الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك بوصف الله بصفات أحدثها المبتدعون تحتمل الحق والباطل، أو تجمع حقًّا وباطلًا، وزعم أن ذلك هو الحق الذي يجب اعتقاده، وهو أصل الدين، وهو الإيمان الذي أمر الله به رسوله، فهذا مضاهاة لما ذم الله به من حال أهل الكتاب، حيث قال:{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} (1) وقال: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} إلى قوله: {مِمَّا يَكْسِبُونَ} (2)، فإن هؤلاء كتبوا هذه المقالات التي ابتدعوها، وقالوا للعامة: هذا دين الله الذي أمركم به، وهذا كذب وافتراء على الله، فإذا جمعوا إلى ذلك كتمان ما أنزل الله من الكتاب والحكمة فقد ضاهوا (3) أهل الكتاب في لبس الحق بالباطل وكتمان الحق، قال تعالى:{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} ، إلى قوله:{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (4).
الوجه الثامن:
إن هذا خلاف إجماع سلف الأمة وأئمتها
، فإنهم أجمعوا في هذا الباب وفي غيره على وجوب اتباع الكتاب والسنة، وذم ما أحدثه أهل
(1) سورة البقرة، الآية:59.
(2)
سورة البقرة، الآيات: 75 - 79.
(3)
في الأصل: ظاهوا. والمثبت من: س، ط.
(4)
سورة البقرة، الآيات: 40 - 42.
(5)
سورة آل عمران، الآية:78.
الكلام من الجهمية ونحوهم، مثل ما رواه أبو القاسم اللالكائي (1) في أصول السنة عن محمد بن الحسن (2) صاحب أبي حنيفة (3)، قال (4):
"اتفق الفقهاء -كلهم- من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت (5) بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير (6) ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئًا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم (7) وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة، ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة، لأنه قد وصفه بصفة لا شيء".
(1) هو: هبة الله بن الحسن بن منصور الرازي الطبري اللالكائي، حافظ للحديث ودرس الفقه على مذهب الشافعي، له "شرح السنة" وكتاب في "السنن" وغيرها. توفي سنة 418.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 14/ 70 - 71. والمنتظم -لابن الجوزي- 8/ 34. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 1083 - 1085.
(2)
هو: أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، إمام في الفقه والأصول، ألف في ذلك الكتب الكثيرة كـ "الجامع الكبير"، ولد سنة 131، وتوفي سنة 189.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 2/ 172 - 182. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 4/ 184 - 185. ولسان الميزان -لابن حجر- 5/ 121، 122.
(3)
هو: النعمان بن ثابت التيمي، إمام أصحاب الرأي، وفقيه أهل العراق، وأحد الأئمة الأربعة، وإليه ينسب المذهب الحنفي، أريد على القضاء فامتنع ورعًا، فحبس إلى أن مات سنة 150 هـ رحمه الله وكانت ولادته سنة ثمانين.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 13/ 323 - 454. والانتقاء -لابن عبد البر - ص: 121 - 171. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 5/ 405 - 414.
(4)
راجع: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة -لأبي القاسم اللالكائي - 3/ 432 - 433.
(5)
في شرح أصول اعتقاد أهل السنة: جاء.
(6)
في شرح أصول اعتقاد أهل السنة: تغيير.
(7)
وسلم: ساقطة من: س.
الوجه التاسع:
فقد ذكر محمد بن الحسن الإجماع [على](1) وجوب الإفتاء في باب الصفات بما في الكتاب أو السنة دون قول جهم المتضمن للنفي، فمن قال: لا يتعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام، ولا يكتب بها إلى البلاد، ولا في الفتاوى المتعلقة بها، بل يعتقد ما ذكره من النفي فقد خالف هذا الإجماع، ومن أقل ما قيل فيهم قول الشافعي رضي الله عنه:"حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام"(2).
الوجه العاشر:
إن قول القائل: لا يتعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام، ولا يكتب بها إلى البلاد ولا في الفتاوى المتعلقة بها؛ إما أن يريد بذلك أنه لا تتلى هذه الآيات وهذه الأحاديث عند عوام المؤمنين، فهذا مما يعلم بطلانه بالاضطرار من دين المسلمين، بل هذا القول إذا (3) أخذ على إطلاقه فهو كفر صريح، فإن الأمة مجمعة على ما علموه (4) بالاضطرار من تلاوة هذه الآيات في الصلوات فرضها ونفلها، واستماع جميع المؤمنين لذلك، وكذلك تلاوتها وإقرائها (5) واستماعها خارج الصلاة هو من الدين الذي لا نزاع فيه بين المسلمين، وكذلك تبليغ الأحاديث في
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(2)
راجع: الانتقاء -لابن عبد البر- ص: 80.
(3)
في س، ط: أن.
(4)
في الأصل: عملوا. والمثبت من: س، ط. ولعله الصواب.
(5)
كذا في جميع النسخ، والرفع ظاهر في الإعراب.
الجملة هو مما اتفق عليه المسلمون، وهو معلوم بالاضطرار من دين المسلمين، إذ ما من طائفة من السلف والخلف إلّا ولا بد أن تروي عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من صفات الإثبات أو النفي، فإن الله يوصف بالإثبات وهو إثبات محامده بالثناء عليه وتمجيده، ويوصف بالنفي، وهو نفي العيوب والنقائص عنه سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا.
وإما أن يريد أنه لا يقال (1): حكمها كذا وكذا إما إقرار أو تأويل أو غير ذلك، فإن أراد هذا فينبغي لقائل ذلك أن يلتزم ما ألزم به غيره فلا ينطق في حكم هذه الآيات والأحاديث بشيء، ولا يقول: الظاهر مراد أو غير مراد، ولا التأويل سائغ، ولا هذه النصوص لها معان أخر [و](2) نحو ذلك، إذ هذا تعرض لآيات الصفات وأحاديثها على هذا التقدير، وإذا التزم هو ذلك وقال لغيره: التزم ما التزمته ولا تزد عليها ولا تنقص منها، فإن هذا عدل (3)، بخلاف ما إذا نهى غيره [(4) عن الكلام عليها مع تكلمه هو عليها كما هو الواقع.
وكذلك قوله: لا (5) يكتب بها إلى البلاد، ولا في الفتاوى المتعلقة [بها](6) إن أراد أنها أنفسها لا تكتب ولا يفتى بها، فهذا مما يعلم فساده بالاضطرار من دين الإسلام -كما تقدم، وإن أراد لا يكتب بحكمها، ولا يفتى المستفتي عن حكمها، فيقال له: فعليك -أيضًا- أن تلتزم
(1) في الأصل: أن يراد أن يقال.
وفي س: وإما أن يراد أنه لا يقال.
والمثبت من: ط. ولعله المناسب.
(2)
ما بين المعقوفتين: زيادة من: س، ط.
(3)
في الأصل، س: عدلًا. والمثبت من: ط. ولعله المناسب.
(4)
ما بين المعقوفتين ونهايتها في ص: 171 ت (1) ساقط من: س وهو ما يقارب الورقة من: الأصل.
(5)
في ط: ولا.
(6)
ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.
ذلك، ولا تفتي (1) أحدًا فيها بشيء من الأمور النافية، وحينئذ يكون أمرك لغيرك بمثل ما فعلته عدلًا، أما أن يجيء الرجل إلى هذه النصوص فيتصرف فيها بأنواع التحريفات والتأويلات جملة أو تفصيلًا، ويقول لأهل العلم والإيمان: أنتم لا تعارضوني (2) ولا تتكلموا (3) فيها، فهذا من أعظم الجهل والظلم والإلحاد في أسماء الله وآياته.
