الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
الأدلة على الزنا
526 -
الأدلة المثبتة للزنا: لا يثبت جريمة الزنا المعاقب عليها بالحد إلا بأدلة خاصة هى:
(1)
الشهادة.
…
... (2) الإقرار
…
... (3) القرائن
…
(4) اللعان.
وسنتكلم عن هذه الأدلة واحدًا بعد الآخر، مع ملاحظة أن الإثبات بالقرائن مختلف عليه.
المبحث الأول
الشهادة
527 -
عدد شهود الزنا: من المتفق عليه أن الزنا لا يثبت إلا بشهادة أربعة شهود، وهذا إجماع لا خلاف فيه بين أهل العلم، لقوله تعالى:{وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15]، وقوله:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]، وقوله:{لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] .
ولقد جاءت السنة مؤكدة لنصوص القرآن، ومن ذلك أن سعد بن عبادة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرأيت لو وجدت مع امرأى رجلاً أمهله
حتى آتى بأربعة شهداء؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: نعم"، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لهلال بن أمية لما قذف امرأته بشريك بن سحماء: "البينة وإلا حد فى ظهرك" (1) ، وروى عنه أنه قال: "أربعة شهداء وإلا فحد فى ظهرك" (2) .
وليس لكل إنسان أن يشهد فتقبل شهادته، وإنما الشاهد الذى تقبل شهادته هو من توفرت فيه شروط معينة، بعضها عام يجب توفره فى كل شهادة، وبعضها خاص يجب توفره فى الشهادة على الزنا.
528 -
الشروط العامة للشهادة: للشهادة شروط عامة يجب أن تتوفر فى كل شهادة أيًا كان موضوعها، وهذه الشروط هى:
529 -
أولا: البلوغ: يشترط فى الشهد أن يكون بالغًا، فإذا لم يكن كذلك فلا تقبل شهادته، ولو كان فى حالة تمكنه من أن يعى الشهادة ويؤديها، ولو كان حاله حال أهل العدالة، وذلك لقوله تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ، والصبى ليس من الرجال، وليس ممن ترضى شهادته، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبى حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق"(3) ، ولأن الصبى لا يؤتمن على حفظ أمواله فأولى أن لا يؤتمن على حفظ حقوق غيره، وإذا كانت شهادة الصبى لا تقبل فى الأموال فلأن لا تقبل فى الجرائم أولى وفيها عقوبة متلفة للنفس أو للعضو (4) .
وإذا كانت القاعدة العامة فى الشريعة أن لا تقبل شهادة من هو دون البلوغ
(1) رواه الجماعة إلا مسلمًا والنسائى.
(2)
رواه النسائى.
(3)
أخرجه ابن ماجه وابن حبان والدارقطنى والطبرانى والحاكم فى المستدرك، وراجع: نيل الأوطار [ج6 ص160] .
(4)
مواهب الجليل [ج6 ص150] ، شرح فتح القدير [ج4 ص169] ، حاشية ابن عابدين [ج4 ص513، 525] ، المهذب [ج2 ص342] ، الإقناع [ج4 ص436] ، المحلى [ج9 ص420] ، شرح الأزهار [ج4 ص192، 193] .
فإن مالكًا يرى استثناءً من هذه القاعدة قبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض فى الدماء بشروط خاصة أهمها: أن يكون الشاهد مميزًا؛ أى ممن يعقل الشهادة، وأن لا يحضر الحادث كبير. وقد أجاز مالك شهادة الصبيان فى هذه الحالة للضرورة (1) .
وما يراه مالك هو رواية مذهب أحمد، حيث يرى قبول شهادة الصبيان فى الجراح إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحالة التى تجارحوا عليها؛ لأن الظاهر صدقهم وضبطهم، فإن تفرقوا لم تقبل شهادتهم لاحتمال أن يُلقَّنوا. وروى عن أحمد رواية ثالثة تتلخص فى أن شهادة الصبى تقبل إن كان ابن عشر، ولكن البعض يخصص هذه الرواية بغير الحدود والقصاص (2) .
وفى مذهب الزيدية رأى مرجوح يرى أصحابه جواز شهادة الصبيان بعضهم على بعض فى الشجاج ما لم يتفرقوا، ويتأول بعضهم هذا الرأى فيقول: إن الشهادة تقبل للتأديب لا للحكم (3) .
530 -
ثانيًا: العقل: يشترط فى الشاهد أن يكون عاقلاً. والعاقل من عرف الواجب عقلاً، والضرورى وغيره، والممكن والممتنع، وما يضره وما ينفعه غالبًا، فلا تقبل شهادة مجنون ولا معتوه، ولكن تقبل الشهادة ممن يجن أحيانًا فى حالة إفاقته إذا كان يفيق إفاقة يعقل معها الشهادة، ولا تقبل شهادة المجنون لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم:"رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبى حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق" كما أن شهادة المجنون لا تقبل للمعنى المانع من قبول شهادة الصبى (4) .
(1) مواهب الجليل [ج6 ص177] .
(2)
المغنى [ج12 ص27] .
(3)
شرح الأزهار [ج4 ص193] .
(4)
مواهب الجليل [ج6 ص150] ، المهذب [ج2 ص342] ، أسنى المطالب [ج4 ص339] ، الإقناع [ج4 ص439] ، شرح فتح القدير [ج4 ص169] ، البحر الرائق [ج7 ص85] ، المحلى [ج9 ص429] .
531 -
ثالثًا: الحفظ: يشترط فى الشاهد أن يكون قادرًا على حفظ الشهادة، وفهم ما وقع بصره عليه، مأمونًا على ما يقول، فإن كان مغفلاً لم تقبل شهادته. ويلحق بالغفلة كثرة الغلط والنسيان، ولكن تقبل الشهادة ممن يقل منه الغلط، لأن أحدًا لا ينفك من الغلط.
والعلة فى عدم قبول شهادة المغفل - ولو كان عدلاً - أنه لا يؤمن على ما يقول ولا تمنع عدالته من أن يغتفل، فيشهد على الرجل مثلاً ولا يعرفه يتسمى له بغير اسمه، كما أنه يخشى عليه أن يُلقَّن فيأخذ بما أُلقى إليه. لكن إذا لم يكن فى الشهادة ما يدعو إلى التلبيس تقبل شهادة المغفل نحو قوله: رأيت هذا الشخص قتل هذا الشخص، أو رأيت فلانًا يطأ فلانة (1) .
على أن أبا يوسف صاحب أبى حنيفة يؤثر عنه أنه كان يجيز شهادة المغفل ولا يجيز تعديله، لأن التعديل يحتاج إلى الرأى والتدبير، والمغفل لا يستقصى فى ذلك، بينما كان محمد يرد شهادة الصوام القوام المغفل ويقول: إنه شر من الفاسق فى الشهادة (2) .
والزيديون يردون شهادة من غلب عليه السهو النسيان، فإن تساوى ضبطه ونسيانه فالأكثرون لا يصححون شهادته، والأقلون يجعلونها موضع اجتهاد (3) .
532 -
رابعًا: الكلام: يشترط فى الشاهد أن يكون قادرًا على الكلام، فإن كان أخرس فقد اختلف فى قبول شهادته: ففى مذهب مالك يقبلون شهادة الأخرس إذا عرفت إشارته، وفى مذهب أحمد لا يقبلون شهادة الأخرس ولو فهمت إشارته، إلا إذا كان يستطيع الكتابة فأدى الشهادة بخطه،
(1) مواهب الجليل [ج6 ص154] ، المهذب [ج2 ص342] ، أسنى المطالب [ج4 ص353] ، الإقناع [ج4 ص437] .
(2)
البحر الرائق [ج7 ص85] .
(3)
شرح الأزهار [ج4 ص197] .
وفى مذهب أبى حنيفة لا يقبلون شهادة الأخرس سواء كانت بالإشارة أو بالكتابة، وفى مذهب الشافعى خلاف على قبول شهادة الأخرس، منهم من قال: تقبل لأن إشارته كعبارة الناطق فى نكاحه وطلاقه، فكذلك فى الشهادة، ومنهم من قال: لا تقبل لأن إشارته أقيمت مقام العبارة فى موضع الضرورة، وقد قبلت فى النكاح والطلاق للضرورة لأنهما لا يستفادان إلا من جهته، ولا ضرورة تدعو لقبول إشارته فى الشهادة لأنها تصح من غيره بالنطق، ومن ثم لا تجوز إشارته، وفى مذهب الزيدية رأيان: أحدهما أن شهادة الأخرس لا تصح إطلاقًا، والثانى أنها تصح (1) .
533 -
خامسًا: الرؤية: يشترط فى الشاهد أن يرى ما يشهد به، فإن كان الشاهد أعمى فقد اختلف فى قبول شهادته، فالحنفيون لا يقبلون شهادة الأعمى؛ لأن أداء الشهادة يحتاج إلى أن يشير الشاهد إلى المشهود له والمشهود عليه، ولأن الأعمى لا يميز إلا بالنغمة وفى تمييزه شبهة، وهم لا يقبلون شهادة من كان أعمى وقت أداء الشهادة ولو كان بصيرًا وقت تحمل الشهادة، بل إنهم يردون شهادة البصير الذى عمى بعد أداء الشهادة وقبل القضاء؛ لأنهم يشترطون الأهلية فى الشاهد وقت القضاء لتكون شهادته حجة.
والأصل فى مذهب أبى حنيفة أن شهادة الأعمى لا تقبل سواء فيما كان طريقه الرؤية، وما كان طريقه السماع والشهرة والتسامع. ولكن أبا يوسف يجيز شهادة الأعمى فيما طريقه السماع مطلقًا، ويجيزها فيما طريقه الرؤية إذا كان بصيرًا وقت التحمل أعمى عند الأداء، إذا كان يعرف الخصوم بأسمائهم وأنسابهم. ويرى زفر أن شهادة الأعمى تجوز فقط فى غير الحدود والقصاص فيما يجرى فيه التسامع كالنسب والموت، وهذا القول رواية عن أبى حنيفة (2) .
(1) مواهب الجليل [ج6 ص154] ، الإقناع [ج4 ص436] ، البحر الرائق [ج7 ص85] ، المهذب [ج2 ص342] ، شرح الأزهار [ج4 ص192] .
(2)
البحر الرائق وحاشية منحة الخالق [ج7 ص84، 85] ، طرق الإثبات الشرعية [ص409، 410] .
ويقبل المالكيون شهادة الأعمى فى الأقوال ولو كان قد تحملها بعد العمى، ما دام فطنًا لا تشتبه عليه الأصوات ويتيقن المشهود له والمشهود عليه، فإن شك فى شئ من ذلك لم تجز شهادته، أما شهادة الأعمى فى المرئيات فلا تقبل إلا أن يكون تحملها بصيرًا ثم عمى وهو يتيقن عين المشهود له أو يعرفه باسمه ونسبه (1) .
