الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الخامسة:
الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية، وفعلية
(1).
فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفًا بها كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة؛ ومنها الصفات الخبرية كالوجه، واليدين، والعينين.
والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها؛ كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا.
وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين كالكلام (2)؛ فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية، لأن الله - تعالى - لم يزل ولا يزال متكلمًا، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية، لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء كما في قوله تعالى:" إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ "[يس: 82].
وكل صفة تعلقت بمشيئته - تعالى - فإنها تابعة لحكمته، وقد تكون الحكمة معلومة لنا، وقد نعجز عن إدراكها لكننا نعلم علم اليقين أنه - سبحانه - لا يشاء شيئًا إلا وهو موافق للحكمة، كما
(1) مجموع الفتاوى (6/ 268 - 272)، جامع الرسائل (2/ 3) وهي بعنوان (رسالة في الصفات الاختيارية)، شرح العقيدة الطحاوية (56).
(2)
مجموع الفتاوى (6/ 219).
يشير إليه قوله تعالى: " وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً "[الإنسان: 30].
التعليق
أهل العلم يقسمون الصفات إلى: ذاتية وفعلية، وذاتية فعلية ، وهذا التقسيم كغيره مما نبه إليه أهل العلم لدعاء الحاجة إلى ذلك ، وإلا فالسلف والصحابة يدركون هذه المعاني دون أن يتكلموا بهذه المصطلحات ، لكن لما جاءت البدع ووقع الناس في التخبط نبه العلماء إلى المسائل ، وقسَّموا وفصَّلوا مثل تقسيم التوحيد، ومثل تقسيم أفعال العبادات إلى أركان وواجبات وسنن.
فهنا قالوا: إن الصفات منها صفات ذاتية نسبة إلى ذات الله، وهي الصفات الملازمة لذاته التي لا تنفك عنها ذات الرب.
فيمكن أنْ تَضْبِطَ الفرق بين الذاتية والفعلية:
إما أن تقول: الصفات الذاتية هي التي لا تنفك عنها ذات الرب.
أو تقول: إنَّ الصفات الذاتية هي التي لا تتعلق بها المشيئة، والفعلية هي التي تتعلق بها المشيئة ، أو تكون بمشيئته سبحانه وتعالى (1).
والفرق ظاهر: فالحياة صفة ذاتية لا تتعلق بها المشيئة ، ولا تنفك عنها ذات الرب ، فلا تقول: إنه حي إذا شاء ، هذا لا يجوز ، أو عليم أو يعلم إذا شاء ، أو ذو عزة إذا شاء ، فهذا لا يستقيم؛ بل هذه صفات لازمة لذاته لا تتعلق بها المشيئة.
أما الصفات الفعلية - وتسمى الصفات الاختيارية، أو الأفعال
(1) قال الشارح - حفظه الله - في العقيدة الطحاوية (56): فكل ما تستطيع أن نقول فيه: (ما زال كذا) فهي ذاتية؛ وضابط الصفات الذاتية والفعلية: أنَّ الذاتية لا تتعلق بها المشيئة، وأما الفعلية فتتعلق بها المشيئة.
الاختيارية -: فهذه تابعة لمشيئته ، مثل: النزول ، فتقول: ينزل إذا شاء. ومثل: الاستواء على العرش، والمجيء يوم القيامة، وكذلك الغضب والرضى فهذه الصفات فعلية.
يقول الشيخ: ومن الصفات ما يصدق عليها أنها ذاتية فعلية باعتبارين ، مثل: الكلام، والخلق، والرَّزق؛ فهذه باعتبار أن الله لم يزل موصوفًا بها، فتقول: الله لم يزل فعالًا لما يريد ، ولم يزل خالقًا ، ولم يزل غفورًا ، ولم يزل رحيمًا ، فهذه صفات ذاتية؛ وباعتبار أفراد أو آحاد هذه الأفعال هي تابعة للمشيئة ، فهو يرحم من شاء إذا شاء ، ويرزق من شاء إذا شاء ، ويتكلم إذا شاء ، فالكلام قديم النوع حادث الآحاد ، فالكلام صفة ذاتية ، والخلق صفة ذاتية فعلية ، والمغفرة وكونه - تعالى - غفور صفة ذاتية فعلية وما أشبه ذلك.
يقول الشيخ: ومن الصفات الذاتية: الصفات الخبرية ، والحقيقة أن الصفات الخبرية منها ذاتية ومنها فعلية أيضًا ، فالصفات الخبرية تقابل بالصفات العقلية ، فالصفات الخبرية هي: التي طريق العلم بها الخبر والنقل ، والعقلية هي: التي طريق العلم بها السمع والعقل؛ فالعلم والسمع والبصر والحياة صفات خبرية سمعية عقلية ، والوجه واليدين والقدمين والعينين صفات خبرية.
والصفات الخبرية منها صفات ذاتية كالوجه واليدين ، ومنها صفات فعلية كالضحك والفرح والمجيء فهذه صفات خبرية فعلية.
فالصفات الذاتية يقابلها الفعلية، والصفات الخبرية يقابلها العقلية ، وكلٌ من الخبرية أو العقلية ينقسم إلى ذاتية وفعلية ، والله أعلم.
لكن قد يشكل كون الصفات منها صفات عقلية مع أن الصفات
توقيفية؛ والجواب (1): أنَّ الصفات العقلية توقيفية ، لكن العقل يدركها ، فيتظافر ويجتمع فيها دلالتان ، مثل: الحياة صفة كمال؛ وطريق العلم بها: السمع والعقل، والعلم كذلك.
أفيقول قائل: لو لم يأتِ في النصوص ذكر العلم نقول: لا ندري أيوصف بالعلم أو لا يوصف؟! ، ولو لم تأتِ النصوص بذكر الحياة نقول: لا ندري أيوصف الله بالحياة أو لا؟! لأنَّ العقل لا يدل على إثبات شيء من ذلك!؛ بل نقول: هذه الصفات تظافرت عليها الدلالات السمعية والعقلية لأن انتفاءها نقص ، ومعلوم بضرورة العقل تنزيه الله عن النقص.
(1) مجموع الفتاوى (3/ 88 وَ 18/ 220)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تنبيه الرجل العاقل (2/ 620): وأما الأمور الحقيقية مثل: صفات الباري ونحو ذلك؛ فلا يجوز ني شيءٍ منها لعدم ما يدل على ثبوته، لجواز أن يكون ثابتًا من غير دليل يدلنا على ثبوته، ولا يمتنع ذلك إذا لم نكن مكلفين باعتقاد ثبوته أو نفيه، وليس الأصل عدمه حتى يُتَمسك فيه بالأصل النافي، إذ ما وَجَبَ قِدَمُهُ امتنعَ عدمُه، ولأن التمسك بالاستصحاب في الاعتقادات ليس بجائز. اهـ.
وانظر: شرح العقيدة السفارينية للشيخ ابن عثيمين (110 وما بعدها، 169، 201)، وما سيأتي في القاعدة السابعة من قواعد الصفات.