المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الأصل الذي ضل به جهم وشيعته - التسعينية - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌الباب الأول المؤلف حياته وعصره

- ‌الفصل الأول حياته

- ‌اسمه ومولده:

- ‌نشأته وذكر بعض صفاته:

- ‌الفصل الثَّاني عصره

- ‌الناحية السياسية

- ‌الناحية الاجتماعية:

- ‌الناحية العلمية:

- ‌الفصل الثالث‌‌ محنته

- ‌ محنته

- ‌وفاته:

- ‌الباب الثاني كتابه التسعينية ودراسة بعض مسائله

- ‌الفصل الأول التعريف بالكتاب

- ‌سبب تأليفه:

- ‌تسميته:

- ‌سبب التسمية:

- ‌نسبته إلى المؤلف:

- ‌تاريخ تأليفه:

- ‌منهج المؤلف في الكتاب:

- ‌نسخ الكتاب:

- ‌النسخة الأولى:

- ‌النسخة الثانية:

- ‌النسخة الثالثة:

- ‌عملي في الكتاب، وبيان المنهج الذي سلكته في تحقيقه:

- ‌الفصل الثاني دراسة بعض مسائله

- ‌فتنة القول بخلق القرآن:

- ‌مسألة كلام الله تعالى:

- ‌الأصل الذي تفرع منه نزاع الناس في مسألة الكلام

- ‌نماذج مصورة من النسخ المخطوطة

- ‌ خطبة الحاجة

- ‌الوجه الثامن:إن هذا خلاف إجماع سلف الأمة وأئمتها

- ‌الوجه الخامس عشر:إن القول الذي قالوه إن لم يكن حقًّا يجب اعتقاده لم يجز الإلزام به

- ‌الوجه الثاني:أن الله نزه نفسه في كتابه عن النقائص، تارة بنفيها، وتارة بإثبات أضدادها

- ‌الوجه السادس:أنه لو فرض جواز التقليد أو وجوبه في مثل هذا، لكان لمن يسوغ تقليده في الدين كالأئمة المشهورين

- ‌الوجه السابع:أن هذا القول لو فرض أنه حق معلوم بالعقل لم يجب اعتقاده بمجرد ذلك

- ‌القول باجتهاد الرأي، وإن اعتقد صاحبه أنه عقلي، مقطوع به لا يحتمل النقيض، فإنه قد يكون غير مقطوع به

- ‌الوجه الثاني عشر:أن لفظ الجهة عند من قاله، إما أن يكون معناه وجوديًّا أو عدميًّا

- ‌ التحيز الذي يعنيه المتكلمون

- ‌ قول القائل: إن القرآن حرف وصوت قائم به بدعة، وقوله: إنه معنى قائم به بدعة

- ‌ مسألة القرآن وقع فيها بين السلف والخلف من الاضطراب والنزاع ما لم يقع نظيره في مسألة العلو والارتفاع

- ‌من أعظم أسباب بدع المتكلمين من الجهمية وغيرهم، قصورهم في مناظرة الكفار والمشركين

- ‌ الأصل الذي ضل به جهم وشيعته

- ‌ النزاع في مسألة الحرف والصوت

- ‌ قول عبد الله بن كلاب

الفصل: ‌ الأصل الذي ضل به جهم وشيعته

موسى عليه السلام، وسوف يراه عباده في الآخرة، وليس من شرط كون الشيء موجودًا أن يحس به كل أحد في كل وقت، أو أن يمكن إحساس كل أحد به في كل وقت، فإن أكثر الموجودات على خلاف ذلك، بل متى كان الإحساس به ممكنًا، ولو لبعض النَّاس في بعض الأوقات صح القول بأنه يمكن الإحساس به، وقد قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (1) وهذا هو‌

‌ الأصل الذي ضل به جهم وشيعته

، حيث زعموا أن الله لا يمكن أن يرى، ولا يحس به شيء من الحواس، كما أجاب إمامهم الأول للسمنية بإمكان وجود موجود لا يمكن إحساسه، ولهذا كان أهل الإثبات قاطبة متكلموهم وغير متكلميهم (2) على نقض هذا الأصل الذي بناه الجهمية، وأثبتوا ما جاء به الكتاب والسنة من أن الله يرى ويسمع كلامه وغير ذلك، وأثبتوا -أيضًا- بالمقاييس العقلية (3) أن

= وأتباعهم استوفاها ابن القيِّم في كتابه "حادي الأرواح" ص: 202 - 246. وهذه الأدلة والأقوال تثبت رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة عيانًا بأبصارهم، وترد على المعتزلة والجهمية المنكرين لرؤيته تبارك وتعالى، فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى الكتاب المذكور، وإلى:

الشريعة -للآجري- ص: 251 - 276. والإيمان -لابن منده- 3/ 758 - 889. والرد على الجهمية- للدارمي ص: 53 - 68.