ويجيز الشافعيون شهادة الأعمى فيما يثبت بالاستفاضة كالنسب والموت؛ لأن طريق العلم به السماع، والأعمى كالبصير فى السماع، ولا يجيزون أن يكون شاهدًا فى الأفعال كالقتل والغصب؛ لأن طريق العلم بها البصر، ولا شاهدًا فى الأموال كالبيع والإقرار والنكاح والطلاق إذا كان المشهود عليه خارجًا عن يده؛ لأن شهادته ستقوم على العلم بالصوت وحده، والصوت يشبه الصوت، فأما إذا كان المشهود عليه فى يده كرجل أقرَّ ويدُ الأعمى على رأسه فشهد وهو فى يده لم يفارقه فتقبل الشهادة الشهادة لأنها عن علم ويقين. وإذا تحمل الشهادة وهو بصير قبلت شهادته إذا كان الخصوم معروفين له بالاسم والنسب، أو إذا كان المشهود عليه فى يده لم يفارقه بعد العمى. ويرى بعض فقهاء المذهب قبول شهادة الأعمى مطلقًا فى الأقوال إذا عرف الصوت (2) .
وفى مذهب أحمد يجيزون شهادة الأعمى كلما تيقن الصوت، أى أنهم يجيزون شهادته فى الأقوال مطلقًا. أما فى الأفعال فيجيزون شهادته فى كل ما تحمله قبل العمى إذا عرف المشهود عليه باسمه ونسبه (3) .
ومذهب الزيديين لا يكاد يختلف عن مذهب الشافعى، فالقاعدة عندهم أن شهادة الأعمى لا تصح فيما يفتقر إلى الرؤية عند الأداء، فإذا شهد بما يحتاج إلى المعاينة عند أداء الشهادة لا تقبل شهادته إلا أن يكون المشهود عليه فى يده من
(1) مواهب الجليل [ج6 ص154] .
(2)
المهذب [ج2 ص353] ، أسنى المطالب [ج4 ص361] .
(3)
المغنى [ج12 ص61، 62] .
قبل ذهاب بصره؛ كثوب متنازع عليه، فإذا لم تكن المعاينة لازمة عند الأداء قبلت شهادة الأعمى فيما يثبت بطريق الاستفاضة كالنسب والنكاح، فإن كان مما لا يثبت بطريق الاستفاضة قبلت شهادته فقط فيما تحمله قبل ذهاب بصره، لأن الشهادة على الصوت وحده لا تصح، على أن البعض يرى قبول الشهادة كلما عرف الأعمى الصوت على وجه اليقين (1) .
أما الظاهريون فيقبلون شهادة الأعمى مطلقًا فى الأقوال والأفعال، وفيما تحمله قبل العمى وفيما تحمله بعده، ويردون على من يقولون إن الأصوات تشتبه بأن الصور أيضًا تشتبه، وما يجوز لمبصر أو أعمى أن يشهد إلا بما يوقن ولا يشك فيه، وأن الأعمى لو لم يقطع بصحة اليقين على من يكلمه لما حل له أن يطأ امرأته إذ لعلها أجنبية، ولا يعطى أحدًا دينًا عليه إذ لعله غيره، ولا أن يبيع من أحد ولا أن يشترى، وأن الله جل شأنه أمر بقبول البينة ولم يشترط أعمى من مبصر، وما كان ربك نسيًا (2) .
534 -
سادسًا: العدالة: لا خلاف فى اشتراط العدالة فى سائر الشهادات، فيجب أن يكون الشاهد عدلاً لقوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، ولقوله:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] ، فأمر جل شأنه بقبول شهادة العدل وبالتوقف فى نبأ الفاسق، والشهادة نبأ.
وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذى غَمَر (3) على أخيه، ولا تجوز شهادة القانع (4) لأهل البيت"(5) .
(1) شرح الأزهار [ج4 ص199، 200] .
(2)
المحلى [ج9 ص433] .
(3)
الغمر: الحقد والإجنة.
(4)
القانع: هو التابع الذى ينفق عليه أهل البيت.
(5)
رواه أحمد وأبو داود والترمذى.
وفى رواية أخرى: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زانٍ ولا زانية ولا ذى غمر على أخيه"(1) .
ويفسر بعض الفقهاء الخيانة بحيث تشمل جميع ما افترض الله تعالى على العباد القيام به أو اجتنابه من صغير ذلك وكبيره، ولا يخصها بأمانات الناس، ويؤيد هذا التفسير قوله تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [الأحزاب: 72] .
والعدالة كما يعرفها المالكيون هى المحافظة الدينية على اجتناب الكبائر وتوقى الصغائر وأداء الأمانة وحسن المعاملة، وليست العدالة أن يمحص الإنسان الطاعة حتى لا تشوبها معصية إذ ذلك متعذر لا يقدر عليه إلا الأولياء والصديقون، لكن من كانت الطاعة أكثر حاله وأغلبها عليه، وهو مجتنب للكبائر محافظ على ترك الصغائر، فهو العدل (2) .
ويعرف الحنفيون العدالة بأنها الاستقامة على أمر الإسلام، واعتدال العقل ومعارضة الهوى، وليس لكمالها حد يدرك، فيكتفى لقبولها بأدنى حدودها وهو رجحان جهة الدين والعقل على الهوى والشهوة، وعندهم ان العدل هو من لم يطعن عليه فى بطن ولا فرج، وهو من يكون مجتنبًا للكبائر غير مصر على الصغائر، ومن يكون صلاحه أكثر من فساده، وصوابه أكثر من خطئه، ومن تكون مروءته ظاهرة (3) .
ويعرف الشافعيون العدالة بأنها اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، فمن تجنب الكبائر والصغائر فهو عدل، ومن تجنب الكبائر وارتكب الصغائر وكان ذلك نادرًا من أفعاله لم يفسق ولم ترد شهادته؛ لأنه لا يوجد من يمحص الطاعة ولا يخلطها بمعصية، وإن كان ذلك غالبًا فى أفعاله فسق ورُدت شهادته؛
(1) رواه أبو داود.
(2)
مواهب الجليل [ج6 ص150] .
(3)
البحر الرائق [ج7 ص104] ، حاشية ابن عابدين [ج4 ص225] .
لأنه من استجاز الإكثار من الصغائر استجاز أن يشهد بالزور، فالحكم معلق على الغالب من أفعاله (1) .
ويعرف الحنابلة العدالة بأنها استواء أحوال الشخص فى دينه واعتدال أقواله وأفعاله، ويعتبر لها شيئان: أولهما: الصلاح فى الدين وهو من وجه أداء الفرائض بسننها الراتبة، فلا تقبل الشهادة ممن داوم على تركها لفسقه، ومن وجه آخر اجتناب المحرم فلا يرتكب كبيرة ولا يدمن على صغيرة. وثانيهما: استعمال المروءة؛ وهو الإتيان بما يجمِّله ويزيِّنه، وترك ما يدنِّسه ويَشينه (2) .
ويلاحظ أن فقهاء المذاهب السابقة يلحقون المروءة بشرط العدالة، لأن ترك المروءة يدل على عدم المحافظة وهى لازم العدالة.
والمروءة عند المالكيين هى المحافظة على فعل ما تَرْكُه مباح يوجب الذم عرفًا، كترك الملئ الانتعال فى بلد يستقبح فيه مشى مثله حافيًا، وعلى ترك ما فِعْلُه مباح يوجب ذمه عرفًا؛ كالأكل فى السوق، وفى حانوت الطباخ لغير الغريب. ولا يراد بالمروءة نظافة الثوب وفراهة المركوب وجودة الآلة وحسن الشارة، بل المراد التصون، والسمت الحسن، وحفظ اللسان، وتجنب المجون والسخف، والارتفاع عن كل خلق ردئ يرى أن من تخلق به لا يحافظ معه على دينه وإن لم يكن فى نفسه حرمة (3) .
والمروءة عند الحنفيين أن لا يأتى الإنسان بما يعتذر منه مما يبخسه عن مرتبته عند أهل الفضل، وقيل: السمت الحسن وحفظ اللسان وتجنب السخف والمجون والارتفاع عن كل خلق دنئ. والمروءة عند محمد هى الدين والصلاح (4) .
والمروءة عند الشافعيين هى الإنسانية، وهى مشتقة من المرء. وعندهم أن من ترك الإنسانية لم يؤمن أن يشهد الزور؛ لأن من لا يستحى من الناس فى
(1) المهذب [ج2 ص343] ، أسنى المطالب [ج4 ص339] .
(2)
الإقناع [ج4 ص437] ، المغنى [ج12 ص32] .
(3)
مواهب الجليل [ج6 ص152] .
(4)
البحر الرائق [ج7 ص100] .
ترك المروءة لم يبال بما يصنع (1) . ويستدلون على ذلك بما روى أبو مسعود البدرى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت".
والمروءة عند الحنابلة هى تمسك الإنسان بما يجمله ويزينه وترك ما يشينه، أو هى اجتناب الأمور الدنيئة المزرية بالإنسان من فعل أو قول أو عمل (2) .
والعدل فى المذهب الزيدى هو ما كان منزهًا عن محظورات دينه. فالعدالة عندهم إذن هى التنزه عن المحظورات الدينية (3) ، ويعرفها بعضهم بأنها ملازمة التقوى والمروءة.
والعدل عند الظاهريين هو من لم تعرف له كبيرة ولا مجاهرة بصغيرة. والكبيرة هى ما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرة أو ما جاء فيه الوعيد، والصغيرة ما لم يأت فيه وعيد. وهم لا يشترطون المروءة لتحقق العدالة ويرون الاكتفاء بالطاعة واجتناب المعصية؛ لأنه إذا كانت المروءة من الطاعة فالطاعة تغنى عنها، وإن لم تكن من الطاعة فلا يجوز اشتراطها فى أمور الديانة إذ لم يأت بذلك قرآن ولا سنة (4) .
واختلف الفقهاء فى ثبوت العدالة، فرأى أبو حنيفة والظاهريون أن العدالة تفترض فى الشاهد حتى يثبت جرحه، بمعنى أنه إذا لم يجرح المشهود عليه الشاهد قبلت الشهادة دون أن يكون على القاضى أن يتحرى عن عدالة الشاهد، وحجة أبى حنيفة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الناس عدول بعضهم على بعض إلا محدودًا فى قذف"، وما جاء فى كتاب عمر رضى الله عنه إلى أبى موسى:"والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجربًا عليه شهادة زور، أو مجلودًا فى حد، أو ظنينًا فى ولاء أو قرابة"، وحجة الظاهريين أن فاعل الكبيرة فاسق وأن من عداه عدل؛ لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ
(1) المهذب [ج2 ص343] .
(2)
المغنى [ج12 ص33] ، الإقناع [ج4 ص437] .
(3)
شرح الأزهار [ج4 ص194] ، البحر الزخار [ج5 ص50] .
(4)
المحلى [ج9 ص393، 395] .
سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] ، وما كفره الله وأسقطه لا محل لأحد أن يذم به صاحبه ولا أن يصفه به (1) .
