الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد
التمهيد
الفرق الضَّالة وخطرها على المعتقد الصَّحيح:
الصراع بين الحق والباطل قديم منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا، وسوف يستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فبينهما صراع لا يفتر ولا يلين ولا يتوقف، صراع متنوع متعدد الأشكال، فهناك صراع عقدي، وصراع سياسي، وصراع إعلامي، وصراع اقتصادي. . . إلخ، والله شاء ذلك لحكمة، قال الله تعالى:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (1).
والصراع الحقيقي هو الصراع العقدي، وما سواه صراعات فرعية، لكن أهل الباطل ربما يتسترون وراء عوامل فرعية خداعًا وتمويهًا، حتَّى يصلوا إلى مرادهم، وهو هدم الإسلام وزعزعة كيانه، وذلك بإثارة الشكوك والفتن بين أفراده والنيل من معينه الصافي (الكتاب والسنة) ومحاولة تحريفهما وتأويلهما (2).
ولو تتبعنا التاريخ للفرق المختلفة في باب العقيدة لوجدنا أن الحقد الدفين الذي تكنه عناصر دخيلة على الإسلام وراء ذلك التفرق (3)، فعندما سيطر حكم الإسلام على أكثر البلاد في آسيا وإفريقيا، وغيرهما، دخل تحت
(1) سورة هود. الآيتان 118، 119.
(2)
انظر: القضاء والقدر في الإسلام -للدسوقي- 2/ 22، 26.
(3)
وهذا لا يعني أنَّه ليس هناك عوامل أخرى كانت وراء التفرق كالغلو المتمثل في مذهب الخوارج والشيعة، والرد على البدعة ببدعة أخرى مثلها أو أشد المتمثل في مذهب المرجئة والمعتزلة، وتحكيم العقل في القضايا الشرعيّة.
وقد تقصى تفصيل هذه العوامل الدكتور أحمد سعد حمدان في مقدمة تحقيقه لشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/ 37 - 44.
حكمه أمم كثيرة، رغبة ورهبة، وكان لها أديان مختلفة، من يهودية، ومجوسية، ونصرانية، ووثنية، وغير ذلك، وقد كان لكثير من هذه الأمم سلطان كبير، مثل المجوس والرومان، فسلبهم المسلمون ذلك، وكان عند هؤلاء من الكبر والاستعلاء ما يجعلهم يأنفون من كونهم تحت سلطان المسلمين، لا سيما وقد كانوا يرون العرب من أحقر الأمم وأقلها شأنًا، كما أن اليهود واجهوا الإسلام ورسوله من أول أمره بالعداء وحاولوا القضاء عليه بأنواع من المكائد والمؤامرات، ولما يئس هؤلاء جميعًا من قدرتهم في مجابهة الإسلام بالقوة وجهًا لوجه انصرف جهدهم وكيدهم إلى الدسائس والمؤامرات والاغتيالات لرجاله العظام.
ودخل في الإسلام -ظاهرًا- من هؤلاء من قصده إفساده وتمزيق وحدة أهله، ولا بد أن يكون ذلك عن دراسة، وإعمال فكر وتخطيط وربما يكون هناك جماعات متعاونة، من المجوس واليهود، والنصارى والهنود وغيرهم، وقد تكون لكل طائفة مؤسسات تعمل لإفساد عقائد المسلمين، لتيقنهم أنَّه لا يمكن هزيمة المسلمين إلَّا بإفساد عقيدتهم، فبدأت آثار المؤامرات تظهر شيئًا فشيئًا، فقتل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بأيدٍ مجوسية (1)، وربما بمؤامرة مجوسية يهودية.
ثم قتل الخليفة عثمان بعده بأيدٍ مشبوهة (2)، من غوغاء، يدفعهم بعض دهاة اليهود والمجوس (3).
ثم ظهر القول بنفي القدر، وأول من ابتدع القول به بالعراق، رجل من أهل البصرة يقال له: سيسويه، من أبناء المجوس، وتلقاه عنه معبد الجهني (4).
(1) حيث قتله أبو لؤلؤة المجوسي الفارسي -لعنه الله- غيلة بخنجر في خاصرته وهو في صلاة الصبح رضي الله عنه سنة 23 هـ.