(1)

سورة الشورى، الآية:51.

(2)

في الأصل: "متكلموهم". والمثبت من: س، ط.

(3)

يقول ابن القيِّم رحمه الله:

"ثبت بالعقل إمكان رؤيته تعالى، وبالشرع وقوعها في الآخرة، فاتفق الشرع والعقل على إمكان الرؤية ووقوعها، فإن الرؤية أمر وجودي لا يتعلق إلَّا بموجود، وما كان أكمل وجودًا كان أحق أن يرى.

فالباري -سبحانه- أحق أن يرى من كل ما سواه، لأنَّ وجوده أكمل من كل موجود سواه".

راجع: مختصر الصواعق المرسلة -لابن القيِّم للموصلي- 1/ 280.

ص: 256

الرؤية يجوز تعلقها بكلِّ (1) موجود، فيصح إحساس كل موجود، فما لا يمكن إحساسه يكون معدومًا، ومنهم من طرَّد ذلك في اللمس، ومنهم من طرده في سائر الحواس، كما فعله طائفة من متكلمة الصفاتية (2) الأشعرية وغيرهم.

والمقصود هنا أن أولئك المشركين المناظرين قالوا كلامًا مجملًا، فجعلوا الخاص عامًّا، والمعين مطلقًا، حيث قالوا: أنت لم تحسه وما لم تحسه أنت لا يكون موجودًا، والمقدمة الثَّانية باطلة لكن موهوها بالمعنى الصَّحيح، وهو أن ما لا يمكن (3) إحساسه بحال لا يكون موجودًا، فناظرهم المناظرون من الصابئية (4)، والمقتدى بهم جهم وأصحابه في هذه المقدمة، حتَّى أنكروا الحق الذي عليه أولئك الذين موهوه بالباطل، وزعم هؤلاء أنَّه قد يكون موجودًا ما لا يمكن إحساسه بحال في وقت من الأوقات لشيء من الموجودات، وزعموا أن الروح كذلك، ثم أخذوا هذه المقدمة الباطلة التي نازعوا فيها أولئك المشركين، فنازعوا فيها إخوانهم المؤمنين، فصاروا مجادلين للمؤمنين بمثل ما جادلوا به المشركين، كمن (5) قاتل المؤمنين كما قاتل المشركين زعمًا منه أنَّه إن لم يقاتل ذلك القتال استولى عليه المشركون، كما زعم هؤلاء أنهم إن لم يناظروا المشركين هذه المناظرة استعلى عليهم المشركون، وانقطعت حجة المؤمنين في المناظرة، وصاروا عاجزين في النظر والمناظرة، إذ لم يجدوا بزعمهم طريقًا إلَّا هذه الطريق المبتدعة

(1) في الأصل: "بغير". والمثبت من: س، ط.

(2)

في ط: "الصفائية".

وسوف يعرف بهم الشَّيخ رحمه الله فيما بعد. راجع ص: 270.

(3)

في الأصل: "ما لم يكن". والمثبت من: س، ط.

(4)

في ط: "الصابئة".

(5)

في س: "لمن".

ص: 257

التي أحدثوها، المشتملة على حق وباطل، المتضمنة لجدال المشركين والمؤمنين، كما أن أولئك المقاتلين لم يجدوا -بزعمهم- قتالًا إلّا هذا القتال المبتدع، المشتمل على قتال المشركين والمؤمنين.

ولفظ الإحساس عام (1) يستعمل في الرؤية والمشاهدة الظاهرة، أو الباطنة، كما قال تعالى:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} (2)، وقال تعالى:{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} (3).

ومعلوم أن الخلق كلهم ولدوا على الفطرة (4)، ومن المعلوم بالفطرة أن ما لا يمكن إحساسه -لا باطنًا ولا ظاهرًا- لا وجود له،

(1) في الأصل، س:"عامة ما. . . ". والمثبت من: ط.

يقول ابن الأثير: "الإحساس: العلم بالحواس، وهي مشاعر الإنسان كالعين والأذن والأنف واللسان واليد".

انظر: النهاية لابن الأثير 1/ 384.

ونقل ابن منظور عن الفراء: "الإحساس الوجود، نقول في الكلام: هل أحسست منهم أحدًا؟ ".

وعن الزجاج: "أن معنى أحس علم ووجد في اللغة".