ويرى المالكيون والشافعيون والحنابلة والزيديون، ومعهم أبو يوسف ومحمد من فقهاء المذهب الحنفى، أن يتحرى القاضى عن عدالة الشهود ولو لم يجرحهم المشهود عليه؛ لأن القضاء قائم على شهادة العدل فوجب أن يتأكد القاضى من توفر صفة العدالة فى الشاهد ليقبل شهادته (2) .
535 -
سابعًا: الإسلام: يشترط فى الشاهد أن يكون مسلمًا، فلا تقبل شهادة غير المسلم سواء كانت الشهادة على مسلم أو غير مسلم. وهذا هو الأصل الذى يسلم به جميع الفقهاء، وهو مأخوذ من قوله تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]، وقوله:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، ولكن هذا الأصل المتفق عليه له استثناءات مختلف عليها:
الاستثناء الأول: شهادة غير المسلمين بعضهم على بعض:
يرى الحنفيون قبول شهادة الذميين على مثلهم والحربين على مثلهم، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة النصارى بعضهم على بعض، ولأنهم من أهل الولاية على أنفسهم وأولادهم فيكونون من أهل الشهادة على جنسهم (3) .
ويرى الزيديون قبول شهادة غير المسلم على ملته دون غيرهم من الملل، فلا تجوز شهادة اليهود على النصارى ولا شهادة النصارى على اليهود (4) .
ويرى ابن تيمية وتلميذه ابن القيم قبول شهادة غير المسلمين بعضهم على بعض
(1) البحر الرائق [ج7 ص69] ، المحلى [ج9 ص393] .
(2)
مواهب الجليل [ج6 ص150] ، أسنى المطالب [ج4 ص312] ، الإقناع [ج4 ص400] ، البحر الرائق [ج7 ص69] ، المحلى [ج9 ص393، 394] .
(3)
البحر الرائق [ج7 ص102، 104] .
(4)
شرح الأزهار [ج4 ص193] .
تحقيقًا للمصلحة العامة وتحقيقًا للعدالة، وهما بذلك يرجحان رواية ضعيفة عن أحمد بجواز قبول الشهادة (1) .
ولا يقبل المالكيون والشافعيون شهادة غير المسلمين، هذا يتفق مع الرواية المشهورة فى مذهب أحمد - وهى الرواية المعمل بها - كما يتفق مع المذهب الظاهرى (2) .
الاستثناء الثانى: شهادة غير المسلمين على المسلمين فى الوصية حال السفر:
يرى الحنابلة أنه إذا شهد بوصية المسافر الذى مات فى سفره شهود من غير المسلمين قبلت شهادتهم إذا لم يوجد غيرهم، لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْت} [المائدة: 106] .
ويتفق رأى الظاهريين مع رأى الحنابلة فى قبول شهادة غير المسلم إذا لم يوجد غيرهم.
أما المالكيون والحنفيون والشافعيون والزيديون فلا يقبلون شهادة غير المسلم فى هذه الحالة، وحجتهم أن من لا تقبل شهادته على غير الوصية لا تقبل فى الوصية كالفاسق، ولأن الفاسق لا تقبل شهادته فالكافر أولى. واختلفوا فى تأويل الآية، فمنهم من حملها على التحمل دون الأداء، ومنهم من قال: المراد بقوله {مِنْ غَيْرِكُمْ} أى من غير عشيرتكم، ومنهم من قال: معنى الشهادة فى الآية هو اليمين (3) .
الاستثناء الثالث: شهادة غير المسلم على المسلم عند الضرورة:
يرى ابن تيمية وتلميذه ابن القيم قبول شهادة غير المسلم على المسلم فى كل
(1) الطرق الحكمية [ص157، 163] .
(2)
مواهب الجليل [ج6 ص150] ، أسنى المطالب [ج4 ص339] ، المغنى [ج12 ص53] ، المحلى [ج9 ص406] .
(3)
المغنى [ج12 ص51] ، مواهب الجليل [ج6 ص150] ، أسنى المطالب [ج4 ص339] ، المحلى [ج9 ص406] ، الطرق الحكمية [ص163، 171] .
ضرورة حضرًا وسفرًا فى كل شئ عُدم فيه المسلمون، قياسًا على قبول شهادتهم فى الوصية، لأن شهادتهم قبلت فى الوصية للضرورة فتقبل فى كل ضرورة.
وفى مذهب أحمد رواية بقبول شهادة السبى بعضهم لبعض فى النسب إذا ادعى أحدهم أن الآخر أخوه، وهذا للضرورة.
ويجيز مالك شهادة الطبيب غير المسلم حتى على المسلم للحاجة استثناء واحدًا فى مذهبه، أما بقية الفقهاء فلا يقبلون شهادة غير المسلم (1) .
536 -
انتفاء موانع الشهادة: يشترط فى الشاهد أن لا يقوم به مانع يمنع شرعًا من قبول شهادته، والموانع التى تمنع من قبول الشهادة هى:
أ - القرابة: تمنع القرابة من قبول الشهادة عند مالك: من ذلك أنه لا يقبل شهادة الأبوين لأولادهما، ولا شهادة الأولاد لأبويهم، ولا يقبل شهادة الزوجين أحدهما للآخر (2) .
ويمنع أبو حنيفة من قبول شهادة الأصل لفرعه، والفرع لأصله، وأحد الزوجين للآخر (3) .
وفى مذهب الشافعى: لا تقبل شهادة الوالدين للأولاد وإن سفلوا، ولا شهادة الأولاد للوالدين وإن علوا، على أن بعض فقهاء المذهب يرى قبولها. أما شهادة أحد الزوجين للآخر فلا مانع منها عند الشافعيين (4) .
وفى مذهب أحمد: لا تقبل شهادة عمودى النسب بعضهم لبعض من والد وإن علا ولو من جهة الأم، وولد وإن سفل من ولد البنين والبنات. كذلك لا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه (5) .
وحجة من يمنع الشهادة للقرابة ما رواه ابن عمر عن رسول الله - صلى الله
(1) نفس المراجع السابقة، والمغنى [ج12 ص54] ، الطرق الحكمية [ص159، 171، 174] .
(2)
مواهب الجليل [ج6 ص154] .
(3)
البحر الرائق [ج7 ص87، 89] .
(4)
المهذب [ج2 ص347] .
(5)
الإقناع [ج4 ص421] .
عليه وسلم - أنه قال: "لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى حِنَة"، والظنين المتهم، والقريب متهم بمحاباة قريبه.
ويرى الظاهريون والزيديون أن القرابة لا تمنع من قبول الشهادة ما دام الشاهد عدلاً، فكل عدل مقبول لكل أحد وعليه (1) .
ب - العداوة: وجمهور الفقهاء لا يقبلون شهادة العدو على عدوه إذا كانت العداوة من الشاهد والمشهود عليه فى أمر الدنيا كالأموال والمواريث والتجارة ونحوها. أما إذا كانت غضبًا لله لفسقه وجراءته على الله لغير ذلك لم تسقط. ولذلك تجوز شهادة المسلم على غير المسلم لأن عداوة الدين عامة، والمعتبر فى عدم قبول الشهادة العداوة الخاصة، وعلى هذا مذهب مالك والشافعى وأحمد والمذهب الزيدى (2) .
وفى مذهب أبى حنيفة يرى المتأخرون أن شهادة العدو لا تقبل على عدوه إن كانت العداوة دنيوية؛ لأن المعاداة لأجل الدنيا حرام، فمن عادى لأجل الدنيا لا يؤمن منه التقول على عدوه. أما إذا كانت العداوة لأجل الدين فإنها لا تمنع من قبول الشهادة؛ لأنها تدل على كمال دين الشاهد وعدالته، وهذا لأن المعاداة قد تكون واجبة كأن رأى فيه منكرًا ولم ينته بنهيه.
أما المتقدمون من فقهاء المذهب فيرون أن العداوة بسبب الدنيا لا تمنع من الشهادة ما لم يفسق الشاهد بسببها أو يجلب منفعة أو يدفع بها عن نفسه مضرة.
ويرى أبو حنيفة نفسه أن شهادة العدو على عدوه تقبل إن كان عدلاً، ولكن المتأخرين خالفوا رأيه لما رواه أبو داود مرفوعًأ:"لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زانٍ ولا زانية ولا ذى غَمَر على أخيه". والغمر هو الحقد (3) .
(1) المحلى [ج9 ص415] ، شرح الأزهار [ج4 ص198، 199] .
(2)
مواهب الجليل [ج6 ص159] ، أسنى المطالب [ج4 ص252] ، المهذب [ج4 ص252] ، المهذب [ج2 ص348] ، المغنى [ج12 ص55] ، شرح الأزهار [ج4 ص197] .
(3)
البحر الرائق [ج7 ص93، 94] .
ويرى الظاهريون أن الحكم يتعلق بنفس الشاهد، فإن كانت عداوته للمشهود له تخرجه إلى ما لا يحل فهى جرحة فيه ترد شهادته لكل أحد وفى كل شئ، وإن كانت العداوة لا تخرج الشاهد إلى ما لا يحل فهو عدل مقبول الشهادة.
ويرد الظاهريون الحديث السابق من كل طرقه، لأن فى رواته مجهولين أو لأنه مرسل، ويحتجون بقوله تعالى:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] ، ويرون أن الله أمرنا بالعدل على أعدائنا فصح أن من حكم بالعدل على عدوه أو صديقه أو لهما أو شهد وهو عدل على عدوه أو صديقه أو لهما فشهادته مقبولة وحكمه نافذ (1) .
جـ - التهمة: وهى أن يكون بين الشاهد والمشهود له ما يبعث على الظن بأن الشاهد يحابى المشهود له بشهادته، أو أن يكون للشاهد مصلحة تعود عليه من أداء الشهادة، ويدخل تحت التهمة القريب لقريبه والعدو على عدوه، ولكنا رأينا أن نخص القرابة والعداوة بالكلام على حدة لما لهما من أهمية خاصة.
والشهادات التى يتهم فيها الشاهد كثيرة، من ذلك شهادة الشريك لشريكه، وشهادة الأجير لمن يستأجره، وشهادة الخادم لمخدومه، وشهادة السائل، وشهادة الوكيل لموكله، وشهادة من يدفع بالشهادة عن نفسه ضررًا أو يجر لنفسه نفعًا.
والأصل فى عدم قبول الشهادة للتهمة قوله تعالى: {وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282]، وما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تجوز شهادة ظنين"، وأنه قال:"لا تجوز شهادة ذى الظنة ولا ذى الحِنَة"، والظنة: التهمة، والحنة: العداوة.
والفقهاء لم يتفقوا على كل الحالات التى ترد فيها الشهادة للتهمة، فبعضهم يرد الشهادات فى كل الحالات التى سبق ذكرها، وبعضهم يردها فى حالات دون حالات، أو من وجه دون وجه، ومنشأ ذلك اختلاف وجهات النظر عند التطبيق.
ويمكن القول بأن جمهور الفقهاء فى مذهب مالك وأبى حنيفة والشافعى
(1) المحلى [ج9 ص412، 420] .
