المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الركن الأول: الأخذ خفية - التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي - جـ ٢

[عبد القادر عودة]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌الباب الأولفى الجنايات

- ‌الفصل الأولالقتل

- ‌المبحث الأولالقتل العمد

- ‌الركن الأول: القتيل آدمى حي

- ‌الركن الثانى: القتل نتيجة لفعل الجاني

- ‌الركن الثالث: أن يقصد الجانى إحداث الوفاة

- ‌المبحث الثانيالقتل شبه العمد

- ‌الركن الأول: فعل يؤدى لوفاة المجنى عليه

- ‌الركن الثانى: أن يتعمد الجانى الفعل

- ‌الركن الثالث: أن يكون بين الفعل والموت رابطة السببية

- ‌المبحث الثالثالقتل الخطأ

- ‌الركن الأول: فعل يؤدى لوفاة المجنى عليه

- ‌الركن الثانى: الخطأ

- ‌الركن الثالث: أن يكون بين الخطأ والموت رابطة السببية

- ‌المبحث الرابععقوبات القتل العمد

- ‌الفصل الثانيالجناية على ما دون النفس

- ‌ القسم الأول: إبانة الأطراف وما يجرى مجراها:

- ‌ القسم الثانى: إذهاب معانى الأطراف مع بقاء أعيانها:

- ‌ القسم الثالث: الشجاج:

- ‌ القسم الرابع: الجراح:

- ‌ القسم الخامس: ما لا يدخل تحت الأقسام السابقة:

- ‌الركن الأول: فعل يقع على جسم المجنى عليه أو يؤثر على سلامته:

- ‌الركن الثانى: أن يكون الفعل متعمدًا:

- ‌الفصل الثالثالجناية على ما هو نفس من وجه دون وجهأى الجناية على الجنين أو الإجهاض

- ‌الباب الثانى فى الحدود

- ‌الكتاب الأولالزنا

- ‌الفصل الأولأركان جريمة الزنا

- ‌الركن الأول: الوطء المحرم

- ‌الركن الثانى: تعمد الوطء

- ‌الفصل الثانىعقوبة الزنا

- ‌المبحث الأولعقوبة البكر

- ‌المبحث الثانىعقوبة المحصن

- ‌المبحث الثالثالإحصان

- ‌الفصل الثالثالأدلة على الزنا

- ‌المبحث الأولالشهادة

- ‌المبحث الثانىالإقرار

- ‌الكتاب الثانىالقذف

- ‌المبحث الأولأركان جريمة القذف

- ‌الركن الأول: الرمى بالزنا أو نفى النسب:

- ‌الركن الثانى: إحصان المقذوف:

- ‌الركن الثالثالقصد الجنائى

- ‌المبحث الثانىدعوى القذف

- ‌المبحث الثالثالأدلة على القذف

- ‌المبحث الرابععقوبة القذف

- ‌الكتاب الثالثالشرب

- ‌المبحث الأولأركان الجريمة

- ‌الركن الأول: الشرب

- ‌الركن الثانى: القصد الجنائى

- ‌عقوبة الشرب

- ‌المبحث الثانيالأدلة على الشرب

- ‌الكتاب الرابعالسرقة

- ‌المبحث الأولأركان السرقة

- ‌الركن الأول: الأخذ خفية

- ‌الركن الثانى: أن يكون المأخوذ مالاً

- ‌الركن الثالث: أن يكون مملوكًا للغير

- ‌الركن الرابع: القصد الجنائي

- ‌المبحث الثانيأدلة السرقة

- ‌المبحث الثالثما يترتب على ثبوت السرقة

- ‌الكتاب الخامسالحرابة

- ‌الكتاب السادسالبغي

- ‌الركن الأول: الخروج على الإمام

- ‌الركن الثانى: أن يكون الخروج مغالبة

- ‌الركن الثالث: القصد الجنائى (قصد البغي)

- ‌الكتاب السابعالردة

- ‌الركن الأول: الرجوع عن الإسلام

- ‌الركن الثانى: القصد الجنائي

- ‌مراجع الكتاب

الفصل: ‌الركن الأول: الأخذ خفية

أن يبلغ فقط بعض ما بلغته الشريعة، وأن اليوم الذى تأخذ فيه القوانين الوضعية عن الشريعة قد أصبح قريباً جداً وأقرب مما يظن أكثر الناس.

* * *

‌المبحث الأول

أركان السرقة

597-

عرفنا السرقة فيما سبق بأنها أخذ مال الغير خفية. وظاهر من هذا التعريف أن أركان السرقة أربعة:

(1)

الأخذ خفية.

...

(2) أن يكون المأخوذ مالاً.

(3)

أن يكون المال مملوكاً للغير.

... (4) القصد الجنائى.

‌الركن الأول: الأخذ خفية

598-

معنى الأخذ خفية: هو أن يأخذ الشىء دون علم المجنى عليه ودون رضاه، كمن يسرق أمتعة شخص من داره فى غيبته أو أثناء نومه، أو من يسرق حاصلات من جرن فى غيبة صاحبها أو أثناء نومه، فإن كان الأخذ فى حضور المجنى عليه ودون مغالبة فالفعل اختلاس لا سرقة، وإن كان الأخذ دون علم المجنى عليه ولكن برضاه فالفعل لا يعتبر جريمة.

ويجب فى الأخذ أن يكون تاماً، فلا يكفى لتكون الجريمة أن تصل يد الجانى للشىء المسروق بل لابد أن يكون الأخذ بحيث تتوفر فيه ثلاثة شروط:

أولها: أن يخرج السارق الشىء المسروق من حرزه المعد لحفظه.

ثانيهما: أن يخرج الشىء المسروق من حيازة المجنى عليه.

ثالثها: أن يدخل الشىء المسروق فى حيازة السارق.

فإذا لم يتوفر أحد هذه الشروط اعتبر الأخذ غير تام، وكانت عقوبته التعزير لا القطع. فمن تسور داراً ليسرق منها فضبط قبل أن يصل إلى شىء مما فى الدار أو ضبط وهو يجمع المتاع، ومن دخل زريبة ليسرق

ص: 518

منها دابة ففك قيدها أو اعتلى ظهرها ثم ضبط قبل أن يخرج بها، ومن دخل جرناً ليسرق منه قمحاً فى غرارة مثلاً فضبط وهو يملأ الغرارة أو ضبط بعد ملئها وهو يحاول أن يحملها أو ضبط بعد أن حملها وقبل أن يخرج بها من الجرن- فكل هؤلاء لا يعتبر أحدهما آخذاً خفية لأن ما أتاه من الأفعال لم يخرج الشىء المراد سرقته من حرزه أى المحل المعد لحفظه وما دام المال لم يخرج من حرزه فهو لم يخرج من حيازة المجنى عليه ولم يدخل فى حيازة الجاني (1) .

ويترتب على اشتراط الأخذ التام أن لا يقطع فى سرقة لم تتم، فكل ما نعتبره اليوم شروعاً فى سرقة يعاقب عليه بالتعزير ولا يعاقب عليه بالقطع.

ولكن أصحاب المذهب الظاهرى يوجبون القطع فى الشروع كلما وضع السارق يده على الشىء المسروق ولو لم يخرج به من حرزه، فمن أخذ وهو يجمع المتاع من منزل المجنى عليه وقبل أن يحمله ويخرج به أو أخذ وهو يحمله وقبل أن يخرج به قطع ما دام قد بدأ فعل السرقة؛ لأن ما وقع منه يجعله سارقاً وأن الظاهريين لا يشترطون الحرز فى السرقة، ولهذا فهم يعتبرون الأخذ تاماً بمجرد تناول الشىء المسروق بقصد سرقته ولو لم يخرج الشىء من حيازة المجنى عليه ويدخل فى حيازة الجانى حيازة فعليه ونهائية (2) ، وإن كانوا يفرقون بين السرقة والاختلاس ويرون القطع فى السرقة دون الاختلاس.

وعبارة الأخذ خفية فى الشريعة يقابلها الاختلاس فى القوانين الوضعية، ويشترط ليكون الاختلاس تاماً فى القانونين المصرى والفرنسى أن يخرج الشىء من حيازة المجنى عليه وأن يدخل فى حيازة الجاني، ومعنى هذا أن الشريعة

(1) المغنى ج10 ص249، المهذب ج2 ص295، 297، كشاف القناع ج4 ص79، نهاية المحتاج، أسنى المطالب ج4 ص138، 141 وما بعدها، شرح فتح القدير ج4 ص240، 241، بدائع الصنائع ج7 ص65، شرح الزرقانى ج8 ص98، المدونة ج16ص72، شرح الأزهار ج4 ص367.