ويقال: هل أحسست صاحبك؟ أي: هل رأيته؟ وهل أحسست الخبر؟ أي: هل عرفته وعلمته؟

انظر: لسان العرب -لابن منظور 6/ 50 (حسس).

(2)

سورة مريم، الآية:98.

(3)

سورة آل عمران، الآية:52.

(4)

روى البُخاريّ في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء".

راجع: صحيح البُخاريّ 2/ 104 - كتاب الجنائز- باب ما قيل في أولاد المشركين.

ومعنى "جدعاء": أي: مقطوعة الأذن.

ص: 258

والعقل هو [الذي](1) ضبط القدر المشترك الكلي الذي بين أفراد الموجودات التي أحسها، والكلي لا (2) وجود له كليًّا، إلَّا في الأذهان لا في الأعيان، فهذه المقدمة الفطرية هي التي عليها أهل الإيمان، ومن كان باقيًا على الفطرة فيها من المشرفين واليهود والنصارى والصابئين وغيرهم.

كما أن أهل الفطر كلها متفقون على الإقرار بالصانع، وأنه فوق العالم، وأنهم حين دعائه يتوجهون إلى فوق بقلوبهم وعيونهم وأيديهم.

ولما كان أصل قول جهم هو قول المبدلين من الصابئية (3)، وهؤلاء شر من اليهود والنصارى، وإن كانوا خيرًا من المشركين، كالذين ناظرهم جهم ونحوهم ممن يعطل وجود الصانع، أو يوجب عبادة إله معه، فإن هؤلاء الصابئية (3) ليسوا كذلك، لكنهم وإن لم يوجبوا الشرك فقد لا يحرمونه، بل يسوغون التوحيد والإشراك جميعًا، ولا ينكرون هذا ولا هذا، كما هو موجود في كلامهم ومصنفاتهم، لكن ليس النَّاس في التجهم على مرتبة واحدة، بل انقسامهم في التجهم يشبه انقسامهم في التشيع (4)، فإن التجهم والرفض هما أعظم البدع، أو من أعظم البدع

(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

(2)

في ط: "ولا".

(3)

في س، ط:"الصابئة".

(4)

في س: "التشنيع". وهو تصحيف.

وتشيع الرجل: إذا ادعى دعوى الشيعة، أو صار شيعيًّا.

والشيعة هم: الذي شايعوا عليًّا رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصًّا ووصية، إما جليًّا، وإما خفيًّا، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره. أو بتقية من عنده.

وهم فرق كثيرة يكفر بعضهم بعضًا، وأصولهم ثلاث فرق: الغالية، والزيدية، والرافضة (الإمامية)، وسوف يذكرها الشَّيخ رحمه الله ص: 263 من هذا الكتاب.

ص: 259

التي أحدثت في الإسلام، ولهذا كان الزنادقة (1) المحضة مثل الملاحدة من القرامطة ونحوهم، إنَّما يتسترون بهذين بالتجهم والتشيع.

قال (2) الإمام أبو عبد الله البُخاريّ في كتاب خلق الأفعال: عن أبي عبيد (3) "قال: ما أبالي أصليت (4) خلف الجهمي أو الرافضي، أو صليت خلف اليهودي والنصراني (5)، ولا يسلم عليهم، ولا يعادون، ولا يناكحون، ولا يشهدون ولا تؤكل ذبائحهم.

قال (6): وقال عبد الرحمن بن مهدي (7). . . . . . . . . . . . . .

= راجع: التعريفات للجرجاني ص: 129. وكشاف اصطلاحات الفنون -للتهانوي 4/ 136. وتاج العروس- للزبيدي 5/ 407 (شيع). والملل والنحل -للشهرستاني 1/ 146 فما بعدها. ومقالات الإسلاميين- للأشعري 1/ 65 فما بعدها. وأصل الشيعة وأصولها -لمحمد الحسين آل كاشف الغطاء- ص: 42 فما بعدها. والشيعة في الميزان -لمحمد جواد مغنية- ص: 14 - 19، 32 - 41.

وفجر الإسلام -لأحمد أمين- ص: 266 - 278.

(1)

في الأصل: "الزندقة".

وفي ط: "ازنادقة". والمثبت من: س.

(2)

انظر: خلق أفعال العباد -للبخاري- ص: 35.

(3)

في س: "عبد الله".

و"عن أبي عبيد": ساقطة من خلق أفعال العباد.

ولعلّه: القاسم بن سلام البغدادي الفقيه اللغوي القاضي صاحب التَّصانيف أبو عبيد: قال عنه أحمد بن حنبل: أبو عبيد أستاذ، وهو يزداد كل يوم خيرًا. ولد سنة 157 هـ، وتوفي بمكة سنة 224 هـ رحمه الله.

راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 12/ 403 - 416. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 4/ 60 - 63. وتذكرة الحفَّاظ -للذهبي- 2/ 417 - 418.

(4)

في خلق أفعال العباد: "صليت".

(5)

في خلق أفعال العباد: ". . والرافضي أم صليت خلف اليهود والنصارى".

(6)

قال: أي: البُخاريّ. وهي إضافة من الشَّيخ رحمه الله والكلام متصل بما قبله في خلق أفعال العباد.

(7)

هو: أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي بن حسَّان العندي. . . . . . . . . . . . =

ص: 260

هما ملتان: الجهمية والرافضة.

هذا وقد (1) كان أمرهم إذ ذاك لم ينتشر ويتفرع ويظهر فساده، كما ظهر فيما بعد ذلك، فإن الرافضة القدماء لم يكونوا جهمية، بل كانوا مثبتة للصفات، وغالبهم يصرح بلفظ الجسم، وغير ذلك. كما (2) قد ذكر النَّاس مقالاتهم، كما ذكره (3) أبو الحسن الأشعري وغيره في كتاب المقالات (4).

والجهمية لم يكونوا رافضة، بل كان الاعتزال فاشيًا فيهم، والمعتزلة كانوا ضد الرافضة، وهم إلى النصب أقرب، فإن الاعتزال

= البصري اللؤلؤي من كبار حفاظ الحديث.

قال عنه الشَّافعي: لا أعرف له نظيرًا في الدُّنيا، ولد بالبصرة سنة 135 وتوفي بها سنة 198 هـ.

راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 240 - 248. وتذكرة الحفَّاظ -للذهبي- 1/ 329 - 332. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 6/ 279 - 281.

(1)

في ط: "هذان آن وقد" وهو تصحيف.

(2)

في الأصل: "ممَّا" والمثبت من س، ط.

(3)

ذكر أبو الحسن الأشعري مقالات الرافضة في كتابه "مقالات الإسلاميين. . . " 1/ 106 فما بعدها.

(4)

مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين -لأبي الحسن الأشعري، واختصر هذه المقالات محمد بن مطرف الإستراباذي الضبي.

ونشر كتاب المقالات باستنبول سنة 1929 م، ثم طبع مرَّة ثانية بألمانية الغربية سنة 1963 م، ونشر الجزء الأول منه محمد محيي الدين عبد الحميد سنة 1950 م، ثم نشر الجزأين سنة 1969 م، وأشار في مقدمة الكتاب إلى أن هذه هي الطبعة الثَّانية.

راجع: تاريخ التراث العربي - لفؤاد سزكين- المجلد الأول -الجزء الرابع - العقائد والتصوف- ص: 37 - 38.

وراجع: مقدمة الكتاب -تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. وقد أطال الكلام عن هذا الكتاب ومخطوطاته وطبعاته وطريقة مؤلفه في تأليفه وتسميته، د. عبد الرحمن بدوي- في كتابه "مذاهب الإسلاميين" 1/ 523 - 528.

ص: 261

حدث من البصرة، والرفض حدث من الكوفيين، والتشيع أكثر في الكوفة وأهل البصرة كانوا بالضد، فلما كان بعد زمن (1) البُخاريّ من عهد بني بويه (2) الديلمي (3)، فنشأ في الرافضة التجهم، وأكثر أصول المعتزلة، وظهرت القرامطة ظهورًا كثيرًا، وجرى (4) حوادث عظيمة، والقرامطة بنوا أمرهم على شيء من دين المجوس، وشيء من دين الصابئية (5)، فأخذوا عن هؤلاء الأصليين النور والظلمة (6)، وعن هؤلاء العقل والنفس، ورتبوا لهم دينًا آخر ليس هو هذا ولا هذا، وجعلوا على ظاهره من سيما الرافضة ما يظن الجهال به أنهم رافضة، وإنَّما هم زنادقة منافقون، اختاروا ذلك لأنَّ الجهل والهوى في الرافضة أكثر منه في سائر أهل الأهواء (7).

(1) في س: "زمان من".

(2)

بنوبويه: هم ثلاثة أخوة، عماد الدولة أبو الحسن علي، وركن الدولة أبو علي الحسن، ومعز الدولة أبو الحسين أحمد، أولاد أبي شجاع بويه بن فنّاخسرو بن تمام، ويقال لهم: الديالمة، لأنهم جاوروا الديلم، وكانوا بين أظهرهم مدة، وكان والدهم فقيرًا مدقعًا، وقد ظهر أمرهم وابتدأت دولتهم سنة 321 هـ.