(2)
انظر صفة مقتله رضي الله عنه على أيدي أولئك الأجلاف والأخلاط من النَّاس سنة 35 هـ في: البداية والنهاية- لابن كثير 7/ 196 - 207.
(3)
مقدمة شرح كتاب التوحيد من صحيح البُخاريّ للشيخ عبد الله الغنيمان 1/ 9. وانظر: الفصل في الملل والنحل -لابن حزم- 2/ 115، 116.
(4)
مجموع الفتاوى -لابن تيمية- 7/ 374.
ثم ظهرت بدعة الخوارج في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه سنة 37 هـ، حيث اعترضوا على قبول التحكيم، واستمروا في ضلالهم وعنادهم إلى أن انتهى الأمر إلى الحكم على مرتكب الكبيرة بالكفر في الدُّنيا وإباحة دمه وماله، والخلود في النَّار بالآخرة.
ولا أستبعد أن يكون وراء هذه البدعة أيد خفية تسترت بالإسلام ظاهرًا.
ثم ظهرت بدعة التشيع، وكان وراء هذه البدعة رجل يهودي اسمه عبد الله بن سبأ (1)، ادعى الإسلام، وغلا في علي رضي الله عنه فقال بنبوته، ثم غلا، فقال بألوهيته، ودعا إلى ذلك قومًا من غواة الكوفة (2).
والشيعة فرق متعددة مختلفة فيما بينها يجمعها القول بإمامة علي وخلافته نصًّا ووصية، وهي من مخلفات ابن سبأ (3).
وقد استغل أعداء الإسلام مذهب التشيع للكيد له ومحاولة الوصول إلى أهدافهم عن طريقه، لكن الله حفظه، وأتم نوره.
يقول ابن حزم مقررًا هذه الحقيقة: ". . . فلما امتحنوا -يعني الفرس- بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، وكانت العرب أقل الأمم عند الفرس خطرًا تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، ففي كل ذلك يظهر الله سبحانه وتعالى الحق. . . " إلى أن قال: ". . . فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع فأظهر قوم منهم الإسلام، واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) ضال مضل، أصله من اليمن، طاف بلاد المسلمين ليصرفهم عن طاعة الأئمة، ويلقي بينهم الشرور والفتن، أتباعه يقال لهم: السَّبَئِيَّة إحدى فرق غلاة الشيعة.
انظر: تهذيب ابن عساكر- 7/ 431 - 434.
ولسان الميزان -لابن حجر- 3/ 289، 290.
والملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 174.
(2)
انظر: الفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 233.
(3)
انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة -للالكائي- 1/ 23 - تحقيق د. أحمد سعد حمدان.
واستشناع ظلم علي (1) رضي الله عنه ثم سلكوا مسالك شتى حتَّى أخرجوهم عن الإسلام. . . " (2).
ثم ظهرت المرجئة كرد فعل للخوارج والشيعة، وأرجؤوا الحكم على مرتكب الكبيرة إلى يوم القيامة، وقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، ولا ينفع مع الكفر طاعة (3).
ثم ظهرت الجهمية المعطلة لصفات الرَّبِّ -سبحانه- وأصل هذه المقالة -كما يقول الشَّيخ رحمه الله: "مأخوذة عن تلامذة اليهود والمشركين، وضلال الصابئين، فإن أول من حفظ عنه أنَّه قال هذه المقالة في الإسلام -أعني أن الله ليس على العرش حقيقة، وأن معنى (استوى) بمعنى (استولى) ونحو ذلك- هو الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان، وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه".
وقد قيل: إن الجعد أخذ مقالته عن أبيان بن سمعان، وأخذها أبان عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم.
وكان الجعد بن درهم هذا -فيما قيل- من أهل حران، وكان فيهم خلق كثير من الصابئة والفلاسفة. . . " إلى أن قال:". . . فيكون الجعد قد أخذها عن الصابئة الفلاسفة"(4).