(2)

المحلى ج11 ص319، 337.

ص: 519

تشترط زيادة على ما تشترطه القوانين الوضعية أن يخرج السارق الشىء المسروق من حرزه، وهذه الزيادة شرط لابد من توفره فى كل سرقة معاقب عليها بالقطع عند أصحاب المذاهب الأربعة والشيعة الزيدية، أما الظاهريون فلا يشترطون الإخراج من الحرز كما قدمنا بل أنهم لا يشترطون للقطع إخراج الشىء من حيازة المجنى عليه وإدخاله فى حيازة الجاني، ويكتفون بأن يتناول الجانى الشىء بقصد سرقته لاعتباره آخذاً له خفية ومستحقاً لعقوبة القطع.

وتتفق المذاهب الأربعة والشيعة عدا مذهب الظاهريين، وتتفق الشريعة مع القانون المصرى والفرنسى إذا كانت السرقة واقعة على مال غير محرز. فهذه السرقة لا قطع فيها وعقوبتها التعزير، ويكفى فيها لاعتبار الأخذ تاماً أن يخرج الشىء المسروق من حيازة المجنى عليه ويدخل فى حيازة السارق، فمثلاً إذا سرق الجانى دابة المجنى عليه أثناء سيرها فى الطريق دون حارس فإن مجرد ركوبه للدابة يعتبر أخذاً تاماً لها لأنه يدخلها فى حيازة الجانى ويخرجها من حيازة المجنى عليه.

وتتفق الشريعة أيضاً مع القانون المصرى والفرنسى إذا كان الفعل الحاصل من الجانى مما يعتبر فى الشريعة اختلاساً فإن الاختلاس عقوبته التعزير لا القطع، ويكفى فى حالة الاختلاس لاعتبار الفعل تاماً أن يخرج الشىء المختلس من حيازة المجنى عليه ويدخل فى حيازة المختلس، فمن خالس المجنى عليه وخطف من يده ورقة مالية أو أخذ ثوبه من جواره فإن الاختلاس يعتبر تاماً بمجرد دخول الورقة المالية أو الثوب فى حيازة المختلس ولو لم يبرح محل الاختلاس.

وإخراج الشىء المسروق من حرزه يتبعه دائماً إخراج هذا الشىء من حيازة المجنى عليه، فمن سرق من زريبة أو منزل أو دكان يعتبر أنه أخرج المسروق من حيازة المجنى عليه بمجرد إخراج المسروقات من الزريبة أو المنزل أو الدكان، وكذلك من يسرق من جيب إنسان يعتبر أنه أخرج المسروقات من حيازة المجنى عليه بمجرد إخراج المسروقات من الجيب؛ لأن الجانى فى هذه الأحوال جميعاً يزيل عن المسروقات يد المجنى عليه.

ص: 520

وإخراج الشىء المسروق من حيازة المجنى عليه لا يتوقف دائماً على خروج السارق به من الحرز، فقد يخرج المسروق من حيازة المجنى عليه مع بقاء الجانى فى الحرز ومع عدم خروج المسروق من الحرز، ومثال ذلك أن يبتلع السارق المسروقات فى الحرز إذا كانت مما لا يفسد بالابتلاع كجواهر أو نقود ابتلعها السارق داخل الحرز، ففى هذه الحالات وأشباهها تدخل المسروقات فى حيازة السارق وتخرج من حيازة المجنى عليه قبل أن يخرج السارق من الحرز وقبل أن يعتبر الأخذ تاماً لأنه لا يتم إلا بالخروج من الحرز (1) .

أما إذا كان الشىء الذى ابتلع فى الحرز مما يفسد بالابتلاع كاللبن أو الحلوى وما أشبهه فالفعل لا يعتبر سرقة فى الشريعة وإنما هو إتلاف، والقاعدة فى الشريعة أن كل ما استهلك فى محل الحادث فهو متلف أو مسروق، سواء استهلك بواسطة أكله أو شربه أو تمزيقه أو تحريفه إلى غير ذلك (2) .

ويرى أبو حنيفة أن إخراج الشىء المسروق من حرزه ومن حيازة المجنى عليه لا يستتبعه حتماً دخوله فى حيازة الجاني، ومثل ذلك أن يأخذ السارق متاعاً ويلقى به إلى خارج المنزل ثم يخرج ليأخذه فيجد أن غيره عثر عليه وأخذه، أو أن يسرق اللص دابة حتى يخرجها من الزريبة فإذا خرجت تلقاها لص آخر فأخذها. ففى هاتين الحالتين وأمثالهما يرى أبو حنيفة أن المسروق لم يدخل فى حيازة السارق لأنه لا يدخل فى حيازة السارق إلا إذا خرج من حيازة المجنى عليه ويد الآخر تظل قائمة على الشىء حتى يخرج من حرزه، فبالإخراج تزول يد المالك (3) .

فإذا أخرج اللص الشىء من الحرز زالت عنه يد المالك فإذا عثر عليه لص

(1) المغنى ج10 ص216، شرح الأزهار ج4 ص364، المهذب ج2 ص297، كشاف القناع ج2 ص79، 80، مواهب الجليل ج6 ص318.

(2)

نفس المراجع السابقة.

(3)

شرح فتح القدير ج4 ص241.

ص: 521

آخر فأخذه فقد اعترضت يد اللص الأخير يد اللص الأول الذى أخرج المسروق، ولم يدخل المسروق فى حيازة السارق وإنما دخل فى حيازة اللص الثاني، ويسمى أبو حنيفة هذه النظرية بنظرية اليد المعترضة، ويترتب عليها عدم قطع يد السارق ولو أنه أخرج المسروق من الحرز، ويرى أن العقوبة هى التعزير (1) .

وإذا ألقى السارق بالمسروق خارج الحرز ثم ضبط قبل أن يخرج ليأخذه فلا يعتبر أن المسروق دخل فى حيازته لأن يده لم تكن ثابتة عليه وقت إخراجه ولو بقى الشىء فى خارج الحرز لم يأخذه أحد حتى ضبط السارق (2) ، أما إذا رمى بالشىء خارج الحرز ثم خرج فأخذه فعليه القطع.

ولكن زفر يرى أن لا يقطع السارق فى هذه الحالة، وحجته أن الأخذ من الحرز لا يتم إلا بالإخراج منه، والرمى ليس بإخراج، والأخذ من الخارج ليس أخذاً من الحرز. ورد عليه بأن المال بإلقائه فى الخارج أصبح فى حكم يد السارق وإن كانت يده غير ثابتة عليه، فإذا خرج فأخذه فقد ثبتت يده عليه وأن الرمى ليس إلا الأخذ من الحرز (3) ، ولكن مالكاً والشافعى وأحمد يرون أن المسروق يدخل فى حيازة السارق حكماً بمجرد خروجه من حيازة المجنى عليه ولو لم يضع السارق يده عليه وضعاً مادياً، وإذن فاليد المعترضة لا يحتاز المسروق إلا بعد دخوله فى حيازة السارق (4) .

ومن ثم تتم شروط الأخذ خفية، وعلى هذا مذهب الشيعة الزيدية (5) ، فهم يرون أنه يكفى لقطع السارق أن يخرج المسروق بأى وسيلة وأن يكون الإخراج بفعله حملاً أو رمياً أو جراً أو إكراهاً أو تدليساً سواء أخذه بعد إخراجه أو تركه أو أخذه، غيره ويعتبر الأخذ تاماً عندهم بالإخراج ولو رد الجانى المسروق لحرزه بعد إخراجه.

(1) نفس المراجع السابقة.

(2)

بدائع الصنائع ج7 ص65.

(3)

بدائع الصنائع ج7 ص65.

(4)

المهذب ج2 ص297، أسنى المطالب ج4 ص138، مواهب الجليل ج6 ص308، المغنى ج10 ص259، المدونة ج16 ص71.

(5)

شرح الأزهار ج4 ص367.