انظر: الكامل لابن الأثير 8/ 264 فما بعدها. والبداية والنهاية لابن كثير 11/ 194 فما بعدها.

(3)

في س، ط:"الديلم".

(4)

في س: "أجرى" وهو تصحيف.

(5)

في ط: "الصابئة".

(6)

في ط: "الظلمة".

(7)

روى أبو سعيد الدَّارميّ في كتابه "الرد على الجهمية- ص: 112 " قال: "حدَّثنا الزهراني أبو الرَّبيع قال: كان من هؤلاء الجهمية رجل، وكان الذي يظهر من رأيه الترفض، وانتحال حب علي رضي الله عنه فقال رجل ممن يخالطه ويعرف مذهبه: قد علمت أنكم لا ترجعون إلى دين الإسلام، ولا تعتقدونه فما الذي حملكم على الترفض، وانتحال حب علي؟

قال: إذًا أصدقك: إنّا، وإن أظهرنا رأينا الذي نعتقده، رمينا بالكفر والزندقة =

ص: 262

والشيعة (1) هم ثلاث درجات:

شرها الغالية (2): الذين جعلوا (3) لعلي شيئًا من الإلهية، أو يصفونه بالنبوة، وكفر هؤلاء بين لكل مسلم يعرف الإسلام، وكفرهم من جنس كفر النصارى من هذا الوجه، وهم يشبهون اليهود من وجوه أخر (4).

= وقد وجدنا أقوامًا ينتحلون حب علي ويظهرونه، ثم يقعون بمن شاؤوا، ويعتقدون ما شاؤوا، ويقولون ما شاؤوا، فنسبوا بذلك إلى الترفض والتشيع، فلم نر لمذهبنا أمرًا ألطف من انتحال حب هذا الرجل، ثم نقول ما شئنا، ونعتقد ما شئنا ونقع بمن شئنا، فلأن يقال لنا: رافضة أو شيعة أحب إلينا من أن يقال: زنادقة كفار، وما علي عندنا أحسن حالًا من غيره ممن نقع بهم.

قال أبو سعيد رحمه الله وصدق هذا الرجل فيما عبر عن نفسه ولم يراوغ، وقد استبان ذلك من بعض كبرائهم وبصرائهم أنهم يستترون بالتشيع، يجعلونه تثبيتًا لكلامهم وخطبهم، وسلمًا وذريعة لاصطياد الضعفاء وأهل الغفلة ثم يبذرون بين ظهراني خطبتهم بذر كفرهم وزندقتهم ليكون أنجع في قلوب الجهال وأبلغ فيهم. . ".

(1)

في هامش الأصل: "مطلب: ذكر فرق الرافضة وبعدهم فرق الجهمية".

وفي هامش س: "تقسيمه للشيعة".

(2)

الغالية: هم الذين غلوا في حق أئمتهم، وحكموا فيهم بأحكام الإلهية وأباحوا محرمات الشريعة، وأسقطوا فرائضها.

وشبهاتهم نشأت من مذاهب الحلولية، ومذاهب التناسخية ومذاهب اليهود والنصارى، إذ اليهود شبهت الخالق بالخلق، والنصارى شبهت الخلق بالخالق، فسرت هذه الشبهات في أذهان الشيعة الغلاة، حتَّى حكمت بأحكام الإلهية في حق بعض الأئمة.

وهم فرق متعددة يجمعها القول بالتشبيه، والبداء، والرجعة، والتناسخ.

راجع في شأنهم: مقالات الإسلاميين -للأشعري 1/ 66 - 88. والفرق بين الفرق- للبغدادي ص: 23. والملل والنحل- للشهرستاني 1/ 173 - 189.

واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص: 86 - 93.

(3)

في س، ط:"يجعلون".

(4)

في س، ط:"أخرى".

ص: 263

والدرجة الثَّانية، وهم الرافضة، المعروفون كالإمامية (1) وغيرهم: الذين يعتقدون أن عليًّا هو الإمام الحق بعد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بنص جلي أو خفي، وأنه ظلم (ومنع)(2) حقه، ويبغضون أبا بكر وعمر، ويشتمونهما، وهذا عند (3) الأئمة فيما الرافضة، وهو بغض أبي بكر وعمر وسبهما.