وأحمد وزيد لا يقبلون الشهادة للتهمة على اختلاف بينهم فى التطبيق. أما الطاهريون فلا يرون الشهادة للتهمة، ويرون قبول الشهادة ما دام الشاهد عدلاً (1) .
537 -
الشروط الخاصة للشهادة على الزنا: يشترط أن تتوفر فى شاهد الزنا - بعد الشروط العامة التى ذكرناها - شروط خاصة هى:
أولاً: الذكورة: يشترط جمهور الفقهاء فى شهود الزنا أن يكونوا رجالاً كلهم، ولا يقبلون فى الزنا شهادة النساء، ذلك أن النصوص قاطعة فى أن عدد الشهود لا يقل عن أربعة (2)، وأن شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين:{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] ، وإذا كان لفظ الأربعة اسم لعدد الشهود فإن ذلك يقتضى الاكتفاء بشهادة أربعة، ولا شك فى أن الأربعة إذا كان بعضهم نساء لا يكتفى بهم إذ أن أقل ما يجزئ فى هذه الحالة خمسة على فرض أن فيهم امرأة واحدة، وهذا مخالف للنص، كذلك فإن فى شهادة النساء شبهة لتطرق الضلال إليهن والقاعدة عند جمهور الفقهاء أن الحدود تدرأ بالشبهات.
ومذاهب الفقهاء الأربعة (3) تقوم على اشتراط الذكورة فى الشاهد، وكذلك مذهب الشيعة الزيدية (4) ، على أن اشتراط الذكورة إذا كان له محل فى شهادة الإثبات فلا محل لاشتراطه فى شهادة النفى، ومن ثم يجوز أن يكون شهود النفى من النساء.
(1) المحلى [ج9 ص412، 420] ، مواهب الجليل [ج6 ص154، 177] ، البحر الرائق [ج7 ص86، 107] ، أسنى المطالب [ج4 ص349] ، المغنى [ج12 ص49، 60] ، شرح الأزهار [ج4 ص195، 199] .
(2)
راجع الفقرة [51] .
(3)
مواهب الجليل [ج6 ص180] ، شرح فتح القدير [ج4 ص114] ، المهذب [ج2 ص350] ، المغنى [ج10 ص175] .
(4)
شرح الأزهار [ج4 ص185، 186] .
وقد روى عن عطاء وحماد أنهما قبلا شهادة ثلاثة رجال وامرأتين فى الزنا (1) .
ويرى ابن حزم أنه يجوز أن يقبل فى الزنا امرأتان مسلمتان عدلتان مكان كل رجل، فيكون الشهود ثلاثة رجال وامرأتين، أو رجلين وأربع نسوة، أو رجلاً واحدًا وست نسوة، أو ثمانى نسوة فقط لا رجال معهم (2) .
هل يصح أن يكون الزوج شاهدًا؟: لا يجيز مالك والشافعى وأحمد أن يكون الزوج أحد الشهود على زوجته الزانية، لأن الزوج يقذف الزوجة بالزنا، أو لأنه متهم بدعواه أن الزوجة خائنة (3) .
ويرى أبو حنيفة أن يكون الزوج أحد الشهود الأربعة، وأنه غير متهم فى شهادته لأن التهمة ما توجب جر نفع، والزوج ملحق على نفسه بهذه الشهادة لحوق العار وخلو الفراش خصوصًا إذا كان له منها أولاد صغار (4) . وعلى هذا مذهب الزيديين (5) .
ويفرق ابن حزم بين ما إذا جاء الزوج قاذفًا وبين مجيئه شاهدًا، فإن جاء الزوج قاذفًا فلابد من أربعة شهود سواه وإلا حُدَّ أو يلاعن، فإن لم يكن قاذفًا لكن جاء شاهدًا فإن كان عدلاً ومعه ثلاثة عدول فهى شهادة تامة وعلى المشهود عليها حد الزنا (6) .
ثانيًا: الأصالة: ويشترط أبو حنيفة الأصالة فى الشهود، أى أن يكونوا شهدوا الحادث بأنفسهم، فلا تقبل عنده شهادة الشاهد على الشاهد (7) أى الشهادة السماعية، كما أنه لا يقبل كتاب القاضى إلى القاضى، أى أنه لا يقبل شهادة شهود الإثبات أمام قاضٍ غير القاضى الذى ينظر الدعوى ويفصل فيها إذا شهدوا كلهم
(1) المغنى [ج10 ص175] .
(2)
المحلى [ج9 ص395] .
(3)
المدونة [ج16 ص8] ، المهذب [ج2 ص384] ، الإقناع [ج4 ص442] .
(4)
شرح فتح القدير [ج4 ص114] .
(5)
شرح الأزهار [ج4 ص337] .
(6)
المحلى [ج11 ص261، 263] .
(7)
تسمى شهادة الشاهد السماعية، وتسمى أيضًا بالإرعاء، لأن الأصيل يسترعى السامع ليسمع شهادته.
أو بعضهم أمام الأول فأرسل شهادتهم إلى الأخير، لأن كتاب القاضى يعتبر بذاته شهادة على شهادة.
والعلة فى منع الشهادة على الشهادة قيام الشبهة فى صحة الشهادة المنقولة، ذلك أن الاحتياط واجب فى الحدود، وأن الحدود تدرأ بالشبهات، فلا تقبل الشهادة للشبهة فى صحتها.
ويرتب أبو حنيفة على عدم قبول شهادة الفروع (1) أنه إذا جاء الأصول بعد رد شهادة الفروع فشهدوا بأنهم عاينوا الحادث وذكروا نفس ما شهد به الفروع من الزنا، فلا تقبل شهادة الأصول أيضًا لأن شهادتهم قد ردها الشرع من وجه برد شهادة الفروع فى عين الحادثة التى شهد بها الأصول إذا هم قائمون مقامهم فيصار ذلك شبهة فى درء الحد عن المشهود عليه بالزنا (2) .
والأصل عند أبى حنيفة هو قبول الشهادة على الشهادة، ولكنه لا يقبلها استثناء فى الحدود والقصاص (3) .
والأصل عند الشافعى أن الشهادة تجوز فى حقوق الآدميين وفيما لا يسقط بالشبهة من حقوق الله تعالى؛ لأن الحاجة تدعو لذلك عند تعذر شهادة الأصل بالموت والمرض والغيبة، أما الحدود المقررة حقًا خالصًا لله تعالى وهى حد الزنا وحد السرقة وقطع الطريق وشرب الخمر ففيها يقولان: أحدهما أنه يجوز فيها الشهادة على الشهادة لأنه حق يثبت بالشهادة فجاز أن يثبت بالشهادة على الشهادة كحقوق الآدميين. والثانى: أنه لا يجوز لأن حدود الله تعالى مبنية على الدرء والإسقاط فلا يثب إلا بما يؤكدها ويوثقها، والشهادة على الشهادة فيها من الشبهة ما يمنع من التأكيد والتوثيق، وهذا هو الرأى الراجح فى المذهب (4) ،
(1) تسمى شهادة من عاين الحادث شهادة الأصول، وتسمى شهادة الناقلين عن الأصول شهادة الفروع.
(2)
شرح فتح القدير [ج4 ص171] .
(3)
حاشية ابن عابدين [ج4 ص544] .
(4)
المهذب [ج2 ص355] ، أسنى المطالب [ج4 ص377] ، نهاية المحتاج [ج8 ص151] .
والقاعدة عند الشافعى أن ما يثبت بالشهادة على الشهادة يثبت بكتاب القاضى إلى القاضى، وما لا يثبت بالشهادة على الشهادة الذى كتب له الشهادة فكان حكمه حكم الشهادة على الشهادة (1) .
ويرى أحمد أن الشهادة على الشهادة لا تقبل إلا فى حق يقبل فيه كتاب القاضى إلى القاضى، وترد فيما يرد فيه (2) ، ولا يقبل كتاب القاضى عند أحمد فى حد الله تعالى كالزنا، ويقبل فى كل حق آدمى من المال وما يقصد به المال كالدية والقصاص والقذف، ويعللون التسوية بين كتاب القاضى والشهادة على الشهادة بأن كتاب القاضى ليس إلا شهادة على شهادة (3) .
ولا يقبل الزيديون الشهادة على الشهادة فى الزنا، لأن القاعدة عندهم أن الشهادة على الشهادة (أو الإرعاء) تجوز فى جميع الحقوق إلا الحد والقصاص (4) .
ولا يشترط مالك الأصالة فى الشهود، فتجوز عنده الشهادة على الشهادة فى الحدود وغير الحدود، كما يقبل كتاب القاضى إلى القاضى فى الحدود وغير الحدود.
ويشترط فى مذهب مالك أن ينقل عن كل شاهد أصيل شاهدان، ويجوز أن ينقل الشاهدان عن شاهد واحد أو عن أكثر من شاهد، ولكن لا يجوز بحال أن ينقل شاهد واحد عن شاهد أصيل ولو مع يمين المدعى، ويشترط فى الشاهدين الناقلين أن لا يكون أحدهما شاهدًا أصيلاً، كأن يشهد شخص على معاينة الجريمة، ويشهد مع غيره على شهادة آخر عاين الجريمة (5) .
وفى الزنا يجوز أن يشهد أربعة على شهادة أربعة أو يشهد كل اثنين على شهادة واحد أو شهادة اثنين، أو يشهد ثلاثة على شهادة ثلاثة ويشهد اثنان على شهادة الرابع،
(1) المهذب [ج2 ص355] .
(2)
الإقناع [ج4 ص447] .
(3)
الإقناع [ج4 ص406] .
(4)
شرح الأزهار [ج4 ص186، 205] .
(5)
شرح الزرقانى [ج7 ص195] .
أما إذا شهد اثنان أو ثلاثة على شهادة الأربعة فلا تقبل الشهادة، لأنهم يوجبون أن لا يكون عدد الشهود السماعيين أقل من عدد الشهود الأصليين (1) .
وإذا شهد اثنان على شهادة ثلاثة وشهد اثنان على شهادة الرابع لم تصح الشهادة، لأنه لا يصح أن يكون عدد الشهود السماعيين أقل من عدد الأصليين، وكذلك الحكم لو أدى الرابع الشهادة بنفسه أو نقل ثلاثة وواحد عن كل الأربعة إذ الرابع لم ينقل عنه اثنان (2) .
ويجوز عند مالك أن تجتمع شهادة النقل بشهادة الأصل ويلفق منهما شهادة واحدة فى الزنا وغيره، كأن يشهد اثنان على رؤية الزنا وينقل اثنان عن كل واحد من الاثنين الآخرين، أو يشهد ثلاثة بالرؤية وينقل اثنان عن كل واحد من الاثنين الآخرين، أو يشهد ثلاثة بالرؤية وينقل اثنان عن الرابع، فتتم الشهادة فى هاتين الصورتين وتعتبر شهادة مقبولة، لكن إذا نقل اثنان عن ثلاثة وشهد الرابع بنفسه فلا تقبل الشهادة لأن النقل غير صحيح إذ الاثنان لا ينقلان عن ثلاثة (3) .