ص: 522

والأخذ خفية على نوعين: فهو إما أن يكون أخذاً مباشراً، وإما أن يكون أخذاً بالتسبب. فأما الأخذ المباشر فهو أن يتولى السارق أخذ المتاع وإخراجه من الحرز بنفسه، أو أن يؤدى فعله مباشرة إلى إخراجه كأن يدخل الحرز فيحمل المسروق أو يلقى به إلى خارج الحرز، أو أن يدخل يده فى الحرز فيأخذ المسروق أو يلتقطه بِمحْجَن، أو أن يبطر جيباً فيسقط منه المال، أو ينقب حرزاً فيه طعام أو حب فينثال منه إلى الخارج، إلا أن بعض الفقهاء يجعل لهذه القاعدة استثناءات سنتحدث عنها فيما بعد، وإذا حمل السارق المسروق إلى خارج الحرز، أو ألقى بالمسروق إلى خارج الحرز، أو أدى فعله المباشر إلى إخراج المسروق من الحرز، فإن شروط الأخذ خفية تكون تامة ويقطع السارق بسرقته (1) .

أما إذا ضبط قبل أن يخرج المسروق من الحرز أو قبل أن يؤدى فعله إلى إخراجه فلا قطع عليه إلا فى رأى الظاهريين وحدهم؛ لأنهم يعتبرون السرقة تامة بمجرد تناول الجانى للشىء المسروق ولأنهم لا يعتبرون الحرز. وعند باقى الفقهاء على الجانى التعزير ولا قطع عليه لأن شروط الأخذ خفية لن تتم، وقد سبق الكلام على هذه النقطة.

وإذا ضبط السارق بعد إلقاء المتاع المسروق خارج الحرز وقبل أن يخرج من الحرز لأخذه، فيرى أبو حنيفة أن الأخذ لم يتم لأن المسروق وإن كان قد أخرج من الحرز ومن حيازة المجنى عليه إلا أنه لم يدخل فى حيازة السارق الفعلية أو لأن يد السارق لم تثبت على المسروق فلا يعتبر فى حيازته (2) فعلاً، وإن كان الحنفية يعتبرون الشىء فى حيازة السارق حكماً بإلقائه ما لم تكن هناك يد معترضة؛ أى شخص يضع يده على الشىء (3) ، وهم متفقون على قطع السارق فيما ألقاه خارج الحرز ثم خرج فأخذه، ولا يخالفهم فى هذا إلا زفر، وقد بينا من قبل سبب خلافه.

(1) المهذب ج2 ص297، شرح الأزهار ج4 ص367، المغنى ج10 ص259، فتح القدير ج4 ص241، سرح الزرقانى ج8 ص97.

(2)

بدائع الصنائع ج7 ص65.

(3)

شرح فتح القدير ج4 ص244.

ص: 523

ويرى بقية الأئمة ومعهم الشيعة الزيدية أن الشىء المسروق يدخل فى حيازة السارق حكماً بمجرد إلقائه إلى خارج الحرز وأن الحيازة الحكمية تكفى لاعتبار الأخذ تاماً كالحيازة الفعلية سواء بسواء، فإذا ألقى السارق بالمسروق خارج الحرز فقد تمت السرقة سواء خرج السارق فأخذه أو وجد أن غيره قد استولى عليه، وسواء ضبط السارق قبل خروجه من الحرز أم لم يضبط. إلا أن الإمام مالكاً تردد فى اعتبار السرقة تامة فى حالة ضبط السارق داخل الحرز بعد إلقاء المسروقات فى خارجه، ولكن المذهب على اعتبار السرقة تامة (1) ، وإذا أخرج السارق المتاع المسروق من بعض الدار إلى ساحتها فلا يعتبر الأخذ تاماً لأن الدار جميعها حرز واحد ولأن المتاع لم يخرج بعد من الحرز. ولا يخالف فى هذا إلا الظاهريون؛ لأنهم يعتبرون السرقة تامة بمجرد تناول السارق للشىء المسروق ولو لم يبرح مكانه. أما إذا كانت الدار مكونة من بيوت أو غرف مستقلة يعتبر كل منها مسكناً مستقلاً فالأخذ من أحد البيوت أو الغرف يعتبر تاماً إذا أخرج السارق المتاع المسروق إلى ساحة الدار المشتركة أو ضبط فيها ومعه المسروقات؛ لأن كل بيت أو غرفة حرز مستقل وليس له علاقة بساحة الدار، فإذا أخرج السارق المسروقات إلى ساحة الدار فقد أخرج المسروق من حرزه (2) .

وإذا استهلك الجانى الشىء أو أتلفه داخل الحرز فهو متلف للشىء لا سارق له، فأما إذا خرج بشىء منه بعد إتلافه فهو سارق لما خرج به إذا بلغ نصاباً، وتقدر قيمة المسروق بما خرج به لا بما أتلفه، وهذا هو رأى مالك والشافعى وأحمد (3) ،

(1) المدونة ج16 ص71، شرح الزرقانى ج8 ص98، المهذب ج2 ص297، المغنى ج10 ص259، شرح الأزهار ج4 ص367.

(2)

نهاية المحتاج ج8 ص439، المغنى ج10 ص260، المهذب ج2 ص297، كشاف القناع ج4 ص80، بدائع الصنائع ج7 ص66، شرح فتح القدير ج4 ص243، شرح الزرقانى ج8 ص100، مواهب الجليل ج6 ص308.

(3)

المغنى ج10 ص261، المهذب ج2 ص297، أسنى المطالب ج4 ص138، مواهب الجليل ج6 ص308، شرح الزرقانى ج8 ص99.

ص: 524

وبهذا الرأى تأخذ الشيعة الزيدية (1) .

وهذا ما يراه أبو حنيفة ومحمد إلا أن أبا يوسف يرى أن من أتلف الشىء داخل الحرز ثم خرج بالمتلف وقيمته نصاباً فإنه لا يقطع لأنه بالإتلاف ضمن قيمة الشىء والمضمونات تملك عند أداء الضمان أو اختياره من وقت الأخذ، فلو ضمن السارق قيمة المسروق لملكه من وقت الأخذ فلو قطع لقطع فى ملك نفسه (2) .

وإذا ابتلع الجانى المسروق داخل الحرز فيفرقون بين ما يفسد بالابتلاع كالطعام والشراب وما لا يفسد به كالجواهر والنقود، فأما ما يفسد بالابتلاع فلا يعتبر ابتلاعه أخذاً أى سرقة وإنما يعتبر إتلافاً ويعاقب عليه بعقوبة التعزير، وأما ما لا يفسد بالابتلاع ففيه آراء:

أولها: الابتلاع يعتبر استهلاكاً للشىء فهو إتلاف لا سرقة، وتظهر وجاهة هذا الرأى فى حالة ما إذا لم يخرج الشىء من جوف الجانى وبقى به.

وثانيهما: أن الابتلاع يعتبر أخذاً كما لو خرج الشىء فى وعاء، وتظهر وجاهة هذا الرأى فى حالة خروج المسروق من جوف الجانى، وعلى هذا الرأى المالكية وبعض الشافعية (3) .

وثالثهما: يفرق بين خروج المسروق بعد ابتلاعه وعدم خروجه فإن خرج فالفعل سرقة وإن لم يخرج فالفعل إتلاف (4) .

ورابعها: وهو للحنابلة، فبعضهم يعتبر الفعل إتلافاً فى كل حال، وبعضهم يعتبره سرقه إذا خرج الشىء الذى بلع فإذا لم يخرج فهو إتلاف (5) .

وإذا استهلك الجانى أو ابتلع بعض الشىء ثم خرج ببعضه الباقى فهو متلف لما استهلك أو ابتلع إن كان يفسد بالابتلاع وسارق لما خرج به من الحرز إذا تمت فيه شروط الأخذ خفية، مع مراعاة وجود الخلاف والآراء المختلفة التى سبق

(1) شرح الأزهار ج4 ص364.

(2)

شرح فتح القدير ج4 ص264، بدائع الصنائع ج7 ص70، 71، 84.

(3)

شرح الزرقانى ج8 ص99.

(4)

أسنى المطالب ج4 ص184، المهذب ج2 ص297.

(5)

المغنى ج10 ص261.

ص: 525

عرضها، وإذا كان للإخراج من الحرز أهمية فى بيان الأخذ التام من غيره فإن له أهمية قصوى فى حالة تعدد الجناة؛ لأن القاعدة فى الشريعة أن عقوبة القطع على من أخرج الشىء المسروق من حرزه فقط أما من لم يخرجه فعليه التعزير.

