المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ النزاع في مسألة الحرف والصوت - التسعينية - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌الباب الأول المؤلف حياته وعصره

- ‌الفصل الأول حياته

- ‌اسمه ومولده:

- ‌نشأته وذكر بعض صفاته:

- ‌الفصل الثَّاني عصره

- ‌الناحية السياسية

- ‌الناحية الاجتماعية:

- ‌الناحية العلمية:

- ‌الفصل الثالث‌‌ محنته

- ‌ محنته

- ‌وفاته:

- ‌الباب الثاني كتابه التسعينية ودراسة بعض مسائله

- ‌الفصل الأول التعريف بالكتاب

- ‌سبب تأليفه:

- ‌تسميته:

- ‌سبب التسمية:

- ‌نسبته إلى المؤلف:

- ‌تاريخ تأليفه:

- ‌منهج المؤلف في الكتاب:

- ‌نسخ الكتاب:

- ‌النسخة الأولى:

- ‌النسخة الثانية:

- ‌النسخة الثالثة:

- ‌عملي في الكتاب، وبيان المنهج الذي سلكته في تحقيقه:

- ‌الفصل الثاني دراسة بعض مسائله

- ‌فتنة القول بخلق القرآن:

- ‌مسألة كلام الله تعالى:

- ‌الأصل الذي تفرع منه نزاع الناس في مسألة الكلام

- ‌نماذج مصورة من النسخ المخطوطة

- ‌ خطبة الحاجة

- ‌الوجه الثامن:إن هذا خلاف إجماع سلف الأمة وأئمتها

- ‌الوجه الخامس عشر:إن القول الذي قالوه إن لم يكن حقًّا يجب اعتقاده لم يجز الإلزام به

- ‌الوجه الثاني:أن الله نزه نفسه في كتابه عن النقائص، تارة بنفيها، وتارة بإثبات أضدادها

- ‌الوجه السادس:أنه لو فرض جواز التقليد أو وجوبه في مثل هذا، لكان لمن يسوغ تقليده في الدين كالأئمة المشهورين

- ‌الوجه السابع:أن هذا القول لو فرض أنه حق معلوم بالعقل لم يجب اعتقاده بمجرد ذلك

- ‌القول باجتهاد الرأي، وإن اعتقد صاحبه أنه عقلي، مقطوع به لا يحتمل النقيض، فإنه قد يكون غير مقطوع به

- ‌الوجه الثاني عشر:أن لفظ الجهة عند من قاله، إما أن يكون معناه وجوديًّا أو عدميًّا

- ‌ التحيز الذي يعنيه المتكلمون

- ‌ قول القائل: إن القرآن حرف وصوت قائم به بدعة، وقوله: إنه معنى قائم به بدعة

- ‌ مسألة القرآن وقع فيها بين السلف والخلف من الاضطراب والنزاع ما لم يقع نظيره في مسألة العلو والارتفاع

- ‌من أعظم أسباب بدع المتكلمين من الجهمية وغيرهم، قصورهم في مناظرة الكفار والمشركين

- ‌ الأصل الذي ضل به جهم وشيعته

- ‌ النزاع في مسألة الحرف والصوت

- ‌ قول عبد الله بن كلاب

الفصل: ‌ النزاع في مسألة الحرف والصوت

والتصوف، وهؤلاء (1) إلى أهل السنة المحضة أقرب منهم إلى الجهمية والرافضة والخوارج والقدرية، لكن انتسب إليهم طائفة هم إلى الجهمية أقرب منهم إلى أهل السنة المحضة، فإن هؤلاء ينازعون المعتزلة نزاعًا عظيمًا فيما يثبتونه من الصفات وأعظم من منازعتهم سائر أهل الإثبات فيما ينفون.

وأمَّا "المتأخرون"(2) فإنهم والوا المعتزلة وقاربوهم أكثر، وقدموهم على أهل السنة والإثبات، وخالفوا أوليهم، ومنهم من يتقارب نفيه وإثباته، وأكثر النَّاس يقولون: إن هؤلاء يتناقضون فيما يجمعونه من النفي والإثبات.

وفي (3) هذه الدرجة حصل‌

‌ النزاع في مسألة الحرف والصوت

، والمعنى القائم بالنفس، وذلك [أن الجهمية](4) لما أحدث (5) القول بأنَّ القرآن مخلوق، ومعناه أن الله لم يصف نفسه بالكلام أصلًا، بل حقيقته أن الله لم يتكلم ولا يتكلم (6)، كما أفصح به رأسهم الأول الجعد بن درهم، حيث زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا، لأنَّ الخلة إنَّما تكون من المحبة، وعنده أن الله لا يحب شيئًا في الحقيقة ولا يحبه [شيء](7) في الحقيقة، فلا يتخذ شيئًا خليلًا، وكذلك الكلام يمتنع عنده على الرَّبُّ تعالى.

(1)"وهؤلاء": مكررة في الأصل، والكلام يستقيم بالمثبت.

(2)

في الأصل وس: المستأخرون.

(3)

في هامش س: "النزاع في مسألة الحرف والصوت".

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

(5)

في الأصل: "لما أن حدثت". والمثبت من: س، ط.

(6)

"ولا يتكلم": ساقطة من: س.

(7)

في الأصل؛ س: "شيئًا". والمثبت من: ط. وهو الصواب.

ص: 271

وكذلك نفت الجهمية من المعتزلة وغيرهم أن يكون لله كلام (1) قائم به، أو إرادة قائمة به، وادعوا ما باهتوا به صريح العقل المعلوم بالضرورة أن المتكلم يكون متكلمًا بكلام يكون (2) في غيره، وقالوا -أيضًا- يكون مريدًا بإرادة ليست فيه ولا في غيره، أو الإرادة وصف عدمي، أو ليست غير المرادات (3) المخلوقة، وغير الأمر هو الصوت المخلوق في غيره.

فكان حقيقة قولهم: التكذيب بحقيقة ما أخبرت به الرسل من كلام الله ومحبته ومشيئته، وإن كانوا قد يقرون بإطلاق الألفاظ التي أطلقتها الرسل، وهذا حال الزنادقة، المنافقين، من الصابئين والمشركين، من المتفلسفة والقرامطة ونحوهم فيما أخبرت به الرسل في باب الإيمان بالله [واليوم الآخر](4) والملائكة والكتاب والنبيين، بل وفيما أمرت (5) به -أيضًا- وهم مع ذلك يقرون بكثير ممَّا (6) أخبرت به الرسل وتعظيم أقدارهم، فهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.

لكن هؤلاء المتفلسفة يقولون: إن كلام الله هو ما يفيض على نفوس الأنبياء الصافية القدسية من العقل الفعال (7). . . . . . . . . . . . . .

(1) في س: "كلامًا". وهو خطأ.

(2)

"يكون" ساقطة من: س.

(3)

في الأصل: الإيرادات والمثبت من س وط.

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

(5)

في الأصل: "أخبرت". والمثبت من: س، ط. وهو المناسب.

(6)

في الأصل: "ما". والمثبت من: س، ط. وهو المناسب.

(7)

الفلاسفة يرون أن العالم كله مفعول ومصنوع لشيء يسمى العقل الفعال، فهو -بزعمهم- رب الكائنات، ومبدع الأرض والسموات، ولكنه لازم للواجب بنفسه ومعلول له، وأنه يلزمه عقل ونفس وذلك، ثم يلزم ذلك العقل عقل ونفس وذلك حتَّى ينتهي الأمر إلى العقل العاشر، الذي يفيض العلم والنبوة في أنفس العباد، وعنه صدر القرآن والتوراة وغير ذلك. =

ص: 272

الذي (1) يزعمون أنَّه الروح المفارق للأجسام، الذي هو العقل العاشر كفلك القمر، ويزعمون (2) أنَّه الذي يفيض منه ما في هذا العالم من الصور والأعراض، ويزعم من يزعم من منافقيهم الذين يحاولون (3) الجمع بين النبوة وبين قولهم بأنَّ ذلك هو جبرائيل (4).

ويقولون: إن تلك المعاني التي تفيض على نفس النَّبيِّ والحروف التي تتشكل في نفسه هي كلام الله، كما يزعمون أن ما يتصور في نفسه من

= يقول شيخ الإسلام رحمه الله:

". . . وأمَّا هؤلاء فيقولون: إن العقول -التي يسميها من يتظاهر بالإسلام منهم ملائكة- يقولون: إنَّها معلولة متولدة عن الله لم يخلقها بمشيئته وقدرته، ويقولون: إنَّها هي رب العالم.

فالعقل الأول أبدع كل ما سوى الله عندهم، والثاني أبدع ما سوى الله وسوى العقل الأول، حتَّى ينتهي الأمر إلى العقل العاشر الفعال المتعلق بفلك القمر، فيقولون: إنه أبدع ما تحت الفلك، فهو عندهم المبدع لما تحت السماء من هواء وسحاب وجبال وحيوان ونبات ومعدن، ومنه يفيض الوحي والعلم على الأنبياء وغيرهم، والخطاب الذي سمعه موسى عليه السلام إنَّما كان عندهم في نفسه لا في الخارج، وهو فيض فاض عليه من هذا العقل الفعال، ومنهم من يقول: جبريل".

انظر: الصفدية لابن تيمية 1/ 8، 9.

وقد بين رحمه الله في هذا الكتاب أن أصل قولهم: إن الصانع لا يمكنه تغيير العالم ولا قدرة له ولا اختيار في تصريفه من حال إلى حال، ولكي يطَّرد قولهم ويسلم من التناقض نسبوا جميع الحوادث إلى أمور طبيعية. ونقضه رحمه الله بما يكفي ويشفي وبين أن كفرهم أعظم من كفر النصارى الذين يقرون بأنَّ له خلق جميع المخلوقات لكنَّه اتحد بالمسيح.

راجع: درء تعارض العقل والنقل 5/ 82، 384، 385، 386.

(1)

في الأصل، س:"الذين". والمثبت من: ط. ولعلّه المناسب للفهم.

(2)

في س، ط:"يزعمون" بدون "واو".

(3)

في الأصل: "يجادلون" والمثبت من: س، ط.

(4)

في ط: "جبريل".

ص: 273

الصور النورانية هي ملائكة الله، فلا وجود لكلام الله عندهم خارجًا عن نفس النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم (1) وكذلك الملائكة غير العقول العشرة والنفوس التسعة التي هم (2) متنازعون (3) فيها، هل هي جواهر أو أعراض؟ إنَّما الملائكة ما يوجد في [النفوس و](4) الأبدان من القوى الصالحة، والمعارف والإرادات الصالحة ونحو ذلك.

وحقيقة ذلك أن القرآن إنشاء الرسول وكلامه، كما قال ذلك فيلسوف (5) قريش وطاغوتها الوحيد: الوليد بن المغيرة (6)، الذي قال الله فيه: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ

(1)" صلى الله عليه وسلم ": ساقطة من: س، ط.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: إن المتفلسفة: "يجعلون النبوة فيضًا يفيض من العقل الفعال على نفس النَّبيِّ، ويجعلون ما يقع في نفسه من الصور هي ملائكة الله، وما يسمعه في نفسه من الأصوات هو كلام الله، ولهذا يجعلون النبوة مكتسبة، فإذا استعد الإنسان بالرياضة والتصفية، فاض عليه ما فاض على نفوس الأنبياء".

انظر: درء تعارض العقل والنقل -لابن تيمية- 5/ 353.

(2)

في س، ط:"أكثرهم".

(3)

"متنازعون" مكررة في الأصل.

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

(5)

في الأصل: "فيالسوف". والمثبت من: س، ط.

(6)

هو: أبو عبد شمس الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، من قضاة العرب في الجاهلية، ومن زعماء قريش، ومن زنادقتها، وهو والد سيف الله خالد بن الوليد، أدرك الإسلام وهو شيخ هرم، ومات بعد الهجرة بثلاثة أشهر، وولادته كانت سنة 95 ق. هـ.

راجع: الكامل لابن الأثير 2/ 71 - 72. والأعلام -للزركلي- 9/ 144.

ص: 274

صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)} (1) إلى قوله: {إِنْ هَذَا إلا قَوْلُ الْبَشَرِ} (2). وهذا قول وقع فيه طوائف من متأخري غالية المتكلمة والمتصوفة، الذين ضلوا بكلام المتفلسفة، فوقعوا فيما ينافي أصلي الإسلام: شهادة أن لا إله إلّا الله، وأن محمدًا رسول الله، بما وقعوا فيه من الإشراك، وجحود حقيقة الرسالة، فهذا قول من قاله (3) من غالية الجهمية.

وأمَّا (4) الجهمية المشهورون من المعتزلة ونحوهم فقالوا: إنه يخلق كلامًا في غيره، إما في الهواء، وإما بين ورق الشجرة التي كم منها موسى، وإما غير ذلك، فذلك هو كلام الله عندهم، وإذا قالوا: إن الله متكلم حقيقة، وأن له كلامًا حقيقة، فهذا معناه عندهم.

وهذا (5) تبديل للحقيقة التي فطر الله عليها عباده، واللغة التي اتفق (6) عليها بنو آدم، والكتب التي أنزلها الله من السماء، ولما كان من المعلوم بالفطرة الضرورية التي اتفق عليها بنو آدم إلّا من اجتالت (7)

(1) في س: (. . . فقتل كيف قدر).

(2)

سورة المدثر، الآيات: 11 - 25.

(3)

في ط: "قال".

(4)

في الأصل: "وأمَّا قول". والمثبت من: س، ط. وهو ما يستقيم به الكلام.

(5)

في س، ط:"وهو".

(6)

في س: "ابقوا".

(7)

في س: اجتالته".

وقد روى مسلم في صحيحه عن عياض المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات

يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم ممَّا علمني يومي هذا. كل مال نحلته عبدًا حلالًا، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم - (اجتالتهم الشياطين: أي: استخفتهم، فجالوا معهم في الضلال. وجال واجتال: إذا ذهب وجاء، والجائل: الزائل عن مكانه. انظر لسان العرب -لابن منظور- 11/ 131 (جول) - عن دينهم وحرمت عليهم =

ص: 275

الشياطين فطرته أن المتكلم هو الذي يقوم به الكلام، ويتصف به، كذلك المحب والمريد ومن تقوم به المحبة والإرادة، كما أن العليم (1)[والقدير](2) من يقوم به العلم والقدرة، وقد قالوا: إنه (3) ليس لله كلام إلّا ما يكون قائمًا بغيره كالشجرة، لزم أن تكون الشجرة هي المتكلمة بالكلام الذي خاطب الله به موسى، ولهذا قال (4) عبد الله بن المبارك:"من قال: إنني أنا الله لا إله إلّا أنا: مخلوق، فهو كافر ولا ينبغي لمخلوق أن يقول ذلك".

لأنَّ حقيقة قولهم: إن المخلوق هو القائل لذلك.

وكذلك قال (5) يحيى بن سعيد القطان (6)، وذكر له أن قومًا يقولون: "القرآن مخلوق، فقال: كيف يصنعون (7) بـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ

= ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا. . . " الحديث.

راجع صحيح مسلم 4/ 2197 - كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها - الصفات، التي يعرف بها أهل الجنة وأهل النَّار. حديث 63.

(1)

العليم: مكررة في: الأصل.

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. يقتضيها الكلام.

(3)

"إنه" ساقطة من: س، ط.

(4)

رواه البُخاريّ في خلق أفعال العباد ص: 31 عن ابن مقاتل قال: سمعت ابن المبارك يقول:. . .

(5)

رواه البُخاريّ في خلق أفعال العباد ص: 33 عن أبي الوليد قال: سمعت يحيى.

(6)

هو: أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ القطان، أمير المؤمنين في الحديث، قال عنه ابن سعد: كان ثقة مأمونًا رفيعًا حجة. وقال عنه الإمام أحمد: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد. ولد سنة 120 هـ. وتوفي بالبصرة سنة 198 هـ.

راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد 7/ 293. والجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 2 / 150 - 151. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 9/ 175 - 188.

(7)

في خلق أفعال العباد: "تصنعون".

ص: 276

أَحَدٌ} (1)؟ كيف يصنعون (2) يقول: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا} (3)؟ ".

وقال (4) سليمان بن داود الهاشمي (5): "من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، وإن كان القرآن مخلوقًا -كما زعموا- فلم صار فرعون أولى بأن يخلد في النَّار، إذ قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (6) [وزعموا أن هذا مخلوق، والذي قال:] (7) {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} (8) هذا (9) -أيضًا- قد (10) ادعى ما ادعى فرعون، فلم صار فرعون أولى بأنَّ يخلد في النَّار من هذا؟ وكلاهما (11) عنده مخلوق". فأخبر بذلك أبو عبيد (12) فاستحسنه (13).

(1) سورة الإخلاص، الآية:1.

(2)

في خلق أفعال العباد: "تصنعون".

(3)

سورة طه، الآية:14.

(4)

رواه البُخاريّ في خلق أفعال العباد ص: 36: عن سليمان بن داود. .

(5)

هو: أبو أيوب سليمان بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي البغدادي الفقيه. روى عن ابن عيينة والشّافعيّ وغيرهما. ثقة صدوق. توفي سنة 219 هـ.

راجع: تهذيب التهذيب -لابن حجر- 4/ 187 - 188. وخلاصة تهذيب تهذيب الكمال- لصفي الدين الأنصاري ص: 151.

(6)

سورة النازعات، الآية:24.

(7)

في جميع النسخ: "وقال غيره". والمثبت بين المعقوفتين من خلق أفعال العباد.

(8)

سورة طه، الآية:14.

في الأصل: "إنِّي" والمثبت هو الصواب.

(9)

في ط: "فهذا".

(10)

في الأصل، س:"فقد" والمثبت من: ط، وخلق أفعال العباد.

(11)

في خلق أفعال العباد: "وكلًّا منهما".

(12)

لعله أبو عبيد القاسم بن سلام. وقد تقدمت ترجمته ص: 260.

(13)

في خلق أفعال العباد: "فاستحسنه وأعجبه".

ص: 277

قال البُخاريّ (1): وقال علي بن عاصم (2): الذين قالوا: إن لله ولدًا أكفر من الذين قالوا: إن الله لا يتكلم.

وقال (3): احذر من (4) المريسي وأصحابه، فإن كلامهم يستجلب (5) الزندقة، وأنا كلمت أستاذهم جهمًا (6) فلم يثبت أن في السماء إلهًا.

قال البُخاريّ (7): وقال عبد الرحمن بن عفَّان (8): سمعت سفيان بن عيينة يقول: في السنة التي ضرب فيها المريسي، فقام ابن عيينة من مجلسه مغضبًا فقال: ويحكم القرآن كلام الله، وقد صحبت

(1) في خلق أفعال العباد ص: 32: "عن علي. . . ".

(2)

هو: أبو الحسن علي بن عاصم بن صهيب القرشي التَّيميّ، الإمام العالم شيخ المحدثين، روى عنه الإمام أحمد وغيره، ولد سنة 109 هـ، وتوفي بواسط سنة 201 هـ.

راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد 7/ 313. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 9/ 249 - 262. وتهذيب التهذيب لابن حجر 344 - 348.

(3)

يعني: علي بن عاصم.

(4)

في ط: "ابن" وهو تصحيف.

(5)

في الأصل: "أبي جد".

وفي س: "أبي جاد".

وفي ط: ". . كلًّا منهم ابن جد الزندقة.

والمثبت من: خلق أفعال العباد. وهو ما يستقيم به الكلام.

(6)

في الأصل: "جمعًا". وهو تصحيف.

وفي ط: "جعدًا". وهو خطأ. والمثبت من: س، وخلق أفعال العباد.

(7)

في خلق أفعال العباد ص: 33: عن عبد الرحمن بن عفَّان أنَّه قال: ذكر أمام سفيان بن عيينة التي ضرب فيها المريسي فقام ابن. . .

(8)

هو: أبو بكر عبد الرحمن بن عفَّان السرخسي، سكن بغداد، وروى عن السماك وفضيل بن عياض وغيرهما، وذكره ابن حبان في الثقات.

راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 264، 265. ولسان الميزان -لابن حجر 3/ 423، 424.

ص: 278

النَّاس وأدركتهم، هذا عمرو بن دينار (1)، وهذا ابن المنكدر (2)[حتَّى](3) ذكر منصورًا (4)، والأعمش (5)، ومسعر بن كدام (6)، فقال

(1) هو: أبو محمد عمرو بن دينار المكيِّ الجمحي مولاهم، الحافظ الإمام، عالم الحرم ومفتي أهل مكّة في زمانه، قال شعبة: ما رأيت أحدًا أثبت في الحديث من عمرو، ولد سنة 46 هـ، وتوفي سنة 126 هـ.

راجع: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 27. وتذكرة الحفَّاظ -للذهبي 1/ 113، 114. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 8/ 28 - 30.

