وجل، وبيّن لعباده أنه مخلوق، وأن ذلك لا يُعجزه قال تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ، الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ} (2).
فقد خلق اللَّه - تعالى - هذا النوع على الأقسام الممكنة، ليبين عموم قدرته، فخلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق زوجته حواء من ذكر بلا أنثى، كما قال تعالى:{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} (3)، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وكان خلق آدم وحواء أعجب من خلق المسيح؛ لأن حواء خلقت من ضلع آدم، وهذا أعجب من خلق المسيح في بطن مريم، وخلق آدم أعجب من هذا وهذا، وهو أصل خلق حواء، فلهذا شبهه اللَّه بخلق آدم الذي هو أعجب من خلق المسيح، فإذا كان سبحانه قادراً أن يخلقه من تراب، والتراب ليس
(1) انظر: الجواب الصحيح، 2/ 115، 127، 128، 132، 138 - 140، 142، ودقائق التفسير، 2/ 343.
(2)
سورة آل عمران، الآيتان: 59 - 60.
(3)
سورة النساء، الآية:1.
من جنس بدن الإنسان، أفلا يقدر أن يخلقه من امرأة هي من جنس بدن الإنسان؟ وهو عز وجل خلق آدم من تراب، ثم قال له: كن، فكان لما نفخ فيه من روحه، فكذلك المسيح نفخ فيه من روحه، وقال له: كن، فكان، ولم يكن آدم بما نفخ فيه من روحه لاهوتاً وناسوتاً، بل كله ناسوت، فكذلك المسيح كله ناسوت (1).
وقد أمر اللَّه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يُباهل النصارى على حقيقة عيسى صلى الله عليه وسلم، وأنه عبد اللَّه ورسوله، فقال تعالى:{فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (2).
وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم قول اللَّه فدعاهم إلى المباهلة، فعرفوا أنهم إن باهلوه أنزل اللَّه عليهم لعنته، فأقروا بالجزية وهم صاغرون.
وهذا كله يُبيّن أن عيسى عبد اللَّه ورسوله، وأنه مخلوق، ويُبيّن أنّ النصارى بامتناعهم عن المباهلة وعن الدخول في الإسلام كانوا ظالمين (3).
وقد بيّن عز وجل حقيقة عيسى، ووصفه وأمه وصفاً كاملاً لا يدع
(1) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، 2/ 294، ودقائق التفسير لابن تيمية، 2/ 334، وتفسير ابن كثير، 1/ 368.
(2)
سورة آل عمران، الآية:61.
(3)
انظر: الجواب الصحيح، 2/ 295، ودقائق التفسير، 2/ 334، ودرء تعارض العقل والنقل، 1/ 198، وتفسير ابن كثير، 1/ 368.
مجالاً للشك، ويقطع كل شبهة ترد على بشرية عيسى وأمه، فقال عز وجل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا
…
} إلى قوله: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا* قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} إلى قوله تعالى: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ* مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ
…
} الآيات (1).
وقال سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ} (2).
وهو صلى الله عليه وسلم عبد اللَّه ورسوله، وأحد أنبيائه ورسله الكرام، ويتصف بصفات البشر، ويأكل الطعام كما يأكله البشر (3):{مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} (4).
(1) سورة مريم، الآيات: 16 – 35.
(2)
سورة الزخرف، الآية:59.
(3)
انظر تفسير ابن كثير، 2/ 82.
(4)
سورة المائدة، الآية:75.
وقد شهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالجنة لمن شهد أن عيسى عبد اللَّه ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، فقال:((من شهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد اللَّه ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم روح منه، وأن الجنة حقٌّ، والنار حقٌّ، أدخله اللَّه الجنة على ما كان من العمل)) (1).
وحذر صلى الله عليه وسلم عن الغلو، وبيّن أنه من أسباب تأليه النصارى لعيسى ابن مريم (2).
وبهذه البراهين القطعية من الأدلة العقلية والنقلية يتضح لكل ذي لُبٍّ أن عيسى عبد اللَّه ورسوله، وابن أمته، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، ومَنْ وصفه بغير ذلك من الصفات التي لم يصفه بها ربه وخالقه فقد خرج عن مقتضى العقل والنقل إلى الجنون أو الجحود والظلم:{لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلَا الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا} (3)، {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ
(1) البخاري، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} ، 6/ 474، (رقم 3435)، ومسلم، في الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً، 1/ 57، (رقم 28)، وانظر زيادة للحديث في البخاري مع الفتح، 6/ 474، ومسلم، 1/ 57.
(2)
انظر: البخاري مع الفتح، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا
…
}، 6/ 478 (رقم 3445)، وكتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، 12/ 144، (رقم 6830).
(3)
سورة النساء، الآية:172.