599-

نظرية الهتك المتكامل: وإذا كان السارق واحداً فنقب الحرز كما لو كان منزلاً مثلاً وأدخل يده فى الثقب وأخذ المتاع أو مد قصبة أو محجناً فأخذه به، فيرى أبو حنيفة أن الأخذ لم يتم لأن السارق لم يدخل الحرز وهتك الحرز هتكاً متكاملاً شرط لتكامل الجناية ولا يتصور تكامل الهتك فيما يمكن الدخول منه إلا بالدخول فعلاً، أما مثل الصندوق والغرارة فلا يمكن الدخول فيهما فالأخذ التام منهما باليد دون دخول يعتبر هتكاً متكاملاً، وتسمى هذه النظرية بنظرية الهتك المتكامل (1) ، ولكن الأئمة الثلاثة ومعهم أبو يوسف من أصحاب أبى حنيفة والشيعة الزيدية يرون الأخذ تاماً سواء دخل السارق الحرز أو لم يدخله؛ لأن ركن السرقة الأخذ من الحرز وليس دخول الحرز، فكلما أمكن الأخذ من الحرز دون دخوله فهو أخذ تام (2) .

600-

تعدد الجناة: وإذا اشترك فى السرقة اثنان فدخل أحدهما الحرز وبقى الثانى فى خارجه وناول الداخل للخارج المسروق من وراء الجدار أو من فتحة الباب أو من نقب فى الحائط، فيرى أبو حنيفة أن الأخذ غير تام بالنسبة للداخل والخارج معاً؛ فأما بالنسبة للداخل فلأنه وإن كان قد أخرج المتاع بفعله من الحرز ومن حيازة المجنى عليه إلا أن المتاع لم يدخل فى حيازة الداخل وإنما دخل فى حيازة زميله الذى كان فى الخارج ومن ثم فالأخذ غير تام بالنسبة للداخل. ورأى أبى حنيفة فى هذه المسألة تطبيق لنظرية اليد المعترضة التى سبق

(1) بدائع الصنائع ج7 ص66.

(2)

المهذب ج2 ص297، أسنى المطالب ج4 ص147، المغنى ج10 ص259، كشاف القناع ج4 ص80، مواهب الجليل ج6 ص310، شرح فتح القدير ج4 ص245، شرح الأزهار ج4 ص367، 368.

ص: 526

بيانها، أما بالنسبة للخارج فإن المسروق قد دخل فى حيازته فإنه لم يخرج المسروق من حرزه ومن حيازة المجنى عليه، ومن ثم كانت شروط الأخذ غير تامة بالنسبة له.

ويتفق الأئمة الثلاثة والشيعة الزيدية وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبى حنيفة على اعتبار الأخذ تاماً بالنسبة للداخل، ويرون أن المتاع المسروق يدخل فى حيازة الداخل الذى أقام زميله الخارج مقامه بتسليم المسروقات إليه، ولكنهم إذا خالفوا رأى أبى حنيفة بالنسبة للداخل فإنهم يرون رأيه بالنسبة للخارج (1) .

والمفروض فى المسألة السابقة أن الداخل أخرج يده بالمسروقات إلى خارج الحرز فناولها زميله الخارج، أما إذا أدخل الخارج يده فى الحرز فأخذ المتاع المسروق من يد زميله الموجود داخل الحرز، فيرى أبو حنيفة أن الأخذ لا يعتبر تاماً بالنسبة لأيهما، فأما الخارج فلأنه لم يدخل الحرز فيهتكه هتكاً متكاملاً، وهذا تطبيق لنظرية الهتك المتكامل، وأما الداخل فلأنه لم يخرج المسروق من الحرز ولكن الأئمة الثلاثة والشيعة الزيدية وأبا يوسف صاحب أبى حنيفة يرون أن الأخذ يعتبر تاماً بالنسبة للخارج لأنه أخرج المتاع المسروق من الحرز ومن حيازة المجنى عليه وأدخله فى حيازة نفسه، ولأن ركن السرقة هو الأخذ وقد أخذ المسروق وليس ركن السرقة الدخول فى الحرز، أما بالنسبة للداخل فيتفق رأى هؤلاء الفقهاء مع رأى أبى حنيفة (2) .

وإذا وضع الداخل المسروقات فى وسط الثقب فمد الخارج يده لأخذها بحيث اجتمعت أيديهما فى الثقب بموضع لم يخرجه الداخل من الحرز ولم يخرجه الخارج من الحرز فتعاونا معاً على إخراجه وأخرجاه من الحرز فالأخذ تام

(1) بدائع الصنائع ج7 ص65، شرح فتح القدير ج4 ص243، المهذب ج2 ص297، أسنى المطالب ج4 ص147، مواهب الجليل ج6 ص310، شرح الزرقانى ج8 ص104، كشاف القناع ج4 ص80، المغنى ج10 ص299، شرح الأزهار ج4 ص368.

(2)

نفس المراجع السابقة.

ص: 527

بالنسبة لكليهما فى رأى مالك (1) ، وهو كذلك عند أحمد وأبى يوسف من فقهاء الحنفية (2) ، ولكن الشافعى يرى أن الأخذ لا يعتبر تاماً بالنسبة للداخل والخارج معاً؛ لأن الداخل لم يخرجه من تمام الحرز ولأن الخارج لم يأخذه من داخل الحرز (3) .

أما عند أبى حنيفة فلا يعتبر أحدهما آخذاً؛ لأن الخارج لم يدخل الحرز ويهتكه هتكاً متكاملاً ولأن الداخل لم يخرجه من الحرز، وعلى فرض أنه أخرجه فإن يداً أخرى اعترضت يده.

وإن دخل أحدهما إلى الدار فربط المسروقات بحبل وكان طرف الحبل مع آخر فى الخارج فجر المسروقات حتى أخرجها من الحرز، فالأخذ تام بالنسبة للخارج عند الشافعى وأحمد وأبى يوسف والشيعة الزيدية وليس تاماً بالنسبة للداخل. أما عند أبى حنيفة فالأخذ ليس تاماً أيضاً بالنسبة للخارج تطبيقاً لنظرية الهتك المتكامل (4) .

وإذا دخلا معاً فى الحرز فصعد أحدهما إلى سطح المنزل وجمع الثانى المتاع المسروق فربطه بحبل فجره على السطح وألقى به إلى الخارج، فالأخذ تام بالنسبة لكليهما عند مالك وأبى حنيفة وأحمد وليس تاماً عند الشافعى إلا بالنسبة لمن ألقى به إلى الخارج (5) ، فأما الشافعى فيرى أن الأخذ تام لمن أخرج المسروق أما من لم يخرجه فلا يعتبر الأخذ تاماً له، وهو يسير فى هذا على القاعدة العامة، أما من اعتبروا الرابط مخرجاً للمتاع فإنهم يعتبرونه كذلك على أسس مختلفة، فمالك يعتبره مخرجاً لأن فعل الربط جاء مصاحباً للإخراج وهو يعتبر الشخصين مخرجين كلما تصاحب فعلاهما الإخراج، وأبو حنيفة وأحمد

(1) المدونة ج16 ص73.

(2)

كشاف القناع ج4 ص80، شرح فتح القدير ج4 ص243.

(3)

أسنى المطالب ج4 ص146.

(4)

نفس المراجع السابقة.

(5)

المدونة ج16 ص73، كشاف القناع ج4 ص80، المغنى ج10 ص298، شرح فتح القدير ج4 ص244، 245، أسنى المطالب ج4 ص138.

ص: 528

يعتبران من يدخل الحرز مخرجاً للمسروق ولو لم يحمل من المسروق شيئاً ما دام شريكه أو شركاؤه قد احتملوه (1) .

وسنتكلم على هذه القاعدة بتوسع عند الكلام على الإعانة، وتأخذ الشيعة الزيدية بهذه القاعدة (2) على أن فيهم من يأخذ برأى الشافعى.

وإذا بطل الحرز قبل إخراج المسروقات منه فلا تتم شروط الأخذ خفية لأن شروط الإخراج من الحرز تنعدم وتكون السرقة سرقة مال غير محرز ولا قطع فيها وإنما فيها التعزير، ومثل ذلك أن يؤذن للسارق بدخول الحرز لأن الإذن يبطل الحرز فى حق المأذون له، وكذلك الحارس على الشىء المسروق فى حالة ما إذا كان المال محرزاً بحارس. أما إذا بطل الحرز بعد إخراج المسروقات فإن ذلك لا يؤثر على السرقة التى تمت بتمام شروط الأخذ خفية.