(2)

هو: أبو عبد الله محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير بن عبد العزى بن عامر بن الحارث التَّيميّ، أحد الأئمة الأعلام، سمع أبا هريرة وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما، وكان من سادات القراء. يقول الذهبي: مجمع على ثقته وتقدمه في العلم والعمل، توفي سنة 130 هـ.

راجع: تذكرة الحفَّاظ -للذهبي 1/ 127، 128. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 9/ 473 - 475. وخلاصة تهذيب تهذيب الكمال لأحمد بن عبد الله الخزرجي ص:360.

(3)

في الأصل: "قد". والمثبت من: س، ط، وخلق أفعال العباد.

(4)

في خلق أفعال العباد: "ذكروا منصور. . . ".

وهو: أبو عتاب منصور بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة -بضم الراء وتشديد الباء السلمي الكوفيِّ أحد الأعلام ومن كبار التّابعين، يقول الثوري: ما خلفت بالكوفة آمن على الحديث من منصور. توفي سنة 132 هـ.

راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد 6/ 337. وتهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 114، 115. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 5/ 402 - 412.

(5)

هو: أبو محمد سليمان بن مهران المعروف بالأعمش، مولى بني كاهل بن أسد شيخ المقرئين والمحدثين، روى عنه أبو حنيفة والأوزاعي وخلق كثير، قال عنه النَّسائيّ: ثقة ثبت. ولد سنة 60 هـ، وتوفي سنة 148 هـ.

راجع: تاريخ بغداد- للبغدادي 9/ 3 - 13. ووفيات الأعيان -لابن خلكان 2/ 400 - 403. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 6/ 226 - 248.

(6)

هو: أبو سلمة مسعر بن كدام بن ظهير بن عبيدة بن الحارث الهلالي الكوفيِّ الإمام الثبت شيخ العراق، روى عنه الثوري وابن عيينة وابن المبارك وغيرهم. توفي سنة 155 هـ.

ص: 279

ابن عيينة: قد تكلموا في الاعتزال والرفض والقدر، وأمرونا (1) باجتناب القوم، فما نعرف القرآن إلّا كلام الله فمن (2) قال غير هذا فعليه لعنة الله، ما أشبه هذا القول بقول النصارى، لا (3) تجالسوهم ولا تسمعوا كلامهم.

قال البُخاريّ (4): حدثني الحكم بن محمد الطبري (5)، حدَّثنا سفيان بن عيينة قال: أدركت مشائخنا منذ سبعين سنة منهم عمرو بن دينار يقولون (6): القرآن كلام الله وليس بمخلوق.

وكذلك -أيضًا- فالله تعالى قد خلق كلامًا في غيره، كما قال تعالى:{وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} (7) ومن ذلك كلام الذراع (8) للنبي صلى الله عليه وسلم وتسليم. . . . . . . . . . .

= راجع: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 89. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 7/ 163 - 173. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 10/ 113 - 115.

(1)

في خلق أفعال العباد: "وأمروا".

(2)

في خلق أفعال العباد: "ومن".

(3)

في خلق أفعال العباد: "ولا. . ".

(4)

في خلق أفعال العباد ص: 29.

(5)

هو: أبو مروان الحكم بن محمد الطبري نزيل مكّة، روى عن ابن عيينة وغيره، وثقه ابن حبان وقال: توفي سنة بضع عشرة ومائتين.

راجع: تهذيب التهذيب -لابن حجر 2/ 438. وخلاصة تهذيب تهذيب الكمال -لصفي الدين الأنصاري- ص: 90.

(6)

في الأصل: "يقول" والمثبت من: س، ط، وخلق أفعال العباد.

(7)

سورة فصلت، الآية:21.

(8)

إشارة إلى ما ورد في حديث جابر وغيره في قصة خيبر، وأن الذراع أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها مسمومة.

فقد روى أبو داود وغيره عن ابن شهاب الزُّهريّ قال: كان جابر بن عبد الله يحدث "أن امرأة يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية -مصلية أي: مشوية- ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع، فأكل منها، وأكل رهط =

ص: 280

العصر (1) عليه، وغير ذلك ممَّا (2) يطول، ومعلوم أن ذلك ليس كلام الله، لا سيما من علم أن الله خالق كل شيء، وهو خالق أفعال العباد من كلامهم وحركاتهم وغير ذلك، فكل ذلك يجب أن يكون كلامًا لله، إن

= من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ارفعوا أيديكم" وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فدعاها، فقال لها:"أسممت هذه الشَّاةِ؟ " قالت اليهودية: من أخبرك؟ قال: "أخبرتني هذه في يدي" للذراع، قالت: نعم، قال:"فما أردت إلى ذلك؟ " قال: قلت: إن كان نبيًّا فلن يضره، وإن لم يكن نبيًّا استرحنا منه، فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشَّاةِ. . . " الحديث.

راجع: سنن أبي داود 4/ 648 كتاب الديات- باب فيمن سقى رجلًا سمًّا أو أطعمه فمات أيقاد منه؟. وسنن الدَّارميِّ 1/ 34 - المقدمة- باب ما أكرم به نبيه صلى الله عليه وسلم من كلام الموتى. وجامع الأصول لابن الأثير 11/ 328 حديث / 8888 - الباب الخامس- الفصل الأول- في إخباره عن المغيبات.

يقول الشَّيخ عبد القادر الأرناؤوط -محقق جامع الأصول لابن الأثير 11/ 328 ت: (1) - ". . وإسناده منقطع فإن الزُّهريّ لم يسمع من جابر بن عبد الله، لكن يشهد له الأحاديث التي قبله فهو بها صحيح.

والأحاديث التي قبله هي أحاديث الشَّاةِ المسمومة، وليس فيها ذكر للذراع وهي أحاديث صحيحة رواها البُخاريّ ومسلم وغيرهما.

وروى الهيثمي -في مجمع الزوائد 6/ 153 باب غزوة خيبر- عن عروة قال: لما فتح الله عز وجل خيبر على رسول الله، وقتل من قتل منهم، أهدت زينب بنت الحرث اليهودية -وهي بنت أخي مرحب- شاة مصلية. . . وذكر نحو حديث جابر.

(1)

يشير الشَّيخ رحمه الله إلى الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنِّي لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث. إنِّي لأعرفه الآن".

راجع: صحيح مسلم 4/ 1782 - كتاب الفضائل- باب فضل نسب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة. حديث / 2277. وسنن التِّرمذيِّ 5/ 592، 593 كتاب المناقب- باب في آيات إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وما قد خصه الله عز وجل به- حديث رقم 3624، قال التِّرمذيُّ: هذا حديث حسن غريب.

(2)

في س: "عما".

ص: 281

كان ما خلقه من الكلام في غيره يكون كلامًا له، وهذا ممَّا يعلم فساده بالضرورة ويوجب أن يكون الكفر والكذب، وقول الشَّاةِ: إنِّي مسمومة فلا تأكلني (1)، وقول البقرة: إنا لم نخلق لهذا، إنَّما خلقنا للحرث (2)، وشهادة الجلود والأيدي والأرجل كلام الله، ولا (3) يفرق بين نطقه وبين إنطاقه لغيره.

وأيضًا فقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} (4) فأخبر أنَّه (5) ليس لأحد من البشر أن يكلمه الله إلَّا على هذه الوجوه الثلاثة، فلو (6) كان تكليمه ليس هو نفسه المتكلم به، ولا هو قائم به، بل هو بأن يخلق كلامًا في شجرة، أو نحوها من المخلوقات، لم يكن لاشتراط هذه الوجوه

(1) لعله يقصد قول الذراع كما ورد في الحديث الآنف الذكر. . . قالت: من أخبرك؟ قال: "هذه في يدي" يعني الذراع، كما ورد في بعض الروايات قال "أخبرتني هذه الذراع التي بيدي".

راجع: جامع الأصول لابن الأثير 11/ 327، 328 حديث / 8888.

أو أن المقصود قول أحد أعضاء الشَّاةِ المسمومة، كما ورد في الرّواية التي ذكرها البيهقي -في دلائل النبوة 4/ 260 - أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:". . . أمسكوا، فإن عضوًا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة. . . ".

(2)

هذا جزء من حديث رواه البُخاريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صَلَّى رسول الله صلاة الصبح، ثم أقبل على النَّاس فقال:"بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنَّما خلقنا للحرث. . . ".

راجع: صحيح البُخاريّ 4/ 149 - كتاب الأنبياء باب رقم 54. ورواه مسلم في صحيحه 4/ 1857 كتاب فضائل الصّحابة- باب من فضائل أبي بكر رضي الله عنه حديث / 2388 عن أبي هريرة بلفظ قريب من هذا.

(3)

في س، ط:"وإلا. . ".

(4)

سورة الشورى، الآية:51.

(5)

في ط: "بأنه".

(6)

في الأصل: "فليس" والمثبت من: س، ط. وهو ما يستقيم به الكلام.

ص: 282

معنى، لأنَّ (1) ما يقوم بالمخلوقات يسمعه كل أحد كما يسمعون ما يحدثه في الجمادات من الإنطاق، كما سمعوا ما يحدثه في الأحياء من الإنطاق، ولأنه فرق بين الوحي وبين التكليم من وراء حجاب، فلو كان كلامه هو ما يخلق في غيره من غير أن يقوم به كلام لم يحصل الفرق، ولأنه فرق بين ذلك وبين أن يرسل رسولًا فيوحي بإذنه ما يشاء، فلو كان ذلك الرسول لم يسمع إلَّا ما خلق في بعض المخلوقات لكان هذا من جنس ما يخلق فيسمعه البشر، وحينئذ فيكون كلاهما من وراء حجاب، فلا يكون الله مكلمًا للملائكة -قط- إلَّا من وراء حجاب.

وقوله: {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} هو دليل على أنَّه قد يكلم من شاء بلا حجاب، كما استفاضت بذلك السنن (2) عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلما ابتدعت الجهمية هذه المقالات، أنكر ذلك سلف الأمة وأئمتها من بقايا التّابعين وأتباعهم، وصاروا يظهرون أعظم المقالات شبهة كقولهم: القرآن

(1) في الأصل: "لا أن". والمثبت من: س، ط. والكلام يستقيم به.

(2)

روى التِّرمذيُّ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: "يا جابر ما لي أراك منكسرًا؟! " قلت: يا رسول الله استشهد أبي قتل يوم أحد، وترك عيالًا ودينًا، قال:"أما أبشرك بما لقي الله به أباك؟ " قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: "ما كلم الله أحدًا قط إلّا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحًا- كفاحًا: أي: لقيه مواجهة. والمكافحة: مصادفة الوجه بالوجه مفاجأة. راجع: لسان العرب لابن منظور 2/ 573 (كفح) - فقال: يا عبدي

تمنّ علي أعطك، قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الرَّبُّ عز وجل: إنه قد سبق مني {أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} ، قال: وأنزلت هذه الآية {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا. . .} الآية.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلَّا من حديث موسى ابن إبراهيم. رواه عنه كبار أهل الحديث.

راجع: سنن التِّرمذيِّ -كتاب التفسير- باب ومن سورة آل عمران- الحديث رقم 3010. وسنن ابن ماجه -المقدمة- باب فيما أنكرت الجهمية- الحديث رقم 190 - كتاب الجهاد- باب فضل الشهادة في سيبل الله حديث رقم 2800.

ص: 283

مخلوق، لأنهم يشبهون بهذا على العامة ما لا يشبهونه بغيرهم، إذ يقول القائل: كل ما سوى الله مخلوق، ولأن نقيض هذا اللفظ ليس مشهورًا كشهرة أحاديث الرؤية والعرش وغير ذلك، ومع هذا فكان إنكار السلف والأئمة لذلك من أعظم الإنكار، دع ما هو أظهر فسادًا.

قال الإمام الحافظ أبو القاسم الطبري (1) اللالكائي- وقد ذكر أقوال السلف والأئمة بأنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق، وما ورد عنهم من تكفير من يقول ذلك، ثم قال (2):(فهؤلاء خمسمائة وخمسون نفسًا (3) وأكثر من التّابعين وأتباع التّابعين والأئمة المرضيين سوى الصّحابة الخيرين (4) على اختلاف الأمصار ومضي السنين والأعوام، وفيهم نحو من مائة إمام ممن أخذ الناس بقولهم وتدينوا (5) بمذهبهم).

قال: (ولو اشتغلت بنقل قول المحدثين لبلغت أسماؤهم ألوفًا كثيرة، لكني (6) اختصرت فنقلت (7) عن هؤلاء عصرًا بعد عصر لا ينكر عليهم منكر، ومن أنكر قولهم استتابوه (أو)(8) أمروا بقتله أو نفيه أو صلبه).

قال: (ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال: القرآن مخلوق

(1)"الطبري" ساقطة من: س، ط.

(2)

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم اللالكائي 2/ 312.

(3)

في شرح أصول اعتقاد أهل السنة. . .: "أو".

(4)

في ط: "الخبرين".

(5)

في الأصل: "تداينوا". والمثبت من: س، ط، وشرح أصول اعتقاد.

(6)

في س، ط:"لكن".

(7)

في شرح أصول اعتقاد أهل السنة. . .: "لكني اختصرت وحذفت الأسانيد للاختصار ونقلت. . . ".

(8)

في جميع النسخ: "وأمروا" والمثبت من: شرح أصول اعتقاد أهل السنة.

ص: 284

الجعد (1) بن درهم في سني نيف وعشرين (2)، ثم الجهم (3) بن صفوان.

فأمَّا جعد فقتله خالد بن عبد الله القسري (4)، وأما جهم فقتل بمرو في خلافة هشام بن عبد الملك (5)، وسأذكر قصتهما (6) إن شاء الله تعالى.

* * *

(1) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة. . .: "جعد".

(2)

أي: ومائة، كما تقدم في ترجمته.

(3)

في شرح اعتقاد أهل السنة. . .: "جهم".

(4)

في الأصل: "القشيري". وهو خطأ والمثبت من: س.

وفي ط: "القسيري" وهو تصحيف.

(5)

هو: أبو الوليد هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي الدّمشقيُّ أحد ملوك الدولة الأموية، كان حسن السياسة يقظًا في أمره يكره سفك الدماء ولد سنة 71 هـ بدمشق وتوفي سنة 125 هـ.

راجع: تاريخ الطبري 7/ 200 وما بعدها. والكامل لابن الأثير 5/ 261 فما بعدها. والبداية والنهاية -لابن كثير 9/ 395 - 399. والأعلام -للزركلي 9/ 84 / 85.

(6)

في الأصل: "قصتهم". والمثبت من: س، ط، وشرح اعتقاد أهل السنة. . .

ص: 285

فصل

ومع هذا فقد حفظ عن أئمة الصّحابة كعلي وابن مسعود وابن عباس هذا القول، وفي ذلك حجة على من يزعم أن أقوال هؤلاء الأئمة بدون الصّحابة ليس بحجة.

فروى اللالكائي (1) من طريقين: من طريق محمد بن المصفى (2)، ومن طريق الفضل بن عبد الله الفارسي (3) كلاهما عن عمرو بن جميع أبي المنذر (4) عن ميمون بن مهران (5) عن ابن عباس قال: لما حكَّم علي الحكمين قالت له الخوارج: حكَّمت رجلين، قال: ما حكَّمت مخلوقًا إنَّما حكَّمت القرآن.

(1) شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/ 228، 229.

(2)

لعله: أبو عبد الله محمد بن مصفى بن بهلول القرشي الحمصي الحافظ. قال عنه الذهبي: ثقة صاحب سنة، من علماء الحديث. توفي سنة 246 هـ.

راجع: ميزان الاعتدال -للذهبي 4/ 43. تهذيب التهذيب -لابن حجر 9/ 460، 461. الوافي بالوفيات- للصفدي 5/ 33.

(3)

لم أجده.

(4)

هو: أبو المنذر عمرو بن جميع البصري، كوفي، وكان على قضاء حلوان، روى عن الأعمش وغيره، وروى عنه الكوفيون، قال عنه البُخاريّ: منكر الحديث.

راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 3/ 224. وميزان الاعتدال -للذهبي 3/ 251. ولسان الميزان -لابن حجر- 4/ 358، 359.

(5)

هو: أبو أيوب ميمون بن مهران الرقي، عالم أهل الجزيرة، استعمله عمر بن عبد العزيز على خراجها وقضائها، ثقة في الحديث، روى عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم، ولد سنة 37 هـ، وتوفي سنة 117 هـ.

راجع: حلية الأولياء -لأبي نعيم 4/ 82 - 97. وتذكرة الحفَّاظ -للذهبي 1/ 98، 99. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 10/ 390 - 392.

ص: 286

ورواه عبد الرحمن بن أبي حاتم (1) بإسناد آخر إلى علي، وقال: ثنا محمد بن حجاج الحضرمي المصري (2)، ثنا [معلى (3) بن عبد العزيز، ثنا عتبة بن السكن الفزازي (4)، ثنا](5) الفرج بن يزيد

(1) هو: أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، حافظ الري وابن حافظها، الثبت، كان ممن جمع علو الرّواية، ومعرفة الفن، صاحب الكتب النافعة ككتاب الجرح والتعديل، والتفسير الكبير وغيرهما.

توفي سنة 327 هـ.

راجع: ميزان الاعتدال -للذهبي 2/ 587، 588. وطبقات الشَّافعية -للسبكي- 3/ 324 - 328. وفوات الوفيات- للكتبي 2/ 287، 288.

(2)

في الأصل: "المغري".

وفي س، ط:"المضري".

وصحة اسمه: المصري، وهو: محمد بن الحجاج الحضرمي المصري، قال عنه ابن أبي حاتم: صدوق ثقة.

راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 3 / 235 ت 1284. وميزان الاعتدال -للذهبي 3/ 511.

(3)

في ط: "يعلى". وهو خطأ.

هو: معلى بن الوليد بن عبد العزيز بن القعقاع القيسي، روى عن موسى بن أعين ويزيد بن سعيد بن ذي عصران.

راجع: لسان الميزان -لابن حجر 6/ 65، 66.

(4)

في شرح اعتقاد أهل السنة: "الغزاري"، وهو خطأ فقد ورد اسمه:"الفَزَاريُّ" في الجرح والتعديل (2/ 3 / 86 ت 486) عندما ذكر ابن أبي حاتم فرج بن يزيد الكلاعي وأن عتبة الفَزَاريّ يروي عنه.

وهو: عتبة بن السكن الفراري، روى عن الأوزاعي. قال عنه الدارقطني: متروك الحديث. وذكر ابن حجر أن ابن حبان قال في الثقات: إنه يخطئ ويخالف.

راجع: ميزان الاعتدال -للذهبي 3/ 28. ولسان الميزان -لابن حجر 4/ 128.

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من س.

ص: 287

الكلاعي (1)، قال: قالوا لعلي يوم صفين: حكمت كافرًا ومنافقًا؟ قال: ما حكمت مخلوقًا، ما حكمت إلَّا القرآن.

وهذا السياق يبطل تأويل من يفسر كلام السلف بأنَّ المخلوق هو المفترى المكذوب، والقرآن غير مفترى ولا مكذوب، فإنهم لما قالوا: حكمت مخلوقًا، إنَّما أرادوا مربوبًا مصنوعًا خلقه الله، لم يريدوا مكذوبًا فقوله:"ما حكمت مخلوقًا" نفي ما (2) ادعوه، وقوله:"ما حكمت إلَّا القرآن" نفي لهذا الخلق عنه.

وقد روي ذلك عن علي من طريق ثالث (3).

وأمَّا قول (4) ابن مسعود، فمن المحفوظ الثابت عنه (5) الذي رواه

(1) هو: فرج بن يزيد الكلاعي الشَّاميّ، روى عن يزيد بن أبي مالك، والفضيل بن فضالة الهوزني، روى عنه بقية، وعتبة بن السكن الفَزَاريّ.

راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 3 / 86 ت 486.

(2)

في س، ط:"لما".

(3)

فقد روى أبو القاسم اللالكائي- في شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/ 229، 230 - أن الحارث بن سويد قال: قال علي: يذهب النَّاس حتَّى لا يبقى أحد يقول: لا إله إلَّا الله، فإذا فعلوا ذلك ضرب يعسوب الدين ذنبه، فيجتمعون إليه من أطراف الأرض كما يجمع قرع الخريف. ثم قال علي: إنِّي لأعرف اسم أميرهم ومناخ ركابهم يقولون: القرآن مخلوق. وليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله منه بدأ وإليه يعود.

وقد ذكر محقق الكتاب -نفس الجزء والصفحة- د. أحمد حمدان في تعليقه على هذا الأثر أن في سنده من لا يعرف، ومن يضع الحديث معتمدًا في ذلك على ميزان الاعتدال للذهبي.