الوجه الحادي عشر:
إن سلف الأمة وأئمتها ما زالوا يتكلمون ويفتون ويحدثون العامة والخاصة بما في الكتاب والسنة من الصفات، وهذا في كتب التفسير والحديث والسنن أكثر من أن يحصيه إلّا الله، حتى إنه لما جمع الناس [العلم](4) وبوبوه في الكتب، فصنف ابن جريج (5) التفسير والسنن،
(1) في الأصل: يفتى. والمثبت من: ط.
(2)
في ط: لا تعارضون.
(3)
في ط: ولا تكلموا.
(4)
ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.
(5)
هو: أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، المحدث الحافظ الفقيه، أول من صنف الكتب بمكة، ولد سنة 80 وتوفي في بغداد سنة 150 هـ، من آثاره "السنن".
يقول عنه فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي- علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 167: "لم نعثر عليه بعد، وتوجد من أحاديثه مجموعة بتهذيب أبي عبد الله محمد بن مخلد بن حفص العطار (ت 331) بعنوان ما رواه الأكابر عن مالك بن أنس، ويحيى الأنصاري وابن جريج" خ.
ومن آثاره "التفسير"، يقول فؤاد سزكين -في نفس المرجع السابق-:"ويعتمد فيما يبدو على كتب تفسير: ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح، واقتبسه الطبري برواية القاسم بن الحسن الهمذاني (ت 272) عن الحسين بن داود المصيص (ت 226) عن حجاج بن محمد المصيص (ت 206). . . ".
راجع للترجمة: الطبقات الكبرى لابن سعد 5/ 491 - 492. والجرح =
وصنف معمر (1) -أيضًا- وصنف مالك بن أنس (2)، وصنف حماد بن سلمة، وهؤلاء من أقدم من صنف [في](3) العلم، فصنف حماد بن سلمة كتابه في الصفات (4)، كما صنف كتبه في سائر أبواب العلم، وقد قيل: إن مالكًا إنما صنف الموطأ تبعًا له، وقال: جمعت هذا خوفًا من الجهمية أن يضلوا الناس لما ابتدعت الجهمية النفي والتعطيل، [وكذلك كان يجمعها ويحدث بها غير واحد من أئمة السلف لما ابتدعت الجهمية
= والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 2 / 356 - 358. وتاريخ بغداد- للبغدادي - 10/ 400 - 407. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 6/ 402 - 406. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 1/ 437.
(1)
هو: أبو عروة معمر بن راشد بن أبي عمرو الأزدي الفقيه الحافظ، عالم اليمن، ولد بالبصرة سنة 95 هـ، واشتهر فيها، وسكن اليمن، وهو أول من صنف فيها، توفي سنة 153 هـ. من آثاره "الجامع".
يقول عنه فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي- التدوين التاريخي 1/ 2 / 93: "هو كتاب في الحديث مرتب وفق الموضوعات غير مبوب على أبواب الفقه الأساسية. . . وقد روى هذا الكتاب تلميذه عبد الرزاق، فأضاف إليه أحاديث أخرى وجعل الكتاب ملحقًا بكتابه "المصنف".
ومن آثاره -أيضًا- "التفسير"، وهو كما يقول فؤاد سزكين -في نفس المصدر السابق- "وصل إلينا بتهذيب عبد الرزاق. . . ".
راجع للترجمة: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 5/ 546. وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 190. والجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 1 / 255 - 257.
وانظر معمر بن راشد الصنعاني: مصادره، ومنهجه، وأثره في رواية الحديث - للدكتور محمد رأفت سعيد.
(2)
تقدمت ترجمته، وذكر بعض مصنفاته ص:133.
(3)
ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.
(4)
يقول الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/ 203: "إنه أول من صنف التصانيف مع ابن أبي عروبة". ولم أقف على كتاب له بهذا الاسم فيما وقع تحت يدي من مصادر ولعله ضمن كتاب "السنن" المتقدم ذكره في ترجمة حماد ص: 147، والمعروف أنه كان شديدًا على أهل البدع.
النفي والتعطيل] (1) حتى إنه لما صنفت الكتب الجامعة صنف العلماء فيها، كما صنف نعيم بن حماد الخزاعي (2) شيخ البخاري كتابه في الصفات (3) والرد على الجهمية، وصنف عبد الله بن محمد الجعفي (4)، شيخ البخاري كتابه في الصفات والرد على الجهمية، وصنف عثمان بن سعيد الدارمي (5) كتابه في الصفات والرد على الجهمية، وكتابه في
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من: ط.
(2)
هو: أبو عبد الله نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي الإمام العلامة الفرضي، صاحب التصانيف، كان شديد الرد على الجهمية وأهل الأهواء، له "المسند"، ويقال: إنه أول من جمعه وصنفه، ويذكر أنه وضع ثلاثة عشر كتابًا في الرد على الجهمية، توفي محبوسًا لامتناعه من القول بخلق القرآن سنة 228 هـ ببغداد في خلافة المعتصم.
راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 7/ 519. الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 8/ 463 - 464. تاريخ بغداد -للبغدادي- 13/ 306 - 314. سير أعلام النبلاء -للذهبي- 10/ 595 - 612. هدية العارفين -للبغدادي- 2/ 497.
تاريخ التراث العربي -لسزكين- علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 196 - 197.
(3)
لعله أحد الكتب الثلاثة عشر المشار إليها في ترجمة نعيم بن حماد.
(4)
هو: أبو جعفر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن اليمان الجعفي البخاري المعروف بـ "المسندي" لكثرة اعتنائه بالأحاديث المسندة، أو لأنه أول من جمع "مسند الصحابة" فيما وراء النهر، توفي سنة 229 ولم تشر المصادر -التي رجعت إليها في ترجمته- إلى مصنفات له سوى "المسند".
يقول فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي- علوم القرآن والحديث - 1/ 1 / 149: ". . . ولم يصل إلينا أي كتاب لعبد الله بن محمد المسندي. . . ".
راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 5/ 162. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 64 - 65. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 10/ 658 - 660.
وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 6/ 9. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 67.
والأعلام -للزركلي- 4/ 260. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 6/ 127.
(5)
هو: أبو سعيد عثمان بن سعيد بن خالد الدارمي السجستاني محدث هرات. قال الذهبي: "كان عثمان الدارمي جذعًا في أعين المبتدعة، وهو الذي قام على =
النقض على المريسي (1)، وصنف الإمام أحمد (2) رسالته في إثبات الصفات والرد على الجهمية (3)، وأملى في أبواب ذلك حتى جمع كلامه
= محمد بن كرّام وطرده من هراة، فيما قيل". توفي سنة 280 هـ.
راجع: الجرح والثعديل -لابن أبي حاتم- 3/ 153 (ت 837). وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 221. وسير أعلام النبلاء- للذهبي- 13/ 319 - 326.
(1)
كتابه "الرد على الجهمية"- ط- بتحقيق زهير الشاويش، وكذا كتابه "النقض على بشر المريسي"- ط- بتصحيح وتعليق محمد حامد الفقي، وقد سماه: رد الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد.
والكتابان أثنى عليهما الكثير من أئمة السلف رحمهم الله.
يقول ابن القيم -في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية- ص: 143، "وكتاباه:"النقض على بشر المريسي"، و"الرد على الجهمية" من أجل الكتب المصنفة في السنة وأنفعها، وينبغي لكل طالب سنة مراده الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يوصي بهما أشد الوصية، ويعظمهما جدًّا، وفيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما".
أقول: وذكر شيخ الإسلام رحمه الله لهما هنا يدل على عظمهما، ونقل منهما في ثنايا هذه الرسالة أثناء مناقشته لبعض الطوائف التي ضلت في باب الأسماء والصفات، كما سيأتي.
(2)
تقدمت ترجمته ص: 134.