وعند الظاهريين تقبل الشهادة على الشهادة فى كل شئ ويقبل فى ذلك واحد على واحد؛ لأن الله تعالى أمرنا بقبول شهادة العدول، والشهادة على الشهادة شهادة عدول فقبولها واجب، ولا فرق بين واحد وبين اثنين فى تبيين الحق خصوصًا وأن ما ينقله شاهد السماع خبر والخبر يؤخذ من الواحد الثقة (4) .
والقاعدة عند جمهور الفقهاء (5) أن الشهادة على الشهادة لا يجوز الحكم بها إلا عند تعذر حضور الشهود الأصلاء، كأن يموت الشاهد الأصيل، أو يمرض
(1) مواهب الجليل [ج6 ص198، 199] .
(2)
شرح الزرقانى [ج7 ص195، 196] .
(3)
شرح الزرقانى [ج7 ص196] .
(4)
المحلى [ج9 ص438] وما بعدها.
(5)
يرى أبو يوسف ومحمد بن الحسن قبول الشهادة على شهادة الحاضر فى المصر وإن كان صحيحًا، ويرى مثل ذلك ابن حزم، وحجته أنه لم يجد لمن منع من قبول الشهادة على شهادة الحاضر حجة أصلاً لا من قرآن ولا من سنة ولا من قول أحد السلف ولا قياس ولا معقول، المحلى [ج9 ص438، 439] .
مرضًا يمنعه من الانتقال، أو أن يكون غائبًا، أو مجهول المكان، فإذا كان حضور الأصيل ممكنًا لم تقبل الشهادة على الشهادة، لأن شهادة الأصل أقوى لكونها مثبتة لنفس الحق أما الشهادة على الشهادة فتثبت شهادة الشاهد الأصيل (1) .
ورأى أبى حنيفة والشافعى وأحمد فى كتاب القاضى إلى القاضى يتفق مع قاعدة القانون المصرى فى المسائل الجنائية، إذ يوجب أن يسمع الشهود القاضى الذى يحكم فى القضية. أما رأى مالك والظاهريين فيتفق مع قاعدة القانون المصرى فى المسائل المدنية، إذ يجيز فى المسائل المدنية أن يسمع الشهود قاض غير الذى يحكم فى القضية ثم يرسل بالشهادة مكتوبة إلى زميله الذى ينظر موضوع القضية.
ثالثًا: أن لا يتقادم الحد: يشترط أبو حنيفة لقبول الشهادة أن لا يكون حادث الزنا قد تقادم، والأصل فى مذهب أبى حنيفة، أن شهادة الشهود بحد متقادم لا تقبل إلا فى حد القذف خاصة، وعلة التفرقة بين القذف وغيره من الحدود أن الشاهد لا يستطيع أن يتقدم بشهادته فى القذف إلا بعد رفع الدعوى، ولا يحرك الدعوى إلا المقذوف، فإذا تأخر الشاهد حتى رفعت الدعوى فلا تهمة، أما بقية الحدود فيجوز لشاهد فيها أن يتقدم لشهادته دون حاجة لشكوى من المجنى عليه.
ويحتج الحنفيون لفكرة التقادم بأن الشاهد طبقًا لقواعد الشريعة مخير إذا شهد الحادث بين أداء الشهادة حسبة لله تعالى لقوله جل شأنه: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]، وبين أن يتستر على الحادث لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"من ستر على أخيه المسلم ستر الله عليه فى الآخرة"، فإذا سكت الشاهد عن الحادث حتى قدم عليه العهد دل بذلك على اختيار جهة الستر، فإذا شهد بعد ذلك فهو دليل على أن الضغينة هى التى حملته على الشاهدة، ومثل هذا لا تقبل شهادته للتهمة
(1) مواهب الجليل [ج6 ص198] ، المهذب [ج2 ص355] ، الإقناع [ج4 ص447] ، حاشية ابن عابدين [ج4 ص544] .
والضغينة، وقد روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال: أيما قوم شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرته فإنما شهدوا عن ذغن ولا شهادة لهم. ولم ينقل أن أحدًا أنكر عليه هذا القول فيكون إجماعًا، والمستفاد من قول عمر أن الشهادة المتأخرة تورث التهمة ولا شهادة لمتهم طبقًا لقواعد الشريعة العامة (1) .
ومع أن أبا حنيفة يقول بالتقادم على الوجه السابق، فإنه يرد الشهادة المتقادمة، ويقبل الإقرار بما سوى الشرب. ويؤيده فى هذا أبو يوسف ولكن محمد بن الحسن يرى رد الشهادة المتقادمة ويقبل الإقرار مطلقًا حتى بالشرب القديم (2) .
ويستخلص مما سبق أن الحنفيين لا يجعلون للتقادم أثرًا على الجريمة، فالجريمة قائمة مهما تقادم عليها العهد، ومن الواجب أن يعاقب مرتكبها، ولكنهم يجعلون للتقادم أثرًا على الشهادة بحيث إذا تأخرت الشهادة عن الوقت المناسب ردت للتهمة، ورد الشهادة يؤثر من طريق غير مباشر على الجريمة إذ لا يعاقب الجانى عليها لانعدام الأدلة.
وهناك رأى آخر نقل عن ابن أبى ليلى وخلاصته: أن لا تقبل الشهادة ولا الإقرار أيضًا إذا تقادما (3) .
ولا يمنع التقادم عند أبى حنيفة من قول الشهادة إلا إذا كان تأخر الشاهد بشهادته لغير عذر ظاهر، فإن كان التأخر فى الشهادة لعذر ظاهر قبلت الشهادة، كبعد المسافة عن محل القاضى أو كمرض الشاهد أو غير ذلك من الموانع الحسية (4) .
ولم يقدر أبو حنيفة للتقادم حدًا، وفوض الأمر للقاضى يقدره طبقًا
(1) بدائع الصنائع [ج7 ص46] ، شرح فتح القدير [ج4 ص162] .
(2)
شرح فتح القدير [ج4 ص162] .
(3)
شرح فتح القدير [ج4 ص162] .
(4)
شرح فتح القدير [ج4 ص165] .
لظروف كل حالة؛ لأن اختلاف الأعذار يجعل التوقيت متعذرًا، ولكن بعض فقهاء المذهب قدروا التقادم بشهر وقدره البعض الآخر بستة أشهر (1) .
أما مالك والشافعى وأصحابهما ومعهم الزيديون والظاهريون فلا يعترفون بالتقادم ويقبلون الشهادة المتأخرة والإقرار بجريمة قديمة ولا يردونهما لقدمهما (2) .
وفى مذهب أحمد رأيان: أحدهما يتفق مع رأى أبى حنيفة، والثانى يتفق مع رأى مالك والشافعى، وهو الرأى المعمول به فى المذهب (3) .
رابعًا: أن تكون الشهادة فى مجلس واحد: يشترط عند مالك وأبى حنيفة وأحمد أن يتقدم شهود الزنا بشهادتهم فى مجلس قضائى واحد، وليس من الضرورى عند أحمد أن يأتى الشهود مجتمعين، فيصح أن يأتوا متفرقين ما دام مجلس القضاء منعقدًا، فإذا انقضى المجلس فلا تقبل شهادة المتأخر منهم، واعتبر من أدى الشهادة قاذفًا ما دام أن عددهم أقل من أربعة، أما مالك وأبو حنيفة فيشترطان تجمع الشهود عند بدء الشهادة، فإن جاءوا متفرقين يشهدون واحدًا بعد الآخر لا تقبل شهادتهم ويحدون وإن كثروا، فالشرط إذن اجتماعهم فى مجلس واحد وقت أداء الشهادة، أما إذا جاء بعضهم فجلس فى أماكن الشهود فلما بدأت المحكمة سماع الشهود لم يكن عددهم متكاملاً فلما سئل أحدهم جاء الثانى ولما سئل الثانى حضر الثالث وهكذا، فإن شهادتهم لا تقبل ويعتبرون قذفة (4) .
ولا يشترط الشافعيون والزيديون والظاهريون هذا الشرط، ويستوى عندهم أن يأتى الشهود متفرقين أو مجتمعين، وأن تؤدى الشهادة فى مجلس واحد أو أكثر
(1) شرح فتح القدير [ج4 ص165] .
(2)
المغنى [ج10 ص187] ، المحلى [ج11 ص144] ، شرح الأزهار [ج4 ص339] .
(3)
المغنى [ج10 ص187] .
(4)
مواهب الجليل [ج6 ص179 [، شرح الزرقانى [ج7 ص176 وج8 ص81] ، شرح فتح القدير [ج4 ص120] ، بدائع الصنائع [ج7 ص48] ، المغنى [ج10 ص178، 179] .
من مجلس، وحجتهم أن الله تعالى قال:{لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 13] فذكر الشهود ولم يذكر المجلس، وقال:{فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} [النساء: 15] ، ولأن كل شهادة مقبولة تقبل إن تقبل إن اتفقت ولو تفرقت فى مجلس كسائر الشهادات (1) .
ويحتج أصحاب الرأى المضاد بعمل عمر رضى الله عنه، فقد شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة وهم أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد ولم يشهد زياد فحد عمر الثلاثة، ولو كان المجلس غير مشترط لم يجز أن يحدهم لجواز أن يكملوا برابع فى مجلس آخر، ولأنه لو شهد ثلاثة فحدهم ثم جاء رابع فشهد لم تقبل شهادته ولولا اشتراط المجلس لكملت شهادتهم. وأما الآية فإنها لم تتعرض لشروط ولهذا لم تذكر العدالة وصفة الزنا مثلاً، ولأن قوله تعالى:{ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] لا يخلو من أن يكون مطلقًا فى الزمان كله أو مقيدًا، ولا يصح أن يكون مطلقًا لأنه يمنع من جواز جلدهم، لأنه ما من زمن ألا يجوز أن يأتى فيه بأربعة شهداء أو يكلمهم إن كان قد شهد بعضهم فيمتنع جلدهم المأمور به، وإذا ثبت أنه مقيد فأولى ما قيد به المجلس لأن المجلس كله بمنزلة الحال الواحدة (2) .
خامسًا: أن يكون عدد الشهود أربعة: إذا شهد على الزنا أقل من أربعة شهود لم تقبل شهادتهم وحدوا حد القذف عند مالك وأبى حنيفة والزيديين (3) ؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] .
والرأى الراجح فى مذهب الشافعى ومذهب أحمد يتفق مع رأى مالك وأبى حنيفة، أما الرأى المرجوح فيرى أصحابه أن لا يحد الشهود إذا نقص عددهم
(1) المغنى [ج10 ص187] ، المهذب [ج2 ص350] ، شرح الأزهار [ج4 ص337] ، المحلى [ج11 ص259] .
(2)
المغنى [ج10 ص178] .
(3)
شرح فتح القدير [ج4 ص170] ، شرح الزرقانى ج7 ص197] ، المغنى [ج10 ص179] ، شرح الأزهار [ج4 ص338] .