(4)

رواه أبو القاسم اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة بنفس السند الذي ذكره الشَّيخ رحمه الله 2/ 232.

ورواه عبد الرَّزاق في مصنفه عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود 8/ 472 - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.

(5)

في الأصل: "عن" والمثبت من: س، ط، ولعلّه المناسب.

ص: 288

النَّاس من وجوه كثيرة صحيحة من حديث يَحْيَى بن سعيد القطان وغيره عن سفيان الثوري عن الأعمش عن عبد الله بن مرَّة (1)[عن أبي كنف](2) قال:

قال عبد الله: من حلف بالقرآن فعليه بكلِّ آية يمين، قال: فذكرت ذلك لإبراهيم (3)، فقال: قال (4) عبد الله: من حلف بالقرآن فعليه بكلِّ آية يمين، ومن كفر بحرف منه فقد كفر به أجمع (5).

(1) هو: عبد الله بن مرَّة الهمذاني الخارقي الكوفيِّ، روى عن ابن عمرو البراء ومسروق وغيرهم، وروى عنه الأعمش ومنصور، تابعي ثقة، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز.

راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 2 / 164 ت: 763. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 6/ 24، 25. والوافي بالوفيات- للصفدي 17/ 603.

(2)

ما بين المعقوفتين بياض في الأصل، وأثبت الاسم من: س، ط، وشرح اعتقاد أهل السنة والجماعة.

قال ابن أبي حاتم: أبو كنف سمع سعد بن مالك وعبد الله بن مسعود وأبا هريرة، روى عنه الشعبي وعبد الله بن مرَّة وغيرهما.

راجع: الجرح والتعديل 2/ 4 / 431 ت 2139.

(3)

هو: أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس النَّخعيّ الكوفيِّ، الإمام الحافظ. فقيه العراق، قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: كان ذكيًّا حافظًا صاحب سنة. ولد سنة 50 هـ، وتوفي سنة 96 هـ.

راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد 6/ 270 - 284. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 4/ 520 - 529. وتهذيب التهذيب لابن حجر 1/ 177، 178.

(4)

في جميع النسخ "قال: فقال: " ولعل ما أثبت هو الصَّحيح.

(5)

يقول د. أحمد سعد حمدان -محقق كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي- 2/ 232 هامش 4 - في تعليقه على هذا الأثر: "ليس لإبراهيم ذكر في السند ولكن لعل أبا كنف روى جزءه الأول ثم لقي إبراهيم بن يزيد النَّخعيّ فذكر له قول عبد الله بن مسعود فذكر له: أن عبد الله بن مسعود قال الجزء الأول وزاد عليه قوله: ومن كفر بحرف منه. . . إلخ، والذي يؤكد هذا: أن إبراهيم قد روى عنه عبد الرَّزاق هذا الأثر الذي هنا بكامله /: المصنف رقم 15946 ".

ص: 289

وروى (1) محمد بن هارون الروياني (2) ثنا أبو الرَّبيع (3)، ثنا أبو عوانة (4) عن أبي سنان (5) عن عبد الله بن أبي الهذيل (6) عن حنظلة بن

= ثم قد يقال إن إبراهيم لم يلق ابن مسعود فكيف يروي عنه؟ لقد روى ابن سعد في طبقاته- 6/ 272 - عن الأعمش قال: قلت لإبراهيم: إذا حدثتني عن عبد الله فأسند. قال: إذا قلت: قال عبد الله، فقد سمعت من غير واحد من أصحابه، وإذا قلت: حدثني فلان. فحدثني فلان.

(1)

رواه أبو القاسم اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة- 2/ 231، 232 - بنفس السند الذي ذكره الشَّيخ رحمه الله.

(2)

هو: أبو بكر محمد بن هارون الروياني الحافظ الإمام، وثقه أبو يعلى الخليلي وذكر أن له تصانيف في الفقه، وأنه توفي سنة 307 هـ.

راجع: تذكرة الحفَّاظ -للذهبي 2/ 752، 753. والوافي بالوفيات- للصفدي 5/ 148. وشذرات الذَّهب 2/ 251.

(3)

هو: أبو الرَّبيع سليمان بن داود العتكي الزهراني البصري، الحافظ الثقة، روى عن البُخاريّ ومسلم وغيرهما. يقول الذهبي: أجمعوا على الاحتجاج به، توفي سنة 234 هـ.

راجع: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 468، 469. وسير أعلام النبلاء للذهبي 10/ 676، 677. وتهذيب التهذيب لابن حجر 4/ 190، 191.

(4)

هو: أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطيِّ البزاز، محدث البصرة، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنَّه ثقة ثبت حجة فيما حدث من كتابه، وقال: إذا حدث من حفظه ربما غلط. توفي سنة 176 هـ.

راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي 13/ 490 - 495. وتذكرة الحفَّاظ -للذهبي 1/ 236، 237. وتهذيب التهذيب 11/ 116 - 120.

(5)

هو: أبو سنان ضرار بن مرَّة الشيباني الكوفيِّ، روى عن سعيد بن جبير وعبد الله بن الحارث وغيرهما، روى عنه الثوري وشعبة. يقول ابن عبد البر: أجمعوا على أنَّه ثقة ثبت، توفي سنة 132 هـ.

راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم 1/ 2 / 465 ت: 2044. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 4/ 457.

(6)

هو: أبو المغيرة عبد الله بن أبي الهذيل العنزي الكوفيِّ، الإمام القدوة العابد، روى عن عمر وعلي وعمار بن ياسر وغيرهم. قال النَّسائيّ: ثقة، توفي في =

ص: 290

خويلد العنزي (1) قال: أخذ عبد الله بيدي، فلما أشرفنا على السد (2) إذ نظر إلى السوق فقال (3): اللَّهم إنِّي أسألك خيرها وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها، قال: فمر برجل يحلف بسورة من القرآن أو (4) آية، قال: فغمزني (5) عبد الله بيدي ثم قال: أتراه مكفرًا؟ أم أن كل آية فيها يمين (6).

ولا نزاع (7) بين الأمة أن المخلوقات لا يجب في الحلف بها بيمين كالكعبة وغيرها، إلّا ما نازع فيه بعضهم من الحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم لكون الإيمان به أحد ركني الإيمان (8).

= ولاية خالد القسري.

راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد 6/ 115، 116. والجرح والتعديل -لابن أبي حاتم 2/ 2 / 196 ت:908. وتهذيب التهذيب لابن حجر 6/ 62.

(1)

في شرح أصول اعتقاد أهل السنة. .: "عن حنظلة عن خويلد العنزي" وهو خطأ.

وهو: حنظلة بن خويلد العنزي، روى عن عمرو ابن مسعود. قال الدَّارميُّ عن ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات.

راجع: الجرح والتعديل -لابن بي حاتم 2/ 1 / 240 ت: 1067. وتهذيب التهذيب لابن حجر 3/ 59، 60.

(2)

في شرح أصول اعتقاد أهل السنة. . .: "السدة".

السدة: بضم السِّين -باب الدار والبيت. والسد: بضم السِّين وفتحها: الجبل، والحاجز أو الردم.

انظر: لسان العرب لابن منظور- 3/ 207، 209 (سدد).

(3)

في جميع النسخ: "قال". والمثبت من شرح أصول اعتقاد أهل السنة. . .

(4)

في س، ط:"و".

(5)

في س: "فغمرني". وفي شرح أصول اعتقاد أهل السنة. .: "فغمز".

(6)

وقد روى نحوه عبد الرَّزاق في مصنفه 8/ 472 - رقم 15947 عن الثوري عن الأعمش عن عبد الله بن مرَّة عن أبي كنف أن ابن مسعود مر برجل وهو يقول: وسورة البقرة فقال: أتراه مكفرًا أما إن عليه بكلِّ آية منها يمينًا.

(7)

في س: "ونزاع". وهو تصحيف.

(8)

يقول ابن قدامة: "ولا يجوز الحلف بغير الله وصفاته نحو: أن يحلف بأبيه أو =

ص: 291

وقوله: عليه بكلِّ آية يمين، قد اتبعه (1) الأمة وعملوا به، كالإمام أحمد وإسحاق وغيرهما، لكن هل تتداخل (2) الأيمان إذا كان

= الكعبة أو صحابي أو إمام. قال الشَّافعي: أخشى أن يكون معصية.

وقال ابن عبد البر: "وهذا أصل مجمع عليه".

ويقول: "ولا تنعقد اليمين بالحلف بمخلوق كالكعبة والأنبياء وسائر المخلوقات ولا تجب الكفارة بالحنث فيها، هذا ظاهر كلام الخرقي، وهو قول أكثر الفقهاء.

وقال أصحابنا: الحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم يمين موجب الكفارة، وقال أصحابنا: أنَّه أحد شرطي الشهادة فالحلف به موجب للكفارة كالحلف باسم الله تعالى.

ووجه الأول: قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت".

رواه عن ابن عمر البُخاريّ 7/ 221 كتاب الإيمان والنذور- باب: النَّهي عن الحلف بغير الله. باب لا تحلفوا بآبائكم.

ومسلم 3/ 1267 - كتاب الأيمان- باب: النَّهي عن الحلف بغير الله.

ولأنه حلف بغير الله فلم يوجب الكفارة كسائر الأنبياء، ولأنه مخلوق فلم تجب الكفارة بالحلف به كإبراهيم عليه السلام، ولأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص ولا يصح قياس اسم غير الله على اسمه لعدم الشبه وانتفاء المماثلة. . ".

راجع: المغني لابن قدامة 8/ 677، 704، 705.

ويقول في نفس المرجع والجزء السابق ص: 695:

"والحلف بالقرآن أو بآية منه أو بكلام الله يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها، وبهذا قال ابن مسعود والحسن وقتادة ومالك والشّافعيّ وأبو عبيدة وعامة أهل العلم. . ".

وهذا يدل على أن القرآن كلام الله غير مخلوق إذ لو كان مخلوقًا لما جاز الحلف به أو بآية منه، وهذا ما قصده الشَّيخ رحمه الله من إيراده لهذين الأثرين المرويين عن ابن مسعود رضي الله عنه.

(1)

في الأصل: "اتبعوه". والمثبت من: س، ط.

(2)

في الأصل: "لم يتداخل".

وفي س: "هل يتداخل". والمثبت من: ط.

ص: 292

المحلوف (1) عليه واحدًا؟ كما لو حلف بالله لا يفعل، ثم حلف بالله لا يفعل، هذا فيه قولان للعلماء: هما روايتان عن أحمد (2)، وأمَّا قول ابن عباس رضي الله عنهما (3): فقال الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثني أبي ثنا ابن صالح بن جابر الأنماطي (4)، ثنا علي بن عاصم [قال أبي:

(1) في س: "المخلوف" وهو تصحيف.

(2)

القولان ذكرهما ابن قدامة في المغني 8/ 705، 706، ورجح رحمه الله القول بأنَّ الحالف إذا كرر اليمين على شيء واحد فحنث فليس عليه إلَّا كفارة واحدة، وهذا يعني أن الأيمان تتداخل في بعضها إذا كررت وكان المحلوف عليه شيئًا واحدًا فتصير كاليمين الواحدة.

والروايتان ذكرهما ابن قدامة في المقنع في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل 4/ 210 فقال: "وإن كرر أيمانًا قبل التكفير فعليه كفارة واحدة، وعنه لكل يمين كفارة، والظاهر أنها إن كانت على فعل واحد فكفارة واحدة. . ".

وعلى هذا فمن حلف بالقرآن فعليه بكلِّ آية يمين، فإذا حنث وكان ما حلف عليه شيئًا واحدًا فعليه كفارة واحدة، إذا عجز عن الكفارات بعدد الآيات.

يقول ابن قدامة في المغني- 8/ 708 - : "ويحتمل أن كلام الإمام أحمد في كل آية كفارة على الاستحباب لمن قدر عليه فإنَّه قال: عليه بكلِّ آية كفارة فإن لم يمكنه فكفارة واحدة، ورده إلى واحدة عند العجز دليل على أن ما زاد عليها غير واجب، وكلام ابن مسعود يحمل على الاختيار والاحتياط لكلام الله والمبالغة في تعظيمه. . . ".

إلى أن يقول: ". . ولأن إيجاب كفارات بعدد الآيات، ينفي إلى المنع من البر والتقوى، والإصلاح بين النَّاس، لأنَّ من علم أنَّه بحنثه تلزمه هذه الكفارات كلها ترك المحلوف عليه كائنًا ما كان، وقد يكون برًّا وتقوى وإصلاحًا فتمنعه منه. . . ".

(3)

ذكره أبو القاسم اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 20/ 230 بنفس السند الذي ذكره الشَّيخ رحمه الله.

(4)

في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: علي بن صالح، وإذا كان هو فقد قال عنه الذهبي -في ميزان الاعتدال 3/ 133 - لا يعرف وذكر له خبرًا باطلًا اتهمه بوضعه، وإذا كان غيره فلم أجده في مظانه.

ص: 293

وحدثني الصهيبي علي بن عمر بن عاصم (1) عن علي بن عاصم] (2) عن عمران بن حدير (3) عن عكرمة (4) قال:

كان ابن عباس في جنازة، فلما وضع الميت في لحده قام رجل فقال: اللَّهم رب القرآن اغفر له، فوثب إليه ابن عباس فقال: مه (5) القرآن منه. زاد الصهيبي في حديثه فقال ابن عباس: القرآن كلام الله وليس بمربوب، منه خرج وإليه يعود.

فلما ابتدعت الجهمية هذه المقالات في أثناء المائة الثَّانية أنكر ذلك سلف الأمة وأئمتها، ثم استفحل أمرهم في أوائل المائة الثالثة بسبب ما أدخلوه في شركهم وفريتهم من ولاة الأمور، وجرت المحنة (6)

(1) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة: "الصهيبي عم علي بن عاصم" ولم أجده.

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من: س، ط.

(3)

في الأصل: "عمرو بن جدير". وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.

وهو: أبو عبيدة عمران بن حدير السدوسي البصري الإمام الحجة الثقة، روى عنه حماد بن زيد ووكيع وغيرهما. قال أحمد بن حنبل عنه: صدوق صدوق. توفي سنة 149 هـ.

راجع: سير أعلام النبلاء -للذهبي- 6/ 363، 364. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 8/ 125. وخلاصة تهذيب الكمال لصفي الدين الأنصاري ص:295.

(4)

هو: أبو عبد الله عكرمة بن عبد الله القرشي مولاهم المدني، البربري الأصل مولى ابن عباس، العلامة الحافظ المفسر الثقة، روى عنه خلق كثير من جلة التابعين وأتباعهم، قال محمد بن نصر المروزي: قد أجمع عامة أهل الحديث على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث أهل عصرنا. توفي سنة 107 هـ.

راجع: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 3/ 265، 266. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 5/ 12 - 26. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 7/ 263 - 273.

(5)

"مه" يعني: اكفف.

(6)

وهي محنة القول بخلق القرآن، ذلك أن المأمون قد استحوذ عليه جماعة من =

ص: 294

المشهورة: وكان أئمة الهدى على ما جاءت به الرسل عن الله من أن

= المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل، وزينوا له القول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله عز وجل.

يقول ابن كثير: قال البيهقي: ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أميَّة وبني العباس خليفة إلَّا على مذهب السلف ومنهاجهم، فلما ولي هو الخلافة اجتمع به هؤلاء فحملوه على ذلك وزينوا له. وفي سنة 218 هـ كتب إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يمتحن القضاة والمحدثين بالقول بخلق القرآن، وأن يرسل إليه جماعة منهم -عينهم المأمون- فامتحنهم المأمون بخلق القرآن فأجابوا إلى ذلك، وأظهروا موافقته وهم كارهون، فردهم إلى بغداد وأمر بإشهار أمرهم بين الفقهاء ففعل نائبه ذلك، ووقعت فتنة عظيمة بين النَّاس.

ثم أرسل المأمون إلى نائبه كتابًا آخر أمره فيه أن يمتحن جماعة أخرى منهم الإمام أحمد رحمه الله من أجاب منهم ترك ومن امتنع فليرسل مقيدًا بالحديد محتفظًا به، وكان ممن امتنع عن القول بخلق القرآن الإمام أحمد، ومحمد بن نوح، فأرسلا إلى المأمون وقبل أن يصلا إليه بمرحلة جاء خبر وفاته، ثم ولي الخلافة المعتصم، وقد انضم إليه أحمد بن أبي دؤاد، فردا إلى بغداد ومات محمد بن نوح في الطريق، وأدخل الإمام أحمد السجن، نحوًا من ثمانية وعشرين شهرًا، وقيل نيفًا وثلاثين شهرًا، ثم أخرج وضرب رحمه الله بين يدي المعتصم، بعد مناظرة بينه وبين قضاة المعتصم وبعض الفقهاء، واستمر الأمر في خلافة الواثق، وكان ممن يقول بخلق القرآن، وقتل محمد بن نصر وجماعة معه بسبب ذلك، إلى أن ولي المتوكل وكان من خيار الخلفاء لأنَّه أحسن الصنيع لأهل السنة، فأكرم الإمام أحمد ورفع المحنة عن النَّاس وكتب إلى الآفاق بعدم القول بخلق القرآن، وقد أورد المؤرخون هذه المحنة مفصلة ومطولة اكتفيت بمجملها هنا، وانظر ما كتبته عنها في القسم الخاص بالدراسة.

وصبر الإمام أحمد في هذه المحنة وثبوته على دفع هذا القول ثبوتًا لم يثبته غيره لئلا يتطرق إلى القرآن ما يمحو تعظيمه من النفوس ويخرجه عن الإضافة إلى الله تعالى.

راجع: تاريخ الطبري 8/ 631 فما بعدها. والكامل -لابن الأثير 6/ 423 فما بعدها، 7/ 20 فما بعدها. والبداية والنهاية -لابن كثير 10/ 308 - 310، 343 - 347، 374 - 380.

ص: 295

القرآن كلام الله تكلم به هو سبحانه، وهو منه قائم (1) به، وما كان كذلك لم يكن مخلوقًا، إنَّما المخلوق ما (2) يخلقه من الأعيان المحدثة وصفاتها، وكثير منهم يرد قول الجهمية بإطلاق القول: بأنَّ القرآن كلام الله، لأنَّ حقيقة قولهم: إنه ليس كلامه، ولا تكلم، ولا يتكلم به ولا بغيره، فإن المستقر في فطر النَّاس وعقولهم ولغاتهم، أن المتكلم بالكلام لا بد أن يقوم به الكلام، فلا يكون متكلمًا بشيء لم يقم (3) به، بل هو قائم بغيره (4)، كما لا يكون عالمًا بعلم قائمًا بغيره ولا حيًّا (5) بحياة قائمة بغيره، ولا مريدًا (6) بإرادة قائمة بغيره، ولا محبًا ومبغضًا (7) ولا راضيًا وساخطًا بحب وبغض ورضى وسخط قائم بغيره، ولا متألمًا ولا متنعمًا وفرحًا وضاحكًا بتألم وتنعم وفرح وضحك قائم بغيره، فكل ذلك عند النَّاس من العلوم الضرورية البدهية (8) الفطرية التي لا ينازعهم فيها إلّا من أحيلت فطرته، وكذلك عندهم لا يكون آمرًا (9) وناهيًا بأمر ونهي لا يقوم به بل يقوم بغيره، ولا يكون مخبرًا ومحدثًا ومنبئًا (10) بخبر

(1) في س، ط:"وقائم".

(2)

في الأصل: "من" والمثبت من: س، ط. ولعلّه المناسب للمعنى.

(3)

في الأصل: "يقر". والمثبت من: س، ط.

(4)

يقول البيهقي- في كتابه: الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد تحقيق أحمد عصام الكاتب ص: 95 - "ولا يجوز أن يكون كلام المتكلم قائمًا بغيره، ثم يكون هو به متكلمًا مكلمًا دون ذلك الغير، كما لا يجوز ذلك في العلم والسمع والبصر. . . ".

(5)

في س: "حي".

(6)

في الأصل: "ولا مريد".

(7)

في الأصل: "ومبغضًا لأمر. . . " والكلام يستقيم بدون كلمة "لأمر".

(8)

في س، ط:"البديهية".

(9)

في الأصل: "آمر". والمثبت من: س، ط.

(10)

في س: "مبينًا" وهو تصحيف.