(3)
لعله كتاب "الرد على الجهمية والزنادقة- ط- وقد نشر بتحقيق محمد حامد الفقي- القاهرة سنة 1374 هـ - ضمن مجموع شذرات البلاتين من طيبات كلمات سلفنا الصالحين، كما نشر أيضًا بتحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة- الرياض سنة 1397 هـ.
وهذا الكتاب رد فيه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله على الجهمية القائلين بخلق القرآن ويجادلون في رؤية الله ويشككون في أفعال العباد.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه "اجتماع الجيوش الإسلامية" ص: 131، أن القاضي أبا الحسين بن القاضي أبي يعلى قال: "قرأت في كتاب أبي جعفر محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل قال: قرأت على أبي =
أبو بكر الخلال (1) في كتاب السنة (2)، وصنف عبد العزيز الكناني (3)
= صالح بن أحمد هذا الكتاب فقال: هذا كتاب عمله أبي في مجلسه ردًّا على من احتج بظاهر القرآن-، وترك ما فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يلزم اتباعه".
(1)
هو: أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الحنبلي المشهور بالخلال، الفقيه العلامة المحدث، مؤلف علم أحمد بن حنبل وجامعه ومرتبه، صنف كتاب "السنة وألفاظ أحمد والدليل على ذلك من الأحاديث" في ثلاث مجلدات، وصنف الجامع لعلوم الإمام أحمد في الفقه الحنبلي، وهو كبير جدًّا، قيل: لم يصنف في مذهبه مثله. ولد سنة 234 وتوفي سنة 311 هـ.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 5/ 112 - 113. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 785 - 786. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 12 - 15. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 1/ 576. والأعلام -للزركلي- 1/ 196. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 2/ 166.
(2)
يقول الشيخ رحمه الله عن هذا الكتاب في مجموع الفتاوى 12/ 238: "جمع فيه كلام الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة في أبواب الاعتقاد".
ويقول ابن القيم رحمه الله في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية ص: 124 - 125. ". . . وقد ذكر هذا الكتاب كله -كتاب الرد على الجهمية- أبو بكر الخلال في كتاب السنة، الذي جمع فيه نصوص أحمد وكلامه، وعلى منواله جمع البيهقي في كتابه الذي سماه "جامع النصوص من كلام الشافعي" وهما كتابان جليلان لا يستغني عنهما عالم".
فهذا الكتاب من أهم الكتب المصنفة في عقيدة أهل السنة والجماعة، وهو مخطوط -المتحف البريطاني، والملحق 168، مخطوطات شرقية 2675 باسم المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل، رواية أبي بكر أحمد بن محمد الخلال الموجود منه سبعة أجزاء، حقق الثلاثة الأولى منها د. عطية عتيق الزهراني للحصول على درجة الدكتوراه في العقيدة من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وعنون لها بـ "تحقيق ودراسة الثلاثة الأجزاء الأولى من كتاب السنة".
وشيخ الإسلام رحمه الله ينقل منه كثيرًا في كتبه، ومنها الكتاب الذي بين أيدينا، كما سيتضح للقارئ في الصفحات القادمة.
وعن الكتاب ومخطوطاته يراجع تاريخ التراث العربي لسزكين- الفقه 1/ 3 / 233 - 234.
(3)
هو: أبو الحسن عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن مسلم الكناني المكي =
صاحب الشافعي كتابه في الرد على الجهمية (1)، وصنف كتب السنة في الصفات طوائف مثل: عبد الله بن أحمد (2)، وحنبل (3) بن إسحاق (4)،
= الشافعي، قدم بغداد في أيام المأمون، فجرت بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن، صاحب تصانيف منها كتاب "الحيدة والاعتذار في رد من قال بخلق القرآن"، توفي سنة 240 هـ.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 449 - 450. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 6/ 363 - 364. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 95. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 6/ 694. والأعلام -للزركلي- 4/ 154، 155. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 5/ 263.
(1)
لعله كتاب "الحيدة"- ط- وقد نشر بتحقيق الدكتور جميل صليبا. والكتاب مناظرة عبد العزيز الكناني لبشر المريسي في مسألة خلق القرآن بين يدي المأمون.
(2)
هو: الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني البغدادي، كان إمامًا خبيرًا بالحديث وعلله مقدمًا فيه، وكان من أروى الناس عن أبيه، سمع منه "المسند" و"التفسير" و"الناسخ والمنسوخ" وغيرها من المصنفات. ولد سنة 213 هـ، وتوفي سنة 290 هـ.
له تصانيف منها "كتاب السنة" وهو كتاب مطبوع كانت طبعته الأولى عام 1349 هـ بالقاهرة، ثم طبع سنة 1405 هـ بتحقيق محمد السعيد زغلول في مجلد، وفي عام 1406 هـ طغ بتحقيق ودراسة الدكتور محمد بن سعيد القحطاني في مجلدين، وذكر في مقدمة الكتاب 1/ 15، أن الكتاب لأول مرة يخرج كاملًا.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 9/ 375 - 376.
وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 180 - 188. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 5/ 141 - 143. والمنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد للعليمي 1/ 294 - 298. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 956. وهدية العارفين -للبغدادي- 1/ 442. والأعلام -للزركلي- 4/ 189. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- 1/ 3 / 232.
(3)
في الأصل: بن حنبل. وهو خطأ. والمثبت من: ط.
(4)
هو: أبو علي حنبل بن إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني ابن عم الإمام =
وأبي بكر الأثرم (1)، وخشيش بن أصرم (2)، شيخ أبي داود (3)، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة (4)، وأبي بكر بن أبي
= أحمد وتلميذه، كان ثقة ومن حفاظ الحديث، له مصنفات منها "التاريخ".
يقول فؤاد سزكين: "يبدو أنه ضاع مع الزمن".
و"الفتن"- خ، و"محنة ابن حنبل" خ. ولد سنة 193 هـ وتوفي بواسط سنة 273 هـ.
راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 1/ 2 / 320. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 143 - 145. وتذكرة الحفاظ- للذهبي 2/ 600 - 601. والأعلام -للزركلي- 321. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 4/ 86. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- المجلد الأول -الجزء الثالث- الفقه ص: 230 - 231.
(1)
هو: أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الإسكافي الأثرم، صاحب الإمام أحمد بن حنبل، ويعد من الثقات، له كتاب في علل الحديث، وله "السنن" وهو كتاب نفيس كما يقول الذهبي، توفي سنة 261 هـ.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 5/ 110 - 112. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 66 - 74. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 570 - 572. والأعلام -للزركلي- 1/ 194.
(2)
هو: أبو عاصم خشيش بن أصرم بن الأسود النسائي الحافظ الحجة، حدث عنه أبو داود والنسائي وغيرهما. له "كتاب الاستقامة" في الرد على أهل البدع، مات بمصر سنة 253 هـ.
راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 551. وتهذيب التهذيب -لابن حجر - 3/ 142. وإيضاح المكنون لإسماعيل باشا- 2/ 266. والأعلام -للزركلي - 2/ 353. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 4/ 99 - 100.
(3)
تقدمت ترجمته ص: 130
(4)
هو: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السليمي النيسابوري الحافظ الكبير، كان من رواته البخاري ومسلم خارج صحيحيهما ولد سنة 223 وتوفي بنيسابور سنة 311 هـ. له كتاب "التوحيد وإثبات صفات الرب"- طبع لأول مرة سنة 1353 هـ ثم أعيدت طباعته سنة 1388 هـ بتعليق ومراجعة محمد خليل هراس في مجلد، ثم قام الدكتور عبد العزيز الشهوان بدراسة الكتاب وتحقيقه تحقيقًا علميًّا للحصول على درجة الدكتوراه- قسم =
عاصم (1)، والحكم بن معبد الخزاعي (2)، وأبي بكر الخلال (3)، وأبي القاسم الطبراني (4)، وأبي الشيخ الأصبهاني (5)، وأبي أحمد
= العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بالرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وطبع سنة 1408 هـ في مجلدين.
راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 3/ 2 / 196. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 720 - 731. وطبقات الشافعية -للسبكي- 3/ 109 - 119.
وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 262 - 263.
(1)
هو: أبو بكر أحمد بن عمرو بن النبيل أبي عاصم الضحاك الشيباني الحافظ الكبير قاضي أصبهان له تصانيف نافعة منها "المسند" وكتاب "السنة" في أحاديث الصفات- ط- ولد سنة 206 وتوفي سنة 287 هـ.
راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 640 - 641. والبداية والنهاية -لابن كثير- 11/ 95. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1425. وشذرات الذهب -لابن العماد 2/ 195. والأعلام -للزركلي- 1/ 181 - 182.
(2)
هو: أبو عبد الله الحكم بن معبد بن أحمد بن عبيد الخزاعي الحنفي، الفقيه المحدث من أهل أصبهان له كتاب "السنة". توفي سنة 295 هـ.
راجع: كشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1425. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 218. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 4/ 71.
(3)
تقدمت ترجمته وذكر بعض مصنفاته ص: 162.
(4)
تقدمت ترجمته وذكر بعض مصنفاته ص: 143.
(5)
هو: أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري الأصبهاني أحد حفاظ الحديث وصاحب المصنفات في الأحكام والتفسير، يعرف بأبي الشيخ صنف "التاريخ" على السنن، وكتاب "الثواب" و"عظمة الله ومخلوقاته" و"السنة" وغيرها. ولد سنة 274 وتوفي سنة 369 هـ.
راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 945 - 947. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1406 - 1407. وهدية العارفين -للبغدادي- 1/ 447. والأعلام للزركلي 4/ 264. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 6/ 114.
العسال (1)، وأبي بكر الآجري (2)، وأبي الحسن الدارقطني (3)، كتاب الصفات، وكتاب الرؤية، وأبي عبد الله بن منده (4)، وأبي عبد الله بن
(1) هو: أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان الأصبهاني المعروف بالعسال أحد الأئمة في علم الحديث، وصاحب التصانيف. له كتاب "المعرفة" في السنة و "الرؤية" و"العظمة" و"المسند" على الأبواب وغيرها. ولي القضاء بأصبهان. ولد سنة 269. وتوفي سنة 349 هـ.
راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 886 - 888. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 380 - 381. وهداية العارفين -للبغدادي- 2/ 43. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 8/ 226.
(2)
هو: أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري البغدادي الإمام المحدث الفقيه الشافعي. له تصانيف كثيرة منها كتاب "الشريعة" في السنة، وكتاب "الأربعين حديثًا" و"التصديق بالنظر إلى الله في الآخرة وما أعده الله لأوليائه".
جاور بمكة وتوفي بها سنة 360 هـ.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 2/ 243. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 4/ 292. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 936. وطبقات الشافعية -للسبكي- 3/ 149. وتاريخ التراث العربي -لفؤاد سزكين- المجلد الأول الجزء الأول علوم القرآن والحديث ص: 389 - 392.
(3)
هو: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الدارقطني، الحافظ الشهير وصاحب السنن، قام برحلات علمية كثيرة تلقى أثناءها العلم على أكبر العلماء المشهورين في عصره، صنف إضافة إلى السنن كتبًا كثيرة منها كتاب "الصفات" وكتاب فيه ما ورد من النصوص الواردة في كتاب الله والأحاديث المتعلقة برؤية الباري. وفي بغداد سنة 385 هـ.
ولمعرفة الكثير عن هذه الكتب وغيرها لهذا الإمام وأماكن وجودها يراجع: تاريخ التراث العربي -لسزكين- علوم القرآن والحديث- 1/ 1 / 418 - 424.
يراجع للترجمة: تاريخ بغداد -للبغدادي- 12/ 34 - 40. وفيات الأعيان -لابن خلكان- 3/ 297 - 299. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 991 - 995.
وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 116 - 117.
(4)
هو: هو أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده العبدي، من كبار الحفاظ الراحلين في طلبه، وأحد الثقات، صنف العديد من الكتب منها =
بطة (1)، وأبي القاسم اللالكائي (2)، وأبي عمر الطلمنكي (3)، وغيرهم، وأيضًا فقد جمع العلماء من أهل الحديث والفقه والكلام والتصوف هذه الآيات والأحاديث، وتكلموا في إثبات معانيها، وتقرير صفات الله التي دلت عليها هذه النصوص، لما ابتدع (4) الجهمية جحد ذلك والتكذيب
= "الرد على الجهمية" و "التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد" وغيرها. ولد سنة 31 هـ، وتوفي سنة 395 هـ.
راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 167. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 1031 - 1037. ولسان الميزان -لابن حجر- 5/ 70 - 72.
والأعلام -للزركلي- 6/ 253.
(1)
هو: أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري المعروف بابن بطة، عالم بالحديث، فقيه من كبار الحنابلة، له مصنفات كثيرة منها: كتاب "الإبانة الكبرى" ويختص هذا الكتاب بمناقشة المذاهب الكلامية فيما خالفت فيه مذهب السلف، وكتاب "الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة ومجانبة المخالفين ومباينة أهل الأهواء المارقين" ويسمى "الإبانة الصغرى"، وكتاب "السنن" إلى غير ذلك من المصنفات.
ولد سنة 304 هـ، وتوفي سنة 387 هـ.
راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 144 - 153. والبداية والنهاية -لابن كثير- 11/ 360. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 122 - 123.
وهدية العارفين -للبغدادي- 1/ 647. والأعلام -للزركلي- 4/ 354.
(2)
تقدمت ترجمته وذكر بعض مصنفاته ص: 155.
(3)
هو: أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الله بن لب بن يحيى المعافري الأندلسي الطلمنكي الحافظ الإمام المقرئ، عالم أهل قرطبة، كان سيفًا على أهل الأهواء والبدع قامعًا لهم، صنف كتبًا كثيرة في السنة يلوح فيها فضله وحفظه وإمامته واتباعه للأثر مثل كتاب "الدليل إلى معرفة الجليل" وكتاب "السنة" و"رسالة في أصول الديانات" وغيرها. ولد سنة 339 هـ وتوفي سنة 429 هـ.
راجع: سير أعلام النبلاء -للذهبي- 17/ 566 - 569. وطبقات المفسرين -للداودي- 1/ 79 - 80. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 243 - 244. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 2/ 123.
(4)
في ط: ابتدعت.
له، كما فعل عبد العزيز الكناني (1)، وأحمد بن حنبل (2)، وإسحاق بن راهوية (3)، وكما فعل عثمان بن سعيد الدارمي (4)، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة (5)، وأبو عبد الله بن حامد (6)، والقاضي أبو يعلى (7)، وكما فعل أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب (8)، وأبو
(1) تقدمت ترجمته ص: 162.
(2)
تقدمت ترجمته ص: 134.
(3)
تقدمت ترجمته ص: 137.
(4)
تقدمت ترجمته ص: 161.
(5)
تقدمت ترجمته ص: 165.
(6)
هو: أبو عبد الله الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي الوراق، إمام الحنابلة في زمانه ومدرسهم ومفتيهم. له المصنفات في العلوم المختلفات كـ "الجامع" في المذهب و"شرح أصول الدين" وغيرها، توفي سنة 403 هـ.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 7/ 303 - 304. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 171 - 177. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 17/ 203. والوافي بالوفيات -للصفدي- 11/ 415.
