الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقوبة المحصن الرجم وعقوبة غير المحصن الجلد والتغريب (1) . وهذا الذى يراه بعض الشافعيين هو الرأى الراجح فى مذهب الشيعة الزيدية، وإن كان بعضهم يرى ما يراه مالك وأبو حنيفة (2) .
ويرى الشافعيون والحنابلة أن المرأة التى تمكِّن من نفسها حيوانًا عليها ما على واطئ البهيمة (3) ، وإن كان بعض الشافعيين يصرحون بأنه ليس على المرأة إلا التعزير (4) .
* * *
المبحث الثالث
الإحصان
521 -
الإحصان شرط الرجم: رأينا فيما سبق أن الشريعة الإسلامية تفرق فى العقوبة بين المحصن وغير المحصن، وتعاقب الأول بالرجم دون الثانى، ومعنى هذا أن الشريعة تجعل الإحصان شرطًا للرجم، فإذا انعدم الإحصان امتنع الرجم.
وإذا كان الإحصان شرطًا فى الرجم، فإن الإحصان فى نفس الوقت مجموعة شروط تكون هيئة واحدة أو مجموعة أجزاء لعلة واحدة، وكل واحد من هذه المجموعة يعتبر بذاته شرطًا أو علة لوجوب الرجم.
522 -
معنى الإحصان: الإحصان لغة معناه: الدخول فى الحصن أو المنع، قال تعالى:{لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80]، ويقال: أحصن إذا دخل فى الحصن.
وللإحصان فى القرآن أكثر من معنى، فقد جاء بمعنى التزويج فى قوله تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] ، وجاء بمعنى الحرية فى
(1) نهاية المحتاج [ج7 ص405] .
(2)
شرح الأزهار [ج4 ص336] .
(3)
الإقناع [ج4 ص253] ، أسنى المطالب [ج4 ص126] .
(4)
نهاية المحتاج [ج4 ص404] ، أسنى المطالب [ج4 ص126] .
قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25]، وجاء بمعنى العفة فى قوله تعالى:{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [التحريم: 12]، وقوله:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب} [المائدة: 5]، وجاء بمعنى الإسلام والزواج فى قوله تعالى:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25]، وجاء بمعنى الحرية والبلوغ والعفة فى قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] .
523 -
أنواع الإحصان: الإحصان فى الجرائم على نوعين: إحصان الرجم، وإحصان القذف، وسنتكلم هنا على إحصان الرجم، أما إحصان القذف فمحل الكلام عليه جريمة القذف.
وإحصان الرجم شرعًا: هو عبارة عن اجتماع صفات اعتبرها الشارع لوجوب الرجم، أو هو مجموعة من الشروط إذا توفرت فى الزانى كان عقابه الرجم بدلاً من الجلد.
524 -
شروط الإحصان: اتفق الفقهاء على بعض شروط الإحصان فى جريمة الزنا، واختلفوا على البعض الآخر، وسنبين فيما يلى شروط الإحصان سواء منها ما اتفق عليه وما اختلف فيه:
أولاً: الوطء فىنكاح صحيح: يشترط لقيام الإحصان أن يكون وطء فى نكاح صحيح، وأن يكون الوطء فى القُبُل لقوله عليه السلام:"والثيب بالثيب الجلد والرجم"، والثيابة تحصل بالوطء فى القبل (1) .
(1) شرح فتح القدير [ج4 ص131] ، بدائع الصنائع [ج7 ص37] ، المغنى [10 ص126] ، بداية المجتهد [ج2 ص364] ، شرح الأزهار [ج4 ص342] .
ولا خلاف فى أن عقد النكاح الخالى من الوطء لا يحصل به إحصان، ولو حصلت فيه خلوة صحيحة (1) أو وطء فيما دون الفرج، أو وطء فى الدبر، لأن كل هذا لا تعتبر به المرأة ثيبًا ولا تخرج عن حد الأبكار الذين حدهم جلد مائة وتغريب عام.
والوطء الذى يؤدى إلى الثيابة هو الإيلاج فى القبل على وجه يوجب الغسل، أو هو تغييب الحشفة أو مثلها فى القبل سواء أنزل أو لم ينزل، ولا يكفى مثل هذا الوطء وحده لوجود الإحصان بل يجب أن يكون الوطء فى نكاح؛ لأن النكاح هو الإحصان لقوله تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] يعنى المتزوجات، فإن كان الوطء فى غير نكاح كالزنا ووطء الشبهة فلا يصير به الواطئ محصنًا دون خلاف.