ص: 296

وحديث ونبأ لا يقوم به بل بغيره، ولا يكون حامدًا وذامًا ومادحًا ومثنيًا بحمد وذم ومدح وثناء لا يقوم به بل بغيره، [ولا يكون مناجيًا ومناديًا وداعيًا بنجاء ودعاء ونداء لا يقوم به بل لا يقوم إلّا بغيره](1)، ولا يكون واعدًا وموعدًا بوعد ووعيد لا يقوم به بل (2) لا يقوم إلّا بغيره، ولا يكون مصدقًا ومكذبًا بتصديق وتكذيب لا يقوم به بل لا يقوم إلّا بغيره، ولا يكون حالفًا ومقسمًا وموليًا بحلف وقسم ويمين لا يقوم به ولا يقوم إلّا بغيره، بل من أظهر العلوم الفطرية الضرورية التي علمها (3) بنو آدم وجوب قيام هذه الأمور بالموصوف (4) بها وامتناع أنَّها لا تقوم به، بل لا تقوم (5) إلّا بغيره، فمن قال: إن الحمد والثناء [والأمر](6) والنهي والنبأ والخبر والوعد والوعيد والحلف واليمين والمناداة والمناجاة وسائر ما يسمى ويوصف به أنواع الكلام، يمتنع أن تكون (7) قائمة بالآمر الناهي والمناجي المنادي المنبيء المخبر الواعد (8) المتواعد الحامد المثني الذي هو الله تعالى، ويجب أن تكون قائمة بغيره، فقد خالف الفطرة الضرورية المتفق عليها بين الآدميين، وبدل لغات الخلق أجمعين، ثم مع مخالفته للمعقولات واللغات فقد كذب المرسلين أجمعين، ونسبهم إلى غاية التدليس والتلبيس على المخاطبين، لأنَّ الرسل أجمعين أخبروا أن الله أمر ونهى وقال ويقول، وقد علم بالاضطرار أن مقصودهم أن الله هو نفسه

(1) ما بين المعقوفتين ساقطة من ت س.

(2)

لا يقوم به بل: مكررة في: س.

(3)

في الأصل: "عليها". والمثبت من: س، ط. ولعلّه المناسب.

(4)

في الأصل: "الوصوف" وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط.

(5)

في س: "لا يقوم".

(6)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. يقتضيها الكلام.

(7)

في س: "يكون".

(8)

في الأصل: "الموعد" والمثبت من: س، ط. ولعلّه المناسب للكلام.

ص: 297

الذي أمر ونهى وقال، لا أن (1) ذلك شيء لم يقم به بل خلقه في غيره، ثم لو كان مقصودهم ذلك فمعلوم أن هذا ليس هو المعروف من الخطاب ولا المفهوم منه، لا عند الخاصة ولا عند العامة، بل المعروف المعلوم أن يكون الكلام قائمًا بالمتكلم، فلو أرادوا بكلامه وقوله: إنه (2) خلق في بعض المخلوقات كلامًا لكانوا قد أضلوا الخلق -على زعم الجهمية- ولبسوا عليهم غاية التلبيس، وأرادوا باللفظ ما لم يدلوا الخلق عليه، والله تعالى قد أخبر أن الرسل قد (3) بلغت البلاغ المبين، فمن نسبهم إلى هذا فقد كفر بالله ورسله، وهذا قول (4) الزنادقة المنافقين الذين هم (5) أصل الجهمية، الذين يصفون الرسل بذلك من المتفلسفة والقرامطة ونحوهم، بل كون المتكلم الآمر الناهي لا يوصف بذلك إلّا لقيام الكلام بغيره (6) مع امتناع قيامه به، أمر لا يعرف في اللغة، لا حقيقة ولا مجازًا.

وزعمت الجهمية الملحدة في أسماء الله وآياته، المحرفة للكلم عن مواضعه، المبدلة لدين الله من المعتزلة ونحوهم، أن المتكلم في اللغة من فعل الكلام، وإن كان قائمًا بغيره كالجني المتكلم على لسان الإنسي المصروع، فإنَّه هو المتكلم بما يسمع من المصروع، لأنَّه فعل ذلك وإن كان الكلام لم يقم إلّا بالإنسي دون الجني وهذا من التمويه (7) والتدليس.

(1) في الأصل، س:"لأنَّ". والمثبت من: ط. ولعلّه المناسب للمعنى.

(2)

في الأصل: "أن". والمثبت من: س، ط.

(3)

"قد": ساقطة من: س، ط.

(4)

ذكر شيخ الإسلام مقالة المعطلين لأسماء الله وصفاته، والمنحرفين عن منهج السلف وبين أصنافهم في مجموع الفتاوى 5/ 5 فما بعدها.

ونقله بتلخيص الإمام مرعي الحنبلي في كتابه "أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات. . . ص: 225 - 239.

(5)

"هم" مكررة في: س، ط.

(6)

في الأصل: "بغير". والمثبت من: س، ط.

(7)

في الأصل: "بالتمويه". والمثبت من: س، ط.

ص: 298

فأمَّا قولهم: المتكلّم مَنْ فعل الكلام، فقد نازعهم فيه طائفة من الصفاتية (1) وقالوا: بل المتكلم من قام به الكلام وإن لم يفعله كما يقوله الكلابية (2) والأشعرية (3)، وبين الفريقين في ذلك نزاع طويل (4).

وأمَّا السلف والأئمة وأكثر النَّاس فلم ينازعوهم هذا النزاع، بل قالوا: الكلام وإن قيل: إنه فعل للمتكلم، فلا بد أن يكون قائمًا به، فلا يكون الكلام كلامًا لمتكلم يمتنع أن يقوم به الكلام، وجميع المسموع من اللغات والمعلوم في فطرة البريات يوافق ذلك.

وأمَّا تكلم الجني على لسان الإنسي فلا بد أن يقوم بالجني كلام، ولكن تحريكه مع ذلك لجوارح الإنسي يشبه تحريك روح الإنسي لجوارحه بكلامه، ويشبه تحريك الإنسان بكلامه وحركته وتصويته كما يصوت بقصبة (5) ونحوها، مع أنَّه في ذلك كله قد قام به من الفعل ما يصح به نسبته (6) ذلك إليه.

وقولهم: المتكلم من فعل الكلام وإن كان قائمًا بغيره: كلام

(1) عرف بهم الشَّيخ رحمه الله فيما تقدم. راجع ص: 269.

(2)

الكلابية هم: أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب.

وقول ابن كلاب وأتباعه في كلام الله، ذكره الشَّيخ رحمه الله في الفتاوى 12/ 49 فما بعدها ورد عليه.

كما ذكر رأيهم -أيضًا- أبو الحسن الأشعري في المقالات 2/ 257، 258.

والجويني في الإرشاد ص: 119، 120.

(3)

في س: "الأشرية". وهو تصحيف. وقد تقدم التعريف بهم ص: 202.

(4)

ذكره أبو المعالي الجويني في الإرشاد ص: 109 - 118، حيث عقد لذلك فصلًا قال فيه:"المتكلم من قام به الكلام" وذكر في هذا الفصل رأي المعتزلة، وأن المتكلم عندهم من فعل الكلام، وناقشهم في قولهم هذا.

(5)

في الأصل: "يصيح بقصته". والمثبت من: س، ط.

(6)

في الأصل: "نسبته". والمثبت من: س، ط.

ص: 299

متناقض، فإن الفعل -أيضًا- لا يقوم بغير الفاعل، وإنَّما الذي يقوم بغيره هو المفعول.

وإما قول من يقول: إن الخلق لا يكون إلّا بمعنى المخلوق، فهو من بدع الجهمية، وعامة أهل الإسلام على خلاف هذا، وكذلك قال الأئمة مثل ما ذكره الإمام أحمد فيما خرجه في الرد على الزنادقة والجهمية قال (1): ففيما (2) يسأل عنه الجهمي (3) يقال له: تجد في كتاب الله أنَّه يخبر عن القرآن أنَّه مخلوق؟ فلم (4) يجد فيقال له: فلم (5) قلت؟ فيقول (6) من قول الله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (7).

وزعم أن كل مجعول مخلوق (8)، فادعى كلمة من الكلام المتشابه، يحتج بها من أراد أن يلحد في تنزيلها ويبتغي الفتنة في

(1) الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد ص: 106 - 110 ط / دار اللواء 1397 هـ تحقيق د. عبد الرحمن عميرة. وهو ما درجت على مقابلة النصوص منه.

وص 27 - 29 ط / القاهرة 1399 هـ نشر قصي محب الدين الخطيب، وسوف تكون مقابلة النص الآتي الطبعتين للاختلاف بينهما فيه.

(2)

في الرد على الجهمية- الطبعتين: "فممَّا".

(3)

"الجهمي": ساقطة من الرد على الجهمية ط / دار اللواء وتوجد في ط / القاهرة.

(4)

في س، ط، والرد على الجهمية- المطبوعتين:"فلا".

(5)

في س: "فما".

وفي ط: "فيم".

وفي الرد على الجهمية -المطبوعتين: "فمن أين". وقد ورد قبلها العبارة التالية: "فيقال له: فتجده في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: إن القرآن مخلوق- فلا يجد فيقال له. . . ".

(6)

في الرد على الجهمية ط / القاهرة: "فسيقول".

(7)

سورة الزخرف، الآية:3.

(8)

في الرد على الجهمية -الطبعتين: "وزعم أن -جعل- بمعنى -خلق- فكل مجعول بمعنى مخلوق. . . ".

ص: 300

تأويلها (1)، وذلك أن جعل في القرآن من المخلوقين على وجهين على معنى التسمية (2)، وعلى معنى فعل من أفعالهم [و] (3) قوله:{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} (4) قالوا: هو شعر وأنباء (5) الأولين وأضغاث أحلام، فهذا على معنى تسميته (6) وقال (7):{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} (8)[يعني: أنهم سموهم إناثًا](9).

ثم ذكر جعل على غير معنى التسمية (10)، فقال:{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} (11) فهذا على معنى (12) فعل من أفعالهم، وقال:{حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} (13) هذا على معنى فعل، هذا جعل المخلوقين. (14) ثم ذكر جعل من الله على معنى (خلق) وجعل على غير معنى

(1) في الأصل، س:"يلحد في تنزيلهما ويبتغي الفتنة في تأويلهما".

وفي الرد على الجهمية - المطبوعتين: "يلحد في تنزيله. . ".

والمثبت من: ط. ولعل الكلام يستقيم به.

(2)

في الأصل، س:"تسمية. والمثبت من: ط، والرد على الجهمية -المطبوعتين- وقد ورد في الرد على الجهمية ط / القاهرة: "التسمية وهي معنى فعل. . . " وهو خطأ.

(3)

"و": زيادة من الرد على الجهمية -الطبعتين- يستقيم بها الكلام.

(4)

سورة الحجر، الآية:91.

(5)

في جميع النسخ: "أو أنباء" والمثبت من الرد على الجهمية- الطبعتين. يستقيم به الكلام.

(6)

راجع هامش رقم (2) في هذه الصفحة.

(7)

في س، ط:"وقالوا". وفي الرد على الجهمية - الطبعتين: "قال".

(8)

سورة الزخرف، الآية:19.

(9)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية- الطبعتين.

(10)

في جميع النسخ: "تسمية". والمثبت من الرد على الجهمية- الطبعتين.

(11)

سورة البقرة، الآية:19.

(12)

"معنى": ساقطة من: الرد على الجهمية / ط القاهرة.

(13)

سورة الكهف، الآية:96.

(14)

من هنا تصرف الشيخ بالنص تصرفًا لا تمكن معه المقابلة.

ص: 301

(خلق)، والذي قال الله جل جلاله (جعل) على معنى (خلق) لا يكون إلّا خلقًا ولا يقوم إلا مقام خلق لا يزول عنه (1) المعنى. فممّا (2) قال الله (جعل) على معنى (خلق)، قوله (3) {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} (4) [يعني: خلق الظلمات والنور] (5)، [وقال] (6):{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} (7) يقول: خلقنا الليل والنهار آيتين، وقال:{وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} (8) وقال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} (9) يقول: خلق منها زوجها، خلق من آدم حوى، وقال:{وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} (10) ومثله في القرآن كثير، فهذا وما كان أمثاله (11) لا يكون (12) إلّا على معنى خلق.

وقوله {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} (13) لا يعني ما خلق الله من بحيرة، وقال الله لإبراهيم:{إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} (14) لا يعني إني خالقك

(1) في ط: "عن".

(2)

في جميع النسح: "فما". وهو تصحيف. والمثبت من الرد على الجهمية.

(3)

في جميع النسخ: ". . خلق كذلك قوله" والكلام لا يستقيم بدون كلمة "كذلك".

(4)

سورة الأنعام، الآية:1.

في س: "الحمد الله" بدلًا من "الحمد لله". وهو خطأ.

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من: س.

(6)

ما بين المعقوفتين زيادة يقتضيها السياق.

(7)

سورة الإسراء، الآية:12.

(8)

سورة نوح، الآية:16. في جميع النسخ: "وجعلنا الشمس. . " وهو خطأ.

(9)

سورة الأعراف، الآية:189.

(10)

سورة النمل، الآية:61.

(11)

في س، ط:"مثاله".

(12)

في س، ط:"لا يكون مثاله".

(13)

سورة المائدة، الآية:103.

(14)

سورة البقرة، الآية:124.

ص: 302

للناس إمامًا، لأن خلق إبراهيم كان متقدمًا، قال إبراهيم:{رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} (1)، وقال:{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ} (2) لا يعني أخلقني (3) مقيم الصلاة، وقال:{يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ} (4) لا يعني يريد الله ألا يخلق لهم حظًّا في الآخرة، وقال لأم موسى:{إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (5) لا يعني وخالقوه من المرسلين، لأن الله تعالى وعد أم موسى أن يرده إليها ثم يجعله من بعد ذلك مرسلًا، وقال:{وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} (6) لا يعني فيخلقه في جهنم، وقال:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (7). وقال: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (8) لا يعني خلقه دكًّا ومثله في القرآن كثير.

فهذا (9) وما كان على مثاله لا يكون على معنى خلق، فإذا قال تعالى (جعل) على معنى (خلق)، وقال (جعل) على معنى غير (10) (خلق) فبأي حجة قال الجهمي:(جعل) على معنى الخلق؟، فإن رد

(1) سورة إبراهيم، الآية:35.

(2)

سورة إبراهيم، الآية:40.

(3)

في ط: "خلقني".

(4)

سورة آل عمران، الآية:176.

(5)

سورة القصص، الآية:7.

(6)

سورة الأنفال، الآية:37.

(7)

سورة القصص، الآية:5.

(8)

سورة الأعراف، الآية:143.

(9)

من هنا يمكن مقابلة النص الذي نقله الشيخ من كتاب "الرد على الجهمية. . . ".

(10)

في س وط والرد على الجهمية الطبعتين "على غير معنى".

ص: 303

[الجهمي](1) الجعل إلى المعنى الذي وصفه الله فيه، وإلا كان من الذين يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعدما عقلوه وهم يعلمون، فلما قال الله عز وجل:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (2) يقول: جعله جعلًا على معنى فعل من أفعال (3) الله غير معنى (4) خلق، وقال في سورة يوسف:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (5) وقال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (6) وقال: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} (7) فلما جعل الله القرآن عربيًّا ويسره بلسان نبيه، كان ذلك فعلًا (8) من أفعال الله جعل به القرآن (9) عربيًّا، ففي (10) هذا بيان لمن أراد الله هداه.

وقال البخاري في صحيحه (11): باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرهما من الخلائق، وهو فعل الرب وأمره، فالرب بصفاته وفعله وأمره وكلامه (12) هو الخالق المكون (13) غير مخلوق، وما كان

(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية في الطبعتين.

(2)

سورة الزخرف، الآية:3.

في ط: وفي الرد على الجهمية- الطبعتين: تكملة الآية {. . لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} .

(3)

في س: "أفعل".

(4)

في الأصل: "معنى غير" وأثبت الأقرب لفهم اللفظ من: س، ط.

(5)

الآية 2. وفي الأصل: "جعلنا" وهو خطأ. وهذه الآية والكلام الذي قبلها لم يرد في الرد على الجهمية- الطبعتين.

(6)

سورة الشعراء، الآية:195.

(7)

سورة مريم، الآية:97.

(8)

في جميع النسخ: "فعل". والمثبت من الرد على الجهمية- الطبعتين.

(9)

في الرد على الجهمية- الطبعتين: ". . القرآن به. . ".

(10)

في الرد على الجهمية في الطبعتين: "يعني".

(11)

صحيح البخاري 8/ 187 - كتاب التوحيد- باب رقم 27.

(12)

"كلامه": لا توجد في صحيح البخاري. وقد أشير إليها بالحاشية ب. . . وأمره وكلامه نخـ. . .

(13)

في صحيح البخاري: "وهو الخالق هو المكون. . . ".

ص: 304

بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكون (1).

وقال (2) الإمام أحمد فيما أخرجه في الرد على الجهمية بيان ما أنكرت الجهمية أن (3) يكون الله كلم موسى صلى الله عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء:

(قلنا لم (4) أنكرتم ذلك؟ قالوا: لأن (5) الله لم يتكلم ولا يتكلم، إنما كوّن شيئًا فعبر عن الله، وخلق صوتًا فسمع، فزعموا (6) أن الكلام لا يكون إلّا من جوف وفم وشفتين ولسان (7)، فقلنا: فهل [يجوز](8) لمكون أو لغير (9) الله أن يقول لموسى: {لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (10) و {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} (11) فمن زعم ذلك فقد زعم أن غير الله ادعى الربوبية ولو كان (12) كما زعم الجهمية أن الله كون شيئًا كان يقول ذلك المكون: {يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (13) لا (14) يجوز أن

(1) في صحيح البخاري: "ومكون" وقد أشير بالحاشية: "مخلوق مكون نخـ".

(2)

في الرد على الجهمية والزنادقة ص: 130 - 134.

(3)

في الرد على الجهمية. .: "من أن. . ".

(4)

في الأصل، س:"قلنا لما". وفي الرد على الجهمية: "فقلنا لما". والمثبت من: ط.

(5)

في س: "لا أن". وفي الرد على الجهمية: "أن. . . ".

(6)

في الرد على الجهمية: "فأسمع، وزعموا. . ".

(7)

في الأصل: ". . ولسانًا".

(8)

"يجوز" زيادة من: س، ط. والرد على الجهمية:"فهل يجوز".

(9)

في الرد على الجهمية: "أو غير. . ".

(10)

سورة طه، الآية:14.

(11)

سورة طه، الآية:12. وفي الرد على الجهمية ذكر الآية 12 قبل الآية 14.

(12)

"ولو كان" ساقطة من: الرد على الجهمية. . .

(13)

سورة القصص، الآية:30.

في س، ط:"أن الله" وهو خطأ.

(14)

في ط: "ولا".

ص: 305

يقول: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (1) وقد قال الله جل ثناؤه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (2) وقال: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} (3) وقال: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} (4) فهذا منصوص القرآن.

قال (5): وأما (6) ما قالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم (7) فكيف يصنعون بحديث سليمان الأعمش عن خيثمة (8) عن عدي بن حاتم الطائي (9). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1) سورة القصص، الآية:30.

قوله: "لا يجوز أن يقول: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} " لا توجد في الرد على الجهمية والزنادقة.

(2)

سورة النساء، الآية:164.

(3)

سورة الأعراف، الآية:143.

(4)

سورة الأعراف، الآية:144.

(5)

يعني الإمام أحمد رحمه الله.

(6)

في الرد على الجهمية: "فإما. . ".

(7)

في الرد على الجهمية: "إن الله لا يتكلم فكيف. . ".

(8)

هو: خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة يزيد بن مالك بن عبد الله الجعفي الكوفي، تابعي، لأبيه وجده صحبة قال عنه ابن معين والنسائي: ثقة. مات بعد 80 هـ.

راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد 6/ 286، 287. والجرح والتعديل -لابن أبي حاتم 2/ 1 / 393 ت:1808. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 3/ 178، 179.

(9)

هو: أبو طريف عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي الطائي، له صحبة، وهو ولد حاتم طي الذي يضرب المثل بجوده أسلم سنة 9 هـ، وثبت على إسلامه في الردة، وأحضر صدقة قومه إلى أبي بكر الصديق وشهد فتح العراق، كما شهد صفين مع علي رضي الله عنه توفي سنة 68 هـ.

راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم 2/ 3 / 82 ت: 1. وسير أعلام =

ص: 306

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس (1) بينه وبينه ترجمان"(2).

قال: وأما قولهم: إن الكلام لا يكون إلّا من جوف وفم وشفتين ولسان، أليس الله عز وجل قال للسموات والأرض:{ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (3)، أترى (4) أنها قالت: بجوف وشفتين ولسان (5)؟، وقال الله:{وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ} (6)، أتراها أنها سبحت بجوف وفم (7) ولسان وشفتين؟ والجوارح إذا شهدت على الكافر فقال (8):{لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} (9) أتراها

= النبلاء -للذهبي 3/ 162 - 165. والإصابة في تمييز الصحابة -لابن حجر - 2/ 468.

(1)

في الرد على الجهمية: "ربه ما بينه وبينه".