وسنتكلم على ما يبطل الحرز عند الكلام عن الحرز. ويبطل الحرز عند الشافعى وأحمد والشيعة الزيدية بفتح الباب والثقب ولكنه لا يبطل بهما عبد مالك وأبى حنيفة، فإذا ثقب شخص حرزاً أو فتح بابه ولم يسرق شيئاً فجاء آخر ودخل الحرز وسرق منه متاعاً فلا قطع على أحدهما عند الشافعى وأحمد والشيعة الزيدية؛ لأن الأول لم يأخذ شيئاً فلا يسأل عن السرقة وإنما يسأل عن إتلاف الحائط، ولأن الثانى أخذ المتاع من غير حرز والسرقة من غير حرز لا قطع فيها.

أما مالك وأبو حنيفة فيريان أن الأخذ تام بالنسبة للثانى الذى دخل الحرز وأخذ المتاع لأن الثقب لم يخرج المكان عن كونه حرزاً (3) .

ويرتب الحنابلة على القول بأن الثقب يبطل الحرز أن الجانى لو ثقب فى ليلة ولم يأخذ شيئاً فعلم المالك بهتك الحرز وأهمله ثم جاء الناقب فى ليلة تالية قبل إعادة الحرز فسرق ما فى المنزل أو جاء فى نفس الليلة من إحداث الثقب فسرق فإن الأخذ لا يعتبر تاماً لأن السرقة من غير حرز. وكذلك الشأن عند الحنابلة

(1) شرح فتح القدير ج4 ص244، المغنى ج10 ص247، 298، كشاف القناع ج4 ص80.

(2)

شرح الأزهار ج4 ص366.

(3)

شرح الأزهار ج7 ص370، المغنى ج10 ص299، أسنى المطالب ج4 ص147، شرح الزرقانى ج8 ص109، شرح فتح القدير ج4 ص243 وما بعدها.

ص: 529

فى حالة الإخراج على دفعات فإذا نقب الجانى الحرز فأخرج ما دون النصاب ثم دخل فأخرج ما يتم به النصاب، فإن كان ذلك فى وقتين متباعدين أو ليلتين لم يجب القطع لأن كل واحدة منهما سرقة مفردة والأولى دون النصاب هو والثانية، وكذلك إن كانا فى ليلة واحدة وبينهما مدة طويلة، أما إذا تقاربا فهما سرقة واحدة لبناء الفعلين أحدهما على الآخر، وإذا بنى فعل أحد الشريكين على فعل شريكه فبناء فعل الواحد بعضه على بعض أولى (1) . أما إذا علم المالك بهتك الحرز وأهمله فكل أخذ يعتبر مستقلاً مهما تقاربت المدة بين الأخذين، والأخذ بعد العلم أخذ من غير حرز (2) . ويلاحظ أن الحرز لا يبطل بالنسبة لمحدث النقب إلا بعلم المالك أو باستشهار هتكه، أما بالنسبة للغير فيبطل فى الحال. ويرتب الشافعية على القول بأن النقب يبطل الحرز بأن الجانى لو نقب فى ليلة وسرق فى أخرى كان أخذه تاماً موجباً للقطع، إلا إذا كان النقب ظاهراً يراه الطارقون والمارة أو علم المالك به بعد الحرز (3) .

أما الشأن عندهم فى حالة الإخراج على دفعات فلم يتفقوا عليه. فإذا نقب شخص حرزاً ثم أخرج منه نصاباً على دفعات، فبعضهم يرى الأخذ تاماً ولو أن الإخراج على دفعات لأن بعض فعله ينبنى على البعض الآخر. والبعض يرى أن ما أخذه بعد الدفعة الأولى لا يعتبر أخذاً تاماً لأنه أخذ من حرز مهتوك. والبعض يرى أن ما أخذ قبل اشتهار هتك الحرز أو علم المالك بع يعتبر أخذاً تاماً، وما أخذ بعده لا يعتبر كذلك (4) .

ويتفق رأى الشيعة الزيدية مع ما يراه الحنابلة (5) .

ويلاحظ أن الحرز يبطل فى الحال بالنسبة للغير أما بالنسبة للناقب فلا يبطل

(1) المغنى ج10 ص262.

(2)

كشاف القناع ج4 ص81.

(3)

أسنى المطالب ج4 ص147.

(4)

المهذب ج2 ص295، أسنى المطالب ج4 ص138، نهاية المحتاج ج6 ص420.

(5)

شرح الأزهار ج4 ص368.

ص: 530

إلا على الوجه الذى سبق بيانه وطبقاً للآراء المختلفة التى عرضناها، فلو نقب شخص حرزاً فجاء آخر وسرق ما فى داخل الحرز فلا يعتبر أخذه تاماً لأنه أخذ من غير حرز. أما الإخراج على دفعات عند مالك وهو لا يرى بطلان الحرز بالنقب ولا فتح الباب فحكمه أن العبرة بقصد الجاني، فإن قصد الجانى ابتداء أخذ المسروق ولكنه أخرجه على دفعات فالأفعال كلها سرقة واحدة، ويستدل على قصد الجانى بإقراره أو القرائن سواء كان يستطيع أن يخرج المسروق كله مرة واحدة ولكنه لم يخرج أو كان لا يستطيع أن يخرج إلا على دفعات، أما إذا قصد الأخذ فى كل دفعة قصداً مستقلاً فكل دفعة تعتبر سرقة مستقلة فإن أخرج فيها نصاباً قطع وإلا لم يقطع (1) .

أما أبو حنيفة فيرى فى حالة الإخراج على دفعات اعتبار كل دفعة وحدها، فإن بلغ النصاب وحدها استحق المخرج القطع وإلا فلا، ولو أن المخرج قصد أن لا يخرج فى كل مرة نصاباً تحايلاً منه (2) .

والإخراج من الأحراز يختلف باختلاف نوع الحرز، فإذا كان الحرز حرزاً بالمكان كالمنزل أو الدكان فيجب أن يخرج السارق بالسرقة من جميع الحرز حتى يعتبر الأخذ تاماً، فمن سرق متاعاً من منزل يجب أن يخرج به إلى الخارج من المنزل، فإن نقله من غرفة إلى أخرى فلا يعتبر الأخذ تاماً ما لم تكن الغرفة التى نقل إليها المتاع المسروق حرزاً مستقلاً عن الغرفة التى كان فيها، وإذا نقله إلى ساحة المنزل فلا يعتبر الأخذ تاماً إلا إذا كان المنزل مكوناً من مساكن مختلفة والساحة مشتركة للجميع ففى هذه الحالة يعتبر الأخذ تاماً. أما إذا كان الحرز حرزاً بالحافظ فإنه يكفى لاعتبار الأخذ تاماً أن يفصل بالمسروق عن مكانه أو ينفصل به عن الحارس، فالنشال يعتبر أخذه تاماً بمجرد أخذه النقود من جيب المجنى عليه وبمجرد شق الجيب وسقوط النقود منه ولو على الأرض.

601-

التعاون على الإخراج: الأصل أنه لا يقطع فى السرقة إلا

(1) شرح الزرقانى ج8 ص96.

(2)

بدائع الصنائع ج7 ص77، 78.

ص: 531

الشخص الذى يخرج المسروق من الحرز سواء حمله إلى خارج الحرز أو رماه إلى الخارج، ولكن الكثيرين من الفقهاء جروا على قطع كل من تعاونوا على إخراج المسروق وإن كان بعضهم لم يحمل بالذات شيئاً؛ لأن الحمل والإخراج يعتبر حاصلاً منهم معنى لا مادة.

وفى اصطلاح هؤلاء الفقهاء أن المعين على إخراج المسروق هو من يعين السارق على إخراج الشىء المسروق من الحرز سواء كانت الإعانة مادية أو معنوية، وهم يلحقون المعين على السرقة بمن يباشر السرقة ويعطونه حكمه لأن السارق وحده غالباً وإنما يتعاون مع غيره، فلو جعل القطع على المباشر وحده لانفتح باب السرقة وانسد باب القطع (1) .