عن أربعة ما دام أنهم قد جاءوا مجئ الشهود؛ أى تقدموا لأداء الشهادة حسبة له تعالى، ولم يكن ثمة ما يدفعهم للشهادة غير ذلك، ولأن الشهادة على الزنا أمر جائز والجائز لا عقاب عليه، ولأن إيجاب العقاب يؤدى إلى الامتناع عن الشهادة خشية أن يتوقف أحد الشهود عن الشهادة (1) .
ويرى الظاهريون أن الشاهد بالزنا لا يحد أصلاً سواء كان معه غيره أم لم يكن إذ الحد شرع للقاذف الرامى ولم يشرع لشهداء أو البينة، وقد فرق القرآن والسنة بين الشهد من البينة وبين القاذف الرامى فلا يحل البتة أن يكون لأحدهما حكم الآخر (2) .
ويرد أصحاب الرأى المخالف بأن الثابت من قضاء عمر أنه حد الشهود الثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بن شعبة حينما لم يكمل الرابع الشهادة، وكان ذلك بمحضر من الصحابة فلم ينكره أحد.
وإذا تبين أن الشهود الأربعة ليس لكلهم أو لبعضهم أهلية الشهادة كأن كان أحدهم فاسقًا أو محدودًا فى قذف، فيرى مالك سقوط الشهادة وأن على الشهود جميعًا الحد؛ لأنها شهادة لم تكمل، هذا إذا تبين انعدام الأهلية قبل الحكم، أما إذا كان ذلك بعد الحكم فلا حد على واحد منهم؛ لأن الشهادة تمت باجتهاد القاضى (3) .
ويرى أبى حنيفة (4) حد الشهود سواء تبين انعدام الأهلية قبل الحكم أو بعد الحكم وقبل التنفيذ، أما إذا كان العلم بانعدام الأهلية بعد التنفيذ فإن كان الحد جلدًا فكذلك يحد الشهود ولا يضمنون أرش الضرب فى قول أبى حنيفة، وعند محمد وأبى يوسف يجب الأرش فى بين المال. وإن كان الحد رجمًا فلا يحد الشهود لأنه تبين أن كلامهم وقع قذفًا، ومن قذف حيًا ثم مات
(1) المهذب [ج2 ص350] ، المغنى [ج10 ص179] .
(2)
المحلى [ج11 ص260] .
(3)
شرح الزرقانى [ج7 ص198] .
(4)
بدائع الصنائع [ج7 ص48] .
المقذوف سقط الحد وتكون الدية فى بيت المال إذ يعتبر الخطأ حاصلاً من القاضى، وخطأ القاضى فى بيت المال، لأنه عامل لعامة المسلمين وبيت المال مالهم.
ويفرقون فى مذهب أبى حنيفة بين الشهود باعتبار أهليتهم للتحمل والأداء، فمنهم من هو أهل للتحمل والأداء على وجه القصور كالفساق لتهمة الكذب، ومنهم من هو أهل للتحمل والأداء على وجه كالصبيان والمجانين والكفار، ومنهم من هو أهل للتحمل دون الأداء كالمحدودين فى قذف العميان، والنوع الأول يحكم بشهادته وتثبت الحقوق بها، والثانى يجب التوقف فى شهادته حتى يظهر صدقه، والثالث لا شهادة له أصلاً، والرابع تصح شهادته متحملاً ولا تقبل منه مؤديًا.
ويرتبون على هذه التفرقة أن من فقد أهلية التحمل أو الأداء أو هما معًا يعتبر قاذفًا بشهادته، فإذا شهد أربعة عميان أو كفار أو محدودون فى قذف حدوا القذف، وإذا شهد أربعة بالزنا أحدهم أعمى أو كافر أو محدود فى قذف وجب على الأربعة حد القذف، الأول لانعدام أهليته والثلاثة لأن الشاهدة لم تكمل، أما إذا شهد بالزنا أربعة فساق فإن الحد يسقط عن المشهود عليه لعدم الثبوت وعن الشهود لثبوت شبهة الثبوت إذ أنهم أهل للشهادة على وجه القصور، وكذلك الحال إذا شهد أربعة أحدهم فاسق (1) .
وعند الشافعى أنه إذا شهد أربعة بالزنا فرد الحاكم شهادة أحدهم فإن كان الرد بسبب ظاهر بأن كان أحدهم عبدًا أو كافرًا أو متظاهرًا بالفسق كان الأمر كما لو لم يتم العدد، لأن وجود هذا الشاهد كعدمه فلا يكمل العدد، وإن كان الرد بسبب خفى كالفسق الباطن ففيه وجهان: أن حكمه حكم ما لو نقص العدد لأن عدم العدالة كعدم الوجود، والوجه الثانى: أنهم لا يحدون قولاً واحدًا؛ لأنه إذا كان الرد بسبب باطن لم يكن من جهتهم تفريط فى الشهادة فهم معذورون
(1) شرح فتح القدير [ج4 ص169، 170] .
فلا حد عليهم، وإن كان الرد بسبب ظاهر كانوا مفرطين فوجب الحد عليهم (1) . وفى مذهب أحمد ثلاث روايات إن كان الشهود غير مرضيين كلهم أو أحدهم، الأولى: عليهم الحد لأنها شهادة لم تكمل فوجب الحد على الشهود كما لو كانوا ثلاثة، والثانية: لا حد عليهم لأنهم جاءوا أربعة شهداء فدخلوا فى عموم الآية لأن عددهم كمل ورد الشهادة لمعنى غير تفريطهم، فأشبه ما لو شهد أربعة مستورون ولم تثبت عدالتهم أو فسقهم، والثالثة: إذا كانوا فساقًا فلا حد عليهم وإن لم يكونوا كذلك وكانوا غير مرضى الشهادة كالكفار والعميان فعليهم الحد (2) .
ويلاحظ بهذه المناسبة ما سبق أن قلناه من أن فى مذهب الشافعى وأحمد رأيًا يرى أصحابه أن لا يُحد الشهود إذا نقض عددهم ما دام أنهم قد جاءوا مجئ الشهود.
ومذهب الزيديين على أنه إذا كمل عدد الشهود سقط حد القذف عنهم ولو لم تكمل عدالتهم، لكن إذا لم يكونوا عدولاً لم يحد المقذوف، وكذلك لو كان أحد الشهود غير أهل للشهادة كالأعمى والمجنون، فإن الحد يسقط عن الشهود وعن المقذوف (3) ، ومعنى ما سبق أن الشهود لا يحدون إلا فى حالة واحدة هى أن لا يكمل عددهم أربعة.
أما الظاهريون فقد رأينا من قبل أنهم لا يرون حد الشاهد سواء كان وحده أو كان معه غيره، ذلك أن الحد جعل للقاذف لا للشاهد.
ومن المتفق عليه أن شاهد السماع لا حد عليه إذا لم تقبل شهادته أو لم يكمل عدد الشهود؛ لأن شهادته لا تعتبر قذفًا إذ أنه ينقل عن غيره والمفروض أنه حسن النية (4) ، فإذا شهد ثلاثة بأنهم رأوا الزنا وشهد الرابع بأنه سمع من آخر بأنه رأى الزنا لم تكمل الشهادة وحُدَّ شهود الرؤية عند من يرى حد الشهود إذا لم
(1) المهذب [ج2 ص350] .
(2)
المغنى [ج10 ص181] .
(3)
شرح الأزهار [ج4 ص354، 355] .
(4)
بدائع الصنائع [ج7 ص48] .
تكمل الشهادة (1) ، ولم يحد شاهد السماع. أما إذا شهد اثنان بالسماع وشهد ثلاثة بالرؤية فتقبل الشهادة وتعتبر كاملة عند مالك والظاهريين، ولا تقبل عند أبى حنيفة والشافعى وأحمد والزيديين، ويحد الشهود الثلاثة عند أبى حنيفة والزيديين وعلى الرأى الراجح فى مذهبى الشافعى وأحمد.
وتقبل شهادة الشهود ولو اعترفوا بأنهم تعمدوا النظر إلى فرج المرأة ولا تبطل شهادتهم بذلك لأن أداء الشهادة فى الزنا يقتضى النظر إلى عين الفرج فيكون النظر مباحًا للشهود بقصد إقامة الشهادة، كما يباح للطبيب بقصد علاج المرض (2) .
وإذا رجع الشهود عن الشهادة أو واحد منهم، فيرى مالك أن يحد الشهود الراجعون عن شهادتهم حد القذف إذا كان الرجوع بعد الحكم سواء كان قبل الاستيفاء أو بعده، أما إذا كان الرجوع قبل الحكم فيحد جميع الشهود ولو كان الرجوع من أحدهم فقط لأن الشهادة لم تكمل (3) .
والأصل عند مالك أن الرجوع عن الشهادة قبل الحكم يسقط الشهادة لاعتراف الشهود بأنهم كانوا على وهم أو شك أو كانوا غير عدلين. أما إذا كان الرجوع بعد الحكم وقبل الاستيفاء فالشهادة لا تسقط، ولكن ينقض الحكم إذا تبين كذب الشهادة، كأن يتبين أن المتهم بالزنا مجبوب أو يظهر الشخص المدعى بقتله، وإذا كان الرجوع بعد الحكم وبعد الاستيفاء فلا تسقط الشهادة، ولا ينقض الحكم ولكن يعاقب الشهود (4) .
(1) يحد الشهود فى هذه الحالة طبقًا لمذهب مالك وأبى حنيفة وزيد وعلى الرأى الراجح فى مذهب الشافعى ومذهب أحمد، ولكنهم لا يحدون طبقًا لمذهب الظاهريين لأنهم يجيزون شهادة السماع ويجيزون أن ينقل الواحد عن واحد.
(2)
شرح فتح القدير [ج4 ص176] ، المهذب [ج2ص352] ، المغنى [ج10 ص177] ، شرح الزرقانى [ج7 ص177] ، مواهب الجليل [ج6 ص179] ، شرح الأزهار [ج4 ص388] .
(3)
شرح الزرقانى [ج7 ص197] .
(4)
شرح الزرقانى [ج7 ص196] .
ويرى أبو حنيفة أنه إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فرجم، فإذا رجع أحدهم بعد الإمضاء فعليه ربع الدية وعليه حد القذف، ويرى زفر أن لا يحد، فإذا لم يحد المشهود عليه بالزنا حتى يرجع أحدهم - أى أن الرجوع يكون بعد القضاء وقبل الإمضاء - فإن الشهود يحدون جميعًا، وقال محمد وزفر: يحد الراجع وحده لأن الشهادة تأكدت بالقضاء، وإذا رجع واحد منهم قبل القضاء حدوا جميعًا، وقال زفر: يحد الراجع وحده (1) .