(2)

رواه مسلم بهذا اللفظ وبقيته: ". . فينظر أيمن منه فلا يرى إلّا ما قدم، وينظر أشأم منه -أي: إلى جانبه الأيسر- فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا الله ولو بشق تمرة".

راجع: صحيح مسلم 2/ 703، 704 كتاب الزكاة- باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، وأنها حجاب من النار. حديث / 67.

ورواه البخاري 8/ 202 كتاب التوحيد / باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم. مع اختلاف يسير في اللفظ.

(3)

سورة فصلت، الآية:11.

(4)

في س، ط:"أتراه".

وفي الرد على الجهمية: "أتراها".

(5)

في الرد على الجهمية: "بجوف وفم وشفتين ولسان وأدوات. . ".

(6)

سورة الأنبياء، الآية:79.

(7)

في س، ط:". . بفم وجوف. . ".

وفي الرد على الجهمية: "أتراها سبحت. . ".

(8)

في س، ط، والرد على الجهمية:"فقالوا".

(9)

سورة فصلت، الآية:21.

ص: 307

نطقت (1) بجوف وشفتين (2) وفم ولسان؟ ولكن الله أنطقها كيف شاء [وكذلك الله تكلم كيف شاء](3) من غير أن يقول [بـ](4) فم ولسان وشفتين (5).

قال: فلما خنقته الحجج قال (6): إن الله كلم موسى، إلا أن كلامه غيره، فقلنا: وغيره مخلوق؟ قال: نعم. قلنا (7): هذا مثل قولكم الأول، إلّا أنكم تدفعون الشنعة عن أنفسكم (8) بما تظهرون.

وحديث الزهري (9) قال: لما سمع موسى كلام ربه قال: يا رب هذا الكلام (10) الذي سمعته هو كلامك؟ قال: نعم يا موسى هو كلامي، [وإنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولي قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك](11)، وإنما كلمتك على قدر ما يطيق بدنك، ولو كلمتك بأكثر

(1) في الرد على الجهمية: "أنها نطقت".

(2)

"وشفتين": ساقطة من: الرد على الجهمية.

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من: الرد على الجهمية. أرى أن الكلام يستقيم بها.

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة أضفتها ليستقيم بها الكلام.

(5)

في ط: "وشفتان".

وفي الرد على الجهمية: "بجوف ولا فم ولا شفتين ولا لسان".

(6)

في س: "وقال".

(7)

في الرد على الجهمية: "فقلنا".

(8)

في الرد على الجهمية: "تدفعون عن أنفسكم الشنعة. . ".

(9)

هو: أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي الزهري، أعلم الحفاظ. قال عنه عمرو بن دينار: ما رأيت أنص للحديث من الزهري. وقال الإمام مالك: بقي ابن شهاب، وماله في الدنيا نظير، ولد سنة 50 هـ، وتوفي سنة 124 هـ.

راجع: حلية الأولياء -لابن نعيم- 3/ 360 - 381. وتهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 390 - 392. وتذكرة الحفاظ -للذهبي 1/ 108 - 113.

(10)

"الكلام" ساقطة من: الرد على الجهمية.

(11)

ما بين القوسين ساقطة من: الرد على الجهمية.

ص: 308

من ذلك مت (1)، قال: فلما رجع موسى إلى قومه قالوا له: صف لنا كلام ربك، فقال (2): سبحان الله!! وهل أستطيع أن أصفه لكم.

قالوا: فشبهه (3)، قال: أسمعتم (4) أصوات الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها فكأنه مثله (5).

قال: وقلنا (6) للجهمية: من القائل لعيسى يوم القيامة {يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (7) أليس الله هو القائل؟

قالوا: يُكَوِّن (8) الله شيئًا يعبر عن الله، كما كَوَّن [شيئًا فعبر](9) لموسى.

فقلنا (10): فمن القائل: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ

(1) في الرد على الجهمية: "لمت".

(2)

في الرد على الجهمية: "قال".

(3)

في س، ط:"قال تشبهه".

(4)

في الرد على الجهمية: "هل سمعتم".

(5)

رواه البيهقي في الأسماء والصفات ص: 275.

ورواه أيضًا -ابن كثير في تفسيره 1/ 588 تفسير سورة النساء الآية 163، كلاهما عن جابر بن عبد الله بلفظ قريب مما ذكره الشيخ عن الإمام أحمد لكنهما ذكرا أن في سنده الفضل بن عيسى الرقاش، وهو ضعيف.

(6)

في الأصل: فقلنا، ولعل الصواب ما أثبته من س وط والرد على الجهمية.

(7)

سورة المائدة، الآية:116.

(8)

في الرد على الجهمية: "فيكون".

(9)

ما بين المعقوفتين زيادة من: الرد على الجهمية.

وفي س: "كما كون لموسى فعبر".

وفي ط: "كون فعبر لموسى".

ولعل الكلام يستقيم بهذه الزيادة.

(10)

في الرد على الجهمية: "قلنا".

ص: 309

الْمُرْسَلِينَ} (1) أليس الله هو الذي يسأل؟ قالوا: هذا كله إنما (2) يُكَون الله (3) شيئًا فيعبر عن الله، قلنا: قد أعظمتم على الله (4) الفرية حين (5) زعمتم أن الله لا يتكلم، فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله، لأن الأصنام لا تتكلم ولا تتحرك ولا تزول (6) من (7) مكان إلى مكان.

فلما ظهرت عليه الحجة قال:

أقول: إن الله قد (8) يتكلم ولكن كلامه مخلوق. قلنا: وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق [فقد شبهتم الله تبارك وتعالى بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق](9)، ففي مذهبكم أن الله قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم، وكذلك بنو آدم كانوا لا يتكلمون حتى خلق لهم (10) كلامًا، فقد (11) جمعتم بين كفر وتشبيه فتعالى (12) الله عن هذه الصفة، بل نقول (13): إن الله -جل ثناؤه- لم يزل متكلمًا إذا شاء، ولا نقول: إنه كان ولا يتكلم حتى خلق كلامًا (14)، ولا نقول: إنه قد

(1) سورة الأعراف، الآية:6.

(2)

في س: "أيما". وهو تصحيف.

(3)

لفظ الجلالة غير موجود في: الرد على الجهمية.

(4)

لفظ الجلالة غير موجود في: س.

(5)

في س، ط:"حتى".

(6)

في ط: "أو لا تزول".

(7)

في س، ط:"عن".

(8)

"قد": ساقطة من: الرد على الجهمية.

(9)

ما بين القوسين ساقطة من: س، ط.

(10)

في الرد على الجهمية: الله لهم.

(11)

في الرد على الجهمية: وقد.

(12)

في الرد على الجهمية: وتعالى.

(13)

في الأصل: فنقول. والمثبت من: س، ط، والرد على الجهمية.

(14)

في الرد على الجهمية: الكلام.

ص: 310

كان لا يعلم حتى خلق علمًا فعلم، ولا نقول: إنه [قد](1) كان ولا قدرة (2) حتى خلق لنفسه قدرة (3)، ولا نقول: إنه [قد](4) كان ولا نور له حتى خلق لنفسه نورًا، ولا نقول: إنه كان ولا عظمة (5) حتى خلق لنفسه عظمة.

فقالت الجهمية لنا (6): لما وصفنا من الله هذه الصفات (7): إن زعمتم أن الله ونوره، والله وقدرته، والله وعظمته، فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم (8) أن الله لم يزل ونوره، ولم يزل وقدرته.

فقلنا (9): لا نقول: إن الله لم يزل وقدرته ولم يزل ونوره، ولكن نقول: لم يزل بقدرته ونوره لا متى قدر (10) ولا كيف قدر؟.

فقالوا (11): لا تكونون موحدين أبدًا حتى تقولوا: كان الله ولا شيء.

فقلنا: نحن نقول: كان (12) الله ولا شيء، ولكن إذا قلنا: إن الله لم يزل بصفاته كلها، أليس إنما نصف إلهًا واحدًا بجميع صفاته؟ وضربنا

(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية.

(2)

في الرد على الجهمية: ولا قدرة له.

(3)

في الرد على الجهمية: القدرة.

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، الرد على الجهمية.

(5)

في الرد على الجهمية: قد كان ولا عظمة له. . .

(6)

لنا: ساقطة من الرد على الجهمية.

(7)

في الرد على الجهمية: لما وصفنا الله بهذه الصفات.

(8)

في الرد على الجهمية "زعموا".

(9)

في الرد على الجهمية: قلنا.

(10)

في الأصل: وقد. وهو تصحيف والمثبت من: س، ط، والرد على الجهمية.

(11)

في الأصل: تقولون. وفي س: تقول. والمثبت من: ط، والرد على الجهمية. . وفيه: قد كان.

(12)

في الرد على الجهمية: قد كان.

ص: 311

لهم مثلًا في (1) ذلك فقلنا لهم (2): أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذع (3) وكرب وليف وسعف وخوص وجمار؟ واسمها اسم واحد، سميت (4) نخلة بجميع صفاتها، فكذلك الله -جل ثناؤه- وله المثل الأعلى بجميع صفاته إله واحد، لا نقول: إنه قد كان في وقت من الأوقات ولا قدرة له حتى خلق قدرة (5)، والذي ليس له قدرة هو عاجز، ولا نقول: إنه (6) قد كان في وقت من الأوقات ولا علم له حتى خلق فعلم (7)، والذي لا يعلم فهو (8) جاهل، ولكن نقول: لم يزل الله قادرًا عالمًا مالكًا (9) لا متى ولا كيف؟ وقد سمى الله رجلًا كافرًا اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي فقال: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} (10) وقد كان لهذا (11) الذي سماه الله (وحيدًا) عينان (12) وأذنان ولسان وشفتان ويدان ورجلان، وجوارح كثيرة، فقد سماه الله (وحيدًا) بجميع صفاته، فكذلك الله وله المثل الأعلى، هو بجميع صفاته إله واحد (13).

(1) في الرد على الجهمية:. . لهم في ذلك مثلًا. .

(2)

"لهم" ساقطة من: الرد على الجهمية.

(3)

في س، ط: جذوع.

(4)

في الرد على الجهمية:. . . شيء واحد وسميت. . .

(5)

في الرد على الجهمية:. . له قدرة. .

(6)

إنه: ساقطة من: الرد على الجهمية.

(7)

في الرد على الجهمية:. . خلق له علمًا فعلم.

(8)

في الرد على الجهمية: هو.

(9)

مالكًا: ساقطة من: الرد على الجهمية.

(10)

سورة المدثر، الآية:11.

(11)

في ط: أو قد كان. . .

وفي الرد على الجهمية، وقد كان هذا.

(12)

في الرد على الجهمية: له عينان.

(13)

انتهى كلام الإمام أحمد رحمه الله.

ص: 312

وكذلك ذكر الأشعري في المقالات (1) اختلاف المعتزلة في أن الباري متكلم فقال:

(اختلفت المعتزلة في ذلك، فمنهم من أثبت الباري متكلمًا، ومنهم من امتنع أن يثبت الباري متكلمًا، وقال: لو أثبته (2) متكلمًا لثبته (3) منفعلًا (4)، والقائل لهذا (5) الإسكافي (6) وعباد بن سليمان (7)).

قلت: وأما نقل أبي الحسين البصري (8) اتفاق المسلمين على أن

(1) مقالات الإسلاميين 1/ 262.

(2)

في س: ولو قال: لو ثبته.

وفي ط: ولو قال: ولو أثبته.

وفي المقالات:. . . ثبته. .

(3)

في ط: لأثبته.

(4)

في س، ط: منفصلًا.

وفي المقالات: متفعلًا.

(5)

في المقالات: بهذا.

(6)

هو: أبو جعفر محمد بن عبد الله السمرقندي الإسكافي، من متكلمي المعتزلة وأحد أئمتهم، تنسب إليه الطائفة الإسكافية منهم، أعجب به المعتصم كثيرًا فأدناه وأجزل له عطاءه، له مناظرات مع الكرابيسي وغيره. توفي سنة 240 هـ. انظر: الأنساب -للسمعاني 1/ 234، 235. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 10/ 550، 551. والأعلام -للزركلي 7/ 92.

(7)

هو: أبو سهل عباد بن سليمان البصري المعتزلي، من أصحاب هشام الفوطي، خالف المعتزلة في أشياء كثيرة اخترعها لنفسه، وله كتب عديدة في الاعتزال وكان في أيام المأمون، وهو من الطبقة السابعة من المعتزلة، قال عنه أبو الحسين الملطي: كان أحد المتكلمين فملأ الأرض كتبًا وخلافًا وخرج عن حد الاعتزال إلى الكفر والزندقة.

راجع: لسان الميزان -لابن حجر 3/ 229، 230. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 10/ 551، 552. والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع -للملطي - ص: 39.

(8)

هو: أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري المتكلم على مذهب =

ص: 313

الباري متكلم، ونقل من أخذوا ذلك عنه كالرازي (1) وغيره فليس بمستقيم، فإن أبا الحسين كان يأخذ ما يذكره مشايخه البصريون وما نقلوه، وهؤلاء يوافقون [المسلمين على إطلاق القول بأن الله متكلم فيوافقون](2) أهل الإيمان في اللفظ، وهم في المعنى قائلون بقول من نفى ذلك، فإذا ذكر الإجماع على هذا الإطلاق (3)، ظن المستمع

= المعتزلة، وهو أحد أئمتهم الأعلام المشار إليه في هذا الفن، قال عنه ابن حجر: ليس بأهل للرواية. له تصانيف منها: شرح الأصول الخمسة. توفي ببغداد سنة 436.

راجع: وفيات الأعيان -لابن خلكان 4/ 271. ولسان الميزان -لابن حجر 5/ 298. والأعلام- للزركلي 7/ 161.

(1)

أبو الحسين له كتاب المعتمد -وهو كتاب كبير منه أخذ الرازي كتاب المحصول.

راجع: وفيات الأعيان -لابن خلكان 4/ 271.

وقد تكلم الرازي -في المحصول 1/ 1 / 235، 236، تحقيق د. طه جابر فياض- عن ماهية الكلام فقال: "اعلم أن لفظة الكلام عند المحققين -منا- تقال بالاشتراك على المعنى القائم بالنفس، وعلى الأصوات المتقطعة المسموعة. ثم أوضح القسم الأول في كتابه: محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين. . .

مراجعة طه عبد الرؤوف ص: 172 - 174، فعقد لذلك مسألة قال فيها:"اتفق المسلمون على إطلاق لفظ المتكلم على الله تعالى، ولكنهم اختلفوا في معناه. . . ".

وذكر احتجاج أصحابه بأن الله متكلم بكلام النفس غير متكلم بالكلام الذي هو الحروف والأصوات. وناقش المعتزلة لإنكارهم هذه الماهية.

(2)

ما بين المعقوفتين: ساقط من: س.

(3)

في س: لإطلاق.

ص: 314

لذلك (1) أن التنازع (2) في تفسير (3) اللفظ كالنزاع في تفسير (4) بعض آيات القرآن وليس كذلك، بل النفاة حقيقة قولهم نفي أن يكون الله متكلمًا كما يصرح بذلك من يصرح منهم، ولكن وافقوا المسلمين على إطلاق اللفظ، نفاقًا من زنادقتهم، وجهلًا من سائرهم.

وهذا الذي بينه الإمام أحمد هو محض السنة وصريحها الذي كان عليه أئمتها، وقد خلصه تخليصًا لا يعرف قدره إلا خواص الأمة الذين يعرفون مزال أقدام الأذكياء الفضلاء في هذه المهمة الغبراء، حتى كثر بين الفرق من الخصومات والأهواء، وسائر الناس يقولون بذلك من وجه دون وجه.

قال الحافظ أبو الشيخ الأصبهاني (5): في كتاب السنة (6) قرأت كتاب شاكر عن أبي زرعة (7) قال: إن الذي عندنا أن القوم لم يزالوا

(1) في الأصل: ذلك.

والمثبت من: س، ط.

(2)

في ط: النزاع.

(3)

في س، ط: تغيير.

(4)

في س، ط: تغيير.

(5)

تقدم التعريف به ص: 166.

(6)

ذكر هذا الكتاب خير الدين الزركلي في الأعلام 4/ 264 ضمن آثار ابن الشيخ دون ذكر أية معلومات عنه.

أما الكتب التي تهتم بهذا الأمر فلم تشر إليه ككشف الظنون وهدية العارفين ومعجم المؤلفين، وتاريخ التراث العربي -لسزكين.

لكن تاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- ذكر أن كتاب عظمة الله ومخلوقاته -والذي تذكره المصادر التي كتبت عن أبي الشيخ- يبحث أكثر ما يبحث في السنة لكن هل هو أو لا؟ هذا ما لم أصل إليه.

وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكر هذا المؤلف لأبي الشيخ في: درء تعارض العقل والنقل 7/ 108، كما ذكره ابن القيم في زاد المعاد 3/ 56.

(7)

هو: عبيد بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ الرازي، أحد الأئمة الحفاظ، ومحدث =

ص: 315

يعبدون خالقًا كاملًا بصفاته (1)، ومن زعم أن الله كان ولا علم ثم خلق علمًا فعلم بخلقه، أولم يكن متكلمًا فخلق كلامًا ثم تكلم به، أو لم يكن سميعًا بصيرًا ثم خلق سمعًا وبصرًا فقد نسبه إلى النقص، وقائل هذا كافر، ولم يزل الله كاملًا بصفاته لم يحدث فيه صفة ولا تزول عنه صفة قبل أن يخلق الخلق، وبعدما خلق الخلق كاملًا بصفاته، فمن وجه أن الرب تبارك وتعالى يتكلم كيف يتكلم بشفتين ولسان، وتبدو (2) لهواته (3) فهذه (4) السماوات والأرض قال لها (5):{ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (6) أفهاهنا شفتان ولسان ولهوات؟

قلت: أبو زرعة الرازي كان يشبّه بأحمد بن حنبل، في حفظه وفقهه ودينه ومعرفته، وأحمد كان عظيم الثناء عليه وداعيًا له، وهذا المعنى الذي ذكره هو في كلام الإمام أحمد في مواضع، كما ذكره الخلال في كتاب السنة عن حنبل، وقد ذكره حنبل في كتبه مثل: كتاب السنة والمحنة (7) لحنبل.

= الري، روى عنه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم. يقول ابن أبي شيبة: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة. ولد سنة 200 هـ، وتوفي سنة 264 هـ.

راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 326 - 327. وتذكرة الحفاظ -للذهبي 2/ 557، 558. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 7/ 30 - 33.

(1)

في س، ط: لصفاته.

(2)

تبدو: بياض في: س، وساقطة من: ط.

(3)

اللهوات: جمع لهات، وهي أقصى الفم.

راجع: لسان العرب -لابن منظور 15/ 262 (لها).

(4)

في الأصل، س: فهذا. والمثبت من: ط.

(5)

في س، ط: لهما.

(6)

سورة فصلت، الآية:11.

(7)

لعله كتاب "المحنة" أو "محنة ابن حنبل" الذي أشارت إليه الكتب التي ترجمت لحنبل بن إسحاق، والكتاب مطبوع بتحقيق محمد نغش- القاهرة 1397 ويتكون من 118 صفحة، والنقول التي ذكرها الشيخ عن حنبل لم أجدها =

ص: 316

قال حنبل: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروي أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث، فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق بها، ولا كيف؟ ولا معنى ولا نرد منها شيئًا، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق إذا (1) كانت بأسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف (2) الله تبارك وتعالى بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ليس كمثله شيء.

وقال حنبل في موضع آخر، قال: ليس كمثله شيء في ذاته، كما (3) وصف به نفسه، وقد (4) أجمل تبارك وتعالى بالصفة لنفسه فحد لنفسه صفة: ليس يشبهه شيء، فنعبد الله بصفاته، غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه، قال الله تبارك وتعالى:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (5).

= في هذا الكتاب المطبوع، والذي يظهر أنه جزء من كتاب "المحنة".

قال المحقق في المقدمة: ". . إذن ما زالت مشكلات التحقيق قائمة لعدم وجود الجزء الأول من المحنة".

راجع: هدية العارفين -للبغدادي- 1/ 338. ومعجم المؤلفين -لكحالة 4/ 86. والأعلام- للزركلي 2/ 321، 322. وتاريخ التراث العربي لسزكين 1/ 3 / 230، 231.

وانظر: عن طباعته الفهرس الموحد الذي أعده قسم الفهرسة والتصنيف بجامعة الإمام. . . 2/ 1018.

(1)

في س: إذ.

(2)

في الأصل: نوصف. والمثبت من: س، ط.

(3)

في الأصل: "وكما". والمثبت من: س، ط.

(4)

في الأصل: "قد". والمثبت من: س، ط.

(5)

سورة الشورى، من الآية:11.