والدرجة الثالثة: المفضِّلة من الزيدية (4) وغيرهم: الذين يفضلون عليًّا على (أبي)(5) بكر وعمر، ولكن يعتقدون إمامتهما وعدالتهما ويتولونهما، فهذه الدرجة -وإن كانت باطلة- فقد نسب إليها طوائف من أهل الفقه والعبادة، وليس أهلها قريبًا ممن قبلهم، بل هم إلى أهل السنة أقرب منهم إلى الرافضة، لأنهم ينازعون الرافضة في إمامة الشيخين وعدلهما وموالاتهما، وينازعون أهل السنة في فضلهما على علي، والنزاع الأول أعظم، ولكنهم (6) هم المرقاة (7) التي تصعد منه الرافضة فهم لهم باب.

(1) تقدم التعريف بهم. راجع ص: 259.

(2)

في الأصل: "ومنعه". والمثبت من: س، ط. ولعلّه المناسب.

(3)

في س، ط:"وهذا هو عند".

(4)

الزيدية: فرقة من الشيعة، وهم المنسوبون إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم فرق: الجارودية، والسليمانية، والصالحية، والبترية، وهذه يجمعها القول بإمامة زيد بن علي في أيَّام خروجه في زمن هشام بن عبد الملك.

راجع: الفرق بين الفرق -للخطيب البغدادي ص: 22 - 23. والملل والنحل - للشهرستاني 1/ 154 - 162. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص: 77 - 78. وكشاف اصطلاحات الفنون- للتهانوي 3/ 113.

(5)

في الأصل: "أبا". وهو خطأ. والمثبت من: س، ط.

(6)

في س، ط:"ولكن هم".

(7)

المرقاة: بفتح الميم وكسرها: الدرجة، واحدة من مراقي الدرج.

انظر: لسان العرب لابن منظور 14/ 332 (رقا).

ص: 264

وكذلك (1) الجهمية على ثلاث درجات:

فشرها الغالية (2): الذين ينفون أسماء الله وصفاته، وإن سموه بشيء من أسمائه الحسنى، قالوا: هو مجاز فهو في الحقيقة عندهم ليس بحي ولا عالم ولا قادر ولا سميع ولا بصير ولا تكلم (3) ولا يتكلم، وكذلك وصف العلماء حقيقة قولهم كما ذكره الإمام أحمد فيما أخرجه في الرد على الزنادقة والجهمية (4):

قال (5): فعند ذلك تبيّن للناس أنهم لا يثبتون شيئًا، ولكنهم (6) يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرون في (7) العلانية، فإذا قيل لهم: فمن تعبدون؟ قالوا: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق.

فقلنا: فهذا الذي يدبر أمر هذا الخلق، هو مجهول لا يعرف بصفة؟

(1) في هامش س: "قف على تقسيم الجهمية".

(2)

الشَّيخ -رحمه الله تعالى- كثيرًا ما يطلق لفظ الجهمية على من يشترك معهم في بعض ما يعتقدونه، لأنهم دخلوا فيهم وشاركوهم الرأي، فمذهب الجهمية يقوم مثلًا على نفي أسماء الله وصفاته، ومن نفى عن الله شيئًا من الأسماء أو الصفات ممَّا أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله عليه الصلاة والسلام فقد شارك الجهمية فيما نفاه وإن أثبت البعض، بل ويصح أن يطلق عليه جهمي.

وتقسيم الشَّيخ رحمه الله للجهمية مبني على هذا الأساس -كما سنراه على الصفحات التالية.

والغالية: التي وصمها الشَّيخ رحمه الله بأنها شر الدرجات الثلاث هم القرامطة الباطنية وأبرزهم: (الإسماعيلية)، كما سيأتي كلام الشَّيخ رحمه الله ص:149.

(3)

في ط: "متكلم".

(4)

الرد على الجهمية والزنادقة -للإمام أحمد بن حنبل ص: 105 - 106.

(5)

في الأصل: "قالوا". والمثبت من: س، ط.

(6)

في الرد على الجهمية-: "ولكن".

(7)

في الرد على الجهمية-: "من".

ص: 265

قالوا: نعم. قلنا: قد عرف المسلمون أنكم لا تثبتون شيئًا، إنَّما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون (1).

فقلنا لهم: هذا الذي [يدبر](2) هو الذي كلم موسى.

قالوا: لم يتكلم ولا يتكلم، لأنَّ الكلام لا يكون إلّا بجارحة والجوارح عن الله (3) منتفية (4)، وإذا (5) سمع الجاهل قولهم يظن أنهم من أشد النَّاس تعظيمًا لله، ولا يعلم أنهم إنَّما يعود (6) قولهم إلى ضلالة (7) وكفر.

وقال (8) أبو الحسن الأشعري في كتاب "الإبانة"(9) باب الرد على الزنادقة (10) الجهمية، في نفيهم علم الله وقدرته (11)، قال الله عز وجل:

(1) في الرد على الجهمية-: "بما تطهرونه".