والفقهاء الذين يلحقون المعين بالمباشر متفقون على أن القطع على من يعين فقط فى إخراج الشىء المسروق من الحرز لأنه يعتبر مخرجاً له، فإن كان العون فى غير ذلك كاشتراك فى النقب أو كسر الباب أو فتحه بمفتاح مصطنع أو مساعدة على تسلق الحائط للدخول فى الحرز أو مساعدة فى حمل المسروقات بعد إخراجها من الحرز لم يقطع المعين على كل ذلك وأشباهه، فلو اتفق اثنان مثلاً على سرقة منزل وتعاونا على نقب الحائط ثم دخل أحدهما وبقى الآخر فى الخارج يرقب الطريق وأخرج الداخل المسروقات من الحرز مرة بعد أخرى دون أن يستعين بزميله وبعد إخراجها تعاونا على حملها، فالقطع على الداخل وحده وعلى الخارج التعزير؛ لأنه لا يعتبر معيناً على الإخراج ما دام لم يتعاون مع المباشر فى إخراج الشىء المسروق من الحرز.

ومع أن الفقهاء يتفقون على ما سبق إلا أنهم اختلفوا فى الأفعال التى تعتبر إعانة بحيث لا يتفق مذهب مع آخر فى تحديد هذه الأفعال، وسنستعرض فيما يلى آراء المذاهب المختلفة فيمن يعتبر معيناً على إخراج المسروق.

فمالك يرى أن المعين على الإخراج قد تحدث منه الإعانة وهو فى خارج

(1) بدائع الصنائع ج7 ص66.

ص: 532

الحرز وقد تحدث منه الإعانة وهو فى داخل الحرز. فأما الإعانة من خارج الحرز فمثله أن يضع الدخل المتاع المسروق فى وسط النقب ويمد الخارج يده لأخذه فتجتمع أيديهما فى النقب بموضع لم يخرجه الداخل من الحرز ولم يخرجه الخارج من الحرز وإنما هو بين، فإذا تناول الخارج المتاع على هذا الوجه فهو معين على إخراجه لأن فعل كل منهما لم يستقل بإخراج المسروق ولأن فعل كل منهما جاء مصاحباً لفعل الآخر. ومثل ذلك أن يربط الداخل المتاع بحبل يجره من فى الخارج فإذا فعل فهو معين على الإخراج. فالقاعدة إذن عند مالك أن الخارج يعتبر معيناً على الإخراج إذا كان فعل الداخل لا يجعله مستقلاً بالإخراج وإذا تصاحب فعلاهما فى حال الإخراج (1) .

أما الإعانة من داخل الحرز فتكون بالتعاون فى حمل المسروق إلى خارج الحرز أو بالتعاون فى حمله على أحد السارقين أو بعضهم أو فى حمله على دابة وبشرط أن يكون هذا التعاون ضرورياً، كأن يكون المسروق ثقيلاً فلا يستطيع إخراجه إلا كثيرون أو لا يستطيع حمله شخص واحد إلا أن يضعه عليه اثنان أو ثلاثة أو أكثر، فإذا كان المسروق خفيفاً فحمله واحد فخرج به وهم معه أو أعانوه على حمله وهو يستطيع حمله دون إعانة كالثوب والصرة فلا إعانة لأن التعاون على الإخراج ليس ضرورياً ولا قطع إلا على من حمل المسروق فأخرجه.

وإذا اقتضى إخراج المسروق التعاون فى حمله لإخراجه فالحاملون جميعاً مباشرون للسرقة ما دام أنهم قد حملوه حتى أخرجوه من الحرز، فإذا حملوه فوضعوه على شخص منهم أو على دابة فالمباشر هو مخرج والباقون معينون، وفى هاتين الحالتين يكفى لقطع المباشرين والمعينين أن تبلغ قيمة المسروق نصاباً واحداًً. وإذا اشترك كثيرون فى إخراج المسروقات من الحرز ولم تكن هناك ضرورة للتعاون وإنما أخرج كل منهم شيئاً يحمله وهم شركاء فى كل ما أخرجوه فالمخرجون جميعاً مباشرون ولا يقطع منهم إلا من بلغت قيمة ما أخرجه نصاباً،

(1) المدونة ج16 ص73، شرح الزرقانى ج8 ص106.

ص: 533

ويعزر من أخرج دون النصاب.

ولا يعتبر معيناً عند مالك من يدخل الحرز أو يبقى فى خارجه دون أن يأتى عملاً مادياً يشترك به فى إخراج المسروقات على الوجه الذى سبق بيانه، فمن وقف داخل الحرز ليحمى حامل المسروقات، أو ليمنع السكان من الحركة أو الاستغاثة، أو ليرشد اللصوص على مكان النقود، فإنه لا يعتبر مباشراً ولا معيناً ولا قطع عليه وإنما عليه التعزير (1) .

ويشترط أبو حنيفة لاعتبار الشخص معيناً أن يدخل الحرز، فإن لم يدخل الحرز فلا يعتبر معيناً ولو ساعد فعله على إخراج المسروقات من الحرز. ورأيه هذا تطبيق آخر لنظريته فى هتك الحرز هتكاً متكاملاً.

والمعين فى مذهب أبى حنيفة هو من دخل الحرز مطلقاً، سواء أتى عملاً مادياً عاون به على إخراج المسروقات كأن وضعها على ظهر آخر فأخرجها الآخر، أو أتى عملاً معنوياً يساعد على إخراج المسروقات من الحرز كوقوفه للحراسة أو لمنع الغوث أو للإشراف على نقل المسروقات من الحرز، ويعتبر مجرد وجوده داخل الحرز إعانة معنوية على إخراج المسروقات من الحرز ولو كانت الحالة لا تقتضى وجود المعين (2) .

على أن الإعانة لا يجب فيها القطع فى مذهب أبى حنيفة إلا إذا خص كل مباشر وكل معين نصاب، فإذا كانت قيمة ما أخرج لا تكفى ليصيب كل منهم نصاباً فلا قطع وإنما التعزير (3) . وإذا اشترك جماعة فى سرقة فخرج كل منهم ببعض المسروقات وبعضهم يحمل ما قيمته نصاباً فأكثر وبعضهم يحمل أقل من نصاب فعليهم القطع جميعاً إذا كانت قيمة المسروقات فى مجموعها تكفى لأن يصيب كل منهم نصاباً (4) . وفى هذا يختلف مذهب مالك عن مذهب أبى حنيفة.

(1) المدونة ج16 ص68، 69، شرح الزرقانى ج8 ص96.

(2)

شرح فتح القدير ج4 ص244، بدائع الصنائع ج7 ص66.

(3)

بدائع الصنائع ج7 ص78، شرح فتح القدير ج4 ص225.

(4)

نفس المراجع السابقة.

ص: 534

أما مذهب أحمد فيتفق أولاً مع مذهب مالك فى أن الإعانة قد تحدث من شخص خارج الحرز وقد تحدث ممن فى داخله، وكذلك يتفق المذهبان فى تحديد الإعانة من الخارج ولكنهما يختلفان فى الإعانة ممن فى الداخل.

ويتفق مذهب أحمد مع مذهب أبى حنيفة فى الإعانة من الداخل فيعتبر معيناً عند أحمد كل من يدخل الحرز، سواء أتى عملاً مادياً كإعانة غيره على حلم المسروقات أو أتى عملاً معنوياً تمنع الغوث أو لم يأت عملاً ما.

وفى مذهب أحمد يقطع المباشر والمعين إذا بلغت قيمة ما أخرج نصاباً واحداً، وإذا اشترك جماعة فى السرقة فليس من الضرورى أن يبلغ ما حمله كل منهم نصاباً بل يكفى أن يبلغ كل ما أخرجوه من الحرز نصاباً واحداً لا غير ليقطعوا به هم ومن أعانوهم على الإخراج، سواء من الداخل أو من الخارج. وفى هذا يخالف مذهب أحمد مذهبى مالك وأبى حنيفة (1) .

أما فى مذهب الشافعى فلا يعترفون بالإعانة من خارج الحرز ولا بالإعانة من داخله، والمعين فى كل الأحوال عليه التعزير ولا قطع عليه، ويقطع الشافعى المشتركين فى السرقة بشرطين:

أولهما: أن يشترك السارق فى إخراج المسروق من الحرز كأن يكون شيئاً ثقيلاً فيتعاون السارقون عل حمله لخارج الحرز أو أشياء متعددة فيحمل كل منهما شيئاً، فمن أخرج منهم شيئاً خارج الحرز فهو سارق.