(7)
هو: أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء، عالم عصره في الأصول والفروع وأنواع الفنون من أهل بغداد، ارتفعت مكانته عند القادر والقائم العباسيين. له تصانيف كثيرة منها "الإيمان" و"أربع مقدمات في أصول الديانات" و"إبطال التأويلات لأخبار الصفات" و"الرد على الأشعرية" و"الرد على الكرامية"، و"الرد على الباطنية"، و"الرد على المجسمة"، وغيرها، ولد سنة 380 هـ، وتوفي سنة 458 هـ.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 2/ 256 - 257. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 193 - 230. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 206 - 207. والمنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد- للعليمي 2/ 128 - 142.
(8)
هو: أبو محمد عبد الله بن سعيد بن محمد بن كلاب القطان البصري، رأس المتكلمين بالبصرة في زمانه، صاحب التصانيف في الرد على المعتزلة وربما وافقهم، وأصحابه هم "الكلابية" يقول الذهبي: والرجل أقرب المتكلمين إلى السنة. توفي 240.
يقول فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي- العقائد والتصوف 1/ 4 / 29: =
الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (1)، وأبو الحسن علي بن مهدي الطبري (2)، والقاضي أبو بكر الباقلاني (3).
= "يبدو أن جميع كتبه قد ضاعت غير أننا نجد بقايا منها في مقالات الأشعري. . . ".
راجع: سير أعلام النبلاء -للذهبي- 11/ 174 - 176. ولسان الميزان -لابن حجر- 3/ 290 - 291. وطبقات الشافعية -للسبكي- 20/ 299 - 300. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 6/ 59.
(1)
هو: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل الأشعري.
كان معتزليًّا ثم رجع، وإليه تنسب الطائفة "الأشعرية" له مصنفات كثيرة منها "اللمع" و"الإبانة" و"مقالات الإسلاميين" وغيرها مما رد فيه على الملاحدة وغيرهم من المعتزلة والرافضة والجهمية والخوارج وسائر أصناف المبتدعة، ولد سنة 260، وتوفي سنة 324 هـ، على اختلاف في ذلك.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 11/ 346 - 347. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 3/ 284 - 286. وطبقات الشافعية -للسبكي- 3/ 347 - 424.
والبداية والنهاية -لابن كثير- 11/ 210.
(2)
هو: أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري الأشعري، صحب أبا الحسن الأشعري بالبصرة وأخذ عنه، صنف التصانيف، وتبحر في علم الكلام. له كتاب "تأويل الأحاديث المشكلات الواردة في الصفات".
يقول فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي -المجلد الأول- الجزء الرابع -العقائد- ص: 45: ". . وله تأويل الآيات المشكلة الموضحة وبيانها بالحجة والبرهان".
توفي في حدود سنة 380 هـ.
راجع: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 195 - 196. وطبقات الشافعية -للسبكي- 3/ 466 - 468. وطبقات المفسرين -للداودي- 1/ 436 - 437. والوافي بالوفيات -للصفدي- 22/ 143. ومعجم المؤلفين -لكحالة - 7/ 234.
(3)
هو: القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد الباقلاني من كبار علماء الكلام، انتهت إليه الرئاسة في مذهب الأشاعرة. له مصنفات منها:"التمهيد في الرد على الملحدة المعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة"، وكتاب "الإبانة =
الوجه الثاني عشر:
إن الله تعالى بعث رسوله بالهدى ودين الحق، وأكمل له ولأمته الدين، وأتم عليهم (1) النعمة وترك أمته على البيضاء ليلها كنهارها (2)، وبين لهم جميع ما يحتاجون إليه، وكان أعظم ما يحتاجون إليه تعريفهم ربهم بما يستحقه من أسمائه الحسنى وصفاته العلى (3) و [ما](4) يجوز
= عن إبطال مذهب أهل الكفر والديانة" وغيرها كثير، ولد بالبصرة سنة 338 هـ، وسكن بغداد وتوفي بها سنة 403 هـ.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 5/ 379 - 383. وتبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 217 - 226. والبداية والنهاية -لابن كثير- 11/ 390 - 391. وتاريخ التراث العربي -لفؤاد سزكين- المجلد الأول- الجزء الرابع - العقائد- ص: 47 - 51.
(1)
في الأصل: عليه. والمثبت من: ط. ولعله المناسب.
(2)
كما جاء في الحديث الذي رواه ابن ماجة عن العرباض بن سارية قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها الدِون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال: "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلّا هالك". . الحديث.
المقدمة -باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين 1/ 16 الحديث / 43.
ورواه الإمام أحمد في مسنده بهذا اللفظ 4/ 126.
قال الألباني: الحديث أخرجه الحاكم من طريقين، وذكرهما، ثم قال: وسنده صحيح.
انظر: السنة لابن أبي عاصم ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة للألباني 1/ 19، 20.
وقد شرح هذا الحديث ابن رجب رحمه الله في كتابه "جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم" ص: 225 - 236.
(3)
في ط: العليا.
(4)
ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.
عليه ويثبت له، ويحمد ويثنى به عليه ويمجد به، وما يمتنع عليه فينزه عنه ويقدس] (1).
ثم حدث بعد المائة الأولى الجهم بن صفوان (2) وأتباعه، الذين عطلوا حقيقة أسمائه الحسنى وصفاته العلى (3)، وسلكوا مسلك إخوانهم المعطلة الجاحدين للصانع، وصار أغلب ما يصفون به الرب هو الصفات السلبية العدمية، ولا يقرون إلّا بوجود مجمل، ثم يقرنونه بسلب ينفي الوجود.
ومن أبلغ العلوم الضرورية أن الطريقة التي بعث الله بها أنبياءه ورسله، وأنزل بها كتابه مشتملة على الإثبات المفصل والنفي المجمل، كما يقرر ذلك (4) في كتابه: علمه وقدرته وسمعه وبصره ومشيئته ورحمته وغير ذلك، ويقول في النفي:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (5)، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ
(1) ما بين المعقوفتين بدايتها ص: 157 ت (4): ساقط من: س.
(2)
هو: أبو محرز الجهم بن صفوان السمرقندي، من موالي بني راسب رأس الجهمية الضال المبتدع، قتل سنة 128 هـ على يد مسلم بن أحوز المازني بمرو في آخر ملك بني أمية، وقد زرع شرًّا عظيمًا، فكان يفول:"إن القرآن مخلوق، وإنه لا يقال: إن الله لم يزل عالمًا بالأشياء قبل أن تكون، وإنه لا يوصف بالصفات التي يتصف بها المخلوق، لأن ذلك يقتضي التشبيه، إلى غير ذلك من الضلالات المنكرة".
راجع: مقالات الإسلاميين -للأشعري- 1/ 338. والملل والنحل - للشهرستاني 1/ 86. وميزان الاعتدال -للذهبي- 12/ 426. ولسان الميزان -لابن حجر- 2/ 142.
وانظر: ما ذكرته عن الجهمية ص: 119.
(3)
في ط: العليا.
(4)
ذلك: ساقطة من: س، ط.
(5)
سورة الشورى، الآية:11.
سَمِيًّا} (1)، {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (2) وعلى هذا أهل العلم والإيمان أتباع المرسلين من الأولين والآخرين.
وأما طريقة هؤلاء فهي نفي مفصل ليس بكذا ولا كذا (3)، وإثبات مجمل، يقولون: هو الوجود المطلق لا يوصف إلّا بسلب أو إضافة أو مركب منها ونحو ذلك، وكل من علم ما جاءت به الرسل، وما يقوله هؤلاء، علم أن هؤلاء في غاية المشاقة والمحادة والمحاربة لله ورسوله (4)، وانتدب هؤلاء في تقرير شبه (5) عقلية ينفون بها الحق، وتأولوا كتاب الله على غير تأويله، فحرفوا الكلم عن مواضعه، وألحدوا في أسماء الله وآياته بحيث حملوها على ما يعلم بالاضطرار أنه خلاف مراد الله ورسوله؛ كما فعل إخوانهم القرامطة (6). . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) سورة مريم، الآية:65.