ويشترط فى النكاح أن يكون صحيحًا، فإن كان فاسدًا فإن الوطء فيه لا يحصن كما يرى جمهور الفقهاء (2) .
ويشترط إذا كان الوطء فى نكاح صحيح أن لا يكون وطئًا محرمًا كالوطء فى الحيض أو الإحرام، فإن الوطء الذى يحرمه الشارع لا يحصن ولو كان فى نكاح صحيح (3) .
ثانيًا: البلوغ والعقل: وهما شرطا الأهلية للعقوبة، كما أنهما لازمان فى كل جريمة، ويجب توفرهما فى المحصن وغير المحصن وقت ارتكاب الجريمة طبقًا للقواعد العامة، إلا أنهما اشترطا أيضًا فى الإحصان لأن اشتراطهما وقت ارتكاب الجريمة لا يغنى عن اشتراطهما فى الإحصان، فيشترط إذن أن يكون
(1) يرى الهادى من فقهاء الزيدية اعتبار الإحصان بالخلوة، ولكنهم يتأولون رأيه ويقولون إنه أراد الخلوة مع الدخول. شرح الأزهار [ج4 ص342] .
(2)
المغنى [ج10 ص126 [، الإقناع [ج4 ص350] ، المهذب [ج2 ص283] ، أسنى المطالب [ج4 ص128] ، شرح الزرقانى [ج8 ص82] ، شرح فتح القدير [ج4 ص130، 133] ، شرح الأزهار [ج4 ص343] .
(3)
أسنى المطالب [ج4 ص128] ، شرح الزرقانى [ج8 ص82] .
الوطء الذى يحصن حاصلاً من بالغ عاقل، فإذا حصل الوطء من صبى أو مجنون ثم بلغ وعقل بعد الوطء لم يكن بالوطء السابق محصنًا، وإذا زنا عوقب على أنه غير محصن (1) .
على أن بعض أصحاب الشافعى يرون - ورأيهم هو المرجوح فى المذهب - أن الواطئ يصير محصنًا بالوطء قبل البلوغ وأثناء الجنون، فلو بلغ أو أفاق فزنا رجم دون حاجة إلى حصول وطء جديد بعد البلوغ والإفاقة، وحجتهم أن الوطء قبل البلوغ وأثناء الجنون وطء مباح، فيجب أن يثبت به الإحصان؛ لأنه إذا صح النكاح قبل البلوغ فإن الوطء يصح تبعًا له.
ويرد على ذلك بأن الرجم عقوبة الثيب ولو اعتبرت الثيوبة حاصلة بالوطء قبل البلوغ وأثناء الجنون لوجب رجم الصغير والمجنون، وهذا ما لا يقول به أحد، كذلك فإن هناك فرقًا بين الإحصان والإحلال، وكل إحلال لا يترتب عليه إحصان، كما أن الإحصان شرط عقوبة الرجم، ولو كان الإحلال يقوم مقام الإحصان لما كان ثمة ما يدعو لاشتراط الإحصان (2) .
ثالثًا: وجود الكمال فى الطرفين حال الوطء: أو بتعبير آخر: ينبغى أن تتوفر شروط الإحصان فى الواطئ والموطوءة حال الوطء الذى يترتب عليه الإحصان، فيطأ مثلاً الرجل العاقل امرأة عاقلة، فإذا لم تتوفر هذه الشروط فى أحدهما فهما معًا غير محصنين. فإذا كان الجانى متزوجًا ودخل بزوجته فى نكاح صحيح ولكنها مجنونة أو صغيرة، فالجانى غير محصن ولو كان هو نفسه بالغًا عاقلاً، هذا هو رأى أبى حنيفة وأحمد (3) .
ولكن مالكًا لا يشترط توفر شروط الإحصان فى الزوجين لإحصانهما معًا،
(1) شرح الزرقانى [ج8 ص82] ، شرح فتح القدير [ج4 ص130، 131] ، أسنى المطالب [ج4 ص128] ، المغنى [ج10 ص128] ، شرح الأزهار [ج4 ص343] .
(2)
المهذب [ج2 ص283] ، المغنى [ج10 ص128] .