ثانيهما: أن يختص كل من السارقين نصاباً إذا وزعت عليهم قيمة كل ما أخرجوه بغض النظر عما أخرجه كل منهم، فقد يخرج أحدهم نصاباً أو أكثر وقد يخرج أقل من نصاب (2) .

وإذا لم يشترك السارقون وكان كل منهم مستقلاً فى فعله وقصده عن الآخر فالعبرة بما يخرجه كلٌّ. فمن أخرج نصاباً قطع إذا توفرت الشروط الأخرى، ومن

(1) المغنى ج10 ص295، 296، كشاف القناع ج4 ص79.

(2)

المهذب ج2 ص249، 297، نهاية المحتاج ج7 ص421.

ص: 535

أخرج أقل من نصاب لم يقطع (1) ، ويتفق مذهب الشيعة الزيدية مع مذهب مالك فهم يرون قطع المعين من الخارج أو من الداخل بنفس الشروط وعلى الكيفية التى يراها المالكيون (2) .

هذا هو حكم الإعانة على الإخراج فى مختلف المذاهب الإسلامية، وظاهر منه أن المعين على الإخراج يعتبر فاعلاً أصلياً للسرقة ويعاقب بالقطع كمباشر السرقة، أما الشريك بالاتفاق أو التحريض أو المساعدة كما نعرفه فى القوانين الوضعية فلا قطع عليه وعليه التعزير ما دام أنه لا يعين على إخراج المسروق من الحرز، والشريك على أحد هذه الوجوه يسمى فى الشريعة الإسلامية الشريك بالتسبب أما الفاعل الأصلى المشترك مع غيره فيسمى الشريك المباشر.

602-

الأخذ بالتسبب: معناه أن لا يباشر السارق إخراج المسروقات من الحرز بنفسه وإنما يؤدى فعله بطريق غير مباشر إلى إخراج المسروقات، مثل أن يضع المسروق على ظهر دابة ويسوقها فتخرج منه من الحرز، أو يلقى بالمسروق فى ماء جار إلى خارج المنزل فيخرجه التيار، أو يرميه فى ماء راكد ثم يفتح مجرى الماء، أو يعرض المسروق لريح هابة فتطير المسروق إلى الخارج، أو يربطه على طائر ويطيره فيخرج المسروق، أو يأمر صغيراً أو معتوهاً بإخراج المسروق فيخرجه، أو أن يستتبع سَخْلَ شاة أو فصيل ناقة أو غيرها مثل أن يشترى الأم والسخل على ملك الغير فى حرز فيأتى بالأم إلى مكان السخل ويريه أمه حتى يتبعها، وكذلك العكس نحو أن يأتى فى مكان أمه وهى فى حرز مالكها حتى يستتبع الأم سخلها بأن يبعثه عليها حتى تتبعه، أو أشار لشاة فى الحرز بالعلف حتى خرجت إليه فأخذها (3) .

والأخذ بالتسبب كالأخذ المباشر عقوبته القطع بشرط أن تتم شروط

(1) أسنى المطالب ج4 ص138، نهاية المحتاج ج7 ص421.

(2)

شرح الأزهار ج4 ص366، 368.

(3)

كشاف القناع ج4 ص80، نهاية المحتاج ج7 ص437، أسنى المطالب ج4 ص148، شرح الأزهار ج4 ص367، مواهب الجليل ج6 ص308، شرح فتح القدير ج4 ص243.

ص: 536

الأخذ فيخرج المسروق من حرزه ومن حيازة المجنى عليه ويدخل فى حيازة الجاني، ويراعى فى الأخذ بالتسبب ما سبق ذكره من وجوه الخلاف بين الفقهاء وعلى الأخص نظرية أبى حنيفة فى هتك الحرز هتكاً متكاملاً ونظريته فى المعترض، فمثلاً فى حالة استتباع السخل أو تفصيل يرى أبو حنيفة أن الأخذ غير تام لأن الجانى لم يهتك الحرز هتكاً متكاملاً، ويخالفه أبو يوسف فى هذا ويرى كما يرى فقهاء المذاهب الأخرى بأن الأخذ تام. وفى حالة وضع المسروق فى ماء جار وعثور آخر عليه وأخذه، برى أبو حنيفة أن الأخذ غير تام لأن يداً اعترضت يد السارق.

ويشترط فى الأخذ خفية أن يفعل الحيازة كاملة دون حق من المجنى عليه للجانى أى أن ينقل الحيازة بعنصريها المادى والمعنوى عنصر التبعة وعنصر الملك، فإن نقل أحد العنصرين دون الآخر ولو بغير حق فلا يعتبر الفعل سرقة، فالمعير الذى يأخذ متاعه خفية عن المستعير، والمؤجر الذى يأخذ متاعه خفية عن المستأجر، والأصيل الذى يأخذ متاعه خفية عن الوكيل، والمودع الذى يأخذ متاعه خفية عن المودع لديه، والراهن الذى يأخذ المرهون خفية عن المرتهن، والمشترى الذى يأخذ المبيع خفية عن البائع ولو أن ميعاد لتسليم لم يحل بعد، والمستأجر أو المرتهن أو المودع لديه أو المستعير الذى يأخذ الشىء المؤجر أو المرهون أو المودع أو المعار فى خفية عن المالك، والمشترى الذى يأخذ المبيع قبل تسليم الثمن أو فى زمن الخيار، والموهوب له الذى يأخذ ما وهب له خفية -كل هؤلاء لا يعتبر أحدهم آخذاً خفيه لأن أخذه لا ينقل إلا أحد عنصرى الحيازة فقط (1) .

ويشترط فى المسروق أن يكون مما هو خالص لغيره أى ليس للسارق فيه ملك ولا حق بل المستحق له غيره. ويشترط فى الأخذ خفية أن يكون الشىء

(1) بدائع الصنائع ج7 ص70، مواهب الجليل ج6 ص307، شرح الزرقانى ج8 ص97، أسنى= =المطالب ج4 ص138، كشاف القناع ج4 ص77، 79، المغنى ج10 ص277، شرح الأزهار ج4 ص365.

ص: 537

المسروق فى يد المجنى عليه أو أى شخص آخر يقوم مقامه كالمستأجر والمستعير كما يشترط أن لا يكون فى يد الجانى ولا تحت سلطانه، فإذا كان الشىء فى يد الجانى أو تحت سلطانه من قبل فلا يعتبر الفعل السرقة تقتضى الأخذ خفية والأخذ خفية لا يكون إلا من يد المجنى عليه أو من يمثله، ولا يعتبر الجانى آخذاً خفية إذا كان يمثل المجنى عليه فى حيازة الشىء أو كان المجنى عليه قد مكنه من الشىء ومنحه سلطة عليه، وعلى هذا لا يعتبر الوكيل سارقاً لأنه يمثل المجنى عليه، ولا يعتبر الخادم سارقاً مما وضع فى يده أو أمكن منه ومنح سلطة عليه.

وما يشترط فى الشريعة من أن ينقل الآخذ الحيازة كاملة بعنصريها المادى والمعنوى هو نفس النظرية التى قال بها جارسون لتحديد الأفعال التى تعتبر سرقة. فهو يفرق بين الحيازة الكاملة التى تشمل الركن المادى والركن المعنوى للحيازة وهى حيازة المالك، وبين الحيازة المؤقتة التى تشمل الركن المادى فقط كحيازة المستأجر والمرتهن والمستعير، كما يفرق بين هذين الفرعين من الحيازة وبين اليد المعارضة التى لا تمنح صاحبها أى حق أو سلطة على شىء. ويعرف جارسون الاختلاس وهو الفعل المادى المكون للسرقة بأنه الاستيلاء على حيازة الشىء الكاملة، أو هو اعتيال الحيازة ركنيها المادى والمعنوى. فالنظرية التى وصل إليها الفقه والقضاء أخيراً وتولى تنظيمها وشرحها جارسون هى نظرية الفقه الإسلامى.

603-

التسليم ينفى الأخذ خفية: واضح من كل ما سبق أن التسليم يمنع من القول بأن الشىء أخذ خفية لأن الأخذ يقتضى أن يؤخذ الشىء من يد المجنى عليه أو من يمثله دون علمه ودون رضاه معاً، والتسليم يجعل المجنى عليه عالماً بأخذ الشىء سواء توفر الرضاء أو انعدم، ويستوى أن يكون المجنى عليه راضياً بالتسليم أو مكرهاً عليه، فالفعل فى الحالين ليس سرقة. وإن كان من الممكن أن يكون الفعل حرابة فى حالة الإكراه إذا توفرت بقية أركان جريمة الحرابة؛ لأن جريمة الحرابة لا يشترط فيها الأخذ خفية وإنما يكون الأخذ فيها مغالبة، ويمنع التسليم من توفر ركن الأخذ خفية سواء نقل التسليم الحيازة كاملة أو ناقصة أو ترتب

ص: 538

عليه تمكين الجانى من الشىء أو منحه سلطة عليه كحالة الطباخ مثلاً تسلم إليه أدوات المطبخ لاستعمالها.