(2)
سورة الإخلاص، الآيتان: 3، 4.
(3)
ولا كذا: ساقطة من: س، ط.
(4)
في س، ط: ورسله.
(5)
في الأصل: بشبه. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب.
(6)
القرامطة: من الباطنية ولقبوا بذلك نسبة إلى رجل من دعاتهم يقال له: حمدان بن قرمط، ويعود في أصله إلى خوزستان -الأهواز- أظهر التقشف والزهد في أول عهده فاستمال إليه بعض الناس فسموا "قرامطة" وهؤلاء قوم تبعوا طريق الملحدين، وجحدوا الشرائع، وظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر، ومفتتحه حصر مدارك العلوم في قول الإمام المعصوم، وعزل العقول أن تكون مدركة للحق لما يعترضها من الشبهات، والمعصوم يطلع من جهة الله على جميع أسرار الشرائع، ولا بد في كل زمان من إمام معصوم يرجع إليه.
إضافة إلى أقوالهم الباطلة وآرائهم الشنيعة في الإله والنبوة، والقيامة والتكاليف الشرعية، والتي يتضح من خلالها أنها فرقة ملحدة ضالة، وحركة باطنية هدامة.
راجع تفاصيل أخبارهم وعقيدتهم وأهدافهم: فضائح الباطنية -للغزالي - ص: 12 فما بعدها. القرامطة -لابن الجوزي (وهو فصل مطول عن القرامطة =
والباطنية (1) وجحدوا الحقائق العقلية، كما فعل إخوانهم السوفسطائية (2) فجمعوا بين السفسطة في العقليات، والقرمطة في
= في المنتظم 5/ 110 - 119. قام بتحقيقه محمد الصباغ وإفراده بكتاب مستقل) - ص: 29 - 72. الكامل لابن الأثير- 7/ 493. فما بعدها. 8/ 143 البداية والنهاية -لابن كثير 11/ 91، 180. القرامطة- لمحمود شاكر- ص: 5 فما بعدها.
(1)
الباطنية: جماعة ترى أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن، تجري مجرى اللب من القشر، وأنها توهم الأغبياء صورًا، وتفهم الفطناء رموزًا وإشارات إلى حقائق خفية، وأن من تقاعد عن الغوص على الخفايا والبواطن متعثر، ومن ارتقى إلى علم الباطن انحط عنه التكليف واستراح من أعبائه، ويزعمون أنهم أصحاب التعاليم، والمخصوصون بالاقتباس من الإمام المعصوم.
وقد أسس دعوة الباطنية جماعة منهم: ميمون بن ديصان المعروف بالقداح، ومحمد بن حسين الملقب بدندان. ولمعرفة الكثير عن هذه الفرقة، وبيان ضلالها وعظم خطرها يراجع: الفرق بين الفرق -لعبد القاهر- ص: 281 - 312.
التبصير في الدين -للإسفراييني- ص: 140 - 147. فضائح الباطنية -للغزالي - ص: 11 فما بعدها. القرامطة -لابن الجوزي (وهو فصل مطول عن القرامطة في المنتظم 5/ 110 - 119 قام بتحقيقه محمد الصباغ- وإفراده بكتاب مستقل) - ص: 36 - 72.
(2)
في الأصل: س: السوفسطائية. والمثبت من: ط.
السوفسطائية: هم قوم كانوا قبل دولة الإسلام في القرن الخامس قبل الميلاد، يقولون بنفي الحقائق. وقد قسم ابن تيمية السفسطة إلى أربعة أنواع:
الأول: السوفسطائية المتجاهلة اللا أدرية الذين يقولون: لا نعلم هل الحقائق ثابتة أو منتفية، وهل يمكن العلم أو لا يمكن؟.
الثاني: قول أهل التكذيب والجحود والنفي الذين يجزمون بنفي الحقائق والعلم بها.
الثالث: الذين يجعلون الحقائق تتبع العقائد، فمن اعتقد ثبوت الشيء كان في حقه ثابتًا ومن نفاه كان في حقه منتفيًا، ولا يجعلون للحقائق أمرًا هي عليه في أنفسها.
الرابع: قول من يقول: الحقائق موجودة لكن لا سبيل إلى العلم بها، إما لكون العالم في السيلان فلا يمكن العلم بحقيقته، وإما لغير ذلك.
السمعيات (1)، فلهذا انتدب سلف الأمة وأئمتها وغيرهم للرد عليهم وتقرير ما أثبته الله ورسوله ورد تكذيبهم وتعطيلهم، وذكروا دلائل الكتاب والسنة على بيان الحق ورد باطلهم، ولما احتج أولئك بشبه عقلية بينوا لهم -أيضًا- (2) أن العقل يدل على فساد قولهم، وصحة ما جاءت به الرسل كما قال تعالى:{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} (3)، وإذا (4) كان الأمر كذلك، فمن نهى عن بيان ما بعث الله به رسوله من الإثبات، وأمر بما أحدث من النفي الذي لا يؤثر عن الرسل، كان قد أخذ من مشاقة الله ورسوله ومحادة الله ورسوله، ومحاربة الله ورسوله، بحسب ما سعى فيه من ذلك، حيث أمر بترك ما بعث به الرسول، وبإظهار ما يشتمل على مخالفته.
= وهذا الاسم -أعني السوفسطائية- اسم المهنة التي بها يقدر الإنسان على المغالطة والتمويه والتلبيس بالقول والإيهام، وهو مركب في اليونانية من "سوفيا" وهي الحكمة، من "أسطس" وهي المموهة، فمعناها الحكمة المموهة.
راجع: التبصير في الدين -للإسفراييني- ص: 149. والصفدية -لشيخ الإسلام ابن تيمية- 1/ 97 - 98 ت (2) نفس الصفحة. وص 170 - 171 من هذا الكتاب. والتعريفات -للجرجاني- ص: 118 - باب السين. وتاريخ الفلسفة اليونانية -ليوسف كرم- ص: 57.
(1)
كثيرًا ما يشير الشيخ رحمه الله إلى هذه العبارة في كتبه. راجع مثلًا: السبعينية ص: 7.
ودرء تعارض العقل والنقل- 2/ 15 وكلاهما لابن تيمية، أي: يفعلون فعل القرامطة، فيجعلون للنص ظاهرًا وباطنًا كي يتفق مع مذهبهم الباطل.
(2)
في س، ط: أيضًا لهم.
(3)
سورة سبأ، الآية:6.
(4)
في س، ط: وإن.
الوجه الثالث عشر (1):
إن الناس عليهم أن يجعلوا كلام الله ورسوله، هو الأصل المتبع، والإمام المقتدى به، سواء علموا معناه أو لم (2) يعلموه، فيؤمنون بلفظ النصوص ولو لم (3) يعرفوا حقيقة معناها، وأما ما سوى كلام الله ورسوله، فلا يجوز أن يجعل أصلًا بحال، ولا يجب التصديق بلفظ له حتى يفهم معناه، فإن كان معناه موافقًا له، جاء به الرسول كان مقبولًا، وإن كان مخالفًا كان مردودًا، وإن كان مجملًا مشتملًا على حق وباطل لم يجز إثباته -أيضًا- ولا يجوز نفي جميع معانيه، بل يجب المنع من إطلاق نفيه وإثباته أو (4) التفصيل والاستفسار.