ص: 317

قال حنبل في موضع آخر: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) بلا حد ولا تقدير، ولا يبلغه (2) الواصفون. وصفاته منه وله ولا نتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه ولا نتعدى ذلك ولا تبلغه صفة الواصفين (3)، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته -بشناعة شنعت- (4) ووصفًا وصف به نفسه من كلام ونزول (5) وخلوة بعبده يوم القيامة، ووضعه كنفه (6) عليه، هذا كله يدل على أن الله تبارك وتعالى يرى في الآخرة (7)، والتحديد في هذا بدعة، والتسليم لله بأمره بغير صفة ولا حد، إلّا بما وصف به نفسه سميع بصير لم يزل متكلمًا عليمًا (8) غفورًا عالم الغيب والشهادة علام

(1){وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} زيادة من: س، ط.

(2)

في الأصل، س:"يبلغ". والمثبت من: ط.

(3)

في الأصل: "الواصفون". والمثبت من: س، ط.

(4)

في الأصل: "بشفاعة شفعت". ولعله خطأ من الناسخ.

والمثبت من: س، ط.

(5)

في س: "ونزوله".

(6)

كنف الله: رحمته وستره.

راجع: لسان العرب 9/ 308 (كنف).

ووضع الرب كنفه على عبده ثابت، فقد روى البخاري في صحيحه 7/ 89 كتاب الأدب -باب ستر المؤمن على نفسه- عن صفوان بن محرز أن رجلًا سأل ابن عمر كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى، قال:"يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقول: عملت كذا وكذا، فيقول: نعم، ويقول: عملت كذا وكذا، فيقول: نعم، فيقرره، ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم".

ورواه مسلم بلفظ آخر في صحيحه 4/ 2120 كتاب التوبة -باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله. الحديث رقم 52.

(7)

راجع ص: 255.

(8)

في س، ط:"عالمًا".

ص: 318

الغيوب، فهذه صفات وصف بها نفسه لا ترد ولا تدفع (1)، وهو على العرش بلا حد، كما قال تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (2) كيف شاء، المشيئة إليه عز وجل والاستطاعة له، ليس كمثله شيء، وهو خالق كل شيء، وهو كما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير، [وقال تعالى حكاية عنه] (3) قول إبراهيم لأبيه:{لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ} (4) فثبت أن الله سميع بصير، فصفاته منه لا نتعدى القرآن والحديث، والخبر بضحك الله (5)، ولا نعلم كيف ذلك إلّا بتصديق الرسول

(1) في الأصل: لا نرد ولا ندفع. والمثبت من: س، ط.

(2)

سورة الأعراف، الآية:54.

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. وبياض بقدر كلمة في الأصل. وبياض بقدر أربع كلمات في: س.

(4)

سورة مريم، الآية:42.

(5)

الأخبار الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في إثبات الضحك لله تعالى كثيرة، أذكر منها ما يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد".

راجع: صحيح البخاري 3/ 210 كتاب الجهاد- باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل.

ورواه مسلم في صحيحه 3/ 1504 كتاب الإمارة -باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة. بلفظ قريب من لفظ البخاري وإثبات الضحك لله تعالى مذهب أهل الحق من غير كيف، بل يثبتون له هذه الصفة على الوجه الذي وردت به النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير تكييف ولا تمثيل (ليس كمثله شيء).

يقول محمد بن الحسين الآجري، في كتابه "الشريعة ص: 277 " تحت باب الإيمان بالله عز وجل يضحك:

"اعلموا -وفقنا الله وإياكم للرشاد من القول والعمل- أن أهل الحق يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه عز وجل وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم وبما وصفه به الصحابة رضي الله عنهم وهذا مذهب العلماء ممن اتبع ولم يبتدع، ولا يقال فيه: كيف؟ بل التسليم له، والإيمان به: أن الله عز وجل =

ص: 319

وتثبيت (1) القرآن، لا يصفه الواصفون ولا يحده أحد، تعالى الله عما يقوله (2) الجهمية والمشبهة.

قلت له: والمشبهة ما يقولون؟

قال: من قال بصر كبصري، ويد كيدي -وقال حنبل في موضع آخر: وقدم كقدمي- فقد شبه الله بخلقه، وهذا يحده، وهذا كلام سوء، وهذا محدود، الكلام في هذا لا أحبه.

قال عبد الله: جردوا القرآن (3).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يضع قدمه"(4) نؤمن به ولا نحده ولا نرده على

= يضحك. كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته رضي الله عنهم فلا ينكر هذا إلّا من لا يحمد حاله عند أهل الحق. . ".

ثم ذكر رحمه الله الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن عدد من الصحابة من طرق مختلفة.

ثم قال بعد إيرادها ص: 284:

"هذه السنن كلها نؤمن بها ولا نقول فيها: كيف؟ والذين نقلوا هذه السنن، هم الذين نقلوا إلينا السنن في الطهارة، وفي الصلاة، وفي الزكاة والصيام والحج والجهاد وسائر الأحكام من الحلال والحرام، فقبلها العلماء منهم أحسن قبول، ولا يرد هذه السنن إلّا من يذهب مذهب المعتزلة، فمن عارض فيها أوردها أو قال: كيف؟ فاتهموه واحذروه".

(1)

في ط: وتبيين.

(2)

في س، ط: يقول.

(3)

يعني: عبد الله بن مسعود، وتتمة قوله:". . . ولا تكتبوا فيه شيئًا إلا كلام الله".

راجع: السنة: لعبد الله بن أحمد بن حنبل ص: 23.

(4)

رواه البخاري في صحيحه 6/ 47 تفسير سورة (ق) - باب قوله: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يلقى في النار وتقول هل من مزيد؟ حتى يضع قدمه فتقول قط قط".

ورواه الترمذي بلفظ آخر عن أنس بن مالك 5/ 390 - كتاب تفسير القرآن - باب ومن سورة (ق) - الحديث رقم 3272.

ص: 320

رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل نؤمن به، قال الله تبارك وتعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1)، فقد أمرنا الله عز وجل بالأخذ بما جاء، والنهي عما نهى، وأسماؤه وصفاته غير مخلوقة، ونعوذ بالله من الزلل والارتياب والشك، إنه على كل شيء قدير.

قال الخلال: وزادني (2) أبو القاسم ابن (3) الجبلي (4) عن (5) حنبل في هذا الكلام، وقال تبارك وتعالى:{لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (6){لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} (7) هذه صفات الله عز وجل وأسماؤه تبارك وتعالى.

وقد روى البخاري في صحيحه (8) عن سعيد بن جبير (9) عن ابن

(1) سورة الحشر، الآية:7.

(2)

في الأصل، ط: وناداني، والمثبت من: س.

(3)

في ط: أين.

(4)

هو: أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن الجبلي، كان يفتي الناس بالحديث، يقول عنه الخطيب البغدادي: كان يذكر بالفهم ويوصف بالحفظ، ولد سنة 212 هـ، وتوفي سنة 281 هـ.

راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 6/ 378. والوافي بالوفيات -للصفدي 8/ 395. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 13/ 343، 344.

(5)

في ط: من.

(6)

سورة البقرة، الآية:255.

(7)

سورة الحشر، الآية:23.

(8)

صحيح البخاري 6/ 35، 36 - تفسير سورة (حم السجدة).

(9)

هو: أبو محمد سعيد بن جبير بن هشام الأسدي مولاهم الكوفي، أحد الأعلام، الحافظ المقرئ المفسر الشهيد، يقول ابن حجر: قال أبو القاسم الطبري، هو ثقة إمام حجة على المسلمين. . مات مقتولًا على يد الحجاج سنة 95 هـ رحمه الله.

راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد 6/ 256 - 267. وسير أعلام النبلاء للذهبي 4/ 321 - 342. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 4/ 11 - 14.

ص: 321

عباس قال: قال رجل (1) لابن عباس: إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، قال:{فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} (2){وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} (3)، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (4)، {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (5) فقد كتموا في هذه الآية، وقال:{أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إلى قوله: {دَحَاهَا} (6)، فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض، ثم قال:{أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا} إلى {طَائِعِينَ} (7)، فذكر في هذه الآية خلق الأرض قبل السماء، وقال: وكان الله غفورًا رحيمًا، وكان الله (8) عزيزًا حكيمًا، وكان الله (4) سميعًا بصيرًا، فكأنه كان، ثم مضى. فقال: لا أنساب (9) في النفخة الأولى: ثم نفخ (10) في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فلا أنساب بينهم (11) عند ذلك ولا يتساءلون. ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون.

(1) قال العيني في عمدة القاري 19/ 150: الظاهر أنه نافع بن الأزرق الذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة من الخوارج، وكان يجالس ابن عباس بمكة ويسأله ويعارضه.

(2)

سورة المؤمنون، الآية:101.

(3)

سورة الصافات، الآية:27.

(4)

سورة النساء، الآية:42.

(5)

سورة الأنعام، الآية:23.

(6)

سورة النازعات، الآيات: 27 - 30.

(7)

سورة فصلت، الآيات: 9 - 11.

{وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا} لم ترد في: س، ط، صحيح البخاري.

(8)

وكان الله: لم ترد في: س، ط، صحيح البخاري.

(9)

في صحيح البخاري: فلا أنساب بينهم.

(10)

في الأصل، س: نفح. وفي ط: ونفح.

والمثبت من: صحيح البخاري.

(11)

بينهم: زيادة من: صحيح البخاري.

ص: 322

وأما قوله: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (1){وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (2) فإن الله يغفر (3) لأهل الإخلاص ذنوبهم [و](4) قال المشركون تعالوا نقول (5): لم نكن (6) مشركين، فختم على أفواههم فتنطق أيديهم، فعند ذلك عرف (7) أن الله لا يكتم حديثًا وعنده {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} (8) الآية، وخلق الأرض في يومين، ثم خلق السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين، ثم دحا الأرض، ودحيها (9) أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق الجبال (10) والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فخلقت (11) الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام، وخلقت السموات في يومين، وكان الله غفورًا رحيمًا، سمى نفسه بذلك (12)، وذلك قوله: إني (13) لم أزل كذلك، فإن الله لم يرد شيئًا إلّا أصاب به الذي أراد، فلا يختلف عليك القرآن فإن كلًّا من عند الله. هكذا رواه البخاري مختصرًا.

(1) سورة الأنعام، الآية:23.

(2)

سورة النساء، الآية:42.

(3)

في ط: "لا يغفر". وهذا تحريف.

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة من: صحيح البخاري.

(5)

في ط: نقل.

(6)

في الأصل: ما كنا. والمثبت من: س، ط، وصحيح البخاري.

(7)

في ط: عرفوا.

(8)

سورة النساء، الآية:42.

(9)

في س، ط: ودحاها. وفي صحيح البخاري: ودحوها.

(10)

في صحيح البخاري: الجبال والجمال.

(11)

في صحيح البخاري: فذلك قوله (دحاها) وقوله (خلق الأرض في يومين فجعلت الأرض. . .

(12)

في س، ط، صحيح البخاري: ذلك.

(13)

في صحيح البخاري: أي.

ص: 323

ورواه البرقاني في صحيحه (1) من الطريق التي (2) أخرجها البخاري بعينها من طريق شيخ البخاري (3) بعينه بألفاظه التامة (4) أن ابن عباس جاءه رجل فقال: يا ابن عباس إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، فقد وقع ذلك (5) في صدري، فقال ابن عباس: أتكذيب (6)؟ فقال الرجل:

(1) تقدم التعريف بالبرقاني، ولم أجد له كتابًا باسم "صحيح البرقاني" وإنما الذي أشارت إليه المصادر التي تهتم بهذا الشأن أن له مسندًا ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم لا يزال مخطوطًا، وتقدم عليه الكلام ص:146.

كما أن له: "التخريج لصحيح الحديث" وهو مخطوط أيضًا، ولعل المذكور أحد هذين الكتابين ورمز له الشيخ بـ "الصحيح" اختصارًا.

راجع: هدية العارفين -للبغدادي 1/ 74. وتاريخ الأدب العربي- لبروكلمان - 3/ 161. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- المجلد الأول 1/ 474. ومعجم المؤلفين 2/ 74. والأعلام -للزركلي- 1/ 205.

(2)

في س، ط: الذي.

(3)

هو: يوسف بن عدي بن زريق بن إسماعيل. الإمام الثقة الحافظ أبو يعقوب التميمي الكوفي. توفي سنة 222 هـ.

قال الذهبي: وليس ليوسف في صحيح البخاري سوى حديث طويل حدث به أبو إسحاق بن الدرجي وأجازه لي عن أبي جعفر الصيدلاني وجماعة، ثم ذكر سنده إلى أن انتهى بابن عباس وساق طرفًا من الحديث.

راجع: سير أعلام النبلاء -للذهبي 10/ 484 - 487.

(4)

ذكر هذا الأثر ابن حجر من الطريق الذي أشار إليه الشيخ رحمه الله في تغليق التعليق 4/ 301 - تحقيق سعيد عبد الرحمن القزقي وقال: إن البرقاني ذكره موصولًا في كتاب المصافحة، لكن ابن حجر لم يذكره بطوله، بل اكتفى بذكر سنده وجزء منه.

كما روى الأثر بتمامه يعقوب بن سفيان الفسوي في كتابه: "المعرفة والتاريخ" وقد أشار الشيخ رحمه الله إلى ذلك بعد إكماله لنقل الأثر. كما سيأتي ص: 327.

(5)

ذلك: ساقطة من: تغليق التعليق.

(6)

في تغليق التعليق: تكذيب.

ص: 324

ما هو بتكذيب ولكن اختلاف، قال (1): فهلم ما وقع في نفسك، فقال له الرجل: أسمع الله يقول: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} (2)، وقال في آية أخرى:{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} (3)، وقال في آية أخرى:{وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (4)، وقال في آية أخرى {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (5)، فقد كتموا في هذه الآية، وفي قوله:{أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} (6)، فذكر في هذه الآية خلق السماء قبل الأرض، وقال في الآية الأخرى:{أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (7) وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (8){وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (9){وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (10) وكأنه كان ثم انقضى، فقال ابن عباس: هات ما في نفسك من هذا، فقال السائل: إذا أنبأتني بهذا

(1) في تغليق التعليق: قال ابن عباس.

(2)

سورة المؤمنون، الآية:101.

(3)

سورة الصافات، الآية:27.

في جميع النسح: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ. .} وهو خطأ.

(4)

سورة النساء، الآية:42.

(5)

سورة الأنعام، الآية:23.

(6)

سورة النازعات، الآيات: 27 - 31.

{أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} لم تذكر في: س، ط.

(7)

سورة فصلت، الآيات: 9 - 11.

(8)

سورة النساء، الآيات: 96، 100، 152.

في س: "غفورًا حكيمًا" وهو خطأ.

(9)

سورة النساء، الآية:158.

(10)

سورة النساء، الآية:134.

ص: 325

فحسبي، قال ابن عباس: قوله فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون [فهذا في النفخة الأولى ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلّا من شاء الله، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون](1) ثم إذا كان في النفخة الأخرى قاموا فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون، وأما قول الله عز وجل:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (2) وقوله: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (3) فإن الله تعالى يغفر يوم القيامة (4) لأهل الإخلاص ذنوبهم لا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره، ولا يغفر شركًا، فلما رأى (5) المشركون، قالوا: إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك، تعالوا نقول: إنا كنا أهل ذنوب ولم نك (6) مشركين، فقال الله تعالى: أما إذا كتموا الشرك فأختم على أفواههم، فتنطق أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون، فعند ذلك عرف المشركون أن الله لا يكتم حديثًا فذلك قوله:{يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (7).

وأما قوله: {أمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (8) فإنه خلق الأرض في يومين قبل خلق السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين يعني: ثم دحى الأرض، ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وشق فيها الأنهار وجعل

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من: س.

(2)

سورة الأنعام، الآية:23.

(3)

سورة النساء، الآية:42.

(4)

في س، ط:. . . تعالى يوم القيامة يغفر.

(5)

في س: رى. وهو تصحيف.

(6)

في س، ط: نكن.

(7)

سورة النساء، الآية:42.

(8)

سورة النازعات، الآيات: 27 - 30.

ص: 326

فيها السبل، وخلق الجبال والرمال والآكام وما فيها، في يومين آخرين، فذلك قوله:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (1)، وقوله:{أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} (2) وجعلت السماوات (3) في يومين آخرين.

وأما قوله {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (4){غَفُورًا رَحِيمًا} (5){وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (6) فإن الله جعل نفسه ذلك، وسمى نفسه ذلك، ولم ينحله أحدًا (7) غيره، وكان الله، أي: لم يزل كذلك، ثم قال ابن عباس: احفظ عني ما حدثتك واعلم أن ما اختلف عليك من القرآن أشباه ما حدثتك، فإن الله لم ينزل شيئًا إلّا أصاب به الذي أراد، ولكن الناس لا يعلمون، فلا يختلف عليك القرآن، فإن كلًّا من عند الله.

وهكذا رواه يعقوب بن سفيان (8) في. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1) سورة النازعات، الآية:30.

(2)

سورة فصلت، الآيتين:10.

(3)

في الأصل: السموات والأرض. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، والمعرفة والتاريخ.

(4)

سورة النساء، الآية:134.

(5)

سورة النساء، الآية:96.

(6)

سورة النساء، الآية:158.

(7)

في ط: أحد. وسوف يبين الشيخ في ص: 579 أن في قول ابن عباس هذا ما يدل على فساد قول الجهمية من وجوه، وذكرها.

(8)

هو: أبو يوسف يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي الفسوي، الإمام الحافظ روى عنه الترمذي والنسائي وابن خزيمة وغيرهم.

قال أبو زرعة الدمشقي: قدم علينا من نبلاء الرجال يعقوب بن سفيان يعجز أهل العراق أن يرو مثله. توفي سنة 277 هـ.

راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي 2/ 582، 583. البداية والنهاية -لابن كثير 11/ 68. تهذيب التهذيب -لابن حجر 11/ 385 - 388.

ص: 327

تاريخه (1) عن شيخ البخاري، كما رواه البرقاني، وإنما يختلفان في يسير من الأحرف (2).

وما ذكره أئمة السنة والحديث متعين (3) لما جاء من الأثار من أنه سبحانه لم يزل كاملًا بصفاته، لم تحدث له صفة ولا تزول عنه صفة ليس هو بمخالف لقولهم: إنه ينزل كما يشاء (4)، ويجيء يوم القيامة كما يشاء (5)، وإنه استوى على العرش بعد أن خلق السموات، وأنه يتكلم إذا

(1) في س: نا تاريخه. وهو تصحيف.

والأثر بتمامه في كتاب المعرفة والتاريخ -لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي 1/ 527 - 530.

(2)

في الأصل: بعد كلمة (الأحرف) بياض بمقدار أربع كلمات.

وفي س: بياض بمقدار كلمتين، لكنه نهاية سطر. والكلام متصل في: ط. وفي الحاشية: قوله: "قف على تجدد الفعل ومنع تجدد الصفة".

ولعل البياض المشار إليه: نهاية كلام. وبداية كلام آخر.

(3)

في الأصل: متبعين.

والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب للسياق.

(4)

سوف نبين قول السلف رحمهم الله في نزول الرب سبحانه وتعالى عند كلامنا على حديث النزول الذي أورده الشيخ رحمه الله في ص: 516.

(5)

الرب تبارك وتعالى -يجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين الناس على ما يليق بجلاله وعظمته -سبحانه- ونزوله ومجيئه وإتيانه من أفعاله الاختيارية.

وقد أنكر ذلك النفاة المعطلة من الجهمية والمعتزلة ومن نحا نحوهم ممن تبع هواه وقدم رأيه.

وقد تصدى لهم أئمة الإسلام بالبيان والإيضاح على ضوء النصوص الواردة في ذلك.

يقول ابن القيم رحمه الله: ". . . أن النزول والمجيء والإتيان والاستواء والصعود والارتفاع، كلها أنواع أفعاله، وهو الفعال لما يريد، وأفعاله كصفاته قائمة به، ولولا ذلك لم يكن فعالًا ولا موصوفًا بصفات كماله، فنزوله ومجيئه واستواؤه وارتفاعه وصعوده ونحو ذلك كلها أفعال من أفعاله التي إن كانت مجازًا فأفعاله كلها مجاز، ولا فعل له في الحقيقة، بل هو بمنزلة الجمادات وهذا =

ص: 328

شاء، وأنه خلق آدم بيديه (1)، ونحو ذلك من الأفعال القائمة

= حقيقة من عطل أفعاله، وإن كان فاعلًا حقيقة فأفعاله نوعان: لازمة، ومتعدية كما دلت النصوص التي هي أكثر من أن تحصر على هذين النوعين، وبإثبات أفعاله وقيامها به تزول عنك جميع الإشكالات، وتصدق النصوص بعضها بعضًا وتعلم مطابقتها للعقل الصريح.