ويسوى أن يكون التسليم ناشئاً عن خطأ أو عن غش أو قصد به مجرد تمكين الجانى من الاطلاع على الشىء المسروق أو التفرج عليه أو فحصه.

ففى هذه الحالات جميعاً يمنع التسليم من اعتبار الشىء مأخوذاً خفية لأن الأخذ خفية يجب أن يكون بغير علم المجنى عليه وبغير رضاه معاً، وإذا كان لم يمكن اعتبار الشىء الذى سلم للجانى للفحص والتفرج والاطلاع مسروقاً طبقاً للشريعة فإن هذا الشىء يمكن اعتباره مختلساًَ طبقاً للشريعة.

والاختلاس كما قلنا نوع من السرقة لا يشترط فيه العلم ويشترط فيه عدم الرضاء فقط وعقوبته التعزير لا القطع. والاختلاس فى الشريعة يتفق فى شروطه وأحكامه مع شروط وأحكام جريمة السرقة فى قانونى العقوبات المصرى والفرنسى.

ولا يعتبر الفعل سرقة إذا تسلم الجانى المبيع على أن يدفع ثمنه فوراً فأخذه وهرب، أو إذا تسلم ورقة مالية أو قطعة نقود كبيرة ليصرفها نقوداً صغيرة فأخذها وهرب، والمانع من اعتبار الفعل سرقة هو التسليم لأن فى التسليم علم المجنى عليه بالفعل والعلم يمنع من تكون ركن الأخذ خفية، وإذا كان الفعل لا يعتبر سرقة فمن الممكن أن يعتبر اختلاساً طبقاً لقواعد الشريعة.

وإذا كان التسليم ممن لا شعور له أو اختيار، كسكران أو مجنون أو طفل غير مميز، فإنه يمنع أيضاً من تكون ركن الأخذ خفية لأن فقد الشعور والاختيار إذا كان يمنع من حصول التسليم اختياراً فإنه لا يمنع غالباً من العلم بحصول التسليم، وإذا توفر العلم بالأخذ انعدم أحد أركان السرقة وهو الأخذ خفية، وحتى إذا أمكن القول بأن علم الصغير والمجنون والسكران غير معتبر فإن هذا العلم غير المعتبر يكون شبهة تدرأ الحد فلا يقطع الجانى ويكتفى فى عقابه بالتعزير.

وتمكين الجانى من الشىء أو السماح له بدخول محل المسروق فى حكم تسليم

ص: 539

الشىء المسروق إلى الجاني، فالسرقة التى تقع من العمال أو الخدم والنزلاء وما أشبه لا قطع فيها إذا كانت السرقة واقعة على شىء فى المحل الذى يعمل فيه الخادم أو العامل أو يدخله النزيل أو فى المحلات المصرح لهم بدخولها؛ لأن الإذن للعامل والخادم والنزيل بدخول المحل يبطل الحرز فيكون الأخذ أخذاً من غير حرز ومن ثم لا تتم شروط الأخذ خفية وتكون السرقة سرقة مال غير محرز، ولا قطع فى سرقة المال غير المحرز وإنما فيها التعزير، وسنعود للكلام على هذه النقطة بتوسع بمناسبة الكلام عن الحرز.

وإذا أخذ المكلف بنقل الأشياء بعض ما كُلِّف بنقله فعمله لا يعتبر سرقة فى الشريعة الإسلامية وإنما يعتبر تبديداً لأنه تسلم الشىء بمقتضى عقد من عقود الأمانة، وإذا فرض أنه تسلمه بغير عقد فإن التسليم فى ذاته يمنع من تكون ركن الأخذ خفية لأن التسليم يقتضى العلم بالأخذ وشرط الأخذ خفية أن يتم دون علم ورضاء المجنى عليه، فالعقوبة إذن على أى فرض هى عقوبة التعزير وكل جريمة عقوبتها التعزير فى الشريعة الإسلامية يصح للهيئة التشريعية أن تجعلها فى حكم جريمة أخرى إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة، فيصح اعتبار الاختلاس الحاصل عن محترفى النقل فى حكم السرقة وإن كانت القواعد العامة تجعله تبديداً. ومن هذا يتبين أنه لا اختلاف بين الشريعة والقانون المصرى فى هذه النقطة؛ لأن القواعد القانونية العامة ذاتها تجعل الجريمة تبديداً ولكن المشرع أعطاها حكم السرقة أو اعتبر الفعل سرقة تشديداً على محترفى النقل ولم يعتبر التسليم الحاصل للجانى مع أن التسليم يمنع من تكون ركن الاختلاس طبقاً للقانون، والاختلاس فى القانون يقابل الأخذ خفية فى الشريعة كما يقابل الاختلاس فى الشريعة أيضاً.

ويشترط ليكون الأخذ تاماً يقطع فيه أن يكون فى عام المجاعة وزمن القحط لأن الضرورة تبيح التنازل من مال الغير بقدر الحاجة فإذا سرق المحتاج ما يأكله فلا قطع عليه لأنه كالمضطر، وقد روى عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا قطع فى مجاعة مضطر"، ويشترط فى الآخذ أن لا يجد ما يشتريه أو لا يجد

ص: 540

ما يشترى به وأن لا يأخذ أكثر من حاجته (1) .

فأما الواجد لما يأكله أو الواجد لما يشترى به وما يشتريه فعليه القطع وإن كان بالثمن الغالى.

والقاعدة فى الشريعة أن للمضطر أن يأخذ ما يقيم حياته من غيره إذا لم يكن فى حاجة إليه، وإن احتاج الأمر إلى قتال قاتله عليه، فإن قتل المضطر فقاتله مسئول جنائياً عن قتله ولا يعتبر فى حالة دفاع، وإن قتله المضطر فهو هدر لأنه ظالم بقتاله المضطر فأشبه القاتل. ولكن ليس للمضطر أن يسرق شيئاً أو أن يقاتل على شىء كلما استطاع أن يأخذه بشراء أو استرضاء مهما تغالى صاحب الشىء فى الثمن لأن المضطر لا يلزمه شرعاً إلا ثمن المثل (2) .

ويشترط أبو حنيفة ليكون الأخذ تاماً يقطع فيه أن يكون الأخذ فى دار العدل، فلا قطع عنده على من سرق فى دار الحرب أو دار البغى ولو كان المجنى عليه والجانى من أهل دار العدل؛ لأن السرقة تقع فى مكان لا ولاية للإمام عليه والقضاء بالعقوبة يقتضى الولاية على مكان الجريمة ومن ثم لا تعتبر السرقة فى دار الحرب أو دار البغى سبباً لوجوب القطع (3) .

هذا ويتفق مذهب الشيعة الزيدية مع مذهب أبى حنيفة فى هذه المسألة (4) .

أما المذهب الظاهرى فيتفق مع مذهب الأئمة الثلاثة (5) ، ومذهب أبى حنيفة يخالف المذاهب الأخرى فى هذه الناحية حيث يرى بقية الفقهاء قطع السارق على السرقة فى دار الحرب أو دار البغي (6) ، ويرى أبو حنيفة ومحمد أن لا يقطع المستأمن

(1) المهذب ج2 ص299، كشاف القناع ج4 ص83، المغنى ج10 ص288، المحلى ج11 ص343، شرح فتح القدير ج4 ص229.

(2)

المغنى ج11 ص80، أسنى المطالب ج1 ص572، مواهب الجليل ج3 ص243، حاشية ابن عابدين ج5 ص296.

(3)

بدائع الصنائع ج7 ص80.

(4)

شرح الأزهار ج4 ص334، 552.

(5)

المحلى ج11 ص360 وما بعدها.

(6)

مواهب الجليل ج3 ص355، 365، المدونة ج16 ص91، المهذب ج2 ص358، المغنى ج10 ص439، 537، يراجع التشريع الجنائى ج1 ص243، 251.

ص: 541