وهؤلاء جعلوا هذه الألفاظ المبتدعة المجملة أصلًا أمروا بها، وجعلوا ما جاء به الرسول من الآيات والأحاديث فرعًا يعرض عنها ولا يتكلم بها ولا فيها، فكيف يكون تبديل الدين إلّا هكذا؟
الوجه الرابع عشر:
ليس لأحد من الناس أن يلزم الناس ويوجب عليهم إلّا ما أوجبه الله ورسوله، ولا يحظر عليهم إلّا ما حظره الله ورسوله، فمن أوجب ما لم يوجبه الله ورسوله، وحرم ما لم يحرمه الله ورسوله، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، وهو مضاه لمن ذمه الله في كتابه من حال المشركين وأهل الكتاب الذين اتخذوا دينًا لم يأمرهم الله به، وحرموا ما لم
(1) في س: الوجه الثاني عشر. وهو خطأ.
(2)
في س: ولم. وهو خطأ.
(3)
في س، ط: وإن لم.
(4)
في س، ط: والتفصيل.
يحرمه (1) الله عليهم، وقد بين ذلك في سورة الأنعام والأعراف وبراءة وغيرهن من السور، ولهذا كان من شعار (2) أهل البدع إحداث (3) قول أو فعل، وإلزام الناس به وإكراههم عليه أو (4) الموالاة عليه والمعاداة على تركه، كما ابتدعت الخوارج (5) رأيها وألزمت الناس به، ووالت وعادت عليه، وابتدعت الرافضة رأيها وألزمت الناس به ووالت وعادت عليه، وابتدعت الجهمية رأيها وألزمت الناس به ووالت وعادت عليه، لما كانت (6) لهم قوة في دولة الخلفاء الثلاثة الذين امتحن في زمانهم الأئمة
(1) في ط: يحرموا. وهو تصحيف.
(2)
في الأصل: إشعار. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب.
(3)
في الأصل: من إحداث. والكلام يستقيم بما أثبته من: س، ط.
(4)
في ط:. . والموالاة.
(5)
الخوارج: اسم يطلق على كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان، والأئمة في كل زمان.
لكن صار هذا الاسم علمًا على أول من خرج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حرب صفين، وهم عشرون فرقة يجمعها القول بتكفير علي وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين وكل من رضي بالحكمين، وبتكفير من اقترف ذنبًا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر في الدنيا، مخلد في النار في الآخرة، إلا النجدات منهم فإنهم قالوا: إن الفاسق كافر على معنى أنه كافر بنعمة ربه، ومما يجمعهم جميعًا تجويزهم الخروج على الإمام الجائر، وكان من ذلك حروب كثيرة -كما هو معروف-.
راجع في شأن هذه الفرقة الضالة: مقالات الإسلاميين -للأشعري- 167 - 168. والفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 72 - 73. والتبصير في الدين -للإسفراييني- ص: 45. والملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 114 - 115. والبداية والنهاية -لابن كثير- 7/ 304.
وانظر: ما ذكرته عن الحرورية ص: 151.
(6)
في س، ط: كان.
ليوافقهم (1) على رأي جهم (2) الذي مبدؤه أن القرآن مخلوق، وعاقبوا من لم يوافقهم على ذلك.
ومن المعلوم أن هذا من المنكرات المحرمة بالعلم الضروري من دين المسلمين، فإن العقاب لا يجوز أن يكون على ترك واجب أو فعل محرم، ولا يجوز إكراه أحد على ذلك والإيجاب والتحريم ليس إلّا لله ولرسوله، فمن عاقب على فعل أو ترك بغير أمر الله ورسوله، وشرع ذلك دينًا فقد جعل لله ندًّا، ولرسوله نظيرًا، بمنزلة المشركين الذين جعلوا لله أندادًا (3)، وبمنزلة المرتدين الذين آمنوا بمسيلمة الكذاب (4)، وهو ممن قيل فيه (5):{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (6)، ولهذا كان أئمة (7) السنة والجماعة لا يلزمون الناس بما يقولونه من موارد الاجتهاد ولا يكرهون أحدًا عليه، ولهذا لما استشار هارون الرشيد (8) مالك بن. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) في ط: لتوافقهم.
(2)
سبق التعريف به وبمذهبه ص: 119، 171.
(3)
في س: أنداد. وهو خطأ.
(4)
هو: أبو ثمامة مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي متنبيء كذاب، أكثر من وضع أسجاع يضاهي بها القرآن، أرسل إليه أبو بكر خالد بن الوليد، فقضى عليه وعلى فتنته، ومات مقتولًا سنة 12 هـ.
راجع: الكامل -لابن الأثير- 2/ 360 فما بعدها. والبداية والنهاية -لابن كثير- 6/ 364 - فما بعدها. وشذرات الذهب -لابن العماد- 1/ 23. والأعلام -للزركلي- 8/ 125.
(5)
فيه: ساقطة من: س.
(6)
سورة الشورى، الآية:21.
(7)
في س، ط: أهل.
(8)
هو: أبو جعفر هارون (الرشيد) بن محمد (المهدي) بن المنصور العباسي أمير المؤمنين، وخامس خلفاء الدولة العباسية في العراق، ولد بالري سنة 149 هـ، وبويع له بالخلافة سنة 170 هـ بعد وفاة أخيه الهادي وازدهرت الدولة في أيامه، =
أنس (1) في حمل الناس على موطئه، قال له:(لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار فأخذ كل قوم عمن كان عندهم وإنما جمعت علم أهل بلدي)، أو كما قال (2)، وقال
= وتوفي سنة 193 هـ.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 14/ 5 - 13. والبداية والنهاية -لابن كثير - 10/ 242 فما بعدها. والأعلام -للزركلي- 9/ 43 - 44.
(1)
في الأصل، س: لمالك، والمثبت من: ط. ولعله المناسب. تقدمت ترجمته ص: 133.
(2)
أخرج أبو نعيم في الحلية 6/ 332: "عن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت مالك بن أنس يقول: شاورني هارون الرشيد في ثلاث، في أن يعلق الموطأ في الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه. . .، فقلت: يا أمير المؤمنين، أما تعليق الموطأ في الكعبة، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في الفروع وتفرقوا في الآفاق، وكل عند نفسه مصيب. . . ".
وفي الانتقاء لابن عبد البر ص: 41: ". . أن مالك بن أنس قال: لما حج أبو جعفر المنصور دعاني، فدخلت عليه، فحادثته، وسألني فأجبته، فقال: إني عزمت أن آمر بكتبك هذه التي قد وضعت -يعني "الموطأ"- فتنسخ نسخًا، ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها، ولا يتعدوها إلى غيرها، ويدعوا ما سوى ذلك. . . قال: فقلت يا أمير المؤمنين: لا تفعل هذا، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به. . . وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه.
وورد نحو هذا في:
ترتيب المدارك -للقاضي عياض- 2/ 72. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 8/ 78.
وفي تذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 209: "أن إسماعيل القاضي قال: حدثنا أبو مصعب قال: سمعت مالكًا يقول: دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين وهو على فراشه. . . قال: ثم سألني عن أشياء منها حلال ومنها حرام، ثم قال لي: أنت والله أعقل الناس، وأعلم الناس، قلت: لا والله يا أمير المؤمنين. قال: بلى ولكنك تكتم، لئن بقيت لأكتبن قولك كما يكتب المصاحف، =
مالك أيضًا: (إنما أنا بشر أصيب وأخطئ، فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة).
وقال أبو حنيفة (1): (هذا رأي فمن جاءنا برأي أحسن منه قبلنا).
وقال الشافعي (2): (إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط)، وقال:(إذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فإني أقول بها).
وقال المزني (3) في أول. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولأبعثن به إلى الآفاق فأحملهم عليه".
وانظر نحو هذا في: ترتيب المدارك -للقاضي عياض- 2/ 71.
ومهما اختلفت الرواية في هذا فإن المعنى واحد، وهو أن الإمام مالك بن أنس طلب من أمير المؤمنين -في أي رواية- أن لا يحمل الناس على موطئه.