أما المعتزلة فقد ثبتت القول بالقدر -الذي قال به وكما تقدم- رجل من أبناء المجوس -وتعددت فرقها فيه، وكفر بعضهم البعض الآخر. وقد تأثر شيوخ المعتزلة- كأبي الهذيل العلاف، والنظام، وغيرهما -بما عرب من
(1) علق على هذا الشَّيخ عبد الله الغنيمان أثناء نقله لهذا النص بقوله: "لم يقع على علي بن أبي طالب ظلم من الصّحابة كما زعمته الرافضة، وإنَّما هو شيء اختلق للتشنيع والوصول إلى المقصد الخبيث".
(2)
انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل -لابن حزم- 2/ 115.
(3)
انظر: القضاء والقدر -للدسوقي- 2/ 10.
(4)
مجموع الفتاوى -لابن تيمية- 5/ 20، 21.
كتب الفلاسفة، وأظهروا موافقتهم لهم (1).
ثم ظهرت الأشعرية، وهي خليط من مذاهب عدة فرق كالمعتزلة، والكلابية والجهمية (2).
وأبو الحسن الأشعري -الذي تنتسب إليه هذه الطائفة- أخذ عن الجبائي الاعتزال، ولازمه دهرًا طويلًا، ثم سلك طريق ابن كلاب إلى الصفات، والقدر، وغير ذلك.
وسلك طريقه جماعة من العلماء، مثل: الباقلاني، وابن فورك، والإسفراييني، والشيرازي، والغزالي، والشهرستاني، والرازي، وغيرهم وملؤوا الدُّنيا بتصانيفهم، يحتجون، ويدعون أن طريقتهم هي طريقة أهل السنة والجماعة، فانتشر هذا المذهب في البلاد الإسلامية، وجاءت دولة بني أيوب، وكانوا على هذا المذهب، ثم مواليهم الأتراك، وأخذه ابن التومرت إلى المغرب، ونشره هناك، فصار هذا المذهب هو المعروف في الأمصار، بحيث نسي ما عداه من المذاهب أو جهل، حتَّى لم يبق اليوم مذهب يخالفه، إلّا أن يكون مذهب الحنابلة (3).
ومن هذا العرض المختصر لهذه الفرق يتضح لنا مدى تأثير القوى الخفية -التي تدفعها أيد يهودية ومجوسية- عليها، وأن أعداء الإسلام لن يألوا جهدًا ولا يهنأ لهم عيش، ولا يقر لهم قرار حتَّى ينفذوا مخططاتهم -عمليًّا- التي أمضوا الوقت الطَّويل في دراستها، ولهم أساليبهم المختلفة في التنفيذ، وطرقهم الخفية في الغزو، وقد اتخذوا معتقد المسلم هدفًا أسمى يرمون إليه، فإذا استطاعوا صرفه، أو على الأقل الإخلال به وإن ما وراءه من أمور فرعية.
وقد أدرك علماء المسلمين خطر هذا التفرق وما يخفيه وراءه من التستر بالإسلام والتسمي به، وأن المقصد أسمى والغاية نبيلة، وإذا حقق الأمر وجد
(1) انظر بتصرف: الملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 50، 53، 54.
وبيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية -لابن تيمية- 1/ 323.
وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة -للالكائي- 1/ 25، 43، 44.
(2)
انظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البُخاريّ- 1/ 24.
(3)
انظر: الخطط -للمقريزي- 3/ 309 - 314.
التعطيل الصرف للباري -سبحانه- وسلبه صفات الجلال والعظمة، فصنفوا المصنفات الكثيرة التي تدحض الباطل وأهله، وتبين الحق وتحث على اتباعه.
فصنف حماد بن سلمة (ت: 167 هـ) كتابه في الصفات (1)، وكان رحمه الله شديدًا على المبتدعة.
وصنف عبد الله بن محمد الجعفي (ت: 229 هـ) كتابه في الصفات والرد على الجهمية (2).
وصنف الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ) كتابه الرد على الجهمية والزنادقة (3).
وصنف عثمان بن سعيد الدَّارميّ (ت: 280 هـ) كتاب الرد على الجهمية (4).
وصنف أبو بكر الخلال (ت: 311 هـ) كتاب السنة (5).
وصنف أبو الشَّيخ الأصبهاني (ت: 369 هـ) كتاب السنة (6).
وصنف أبو عبد الله بن مندة (ت: 395 هـ) كتاب الرد على الجهمية (7).