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية. . .

(3)

"عن الله": ساقطة من: الرد على الجهمية.

(4)

في س، والرد على الجهمية. .:"منفية".

(5)

في الرد على الجهمية. .: "فإذا".

(6)

في الأصول: "يقولون".

وفي س، ط:"يقودون". والمثبت من: الرد على الجهمية. .

(7)

في س، ط:"ضلال".

(8)

الإبانة عن أصول الديانة -للأشعري ص: 107 - 108.

(9)

الإبانة عن أصول الديانة: هو آخر كتاب لأبي الحسن الأشعري، شرح فيه عقيدته، وبين انتسابه للإمام أحمد رحمه الله، ورد على المعتزلة آراءهم وأقام الحجج والبراهين على بطلانها، وقد طبع الكتاب سنة 1321 هـ بحيدر أباد، وفي القاهرة سنة 1348 هـ، ثم توالت بعد ذلك طبعاته.

انظر: تاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 4/ 40. وتاريخ التراث العربي - العقائد والتصوف -لسزكين- 1/ 4 / 38 - 39. ومذاهب الإسلاميين - عبد الرحمن بدوي 1/ 515 - 518. والمقدمة لكتاب الإبانة -تحقيق عبد القادر الأرناؤوط- والتي كتبها بشير عيون- ص: 3 - 6.

(10)

"الزنادقة": ساقطة من: س، ط، والإبانة.

(11)

في الأصل: "وقوته". والمثبت من: س، ط، والإبانة.

ص: 266

{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} (1)، وقال سبحانه وتعالى:{وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إلا بِعِلْمِهِ} (2) وقال سبحانه: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} (3) وذكر العلم في خمسة مواضع من كتابه، وقال سبحانه:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ} (4) وذكر تعالى القوة، فقال:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} (5) وقال: {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (6) وقال سبحانه: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} (7).

وزعمت الجهمية والقدرية (8) أن الله لا علم له ولا قدرة ولا حياة

(1) سورة النساء، الآية:166.

(2)

سورة فاطر، الآية:11.

(3)

سورة هود، الآية:14.

ولم تذكر هذه الآية في: س.

وفي الأصل: (. . أنزل بعلمه).

(4)

سورة البقرة، الآية:255.

(5)

سورة فصلت، الآية:15.

(6)

سورة الذاريات، الآية:58.

(7)

سورة الذاريات، الآية:47.

(8)

"القدرية" ساقطة من: الإبانة.

والقدرية هم: جاحدوا القدر ونفاته، وأول من تكلم به في زمن الصّحابة معبد الجهني بالبصرة، وعنه أخذ عيلان الدّمشقيّ، وأخذ معبد هذه المقالة عن رجل من أهل العراق، يقال له: سوسن، كان نصرانيًّا فأسلم، ثم تنصر، وقد ذم الصّحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم القدرية.

وهم أصناف ذكر منهم شيخ الإسلام.

1 -

القدرية الشركية.

2 -

القدرية المجوسية.

3 -

القدرية الإبليسية.

راجع: تاج العروس -للزبيدي- 3/ 483 (قدر). ومجموع فتاوى شيخ الإسلام 8/ 256 - 261. والتبصير في الدين -للإسفراييني ص: 21. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 4/ 185 - 187.

ص: 267

ولا سمع ولا بصر (1)، وأرادوا أن [ينفو](2) أن الله عالم قادر [حي](3) سميع بصير، فمنعهم خوف (4) السيف من إظهار نفي ذلك، فأتوا بمعناه لأنهم [إذا] (5) قالوا: لا علم ولا قدرة لله (6)، فقد قالوا: إنه ليس بعالم ولا قادر، ووجب ذلك عليهم.

قال (7): وهذا إنما أخذوه عن أهل الزندقة والتعطيل، لأنَّ الزنادقة قال كثير منهم: ليس (8) بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير، فلم تقدر المعتزلة أن تفصح بذلك، فاتت بمعناه، وقالت: إن الله عز وجل عالم قادر حي سميع بصير من طريق التّسمية، من غير أن تثبت (9) له علمًا أو قدرة أو سمعًا أو بصرًا (10).

وكذلك [قال](11) في كتاب "المقالات"(12): الحمد لله الذي بصرنا خطأ المخطئين، وعمى العمين، وحيرة المتحيرين، الذين نفوا

(1) في الإبانة: "ولا بصر له".

(2)

في الأصل: "ينفون". والمثبت من: س، ط، والإبانة.

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والإبانة.