والقاعدة عند الشافعى أنه إذا شهد الشهود بحق ثم رجعوا عن الشهادة لم يخل إما أن يكون قبل الحكم أو بعد الحكم وقبل الاستيفاء، أو بعد الحكم وبعد الاستيفاء، فإن كان قبل الحكم لم يحكم بشهادتهم لأنه يحتمل أن يكونوا صادقين فى الشهادة كاذبين فى الرجوع، ويحتمل أن يكونوا صادقين فى الرجوع كاذبين فى الشهادة، ولا حكم مع الشك، فإن رجعوا بعد الحكم وقبل الاستيفاء فإن كان فى حد أو قصاص لم يجز الاستيفاء لأن هذه الحقوق تسقط بالشبهة، والرجوع شبهة ظاهرة، وإن رجعوا بعد الحكم والاستيفاء لم ينقض الحكم.
ويترتب على هذه القواعد أنه إذا شهد أربعة بالزنا فرجع واحد منهم قبل أن يحكم بشهادتهم لزم الراجع حد القذف، وفى فقهاء المذهب من لا يرى حده لأنه أضاف الزنا للمشهود عليه بلفظ الشهادة دون قصد القذف وهو رأى مرجوح، وأما الثلاثة فلا حد عليهم قولاً واحدًا لأنه ليس من جهتهم تفريط ولأنهم شهدوا والعدد تام ورجوع الراجع لا يمكنهم الاحتراز منه، فإن رجعوا كلهم وقالوا تعمدنا الشهادة وجب عليهم الحد.
أما إذا رجعوا كلهم أو بعضهم بعد الحكم وقبل التنفيذ حد الراجع دون من لم يرجع. وإذا كان الرجوع بعد الحكم وبعد التنفيذ فكذلك الحكم، إلا إذا كانت العقوبة الرجم فعلى الشهود القود إذا تعمدوا فى شهادتهم ما يوجب القتل، وعليهم الضمان فى حالة الخطأ (2) .
(1) شرح فتح القدير [ج4 ص172] .
(2)
المهذب [ج2 ص350، 358] ، المغنى [ج10 ص182] .
وعند أحمد: إذا رجع الشهود عن الشهادة أو واحد منهم فعلى جميعهم الحد فى أصح الروايتين، وهذا يتفق مع مذهب أبى حنيفة، والثانية: يحد الثلاثة دون الراجع لأنه إذا رجع قبل الحد فهو كالتائب قبل تنفيذ الحكم فيسقط عنه الحد، ولأن فى درء الحد عنه تمكينًا له من الرجوع الذى تحصل به مصلحة المشهود عليه، وفى إيجاب الحد عليه زجر له عن الرجوع خوفًا من الحد (1) .
والمذهب الزيدى على أن رجوع الشهود قبل الحكم يبطل الشهادة، وكذلك الحال فى الرجوع بعد الحكم وقبل التنفيذ (2) ، ولذلك يحد الشهود حد القذف إذا رجعوا قبل تنفيذ الحكم، ويجب عليهم الأرش أو القصاص إذا كان الرجوع بعد تنفيذ الحكم (3) .
والقاعدة عند الظاهريين أن رجوع الشاهد عن شهادته قبل الحكم مبطل للشهادة وأن رجوعه عنها بعد الحكم مؤدٍّ لفسخ الحكم (4) ، وقد رأينا فيما سبق أنهم لا يرون حد الشاهد بالزنا أصلاً سواء كان معه غيره أو لم يكن (5) ، ويترتب على ذلك أنه إذا رجع أحد الشهود أو كلهم فلا حد على أحد منهم لأن الحد على القاذف لا على الشاهد.
وتقبل الشهادة على الخصى والعنين لتصور حصول الزنا منهما ولإمكان انتشار الآلة، بخلاف المجبوب فلا تقبل الشهادة عليه إذ لا يتصور منه الوطء.
وإذا شهد الشهود بحصول الزنا فدفعت المرأة بأنها عذراء عرضت على امرأة أو أكثر فإذا شهدن بأنها كذلك درئ الحد عنها، وتكفى شهادة امرأة واحدة إذا لم يوجد غيرها وهو مذهب أبى حنيفة وأحمد، لأن شهادة المرأة الواحدة مقبولة عندهما فيما لا يطلع عليه الرجال، وعلى هذا المذهب الزيدى
(1) المغنى [ج10 ص182] .
(2)
شرح الأزهار [ج4 ص215] .
(3)
شرح الأزهار [ج4 ص222، 348] .
(4)
المحلى [ج9 ص429] .
(5)
المحلى [ج11 ص260] .
أيضًا (1) ، وأساس درء الحد احتمال كذب شهود الإثبات أو وهمهم، واعتبار ذلك شبهة والحدود تدرأ بالشبهات.
ويشترط الشافعى شهادة أربع نسوة، فإذا شهدن بأنها بكر لم يجب عليها الحد، لأنه يحتمل أن تكون البكارة أصلية لم تزل، ويحتمل أن تكون عائدة لأن البكارة تعود إذا لم يبالغ فى الجماع، فلا يجب الحد مع الاحتمال، ولا يجب الحد أيضًا على الشهود؛ لأنه إذا درئ الحد عنها لجواز أن تكون البكارة أصلية والشهود كاذبون وجب أن يدرأ الحد عن الشهود لجواز أن تكون البكارة عائدة وهم صادقون (2) .
ويشترط ابن حزم شهادة أربع نسوة لدرء الحد (3) ، ولكنه لا يكتفى بأن يقرر النساء أنها عذراء ويوجب أن يصفن عذريتها، فإن قلن إنها عذرة يبطلها إيلاج الحشفه ولابد وأنه صفاق عند باب الفرج فقد أيقنا بكذب الشهود وأنهم وهموا فلا يحل إنفاذ الحكم بشهادتهم، وإن قلن إنها عذرة واغلة فى داخل الفرج لا يبطلها إيلاج الحشفة فقد أمكن صدق الشهود، إذ بإيلاج الحشفة يجب الحد، فيقام الحد عليها حينئذ لأنه لم يتيقن كذب الشهود ولا وهمهم (4) .
ولا يدرأ ابن حزم الحد بالشبهة لأن المذهب الظاهرى لا يعترف بالشبهة كما قدمنا.
ورأى ابن حزم فى قبول شهادة النساء فى حالة ادعاء البكارة مخالف لفقهاء المذهب الظاهرى الذين يرون إهمال شهادة النفى والأخذ بشهادة الإثبات (5) .
أما مالك فلا يدرأ الحد ولو شهد أربع نسوة بأن المتهمة بالزنا عذراء، وحجته أن شهود الإثبات عاينوا الزنا، وأن الإيلاج ممكن مع بقاء البكارة، كما أن المثبت مقدم على النافى (6) .
(1) شرح فتح القدير [ج4 ص169] ، المغنى [ج10 ص189] ، شرح الأزهار [ج4 ص350] .
(2)
المهذب [ج2 ص351] .
(3)
المحلى [ج9 ص395، 405] .
(4)
المحلى [ج11 ص263، 264] .
(5)
المحلى [ج11 ص263] .
(6)
شرح الزرقانى [ج8 ص81] .
شهود الإحصان: يرى مالك والشافعى وأحمد أنه يكفى فى إثبات الإحصان شهادة رجلين، لأنه حالة فى الشخص لا علاقة لها بواقعة الزنا، فلا يشترط أن يشهد بالإحصان أربعة رجال كما هو الحال فى الزنا (1) .
وفى مذهب أبى حنيفة يكفى أيضًا رجلان لإثبات الإحصان، ولكن فقهاء المذهب يرون أن الإحصان يثبت برجلين أو برجل وامرأتين، عدا زفر فيشترط أن يثبت برجلين (2) .
والمذهب الزيدى على أنه يكفى فى إثبات الإحصان عدلان ولو رجل وامرأتان (3) .
أما المذهب الظاهرى فلا يفرق فيه الفقهاء بين إثبات الزنا وإثبات الإحصان، وعدم التفرقة معناه أن الزنا والإحصان معًا يثبتان بأربعة شهود (4) .
وكل زنًا أوجب الحد لا يقبل فيه أقل من أربعة شهود باتفاق العلماء لتناول النص له: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ، ويدخل فى ذلك اللواط ووطء المرأة فى دبرها ووطء البهائم عند من يعطى هذه الأفعال حكم الزنا، أما من يعتبرها جرائم تعزيرية فيكتفى فى إثباتها بما يثبت به التعزير، وهو يثبت بشاهدين كما يرى البعض (5) ، ويثبت برجل وامرأتين، وبأربع نسوة، وبرجل واحد أو امرأتين مع يمين الطالب، كما يثبت النكول والإقرار (6) .
ويرى بعض الفقهاء فى مذهب الشافعى ومذهب أحمد أن كل وطء لا يوجب الحد ويوجب التعزير لا يثبت إلا بأربعة شهود؛ لأنه فاحشة ولأنه الإيلاج فى فرج
(1) شرح الزرقانى [ج7 ص197] ، المهذب [ج2 ص359] ، الإقناع [ج4 ص451] .
(2)
شرح فتح القدير [ج4 ص176] .
(3)
شرح الأزهار [ج4 ص343] .
(4)
المحلى [ج9 ص395] .
(5)
المهذب [ج2 ص350] ، المغنى [ج10 ص190، 191] .
(6)
المحلى [ج9 ص396] ، بدائع الصنائع [ج7 ص65] ، حاشية ابن عابدين [ج4 ص515] وما بعدها، مواهب الجليل [ج6 ص180] وما بعدها.
محرم، فإن لم يكن الفعل وطئًا كالمباشرة دون الفرج ونحوها ثبت بشاهدين (1) .
سادسًا: أن يقتنع القاضى بشهادة الشهود: ولا يستلزم أداء الشهود للشهادة أن يحد المتهم بالزنا ما لم يقتنع القاضى بصحة الشهادة، فإذا اختلف الشهود فى وصف الفعل أو فى زمانه أو مكانه اختلافًا ينبئ بكذبهم أو كذب بعضهم رفضت شهادتهم، وهناك خلاف على حد الشهود فى هذه الحالة بين من يرون الشهود إذا لم تكمل الشهادة أو لم تقبل، فيرى البعض حدهم لأنهم شهدوا على وقائع مختلفة ليس على واقعة منها أربعة شهود فهم قذفة، ويرى البعض أن لا يحدوا وقد أدوا الشهادة، ويرى البعض أن يترك الأمر للقاضى ليقدر كل حالة بظروفها ولاحتمال أن تكون شبهة تدرأ الحد عن الشهود.
ويحاول الفقهاء فى كتبهم أن يأتوا على أهم وجوه الاختلاف بين الشهود: من ذلك أن يشهد اثنان أنه زنا بها فى هذا البيت، ويشهد اثنان أنه زنى بها فى بيت آخر، أو أن يشهد اثنان بأنه زنا بها فى بلد غير البلد الذى شهد صاحباهما، أو أن يختلفوا على اليوم أو الشهر أو السنة التى وقع فيها الزنا، فإن كان هذا الخلاف فالجميع قذفة عند مالك وعند بعض فقهاء مذهب الشافعى وأحمد وعند زفر من فقهاء المذهب الحنفى، بينما يرى أبة حنيفة وبعض فقهاء مذهب الشافعى وأحمد أن لا حد على الشهود لأنهم كملوا أربعة (2) .