وإن أنكرت حقيقة الأفعال وقيامها به -سبحانه- اضطرب عليك هذا الباب أعظم اضطراب، وبقيت حائرًا في التوفيق بين النصوص، وبين أصول النفاة، وهيهات لك بالتوفيق بين النقيضين، والجمع بين الضدين.

يوضحه: أن الأوهام الباطلة، والعقول الفاسدة، لما فهمت من نزول الرب ومجيئه وإتيانه وهبوطه ودنوه ما يفهم من مجيء المخلوق وإتيانه وهبوطه ودنوه، وهو أن يفرغ مكانًا ويشغل مكانًا، نفت حقيقة ذلك فوقعت في محذورين: محذور التشبيه، ومحذور التعطيل، ولو علمت هذه العقول الضعيفة أن نزوله -سبحانه- ومجيئه وإتيانه لا يشبه نزول المخلوق وإتيانه ومجيئه، كما أن سمعه وبصره وعلمه وحياته كذلك، بل يده الكريمة ووجهه الكريم كذلك، وإذا كان نزولًا ليس كمثله نزول، فكيف تنفي حقيقته، فإن لم تنف المعطلة حقيقة ذاته وصفاته وأفعاله بالكلية، وإلّا تناقضوا، فإنهم أيَّ معنى أثبتوه لزمهم في نفيه ما ألزموا به أهل السنة المثبتين لله ما أثبت لنفسه، ولا يجدون إلى الفرق سبيلًا.

راجع: مختصر الصواعق المرسلة -لابن القيم- اختصار الموصلي 2/ 228، 229. وانظر رأي السلف رحمهم الله في مسألة مجيء الله تعالى يوم القيامة، والرد على مخالفيهم في المصادر التالية:

الرد على الجهمية -للدارمي ص: 44 - 53. رد الإمام الدارمي على بشر المريسي ص: 148، 149. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 6/ 8 - 11.

الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية للشيخ زيد الفياض ص: 99 - 103.

(1)

الله سبحانه وتعالى خلق آدم بيديه. قال تعالى لإبليس {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} سورة ص / 75.

وفي الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتج آدم وموسى عليهما السلام عند ربهما، فحج آدم موسى قال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك في جنته". . الحديث. صحيح مسلم 4/ 2043 - كتاب القدر- باب =

ص: 329

بذاته (1)، فإن الفعل الواحد من هذه الأفعال ليس مما يدخل في مطلق صفاته، ولكن كونه بحيث يفعل إذا شاء هو صفته، والفرق بين الصفة والفعل ظاهر، فإن تجدد الصفة أو زوالها يقتضي تغير الموصوف واستحالته، ويقتضي تجدد كمال له بعد نقص، أو تجدد نقص له بعد كمال، كما في صفات (2) الموجودات كلها إذا حدث للموصوف ما لم يكن عليه من الصفات، مثل ما تجدد العلم بما لم يكن يعلمه، والقدرة على ما لم يكن يقدر عليه، ونحو ذلك، أو زال (3) عنه ذلك بخلاف الفعل، وهكذا يقوله طوائف من أهل الكلام المخالفين للمعتزلة والذين هم أقرب إلى السنة منهم من المرجئة والكرامية وطوائف من الشيعة، كما نقلوه (4) عن الكرامية، الذين يقولون: إنه تحله الحوادث من القول والإرادة والاستماع (5) والنظر، ويقولون مع ذلك: لم يزل الله متكلمًا،

= حجاج آدم وموسى عليهما السلام الحديث / 15.

إلى غير ذلك من النصوص الصريحة الواضحة في خلق الله لآدم بيده، التي ذكر طرفًا منها الآجري في كتابه "الشريعة" ص: 323 - 325، وقال قبل ذكرها:"يقال للجهمي الذي ينكر أن الله عز وجل خلق آدم بيده: كفرت بالقرآن ورددت السنة، وخالفت الأمة".

وقد عقد ابن منده رحمه الله في كتابه الرد على الجهمية ص: 68 - 72 بابًا قال فيه: "باب ذكر قول الله عز وجل: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، ثم قال: ذكر ما يستدل من كلام النبي صلى الله عليه وسلم على أن الله -جل وعز- خلق آدم عليه السلام بيدين حقيقة".

ثم أورد بعض الأحاديث الواردة في ذلك.

(1)

في الأصل: بذلك. والمثبت من: س، ط.

(2)

في الأصل: صفة.

وأثبت المناسب من: س، ط.

(3)

في س: أو زوال.

(4)

في س، ط: نقلوا.

(5)

في س: الامتناع.

ص: 330

ولم يزل بمشيئته القديمة، ولم يزل سميعًا بصيرًا، أجمعوا على أن هذه الحوادث لا توجب لله سبحانه وصفًا، ولا هي صفات له سبحانه، والذين ينازعون في هذا من المعتزلة ومن اتبعهم من الأشعرية وغيرهم، فيقولون: لو قام فعل حادث بذات (1) القديم لا تصف به وصار الحادث صفة له، إذ لا معنى لقيام المعاني واختصاصها بالذوات إلا (2) كونها صفات لها (3)، فلو قامت الحوادث من الأفعال والأقوال والإرادات بذات القديم لا تصف بها كما اتصف بالحياة والقدرة والعلم والمشيئة، ولو اتصف بها لتغير (4)، والتغير عليه ممتنع، وهذا نزاع لفظي، فإن تسميته هذا صفة وتغيرًا لا يوافقهم الأولون عليه، وليست اللغة -أيضًا- موافقة عليه، فإنها لا تسمي قيام الإنسان وقعوده تغيرًا له، ولا يطلق القول بأنه صفة له، وإن أطلق ذلك فالنزاع اللفظي لا يضر إلّا إذا خولفت ألفاظ الشريعة، وليس في الشريعة ما يخالف ذلك، ولكن هؤلاء كثيرًا ما يتنازعون في الألفاظ المجملة المتشابهة، قد قيل: أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء.

قال الإمام أحمد (5) في وصف أهل البدع: "فهم مخالفون للكتاب (6) مختلفون في الكتاب، مجتمعون (7) على مفارقة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، ويتكلمون

= في ط: الاستمتاع.

(1)

في الأصل: بحال. والمثبت من: س، ط.

(2)

في الأصل: لا. والمثبت من: س، ط.

(3)

في الأصل: له. والمثبت من: س، ط.

(4)

في س، ط: لتغير بها.

(5)

الرد على الجهمية والزنادقة -للإمام أحمد- ص: 85، 86.

(6)

في ط: الكتاب.

(7)

في الرد على الجهمية: فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب مجمعون. .

ص: 331

بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم".

والذي يبين أن مجرد الحركة في الجهات ليس تغيرًا ما ثبت في صحيح مسلم (1) عن أبي سعيد (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".

فأمر بتغيير المنكر باليد أو اللسان، ومعلوم أن تغير المنكر هو: ما يخرجه عن أن يكون منكرًا، وذلك لا يحصل إلّا بإزالة صورته وصفته لا بتحريكه من حيز إلى حيز، فتغيير (3) الخمر لا يحصل بمجرد نقلها من حيز إلى حيز، بل بإراقتها أو إفسادها مما فيه استحالة صورتها (4)، وكذلك من رأى من يقتل غيره، لم يكن تغيير ذلك بمجرد النقل الذي ليس فيه زوال صورة القتل، بل لا بد من زوال صورة القتال، وكذلك الزانيان (5) وكذلك المتكلم بالبدعة، والداعي ليس تغيير هذا المنكر بمجرد التحويل من حيز إلى حيز، وأمثال ذلك كثيرة، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم

(1) صحيح مسلم 1/ 69 كتاب الأيمان -باب بيان كون النهي عن المنكر من الأيمان الحديث 78.

وانظر: سنن الترمذي 4/ 469، 470 كتاب الفتن- باب ما جاء في تغيير المنكر باليد أو باللسان أبو بالقلب. الحديث 2172.

وراجع: مسند الإمام أحمد 3/ 20، 49.

(2)

هو: أبو سعيد الخدري: سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي، مشهور بكنيته، من أعيان الصحابة وفقهائهم، شهد الخندق وبيعة الرضوان وغيرهما، توفي سنة 74 هـ.

راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 44. والإصابة في تمييز الصحابة -لابن حجر- 2/ 35. وشذرات الذهب -لابن العماد- 1/ 81.

(3)

في س: فتغير.

(4)

في س: صورته.

(5)

في س: الزانيات.

ص: 332

قد أمر بتغيير المنكر، وذلك لا يحصل -قط- بمجرد النقل في الأحياز والجهات، إذ الأحياز والجهات متساوية، فهو منكر هنا (1)، كما أنه منكر هناك (2)، علم أن هذا لا (3) يدخل في مسمى التغيير، بل لا بد في التغيير من إزالة صورة موجودة، وأن ذلك قد يحصل بالنقل، لكن الغرض أن مجرد الحركة كحركة الشمس والقمر والكواكب لا يسمى تغييرًا، بخلاف ما يعرض للجسد من الخوف والمرض والجوع، ونحو ذلك، مما يغير صفته.

قلت: وفي هذا الكلام الذي ذكره الإمام أحمد رد على الطائفتين المختلفتين في معنى قول أحمد وسائر السلف في معنى: أن القرآن غير مخلوق، هل المراد أنه قديم لازم لذاته، لا يتعلق بالمشيئة والقدر كالعلم أو المراد أنه لم يزل متكلمًا؟. كما يقال: لم يزل خالقًا، وقد ذكر الخلاف في ذلك عن أصحاب الإمام أحمد أبو بكر عبد العزيز (4) في

(1) في س: هذا.

(2)

في الأصل، س: هنا. والمثبت من: ط.

(3)

في س: له.

(4)

هو: أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد البغوي، المعروف بغلام الخلال، من أعيان الحنابلة، كان تلميذًا لأبي بكر الخلال.

يقول عنه القاضي أبو يعلى: كان أحد أهل الفهم، موثوقًا به في العلم، متسع الرواية، مشهورًا بالديانة، موصوفًا بالأمانة، مذكورًا بالعبادة، ولد سنة 285، وتوفي سنة 363 هـ.

راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 459، 460. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 119 - 127. والبداية والنهاية -لابن كثير 11/ 311.

ص: 333

كتاب المقنع (1)، وذكره عنه (2) القاضي أبو يعلى في كتاب "البيان في القرآن"(3)، مع أن القاضي وأتباعه يقولون بالقول الأول، ويتأولون كلام أحمد المخالف لذلك على الأسماع ونحوه، وليس الأمر كذلك.

(1) كتاب المقنع لأبي بكر، في الفقه، أشارت إليه المصادر السابقة. يقول ابن الجوزي في المنتظم 7/ 72:". . له المصنفات الحسنة منها المقنع نحو مائة جزء". ولم يذكره بروكلمان في تاريخ الأدب العربي، ولا سزكين في تاريخ التراث العربي ضمن آثار أبي بكر.

وذكر الشيخ رحمه الله القولين عن أبي بكر في كتابه درء تعارض العقل والنقل 2/ 74، فقال: قال أبو بكر لما سأله: "إنكم إذا قلتم: لم يزل متكلمًا، كان ذلك عبثًا، فقال: لأصحابنا قولان:

أحدهما: أنه لم يزل متكلمًا كالعلم، لأن ضد الكلام الخرس، كما أن ضد العلم الجهل.

قال: ومن أصحابنا من قال: قد أثبت -سبحانه- لنفسه أنه خالق، ولم يجز أن يكون خالقًا في كل حال، بل قلنا: إنه خالق في وقت إرادته أن يخلق، وإن لم يكن خالقًا في كل حال، ولم يبطل أن يكون خالقًا، كذلك وإن لم يكن متكلمًا في كل حال لم يبطل أن يكون متكلمًا، بل هو متكلم خالق، وإن لم يكن خالقًا في كل حال ولا متكلمًا في كل حال.

(2)

في الأصل: عند. وفي س: عن.

والمثبت من: ط.

(3)

هو: كتاب "إيضاح البيان في مسألة القرآن" للقاضي أبي يعلى، وقد أشار إليه الشيخ رحمه الله في كتابه "درء تعارض العفل والنقل 2/ 74.

والشيخ رحمه الله كثيرًا ما يختصر اسم الكتاب، وهذا ما أوقعني في حرج عندما أريد التعريف بالكتاب.

وقد ذكر رحمه الله قول القاضي أبي يعلى في هذه المسألة.

ص: 334

وهذه المسألة هي التي وقعت الفتنة بها بين الإمام أبي بكر بن خزيمة (1) وبعض أصحابه (2).

(1) هو: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن بكر السلمي النيسابوري الشافعي، الملقب بإمام الأئمة، بحر من بحور العلم، صاحب التصانيف حدث عنه البخاري ومسلم في غير الصحيحين.

قال عنه الدارقطني: "كان ابن خزيمة إمامًا ثبتًا معدوم النظير". ولد سنة 223، وتوفي سنة 311 هـ.

راجع: المنتظم -لابن الجوزي- 6/ 184 - 186. سير أعلام النبلاء -للذهبي - 14/ 365 - 382. البداية والنهاية -لابن كثير- 11/ 167.

(2)

لقد دس الجهمية والمعتزلة لبعض تلامذة ابن خزيمة المتقدمين وأصحابه المحققين شبهًا أغروهم بها عليه، وأوقعوا الفتنة بينهم حسدًا منهم، ومحاولة لإظهار مذهبهم.

وقد أورد الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ 2/ 720 فما بعدها -بعض ما حدث في هذه الواقعة، فمما ذكره أن الحاكم قال:"حدثني أبو بكر محمد بن حمدون وجماعة- إلا أن أبا بكر أعرفهم بالواقعة، قال: لما بلغ ابن خزيمة من السن والرياسة والتفرد منهما ما بلغ كان له أصحاب صاروا أنجم الدنيا، مثل: أبي علي الثقفي، وأبي بكر بن إسحاق الصبغي، خليفة ابن خزيمة في الفتوى وأحسن الجماعة تصنيفًا وسياسة في مجالس السلاطين، وأبي بكر بن أبي عثمان، وهو آدبهم وأكثرهم جمعًا للعلوم، وأبي محمد يحيى بن منصور، وكان من أكابر البيوتات وأعرفهم بمذهب ابن خزيمة وأصلحهم للقضاء، فلما ورد منصور الطوسي كان يختلف إلى ابن خزيمة للسماع وهو معتزلي، وعاين ما عاين من الأربعة الذين سميناهم، حسدهم واجتمع مع أبي عبد الرحمن الواعظ (القدري) فقالا: هذا إمام لا يسرع في الكلام وينهى عنه، وقد نبغ له أصحاب يخالفونه وهو لا يدري فإنهم على مذهب الكلابية، فاستحكم طمعهما في إيقاع الوحشة بينهم".

ومما ذكره الحافظ أن الحاكم قال: "سمعت أبا سعيد عبد الرحمن بن أحمد المقرئ سمعت ابن خزيمة يقول: إن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق ومن قال: شيء منه مخلوق، أو يقول: إن الله لا يتكلم بعد ما تكلم به في الأزل، أو يقول: إن أفعاله تعالى مخلوقة، أو يقول: إن القرآن محدث فهو جهمي"، ومن نظر في كتبي بان له أن الكلابية -لعنهم الله- كذبة فيما يحكون عني. . " إلى أن =

ص: 335

وكلام أحمد، والأئمة، ليس هو قول هؤلاء، ولا قول هؤلاء، بل فيه ما أثبته هؤلاء من الحق، وما أثبته هؤلاء من الحق، وكل من الطائفتين أثبت من الحق ما أثبته، فإن الإمام أحمد قد بين أنه لم يزل (1) متكلمًا إذا شاء [وإذا](2) نظر ذلك بالعلم والقدرة والنور فليس كالمخلوقات البائنة عنه، لأن الكلام من صفاته، وليس كالصفة القائمة به التي لا تتعلق بمشيئته [لأن الكلام متعلق بمشيئته] (3) ولهذا قال أحمد في رواية حنبل (4): لم يزل الله متكلمًا عالمًا غفورًا، وقد ذكرنا كلام ابن عباس في دلالة القرآن على ذلك، فذكر أحمد ثلاث صفات: متكلمًا عالمًا غفورًا، فالمتكلم يشبه العلم من وجه، ويشبه المغفرة من وجه، فلا يشبه بأحدهما دون الآخر (5)، فالطائفة التي جعلته كالعلم من كل وجه، والطائفة التي جعلته كالمغفرة من كل وجه، قصرت في معرفته،

= قال: وقد صح عندي أن الثقفي والصبغي ويحيى بن منصور كذبة، قد كذبوا عليّ في حياتي، فمحرم على مقتبس علم أن يقبل منهم شيئًا يحكونه عني، وابن أبي عثمان أكذب عندي وأقولهم عليّ ما لم أقله.

يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء 14/ 380 بعد ذكره لهذا الكلام: "ما هؤلاء بكذبة، بل أئمة أثبات، وإنما الشيخ تكلم على حسب ما نقل له عنهم فقبح الله من ينقل البهتان، ومن يمشي بالنميمة".

إلى غير ذلك من النصوص الواردة في هذه الفتنة والتي لا يتسع المجال لاستقصائها، وما ذكرناه فيه الكفاية للدلالة على المقصود.

(1)

في س، ط: لم يزل الله.

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

(3)

ما بين المعقوفتين: ساقط من: س، ط.

(4)

ذكر القاضي أبو يعلى قول الإمام أحمد في رواية حنبل في كتابه "إبطال التأويلات لأخبار الصفات" -مخطوط- اللوحة 147.

وانظر ما نقله الشيخ عن الخلال. . . عن حنبل بن إسحاق أن أبا عبد الله قال لم يزل الله عالمًا متكلمًا- ص: 359.

(5)

في س: لاخر.

ص: 336

وليس هذا وصفًا له بالقدرة على الكلام، بل هو وصف له بوجود الكلام، إذا شاء، وسيجيء كلام أحمد في رواية المروذي (1).

وقوله: إن الله لم يخل من العلم والكلام، وليسا من الخلق، لأنه لم يخل منهما، ولم يزل الله متكلمًا عالمًا، فقد نفى عنهما الخلق في ذاته، أو غير ذاته، وبين أنه لم يخل منهما، وهذا (2) يبين أنه لم يخلق القرآن لا في ذاته، ولا خارجًا عنه، وفي كلامه دليل على أن قول القائل: تحله الحوادث أو لا تحله الحوادث، كلاهما منكر عنده، وهو مقتضى (3) أصوله، لأن في ذلك بدعة، وفي إثباته -أيضًا- بدعة، ولهذا أنكر أحمد على من قال: القرآن محدث إذا كان معناه عندهم معنى الخلق المخلوق، كما روى الخلال عن الميموني (4) أنه قال لأبي عبد الله:

(1) في س، ط: المروزي.

وكذا ورد في البداية والنهاية. وهو خطأ. والمروذي من "مرو الروذ" والنسبة إليه "مروذي" المنتسبون إليه قليل، وأما مرو الكبرى "مرو الشاهجان" فالنسبة إليه "مروزي" على غير قياس، والمنتسبون إليه كثير، ولهذا يقع في بعض الكتب نسبة صاحب الإمام أحمد "المروزي".

راجع: معجم البلدان -للحموي- 5/ 112 - 116. والمنتظم -لابن الجوزي - 6/ 111 ت: (3).

هو: أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج بن عبد العزيز المروذي، شيخ بغداد، وأجل أصحاب الإمام أحمد، وممن يأنس به، روى عنه مسائل كثيرة، توفي سنة 275 هـ.

راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 56 - 63. تذكر الحفاظ -للذهبي- 2/ 631 - 633. والبداية والنهاية -لابن كثير- 11/ 62.

(2)

في ط: وهنا.

(3)

في ط: تقتضي.

(4)

هو: أبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران الميموني، تلميذ الإمام أحمد، ومن كبار الأئمة، عالم الرقة ومفتيها في زمانه، روى عنه النسائي ووثقه، ولد سنة 181 هـ، وتوفي سنة 274 هـ. =

ص: 337

ما تقول فيمن قال: إن أسماء الله محدثة؟ فقال: كافر. ثم قال لي: الله من أسمائه، فمن قال: إنها (1) محدثة فقد زعم أن (2) الله مخلوق وأعظم أمرهم عنده (3)، وجعل يكفرهم وقرأ عليّ {اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} (4) وذكر آية أخرى.

وقال الخلال (5): سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، يحكي عن أبيه كلامه في داود الأصبهاني (6)، وكتاب محمد بن يحيى النيسابوري (7)، قال: جاءني داود، فقال: تدخل على أبي عبد الله وتعلمه قصتي، وأنه

= راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 212 - 216. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 110/ 89، 90. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 6/ 400.