(4)

في جميع النسخ: "من ذلك خوف". والمثبت من: الإبانة. ليستقيم السياق.

(5)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والإبانة.

(6)

في الإبانة: "لا علم لله ولا قدرة له".

(7)

يعني: أبا الحسن الأشعري.

وكلمة "قال": إضافة من الشَّيخ، والكلام متصل بما قبله.

(8)

في الإبانة: "إن الله ليس. . . ".

(9)

في ط: "تثبت".

وفي الإبانة: "يثبتوا".

(10)

في الإبانة: ". . . له حقيقة العلم والقدرة والسمع والبصر".

(11)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

(12)

مقالات الإسلاميين 2/ 176 - 177.

ص: 268

صفات رب العالمين، وقالوا (1): إن الله -جل ثناؤه وتقدست أسماؤه- لا صفات له، وإنه (2) لا علم له، ولا قدرة [له](3)، ولا حياة له، ولا سمع له، ولا بصر له، ولا عزة (4) له، ولا جلال له، ولا عظمة له، ولا كبرياء له، وكذلك قالوا في [سائر](5) صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه (6).

"قال"(7): وهذا قول أخذوه عن إخوانهم من المتفلسفة، الذين يزعمون أن للعالم صانعًا لم يزل، ليس بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير ولا قدير (8)، وعبروا عنه بأنَّ قالوا نقول: عين (9) لم يزل، ولم يزيدوا على ذلك، غير أن هؤلاء الذين وصفنا قولهم من المعتزلة في الصفات، لم يستطيعوا أن يظهروا من ذلك ما كانت الفلاسفة تظهره، فأظهروا معناه فنفوا (10) أن يكون للباري علم وقدرة وحياة وسمع وبصر، ولولا الخوف لأظهروا ما كانت (11) الفلاسفة تظهره [من ذلك](12)

(1) في الأصل: "وقال". والمثبت من: س، ط، والمقالات.

(2)

"أنَّه": ساقطة من: س.

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من: المقالات.

(4)

في المقالات: "عز".

(5)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات.

(6)

في الأصل، س:"لنفسه". والمثبت من: ط.

وفي المقالات: ". . يوصف بها لنفسه. . ".

(7)

يعني: أبو الحسن الأشعري.

"قال": إضافة من الشَّيخ، والكلام متصل بما قبله.

(8)

في المقالات: "ولا قديم".

(9)

في الأصل: "عن".

وفي س، ط:"غير". والمثبت من: المقالات.

(10)

في المقالات: "بنفيهم".

(11)

في س: "مانت". وهو تصحيف.

(12)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات.

ص: 269

ولأفصحوا به، غير أن خوف السيف يمنعهم من إظهار ذلك.

"قال"(1): وقد أفصح بذلك رجل يعرف بابن الإيادي (2)، كان ينتحل قولهم، فزعم أن الباري عالم قادر سميع بصير في المجاز لا في الحقيقة.

وهذا القول الذي هو قول الغالية النفاة للأسماء حقيقة هو قول القرامطة الباطنية، ومن سبقهم من إخوانهم الصابئية الفلاسفة.

والدرجة الثَّانية من التجهم: هو تجهم المعتزلة ونحوهم الذين يقرون بأسماء الله الحسنى في الجملة، لكن ينفون صفاته، وهم -أيضًا- لا يقرون بأسماء الله الحسنى كلها على الحقيقة، بل يجعلون كثيرًا منها على المجاز، وهؤلاء هم الجهمية المشهورون.

وأمَّا الدرجة الثالثة: فهم (3) الصفاتية المثبتون (4) المخالفون للجهمية، لكن فيهم نوع من التجهم، كالذين يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة، لكن يردون طائفة من أسمائه وصفاته الخبرية، أو غير الخبرية، ويتأولونها كما تأول الأولون صفاته كلها، ومن هؤلاء من يقر بصفاته الخبرية الواردة في القرآن دون الحديث، كما عليه كثير من أهل الكلام والفقه وطائفة من أهل الحديث، ومنهم من يقر بالصفات الواردة في الأخبار -أيضًا- في الجملة، لكن مع نفي لبعض ما ثبت بالنصوص وبالمعقول، وذلك كأبي محمد بن كلاب ومن اتبعه، وفي هذا القسم يدخل أبو الحسن الأشعري وطوائف من أهل الفقه والكلام والحديث

(1) يعني: أبو الحسن الأشعري.

(2)

في ط: "الأباري".

وابن الإيادي لم أعثر له على ترجمة.

(3)

"فهم" ساقطة من: س.

(4)

في س: "المشتون" وهو تصحيف.

ص: 270