وصنف أبو القاسم اللالكائي (ت: 418 هـ) كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (8).
وصنف أبو عمر الطلمنكي (ت: 429 هـ) كتاب السنة (9)، وصنف
(1) انظر ص: 159 من هذا الكتاب قسم التحقيق.
(2)
انظر ص: 160 من هذا الكتاب قسم التحقيق.
(3)
انظر ص: 161 من قسم التحقيق لهذا الكتاب.
(4)
انظر ص: 160 من قسم التحقيق لهذا الكتاب.
(5)
انظر ص: 162 من قسم التحقيق لهذا الكتاب.
(6)
انظر ص: 165 من قسم التحقيق لهذا الكتاب.
(7)
انظر ص: 166 من قسم التحقيق لهذا الكتاب.
(8)
انظر ص: 167 من قسم التحقيق لهذا الكتاب.
(9)
انظر ص: 167 من قسم التحقيق لهذا الكتاب.
القاضي أبو يعلى (ت: 458 هـ) كتبًا في الرد على الأشعرية والكرامية والباطنية (1).
هذا قليل من كثير ألفه علماء الإسلام ضد أهل البدع والأهواء في تلك الحقبة من الزمن.
وقد تتابع التأليف والتصدي من أئمة الإسلام، وكان من بينهم تقي الدين أبو العباس بن تيمية، فقد تصدى رحمه الله للانتصار لمذهب السلف ورد على الأشاعرة، والرافضة، والصوفية، وغيرهم ممن ضل الطريق المستقيم، فألف الكتب الكثيرة، وأجاب على الأسئلة العديدة التي ترده من بلاد شتى.
ومما ألفه في الرد على الأشاعرة -خصوصًا- وعلى طوائف أهل الأهواء -عمومًا- هذا الكتاب الذي بين أيدينا، إذ بيّن رحمه الله ضلال هذه الطائفة في مسألة عظيمة، وهي: مسألة كلام الله تعالى، وناقش قولهم: إنه معنى واحد قائم بالنفس لا يتعلق بمشيئته وقدرته، إن عبر عنه بالعربية كان قرآنًا، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلًا، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة. وبين الشَّيخ رحمه الله أن هذا القول ممَّا اختص به الأشعري وابن كلاب، وما سواه فمسبوقان إليه، قد تكلم فيه من سبقهما (2).
وأستطيع القول من خلال معايشتي لهذا الكتاب إنه الكتاب الوحيد (3) من كتب الشَّيخ الذي تفرد بمناقشة الأشاعرة (4) في هذه المسألة مناقشة موضوعية
(1) انظر ص: 168 من قسم التحقيق لهذا الكتاب.
(2)
انظر ص: 625 من قسم التحقيق لهذا الكتاب.
(3)
قد يتبادر إلى ذهن القارئ فيقول: إن للشيخ رحمه الله كتبًا في هذه المسألة وأقرب مثال على ذلك ما يحويه المجلد الثَّاني عشر من الفتاوى.
وأقول: هذا المجلد عبارة عن مجموعة أسئلة وجهت إلى الشَّيخ في مناسبات مختلفة وأجاب عنها، جمعها ابن قاسم رحمه الله في مجلد لمًّا لشتاتها وتيسيرًا على القارئ، والشيخ رحمه الله في إجاباته يتعرض لأقوال النَّاس في هذه المسألة، وينقضها بما يبطلها، بخلاف الكتاب الذي بين أيدينا فهو وحدة متكاملة ألف من أجل الرد على طائفة معيّنة خصوصًا وبقية الطوائف عمومًا.
(4)
قد يستدعي النقاش والنقض من الشَّيخ رحمه الله رحمة واسعة- التعرض =
هادئة، كانت نتيجتها -للمحايد- الاعتراف بانتصار الشَّيخ رحمه الله على خصومه ببيان الحق في هذه المسألة المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله وأقوال السلف الصالح -رضوان الله عليهم.
* * *
= لمذاهب النَّاس في هذه المسألة فيذكر المعتزلة للمقارنة وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما، وهذا كثير، أما بقية المذاهب فلا يذكرها إلَّا نادرًا.