(1)

في الأصل: أنهم. والمثبت من: س، ط.

(2)

أن: ساقطة من: س.

(3)

في الأصل: عندهم. والمثبت من: س، ط.

(4)

سورة الصافات، الآية:126.

(5)

لم أقف عليه في السنة -للخلال- لعدم وضوح بعض لوحاته، رغم اجتهادي في معرفة مضمونها.

(6)

هو: أبو سليمان داود بن خلف الأصبهاني، الفقيه، والمشهور بالظاهري، صاحب مذهب مستقل، تبعه جمع كثير من الظاهرية، سمع إسحاق بن راهوية، وأبا ثور، وغيرهما، ولد سنة 200، وتوفي سنة 270 هـ.

راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 8/ 369 - 375. والمنتظم -لابن الجوزي - 5/ 75 - 77. والوافي بالوفيات -للصفدي- 13/ 473 - 477.

(7)

هو: أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي النيسابوري، عالم أهل المشرق، وإمام أهل الحديث بخراسان.

قال عنه ابن أبي حاتم: ثقة صدوق، إمام من أئمة المسلمين. توفي سنة 258 هـ.

راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 1 / 125 / ت: 561. طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 327. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 12/ 273 - 285.

ص: 338

لم يكن مني -يعني ما حكوا عنه- قال: فدخلت على أبي فذكرت له ذلك، قال: ولم أعلم أنه على الباب، فقال لي: كذب. قد جاءني كتاب محمد بن يحيى، هات تلك الضبارة (1).

قال الخلال: وذكر الكلام فلم أحفظه جيدًا، فأخبرني (2) أبو يحيى زكريا (3) بن (4) الفرج البزاز، قال: جئت يومًا إلى أبي بكر المروذي (5)، وإذا عنده عبد الله بن أحمد، فقال له أبو بكر: أحب أن تخبر أبا يحيى (6) ما (7) سمعت من أبيك في داود الأصبهاني، فقال عبد الله: لما قدم داود

(1) في الأصل، س: الضيارة. والمثبت من: ط.

الضبارة: لغة من إضبارة.

والإضبارة: هي الحزمة من الصحف.

راجع: لسان العرب -لابن منظور- 4/ 479 (ضبر).

(2)

روى القاضي أبو الحسين ابن أبي يعلى، في طبقات الحنابلة - 1/ 58 - أن أبا يحيى زكريا بن الفرج البزاز قال: جئت يومًا. . ".

وذكر القصة التي رواها الخلال عن أبي يحيى، ولذا سوف أقابل النص على ما ورد في الطبقات.

(3)

ورد في جميع النسخ: أبو يحيى عن زكريا. ولعل صحة اسمه كما هو مثبت من: الطبقات. والسنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" مخطوط- اللوحتان: 196، 198.

(4)

في الأصل: زكريا بن الفرج الرازي: وفي: س، ط: زكريا أبو الفرج الرازي.

ولم أقف على ترجمته. ولعل الصواب ما أثبته من الطبقات، والسنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل".

(5)

في جميع النسح: المروزي. وهو تصحيف. والمثبت من الطبقات. تقدمت ترجمته ص: 337.

(6)

في الأصل: أبا بكر يحيى. وهو خطأ.

والمثبت من: س، ط، والطبقات.

(7)

في الأصل: أما.

وفي الطبقات: بما. والمثبت من: س، ط.

ص: 339

من خراسان جاءني فسلم علي فسلمت عليه، فقال لي: قد علمت شدة محبتي لكم وللشيخ، وقد بلغه عني كلام، فأحب أن تعذرني عنده وتقول له: أن ليس هذا مقالتي، أو ليس كما قيل لك، فقلت: لا يريد، فأبى، فدخلت (1) إلى أبي فأخبرته أن داود جاء، فقال: إنه لا يقول بهذه المقالة وأنكر، قال: جئني بإضبارة (2) الكتب تلك، فأخرج منها كتابًا فقال: هذا كتاب محمد بن يحيى النيسابوري وفيه: أنه يعني داود الأصبهاني (3)، أحل في بلدنا الحال والمحل، وذكر في كتابه أنه قال القرآن محدث. فقلت له: إنه ينكر ذلك، فقال: محمد بن يحيى أصدق منه لا يقبل قوله العدو لله (4)، أو نحو ما قال أبو يحيى.

وأخبرني أبو بكر المروذي (5) بنحو ذلك.

قال (6) الخلال: وأخبرني الحسين بن عبد الله -يعني الخرقي- (7)

(1) في الطبقات: فقلت له لا يريد، فإني قد دخلت. .

(2)

في الأصل: الإضيارة. والمثبت من: س، ط.

وفي الطبقات: الضبارة الكتب فجئه بها.

(3)

قوله: "إنه -يعني داود الأصبهاني". ساقط من الطبقات.

(4)

في س، ط: لا نقبل قول عدو الله.

وفي الطبقات: لا تقبل قول العدو لله.

(5)

في ط: المروزي.

(6)

أورده الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 13/ 103.

وذكره السبكي في "طبقات الشافعية" 2/ 286. ولم أقف عليه في "السنة" للخلال. وسوف أقابل النص على ما ذكره الذهبي.

(7)

هو: أبو علي الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي -بكسر الخاء وفتح الراء- نسبة إلى بيع الثياب والخرق- صحب جماعة من أصحاب أحمد وكان يدعى خليفة المروذي روى عنه أبو بكر الشافعي وعبد العزيز بن جعفر الحنبلي وغيرهما توفي سنة 299.

راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 45 - 47. والأنساب -للسمعاني- 5/ 99. والوافي بالوفيات -للصفدي 12/ 386.

ص: 340

والد أبي القاسم (1) صاحب المختصر - (2) قال: سألت أبا بكر المروذي (3) عن قصة داود الأصبهاني وما أنكر عليه أبو عبد الله، فقال: كان داود خرج إلى خراسان إلى إسحاق (4) بن راهوية، فتكلم بكلام شهد عليه أبو نصر بن عبد المجيد وشيخ (5) من أصحاب الحديث من قطيعة الربيع (6) شهدوا. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(1) هو: أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي، الفقيه الحنبلي قرأ العلم على أبيه وأبي بكر المروذي وغيرهما، خرج من بغداد مهاجرًا إلى دمشق لما كثر بها الشر وسب الصحابة -رضوان الله عليهم- توفي سنة 334 هـ.

راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 75 - 118. ووفيات الأعيان -لابن خلكان 3/ 441. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 336.

(2)

قوله: "يعني الخرقي والد أبي القاسم صاحب المختصر": ساقط من السير.

المختصر: في الفقه على مذهب الإمام أحمد، يعرف بمختصر الخرقي، وعدد مسائله (2300) مسألة لم ينتشر لأبي القاسم غيره مع كثرة مصنفاته وتخريجاته على المذهب التي أودعها في دار ببغداد عندما خرج منها، وقد احترقت الدار فعدمت مصنفاته قبل أن تنتشر، طبع هذا المختصر عدة طبعات آخرها سنة 1403 هـ، بتحقيق زهير الشاويش، وقد شرحه عدد من العلماء كالقاضي أبو يعلى في مجلدين، وابن قدامة المقدسي (ت: 620 هـ) الذي سمى شرحه بـ (المغني) وهو كتاب قيم.

راجع: المنتظم -لابن الجوزي- 6/ 346. والبداية والنهاية -لابن كثير - 11/ 240، 241. ومقدمة المختصر- تحقيق زهير الشاويش ص: 7 - 10 - التعريف بمختصر الخرقي الذي كتبه الشيخ محمد بن مانع.

(3)

في ط: المروزي.

(4)

إسحاق: ساقطة من: السير.

(5)

في السير: وآخر. وسقط قوله: "وشيخ من أصحاب الحديث من قطيعة الربيع".

(6)

تنسب إلى الربيع بن يونس حاجب المنصور، وكانت قطيعة الربيع بالكرخ مزارع الناس من قرية يقال لها: بياورى، وهما قطيعتان داخلة أقطعه إياها المنصور وخارجة أقطعه إياه المهدي، وكان التجار يسكنونها حتى صارت ملكًا لهم دون ولد الربيع.

راجع: معجم البلدان -لياقوت الحموي- 4/ 377.

ص: 341

عليه (1) أنه قال: القرآن محدث، فقال لي أبو عبد الله: من داود بن علي (2)، لا فرج الله عنه؟ فقلت (3): هذا من غلمان أبي ثور (4)، قال: جاءني كتاب محمد بن يحيى النيسابوري أن داود الأصبهاني قال ببلدنا: إن القرآن محدث [ثم إن داود قدم إلى ها هنا فذكر نحو قصة عبد الله](5).

قال المروذي (6): وحدثثي محمد بن إبراهيم النيسابوري، أن إسحاق بن إبراهيم (7) بن راهوية لما سمع كلام داود في بيته وثب عليه إسحاق فضربه (8) وأنكر عليه. هذه قصته.

قال الخلال (9): أخبرني محمد بن جعفر الراشدي (10)، قال:

(1) في السير: شهدا عليه.

(2)

في س، ط:". . . بن علي الأصبهاني. . ".

(3)

في السير: "قلت".

(4)

هو: أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي، الإمام الفقيه الثقة مفتي العراق حدث عنه أبو داود وابن ماجة وغيرهما. قال ابن حيان: كان أحد أئمة الدنيا فقهًا وعلمًا وورعًا وفضلًا، صنف الكتب وفرع على السنن. ولد 170 وتوفي 240.

راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 6/ 65 - 69. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 512، 513. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 1/ 118، 119.

(5)

ما بين المعقوفتين: ساقط من: السير.

(6)

في ط: المروزي.

(7)

ابن إبراهيم: ساقطة من السير.

(8)

في السير: ". . . وثب على داود وضربه. . ".

(9)

لم أقف عليه في السنة -للخلال- لعدم وضوح بعض لوحاته.

(10)

هو: أبو جعفر محمد بن جعفر بن عبد الله بن جابر الراشدي -نسبة إلى الراشدية، قرية من نواحي بغداد، قال الخطيب البغدادي: كان ثقة، توفي سنة 301 هـ.

راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 2/ 131، 132. والأنساب -للمسمعاني - 6/ 39، 40. واللباب في تهذيب الأنساب -لابن الأثير 2/ 7.

ص: 342

لقيت محمد بن يحيى (1) بالبصرة، عند بندار (2)، فسألته عن داود، فأخبرني بمثل ما كتب به محمد بن يحيى إلى أحمد بن حنبل، وقال: خرج من عندنا من خراسان بأسوأ حال، وكتب لي (3) بخطه، وقال. شهد عليه بهذا القول بخراسان علماء نيسابور.

[قلت](4) أما الذي تكلم به عند إسحاق، فأظنه كلامه في مسألة اللفظ، فإنه قال الأمرين كما قال (5) الخلال:(سمعت أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة (6)، سمعت أبا عبد الله محمد بن الحسن بن

(1) في الأصل، ط: ابن محمد بن يحيى. والمثبت من: س، ولعله الصواب.

وتقدمت ترجمته ص: 388.

(2)

هو: أبو بكر محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي البصري، راوية الإسلام، الملقب ببندار، لأنه كان بندار الحديث في عصره ببلده، والبندار الحافظ، روى عنه الستة في كتبهم، قال أبو حاتم الرازي: صدوق. ولد سنة 167 هـ، وتوفي سنة 252 هـ.

راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 3/ 2 / 214 / ت: 1187. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 2/ 101 - 105. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 12/ 144 - 149.

(3)

في س: إليّ.

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

وفي الأصل: بياض في نهاية السطر بمقدار أربعة كلمات. وفي س: بياض بمقدار ثلاث كلمات.

(5)

أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 13/ 103.

وكذا السبكي في طبقات الشافعية 2/ 286، ولم أقف عليه في السنة.

(6)

هو: أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة البغدادي، الإمام الحافظ الفقيه، موصوف بالإتقان والتثبت، ذكره الدارقطني فقال: ثقة ثقة، روى القراءات عن جماعة، ونقل عن الإمام مسائل كثيرة. توفي سنة 293 هـ.

راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 5/ 40، 41. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 64، 65. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 745، 746.

ص: 343

صبيح قال: سمعت داود الأصبهاني يقول: القرآن محدث، ولفظي بالقرآن مخلوق).

[قلت](1) فأنكر الأئمة على داود قوله: إن القرآن محدث لوجهين (2):

أحدهما: أن معنى هذا عند الناس كان معنى قول من يقول: القرآن مخلوق، وكانت الواقفة: الذين يعتقدون أن الخلق مخلوق، ويظهرون الوقف، فلا يقولون: مخلوق ولا غير مخلوق، يقولون: إنه محدث، ومقصودهم مقصود الذين قالوا: هو مخلوق، فيوافقونهم في المعنى ويستترون بهذا اللفظ، ويمتنعون عن (3) نفي الخلق عنه، وكان إمام الواقفة في زمن أحمد، محمد بن شجاع الثلجي (4) يفعل ذلك، وهو تلميذ بشر المريسي، وكانوا يسمونه ترس (5). . . . . . . . . .

(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

وفي الأصل: بياض بنهاية السطر بمقدار خمس كلمات.

وفي س: بياض بمقدار كلمتين.

(2)

في الأصل: لأمرين. والمثبث من: س، ط. لقول الشيح: فهذا أحد الوجهين. ص: 425.

(3)

في س: عند.

(4)

هو: أبو عبد الله محمد بن شجاع يعرف بالثلجي، الفقيه البغدادي الحنفي.

قال عنه الإمام أحمد: مبتدع صاحب هوى. وقال ابن الجوزي: حدث عن يحيى بن آدم وابن علية ووكيع وصحب الحسن بن زياد اللؤلؤي، إلّا أنه كان رديء المذهب في القرآن.

وقال الذهبي: جاء من غير وجه أنه كان ينال من أحمد وأصحابه. ولد سنة 181 هـ، وتوفي سنة 266.

راجع: المنتظم -لابن الجوزي 5/ 57، 58. وميزان الاعتدال -للذهبي - 3/ 577 - 579. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 9/ 220، 221.

(5)

الترس: بضم التاء، جمعه أتراس أو تروس، والترس من السلاح ما يتوقى به، وتترس بالترس: تستر به وتوقى. =

ص: 344

الجهمية، ولهذا ذكر (1) أهل المقالات عنه ذلك.

قال الأشعري في كتاب المقالات (2): "القول في القرآن، قالت المعتزلة والخوارج وأكثر الزيدية والمرجئة وكثير من الرافضة: إن القرآن كلام الله وإنه مخلوق لله، لم يكن ثم كان".

وقال (3) هشام بن الحكم (4) ومن ذهب مذهبه: إن القرآن صفة لله لا يقال (5): إنه مخلوق ولا إنه خالق، هكذا (6) الحكاية عنه.

وزاد البلخي (7) في الحكاية عنه (8) أنه قال: لا يقال غير مخلوق

= راجع: لسان العرب -لابن منظور- 6/ 32. والمعنى: أن الجهمية تتستر بابن الثلجي.

(1)

في س، ط: حكى.

(2)

مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين -لأبي الحسن الأشعري 2/ 256 - 259.

(3)

في س: وكان. وهو تصحيف.

(4)

هو: أبو محمد هشام بن الحكم الشيباني، من أهل الكوفة، سكن بغداد، وكان من كبار الرافضة ومشاهيرهم، كان مجسمًا، ذكر له ابن قتيبة أقوالًا شنيعة. توفي حوالي سنة 190 هـ على اختلاف في ذلك.

راجع: تأويل مختلف الحديث -لابن قتيبة- ص: 35. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 10/ 543، 544. ولسان الميزان -لابن حجر- 6/ 194.

(5)

في المقالات: لا يجوز أن يقال. . .

(6)

في جميع النسح: هذه. والمثبت من المقالات. وهو يستقيم به الكلام.

(7)

في جميع النسح: الثلجي. والمثبت من المقالات. ولعله الصواب.

هو: أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي صاحب كتاب مقالات الإسلاميين. توفي سنة 319 هـ. انظر ترجمته وما كتب عن أتباعه ص: 1091. ورأي الثلجي سوف يأتي فيما بعد، وقد ورد في المقالات 1/ 114: "وزاد بعض من يخبر على المقالات في الحكاية عن هشام فزعم أنه كان يقول:. . ".

(8)

عنه: ساقطة من: المقالات.

ص: 345

-أيضًا- كما لا يقال: مخلوق، لأن الصفات لا توصف.

وحكى زرقان (1) عنه (2) أن القرآن على ضربين: إن كنت تريد المسموع، فقد خلق الله الصوت المقطع وهو رسم القرآن، وأما القرآن ففعل الله مثل العلم والحركة منه، لا هو هو، ولا هو غيره.

قال محمد بن شجاع الثلجي ومن وافقه من الواقفة (3): إن القرآن كلام الله، وإنه محدث، كان بعد أن لم يكن، وبالله كان، وهو الذي أحدثه، وامتنعوا من إطلاق القول: بأنه مخلوق أو غير مخلوق.

وقال زهير الأثري (4): إن القرآن كلام (5) الله محدث غير مخلوق، وإنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد.

وبلغني عن بعض المتفقهة (6)[أنه](7) كان يقول: إن الله لم يزل

(1) هو: أبو يعلى محمد بن شداد بن عيسى المسمعي المعتزلي، يعرف بزرقان، له كتب منها "المقالات"، وهو من أصحاب النظام. توفي سنة 278 هـ.

راجع: طبقات المعتزلة -للقاضي عبد الجبار- ص: 271. ميزان الاعتدال -للذهبي- 3/ 579. والوافي بالوفيات -للصفدي- 3/ 148، 149.

(2)

أي: عن هشام بن الحكم.

وقد نص على ذلك أبو الحسن الأشعري في المقالات 1/ 114.

(3)

في الأصل: الموافقة وهو تصحيف، والمثبت من: س، ط، والمقالات.

(4)

في الأصل، س: الأبري، وفي ط: الأيري.

وهو خطأ والمثبت من: المقالات، ولم أقف على ترجمته.

قال د. محمد رشاد سالم رحمه الله محقق كتاب "درء تعارض العقل والنقل" 2/ 19، ت: 6 " وزهير الأبري: كذا في جميع النسخ، ولم أعرف من هو زهير الأثري، ولكن الأشعري يتكلم عن آرائه بالتفصيل في المقالات. . . " كما في 1/ 351.

(5)

في الأصل: كان. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، والمقالات.

(6)

في ط: المتفقهين.

(7)

ما بين المعقوفتين زيادة من: المقالات. يستقيم بها الكلام.

ص: 346

متكلمًا بمعنى أنه لم يزل قادرًا على الكلام، ويقول: إن كلام الله محدث غير مخلوق.

قال (1): وهذا قول داود الأصبهاني.

وقال أبو معاذ التومني (2): القرآن كلام الله، [وهو](3) حدث وليس بمحدث، وفعل وليس بمفعول، وامتنع أن يزعم أنه خلق، و [يقول](4) ليس بخلق ولا مخلوق، وأنه قائم بالله، ومحال أن يتكلم الله بكلام قائم بغيره، كما يستحيل أن يتحرك بحركة قائمة بغيره.

وكذلك يقول في إرادة الله ومحبته وبغضه: إن ذلك أجمع قائم بالله.

وكان يقول: [إن](5) بعض القرآن أمر، وهو الإرادة من الله للإيمان (6)، لآ (7) معنى أن الله أراد الإيمان هو أنه أمر به.

وحكى زرقان عن معمر (8) أنه قال: إن الله تعالى خلق الجوهر،

(1) قال: إضافة من عند الشيخ للإيضاح، والكلام متصل بما قبله في المقالات.

(2)

في س: أبو امعاذ. وهو تصحيف.

هو: أبو معاذ التومني، نسبة إلى تومن، أحد أئمة المرجئة، وإليه تنسب الفرقة التومنية- المعاذية، منها التي تزعم أن الإيمان ما عصم من الكفر، وهو اسم لخصال إذا تركها التارك أو ترك خصلة منها كان كافرًا. .

كما زعم أبو معاذ أن الموصوف بالفسق من أصحاب الكبائر ليس بعدو لله ولا ولي له، إلى غير ذلك من أقواله الشاذة التي ذكرها عنه أصحاب المقالات.

راجع في شأنه ومذهبه: مقالات الإسلاميين -للأشعري- 1/ 221، 351.

الفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 203 - 204. الأنساب- للسمعاني 3/ 111.

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من: المقالات.

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات.

(5)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات.

(6)

في س، ط: الإيمان.

(7)

في س: لا. وهو تصحيف.

(8)

هو: أبو عمرو معمر بن عباد السلمي، معتزلي من الغلاة من أهل البصرة ثم =

ص: 347