الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المثال الخامس عشر
قوله تعالى في الحديث القدسي: " يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني
…
" الحديث (1).
وهذا الحديث رواه مسلم في (باب فضل عيادة المريض) من (كتاب البر والصلة والآداب)(رقم 43 / ص 1990 ترتيب: محمد فؤاد عبد الباقي)، رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله - تعالى - يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عبدي فلانًا مرض فلم تعده، أَمَا علمتَ أنك لو عُدته لوجدتني عنده؟! يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب! وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟! يا ابن آدم، استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب! كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي "(2).
والجواب: أن السلف أخذوا بهذا الحديث ولم يصرفوه عن
(1) درء التعارض (1/ 85، 3/ 13، 19)، جامع الرسائل (المجموعة الأولى / 121)، مدارج السالكين (1/ 298، 3/ 411)، شرح الرسالة التدمرية (216 - 219).
(2)
أخرجه مسلم (2569).
ظاهره بتحريف يتخبطون فيه بأهوائهم، وإنما فسروه بما فَسَّرَهُ به المتكلم به، فقوله تعالى في الحديث القدسي:" مرضت "" واستطعمتك "" واستسقيتك " بَيَّنَهُ الله - تعالى - بنفسه حيث قال: " أما علمت أن عبدي فلانًا مرض "" وأنه استطعمك عبدي فلان "" واستسقاك عبدي فلان " وهذا صريح في أن المراد به: مَرَضُ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، واستطعام عبد من عباد الله، واستسقاء عبد من عباد الله، والذي فسره بذلك هو الله المتكلم به وهو أعلم بمراده، فإذا فسرنا المرض المضاف إلى الله والاستطعام المضاف إليه والاستسقاء المضاف إليه، بمرض العبد واستطعامه واستسقائه = لم يكن في ذلك صرفٌ للكلام عن ظاهره؛ لأن ذلك تفسير المتكلم به فهو كما لو تكلم بهذا المعنى ابتداءً، وإنما أضاف الله ذلك إلى نفسه أولًا للترغيب والحث؛ كقوله تعالى:" مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ "[البقرة: 245].
وهذا الحديث من أكبر الحجج الدامغة لأهل التأويل الذين يحرفون نصوص الصفات عن ظاهرها بلا دليل من كتاب الله - تعالى - ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما يحرفونها بِشُبَهٍ باطلةٍ هم فيها متناقضون مضطربون. إذ لو كان المراد خلاف ظاهرها - كما يقولون - لبيَّنَه الله - تعالى - ورسوله، ولو كان ظاهرها ممتنعًا على الله - كما زعموا - لبينه الله ورسوله كما في هذا الحديث. ولو كان ظاهرها اللائق بالله ممتنعًا على الله لكان في الكتاب والسنة من وصف الله - تعالى - بما يمتنع عليه ما لا يُحصى إلا بكلفة، وهذا من أكبر المحال.
وَلْنَكْتَفِ بهذا القدر من الأمثلة لتكون نبراسًا لغيرها، وإلا
فالقاعدة عند أهل السنة والجماعة معروفة، وهي إجراء آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل.
وقد تقدم الكلام على هذا مستوفًى في قواعدِ نصوص الصفات؛ والحمد لله رب العالمين.
التعليق
هذا الحديث الأخير ذكره شيخ الإسلام في التدمرية وفي مواضع أخرى (1)، وبَيَّنَ أن بعض الناس يقول: إن ظاهر هذا الحديث معنى فاسد ، وأنه لا بد من تأويله ، وَيَرُدُّ الشيخ بقوله: إن الحديث ليس ظاهره المعنى الفاسد ، الحديث مُفَسَّر وإذا كان مُفَسَّرًا لم يجز أن يقال: إن ظاهره معنى فاسد.
نعم لو جاء الحديث: "عبدي مرضت فلم تعدني، عبدي استطعمتك فلم تطعمني " وفي لفظ: " عبدي جعت فلم تطعمني "" عبدي استسقيتك فلم تسقني " لقلنا: يصح أنْ يُقال: إن ظاهره معنى فاسد ، لكن الحديث ما جاء هكذا (2)، وأنا أقول للتقريب: لو قال قائل: إن ظاهر الآية " فويل للمصلين "[الماعون] تهديد ووعيد للمصلين ، لكان مبطلًا ، فليس هذا هو ظاهر الآية ، لأن الآية موصولة " الذين هم عن صلاتهم ساهون "[الماعون] فهذا فيه تهديد ووعيد للساهين عن صلاتهم، لا تهديد ووعيد للمصلين.
إذن؛ الآية ليس ظاهرها ذلك المعنى الفاسد؛ فكذلك الحديث ،
(1) التدمرية (216 - 219)، وتقدمت الإشارة إلى بعض هذه المواضع.
(2)
أي: أنَّ الحديث لم يأتِ هكذا فقط دون زيادة؛ فتكملة الحديث أوضحت المعنى، والله أعلم.
فالذي قال: " عبدي مرضت " ، " عبدي استطعمتك " ، " عبدي استسقيتك "، هو الذي فَسَّرَ ذلك بقوله:" مرض عبدي فلان "" استطعمك عبدي فلان "" استسقاك عبدي فلان " فالحديث واضح، ولا يصح أنْ يقال فيه: إِنَّ ظاهره معنى فاسد فيحتاج إلى تأويل؛ فرحم الله الشيخ وأثابه على ما وضَّح وبيَّن.