ويرى ابن الماجشون من فقهاء المالكية أن شهادة الشهود تصح ولو اختلفوا إذا كان الخلاف فيما لو لم يذكروه تمت شهادتهم ولم يلزم الحاكم أن يسألهم عنه (3) .
وإذا شهد اثنان أنه زنا بها فى زاوية بيت، وشهد اثنان أنه زنا بها فى زاوية أخرى منه وكانت الزاويتان متباعدتين فالقول فيهما كالقول فى البيتين، وإن كانتا متقاربتين كملت شهادتهم وحُدَّ المشهود عليه فى رأى أبى حنيفة وأحمد،
(1) المهذب [ج2 ص350] ، المغنى [ج10 ص190، 191] .
(2)
مواهب الجليل [ج6 ص179] ، شرح فتح القدير [ج4 ص164] ، المهذب [ج2 ص357] ، المغنى [ج10 ص183] .
(3)
مواهب الجليل [ج6 ص179] .
وعند الشافعى ومالك وزفر لا حد على المشهود عليه لأن الشهادة لم تكمل (1) .
وإن شهد اثنان بأنه زنا بها مكرهة، وشهد اثنان بأنه زنا بها مطاوعة، فلا حد عليها إجماعًا لأن الشهادة لم تكمل على فعل موجب لحد المرأة، أما الرجل فقد اختلفوا فيه، فرأى البعض أن لا حد عليه لأن البينة لم تكمل على فعل واحد؛ فإن فعل المطاوعة غير فعل المكرهة، ولم يتم العدد على كل واحد من الفعلين، ولأن كل شاهدين منهما يكذبان الآخرين، وذلك يمنع من قبول الشهادة أو يكون شبهة فى درء الحد، ولا يخرج المر على أن يكون قول واحد منهما مكذبًا للآخر، ولا يصح هذا إلا بتقدير فعلين تكون مطاوعة فى أحدهما ومكرهة فى الآخر، وهذا يمنع كون الشهادة كاملة على فعل واحد، ولأن شاهدى المطاوعة قاذفان لها ولم تكمل البينة فلا تقبل شهادتهما على غيرها، وهذا هو رأى مالك وأبى حنيفة وأحد الوجهين فى مذهبى الشافعى وأحمد.
ورأى البعض أن الحد واجب على الرجل لأن الشهادة كملت على وجود الزنا منه بعد أن أجمع الشهود على أنه أتى الفعل، واختلاف الشهود إنما هو فى فعل المرأة لا فى فعل الرجل، فلا يمنع هذا الاختلاف من كمال الشهادة عليه، وهذا هو رأى أبى يوسف ومحمد من فقهاء الحنفية ووجه فى مذهبى الشافعى وأحمد.
أما الشهود ففيهم ثلاثة أوجه: أحدها: لا حد عليهم وهو قول من أوجب الحد على الرجل بشهادتهم. وثانيها: عليهم الحد لأنهم شهدوا بالزنا ولم تكمل شهادتهم فلزمهم الحد كما لو لم يكمل عددهم. وثالثها: يجب الحد على شاهدى المطاوعة لأنهما قذفا المرأة بالزنا ولم تكمل شهادتهما عليها، أما شاهدا الإكراه فلا يجب الحد عليهما لأنهما لم يقذفا المرأة وقد كملت شهادتهما على الرجل وإنما انتفى عنه الحد للشبهة (2) .
(1) مواهب الجليل [ج6 ص179] ، شرح فتح القدير [ج4 ص167] ، المهذب [ج2 ص357] ، المغنى [ج10 ص183] .
(2)
يراجع فى كل ما سبق: مواهب الجليل [ج6 ص179] ، شرح فتح القدير [ج4 ص166] ، المهذب [ج2 ص357] ، المغنى [ج10 ص185] .
ويرى الزيديون أن الاختلاف لا أهمية له إلا إذا كان على حقيقة الفعل وهو الإيلاج أو مكان الفعل أو وقته أو كيفيته من اضطجاع أو قيام أو غير ذلك، فإن اتفقت شهادة الشهود على ذلك لزم الحد، وإن اختلف فى شئ منه أو أجملوا ولم يفصلوا لم تصح شهادتهم ولا حد عليهم لكمال البينة (1) .
والقاعدة عند الظاهريين أن ما لا تتم الشهادة إلا به فإن الاختلاف فيه مفسد للشهادة، وعندهم أن الشهادة تتم فى الزنا إذا كانت على حصول الزنا من رجل بامرأة أجنبية عنه، وكان الشهود على يقين من ذلك، فإذا اختلف الشهود بعدها فى المكان أو فى الزمان أو فى وصف المزنى بها فلا عبرة باختلافهم، لأن ذكر ذلك والسكوت عنه سواء، ومن ثمَّ تكون الشهادة تامة والحد واجب مع الاختلاف فى هذه المسائل (2) .
ومن المتفق عليه أن الشهادة على الزنا لا تستلزم قيام دعوى سابقة على الشهادة فيجوز أن يتقدم الشهود بالشهادة دون قيام دعوى الزنا ويترتب على تقدمهم بالشهادة قيام الدعوى، ويحتج الفقهاء فى هذا الوجه بقضية أبى بكرة حيث شهد هو وأصحابه على المغيرة من غير تقدم دعوى، وبقضية الجارود حيث شهد هو وآخر على قدامة بن مظعون بشرب الخمر ولم يتقدمه دعوى.
والعلة فى عدم اشتراط قيام الدعوى فى الزنا أن الحد فى الزنا حق الله تعالى فلا تفتقر الشهادة به إلى قيام الدعوى، لأن الدعوى فى سائر الحقوق إنما تكون من المستحق، وهذا لا حق فيه لأحد من الآدميين فيدعيه، ولو توقفت الشهادة على قيام الدعوى لما أقيمت الشهادة ولا الدعوى (3) .
ويشترط لصحة الشهادة ولتكون مقنعة للقاضى أن تكون مبنية لماهية الزنا وكيفيته ومتى كان وأين وقع وبمن زنا، وعلى القاضى أن يستفصل الشهود فى هذا كله ليصل إلى حقيقة الأمر.
(1) شرح الأزهار [ج4 ص338] .
(2)
المحلى [ج11 ص147] .
(3)
المغنى [ج10 ص188] .
فأما عن ماهية الزنا فلأن الزنا اسم يقع على أنواع لا توجب الحد، فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"العينان تزنيان، واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه"، ولا شك أن الحد لا يجب إلا بوطء الفرج بحيث يكون الذكر فى الفرج كالميل فى المُكْحُلة.
وأما عن الكيفية فلاحتمال أن يريد الشهود بالزنا الجماع فيما دون الفرج، لأن ذلك يسمى جماعًا حقيقة أو مجازًا ولكنه لا يوجب الحد.
وأما عن الزمان فلاحتمال أن يشهد بعض الشهود على واقعة غير التى يشهد عليها البعض الآخر، ولاحتمال أن يشهد الشهود بزنا متقادم، والتقادم على رأى أبى حنيفة يمنع من قبول الشهادة كما قدمنا، ولاحتمال أن يشهدوا على زنًا وقع منه وهو صغير.
وأما عن المكان فلاحتمال أن يكون الزنا الذى يشهد به البعض وقع فى بلد غير البلد الذى يشهد البعض الآخر بحصول الزنا فيه، أو لاحتمال أن يكون الزنا وقع فى دار الحرب أو البغى ومثل هذا الزنا لا يعاقب عليه فى رأى أبى حنيفة.
وأما عن المزنى بها فلاحتمال أن تكون الموطوءة ممن لا يجب الحد بوطئها، وإذا كان أبو حنيفة يشترط لقبول الشهادة أن يعرف الشهود الرجل والمرأة، فإن غيره لا يشترط ذلك ويترك لمن ادعى حل الوطء أن يقيم البينة عليه.
وإذا أنكر المتهم الإحصان وشهد به الشهود فعليهم أن يبينوا شروطه، وعلى القاضى أن يستفصل منهم ذلك لاحتمال أنهم يجهلون ماهية الإحصان.
وعلى القاضى أن يستفصل كل مسقطات الحد كما عليه أن يستفصل كل ما يثبته، وأن يتحرى عدالة الشهود وصحة عقولهم وأبصارهم وانتفاء العداوة بينهم وبين المشهود عليه، وغير ذلك مما ترد به الشهادة، حتى يأتى حكمه صحيحًا غير مشوب بعيب (1) .
(1) يراجع فى كل ما سبق: شرح الزرقانى [ج7 ص177] ، شرح فتح القدير [ج4 ص115، 165] ، المهذب [ج2 ص354] ، الإقناع [ج4 ص433] ، شرح الأزهار [ج4 ص351] .
علم القاضى: وإذا شهد القاضى حادث الزنا وقت وقوعه فليس له أن يقضى بعلمه على ما يراه جمهور الفقهاء، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وهو أحد قولى الشافعى وعليه أكثر الشافعيين، وحجتهم قوله تعالى:{فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15]، وقوله:{فَإِذْا لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] ، ولأن القاضى كغيره من الأفراد لا يجوز له أن يتكلم بما شهده ما لم تكن لديه البينة الكاملة، ولو رمى القاضى زانيًا بما شهده منه وهو لا يملك على ما يقول البينة الكاملة لكان قاذفًا يلزمه حد القذف، وإذا كان قد حرم على القاضى النطق بما يعلم فأول أن يحرم عليه العمل به.
ويستدلون أيضًا بما روى عن أبى بكر رضى الله عنه من قوله: "لو رأيت رجلاً على حد لم أحده حتى تقوم البينة عندى".
وعندهم أن القاضى إذا كان قد شهد الحادث ومعه ثلاثة غيره فله أن يتنحى عن القضاء ويشهد، فإذا لم يتنح عن القضاء فليس له أن يعتبر علمه متممًا لشهادة الثلاثة (1) .
أما الرأى الثانى فى مذهب الشافعى فيقوم على جواز أن يحكم القاضى بعلمه، وسند هذا الرأى ما رواه أبو سعيد الخدرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يمنع أحدكم هيبته الناس أن يقول فى حق إذا رآه أو علمه أو سمعه"، ويقول أصحاب هذا الرأى: إنه إذا جاز للقاضى أن يحكم بما شهد به الشهود وهو من قولهم على ظن، فلأن يجوز أن يحكم بما سمعه أو رآه وهو على علم أولى (2) .
والمذهب الزيدى لا يجيز للقاضى أن يحكم بعلمه فى الحدود إلا فى حد القذف ويجيز له أن يحكم بعلمه فيما عدا ذلك، فيحكم بعلمه فى القذف والقصاص والأموال سواء علم ذلك قبل قضائه أو بعده، ويحتجون لذلك بقوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ
(1) شرح الزرقانى [ج7 ص150] ، بدائع الصنائع [ج7 ص52] ، المغنى [ج10 ص191] ، المهذب [ج2 ص320] .
(2)
المهذب [ج2 ص320] .