(3)
شرح فتح القدير [ج4 ص130، 133] ، المغنى [ج11 ص128] .
وعنده أنه يكفى أن تتوفر شروط الإحصان فى أحد الزوجين ليكون محصنًا بغض النظر عما إذا كان الزوج الآخر تتوفر فيه هذه الشروط أم لا، فشرط تحصين الذكر عنده أن تتوفر فيه شروط الإحصان مع إطاقة موطوءته له ولو كانت صغيرة أو مجنونة، وتتحصن الأنثى عند مالك بتوفر الإحصان فيها وببلوغ واطئها ولو كان مجنونًا (1) .
وفى مذهب الشافعى رأيان أحدهما يتفق مع رأى أبى حنيفة وأحمد، وثانيهما يتفق مع مذهب مالك (2) .
وفى مذهب الشيعة الزيدية نفس الرأيين، ثم رأى ثالث يرى أن المجنون لا يحصن العاقل بأى حال (3) ، وإن أحصن البالغ من لم يبلغ.
والذين يشترطون اجتماع شروط الإحصان فى الزوجين يعللون ذلك بأن اجتماع هذه الصفات فى الزوجين يشعر بكمال حالهما وبكمال اقتضاء الشهوة من الجانبين، ويرون أن تخلف أحد هذه الشروط أو بعضها يشعر بالنقص، فاقتضاء الشهوة من المجنونة والصغيرة قاصر ولا يبلغ بالرجل حد الكمال، والمحصن لا تغلظ له العقوبة إلا على أساس أنه فى حال الكمال تغنيه عن التفكير فى الحرام (4) .
رابعًا: الإسلام: ويجعل أبو حنيفة ومالك الإسلام شرطًا من شروط الإحصان، وحجتهما حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لما استشاره حذيفة فى زواج كتابية:"دعها فإنها لا تحصنك". ولكن الشافعى وأحمد لا يريان الإسلام شرطًا من شروط الإحصان، ويوافقهما أبو يوسف من أصحاب أبى حنيفة، وحجتهم أن النبى صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين، ولو كان الإسلام شرطًا فى الإحصان لما رجمهما، فضلاً عن أن الأديان عامة تحرم الزنا كما يحرمه
(1) شرح الزرقانى [ج8 ص82] .
(2)
المهذب [ج2 ص283] ، أسنى المطالب [ج4 ص128] .
(3)
شرح الأزهار [ج4 ص343، 344] .
(4)
شرح فتح القدير [ج4 ص131] ، المغنى [ج10 ص128] .
الإسلام. ويتفق المذهب الظاهرى مع مذهب الشافعى وأحمد فى هذه الوجهة، أما المذهب الزيدى ففيه الرأيان وأرجحهما ما يقول به الشافعى وأحمد (1) .
ويترتب على هذا الخلاف أن المسلم المتزوج من كتابية إذا زنا لا يرجم فى رأى أبى حنيفة لأنه لا يعتبر محصنًا، إذ الكتابية لا تحصن المسلم، وكان يحب أن يكون هذا هو الحكم عند مالك لولا أنه لا يشترط الكمال فى الزوجين، ومن ثم فإن الكتابية فى رأيه تحصن المسلم، فإذا زنا المسلم المتزوج من كتابية رجم عند مالك، كما يرجم عند الشافعى وأحمد والظاهريين وبعض الزيديين؛ لأن هؤلاء لا يعتبرون الإسلام شرطًا من شروط الإحصان.
525 -
زنا المحصن بغير محصن: بينا فيما سبق شروط الإحصان ما اتفق عليه منها وما اختلف فيه، وإذا كان بعض الفقهاء يوجب توفر هذه الشروط فى كل من الزوجين لاعتبار أحدهما محصنًا، فإن الفقهاء جميعًا لا يشترطون إحصان كل من الزانيين لوجوب الرجم على أحدهما، ويرون رجم من توفرت فيه شروط الإحصان من الزانيين، فإذا كان أحد الزانيين محصنًا والثانى غير محصن رجم المحصن وجلد غير المحصن.
* * *
(1) شرح الزرقانى [ج8 ص82] ، شرح فتح القدير [ج4 ص133] ، أسنى المطالب [ج4 ص128] ، المغنى [ج10 ص129] ، المحلى [ج11 ص158] ، شرح الأزهار [ج4 ص344] .