ولئن تضاربت الروايات حول من عزم على حمل الناس على موطأ مالك، هل هو أبو جعفر أم هارون الرشيد؟ فيمكن أن نجمع بين هاتين الروايتين بأن أصل الفكرة انبجست في ذهن أبي جعفر، إلّا أنها اتضحت وتأكدت عند هارون الرشيد فخر الخلفاء العباسيين، فأراد تنفيذها طلبًا لتوحيد الأمة على كتاب واحد في السنة، إلّا أن مالكًا أبي ذلك تورعًا وخوفًا من ضياع أحاديث كثيرة حملها الجم الغفير من صحابة الرسول عليه السلام، الذين تفرقوا في الآفاق يحملون كلمة التوحيد وينشرون الإسلام.
(1)
تقدمت ترجمته ص: 155.
(2)
تقدمت ترجمته ص: 134.
(3)
هو: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيي بن عمرو بن مسلم المزني -نسبة إلى مزينة بنت كلب قبيلة مشهورة- صاحب الشافعي، كان عالمًا فقيهًا، راجح المعرفة، جليل القدر، عارفًا بوجوه الكلام والجدل، له تصانيف كثيرة منها "المختصر"، وقد شرحه قوم منهم: أبو إسحاق المروزي، وأبو العباس بن سريج وغيرهما كثير، ذكرهم فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي -المجلد الأول- الجزء الثالث- 1/ 3 - الفقه- ص:159.
ولد المزني سنة 175، وتوفي سنة 264 هـ.
راجع: الانتقاء -لابن عبد البر- ص: 110. ووفيات الأعيان -لابن خلكان =
مختصره (1): (هذا كتاب اختصرته من علم أبي عبد الله الشافعي (2) لمن أراد معرفة مذهبه، مع إعلامه نهيه (3) عن تقليده وتقليد غيره من العلماء).
وقال الإمام أحمد (4): (ما ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ولا يشدد عليهم). [قال](5): (ولا تقلد دينك الرجال، فإنهم لن يسلموا من أن يغلطوا).
فإذا كان هذا قولهم في الأمور العملية (6) وفروع الدين، لا يستجيزون إلزام الناس بمذاهبهم (7)، مع استدلالهم عليها بالأدلة الشرعية، فكيف بإلزام الناس وإكراههم على أقوال لا توجد في كتاب الله، ولا في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تؤثر عن الصحابة والتابعين ولا عن أحد من أئمة المسلمين؟ ولهذا قال الإمام أحمد (8)[لابن](9) أبي دؤاد (10) الجهمي، الذي كان قاضي القضاة في عهد
= - 1/ 217 - 219. وطبقات الشافعية -للسبكي- 2/ 93 - 109.
(1)
مختصر المزني- ص: 1 - مطبوع ضمن كتاب "الأم" للشافعي.
(2)
تقدمت ترجمته ص: 134.
(3)
في جميع النسخ، والمختصر: إعلامية نهبة. ولعله المناسب.
(4)
تقدمت ترجمته ص: 134.
(5)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(6)
في س، ط: الأصول العلمية.
والعملية مفرد عمليات.
ولعل العمليات ما يسميها البعض الفروع والشرع والفقه.
راجع: معارج الوصول إلى معرفة أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول -لابن تيمية- ص: 21.
(7)
في الأصل: بمذهبهم. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب.
(8)
تقدمت ترجمته ص: 134.
(9)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(10)
في س، ط: داود. وهو خطأ. =
المعتصم (1) لما دعا الناس إلى التجهم، وأن يقولوا القرآن مخلوق، وإكراههم (2) عليه بالعقوبة وأمر بعزل من لم يجبه، وقطع رزقه إلى غير ذلك مما فعله في محنته المشهورة (3)، فقال له في مناظرته لما طلب منه الخليفة أن يوافقه على أن القرآن مخلوق:"ائتوني بشيء من كتاب الله أو سنة رسوله [حتى أجيبكم به، فقال له ابن أبي دؤاد: وأنت لا تقول إلّا بما في كتاب الله أو سنة رسوله] (4)، فقال له: هب أنك تأولت تأويلًا فأنت أعلم وما تأولت، فكيف تستجيز أن تكره الناس عليه بالحبس والضرب (5)؟ ".
فبين أن العقوبة لا تجوز إلّا على ترك ما أوجبه الله أو فعل ما حرمه
= هو: أبو عبد الله أحمد بن دؤاد فرج بن جرير بن مالك الإيادي أحد القضاة المشهورين من المعتزلة، ورأس فتنة القول بخلق القرآن، ولي القضاء للمعتصم والواثق، وحمل الخلفاء على امتحان الناس بخلق القرآن.
قال عنه الذهبي: جهمي بغيض، ولد سنة 160 هـ، وتوفي مصابًا بالفالج سنة 240 هـ.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 4/ 141 - 156. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 1/ 81 - 91. وباب ذكر المعتزلة من كتاب: مقالات الإسلاميين -لأبي القاسم البلخي- ص: 101.
(1)
هو: أمير المؤمنين أبو إسحاق محمد المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور العباسي أحد خلفاء الدولة العباسية، بويع بالخلافة سنة 218 هـ، ولد سنة 179 هـ، وتوفي سنة 227 هـ.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 3/ 342 - 347. الكامل لابن الأثير - 6/ 523 - 524. والبداية والنهاية -لابن كثير- 1/ 334.
(2)
في س، ط: وأكرههم.
(3)
مناقب الإمام أحمد -لابن الجوزي- ص: 397 - فما بعدها.
(4)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(5)
مناقب الإمام أحمد -لابن الجوزي- ص: 401.
الله، فإذا كان القول ليس في كتاب الله وسنة رسوله لم يجب على الناس أن يقولوه، لأن الإيجاب إنما يتلقى من الشارع، وإن كان القول في نفسه حقًّا، أو اعتقد قائله أنه حق، فليس له أن يلزم الناس أن يقولوا ما لم يلزمهم الرسول أن يقولوه -لا نصًّا ولا استنباطًا. وإذا (1) كان كذلك فقول القائل: المطلوب من فلان أن يعتقد كذا وكذا، وأن لا يتعرض لكذا وكذا إيجاب عليه لهذا الاعتقاد وتحريم عليه لهذا الفعل، وإذا كانوا لا يرون خروجه من السجن إلّا بالموافقة على ذلك فقد استحلوا عقوبته وحبسه حتى يطيعهم في ذلك، فإذا لم يكن ما أمروا به قد أمر الله به ورسوله، وما نهوا عنه قد نهى الله عنه ورسوله، كانوا بمنزلة من ذكر من الخوارج (2) والروافض (3) والجهمية (4) المشابهين للمشركين والمرتدين، ومعلوم أن هذا الذي قالوه لا يوجد في كلام الله ورسوله بحال، وهم -أيضًا- لم يبينوا أنه يوجد في كلام الله ورسوله، فلو كان هذا موجودًا في كلام الله ورسوله لكان عليهم بيان ذلك، لأن العقوبات لا تجوز إلّا بعد إقامة الحجة، كما قال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (5)، فإذا لم يقيموا حجة الله (6) التي يعاقب من خالفها، بل لا يوجد ما ذكروه في حجة الله، وقد نهوا عن تبليغ حجة الله ورسوله، كان هذا من أعظم الأمور مماثلة لما ذكر من حال الخوارج (7) المارقين المضاهين للمشركين والمرتدين والمنافقين.
(1) في س، ط: وإن.
(2)
سبق التعريف بهم وبمذهبهم ص: 176.
(3)
سبق التعريف بهم وبمذهبهم ص: 151.
(4)
سبق التعريف بهم وبمذهبهم ص: 119، 171.
(5)
سورة الإسراء، الآية:15.
(6)
في س: لله.
(7)
سبق التعريف بهم وبمذهبهم ص: 176.