المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الخاتمة إذا قال قائل: قد عرفنا بطلان مذهب أهل التأويل في - التعليق على القواعد المثلى

[عبد الرحمن بن ناصر البراك]

فهرس الكتاب

- ‌قواعد في أسماء الله - تعالى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى

- ‌أسماء الله - تعالى - أعلام وأوصاف

- ‌أسماء الله تعالى إن دلت على وصف متعد، تضمنت ثلاثة أمور (1):أحدها: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل.الثالث: ثبوت حكمها ومقتضاها

- ‌دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة، وبالتضمن، وبالالتزام

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد مُعَيَّن

- ‌الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها

- ‌قواعد في صفات الله تعالى

- ‌صفات الله تعالى كلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه (1)؛ كالحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والرحمة، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، وغير ذلك

- ‌باب الصفات أوسع من باب الأسماء

- ‌صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: ثبوتية، وسلبية

- ‌الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال؛ فكلما كثرت وتنوعت دلالتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر

- ‌الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية، وفعلية

- ‌يلزم في إثبات الصفات التخلي عن محذورين عظيمين:أحدهما: التمثيل.والثاني: التكييف

- ‌صفات الله توقيفية لا مجال للعقل فيها

- ‌قواعد في أدلة الأسماء والصفات

- ‌الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته هي (1):1 -كتاب الله - تعالى -،2 -وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛فلا تثبت أسماء الله وصفاته بغيرهما

- ‌الواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف،لاسيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها

- ‌ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار، ومجهولة لنا باعتبار آخر، فباعتبار المعنى هي معلومة، وباعتبار الكيفية التي هي عليها مجهولة

- ‌ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب السياق وما يضاف إليه الكلام

- ‌فصلٌ

- ‌المثال الأول:

- ‌المثال الثاني:

- ‌المثال الثالث:

- ‌المثال الرابع:

- ‌المثال الخامس، والسادس:

- ‌تتمة

- ‌تنبيه

- ‌تنبيهٌ ثالث

- ‌المثال السابع والثامن

- ‌المثال التاسع والعاشر

- ‌المثال الحادي عشر

- ‌المثال الثالث عشر

- ‌المثال الرابع عشر

- ‌المثال الخامس عشر

- ‌الخاتمة

- ‌والجواب عن السؤال الثالث من وجهين

- ‌قال شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌مراجع التحقيق

الفصل: ‌ ‌الخاتمة إذا قال قائل: قد عرفنا بطلان مذهب أهل التأويل في

‌الخاتمة

إذا قال قائل: قد عرفنا بطلان مذهب أهل التأويل في باب الصفات، ومن المعلوم أن الأشاعرة من أهل التأويل؛ فكيف يكون مذهبهم باطلًا، وقد قيل: إنهم يمثلون اليوم خمسةً وتسعين بالمائة من المسلمين؟!

وكيف يكون باطلًا وقدوتهم في ذلك أبو الحسن الأشعري؟

وكيف يكون باطلًا وفيهم فلان وفلان من العلماء المعروفين بالنصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم؟

قلنا: الجواب عن السؤال الأول: إننا لا نُسَلِّم أن تكون نسبة الأشاعرة بهذا القدر بالنسبة لسائر فرق المسلمين، فإن هذه دعوى تحتاج إلى إثبات عن طريق الإحصاء الدقيق.

ثم لو سلمنا أنهم بهذا القدر أو أكثر فإنه لا يقتضي عصمتهم من الخطأ؛ لأن العصمة في إجماع المسلمين لا في الأكثر.

ثم نقول: إن إجماع المسلمين قديمًا ثابت على خلاف ما كان عليه أهل التأويل، فإن السلف الصالح من صدر هذه الأمة - وهم الصحابة - الذين هم خير القرون، والتابعون لهم بإحسان وأئمة الهدى من بعدهم كانوا مجمعين على إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له

ص: 184

رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، وإجراءُ النصوص على ظاهرها اللائق بالله - تعالى - من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.

وهم خير القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماعُهُم حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ؛ لأنه مقتضى الكتاب والسنة، وقد سبق نقل الإجماع عنهم في القاعدة الرابعة من قواعد نصوص الصفات.

التعليق

ذكر الشيخ في خاتمة الكتاب بعض الأسئلة التي قد تَرِدُ في ذهن بعض الناس ثم أجاب عنها.

يقول الشيخ رحمه الله في معرض رَدِّه على اعتراض المعترض القائل: (ومن المعلوم أن الأشاعرة من أهل التأويل): والصحيح أنهم ليسوا كلهم من أهل التأويل لكن يحتمل كونه غالبًا عليهم، وإلا فهم صنفان - كما يقول الشيخ - الذين يوجبون فيما نفوه إما التفويض وإما التأويل ، فهم فريقان منهم من ينتحل تأويل نصوص ما نفوه ، ومنهم من يذهب إلى التفويض.

وهنا - أيضًا - يجب أنْ يُفْهَم أَنَّ قول من يقول: إنَّ الأشاعرةَ يمثلون خمسة وتسعين بالمائة من المسلمين ، هذا باعتبار العلماء أو باعتبار العامة؟ إنْ كانَ باعتبارِ العامةِ فهذا كَذِبٌ وليس بصحيح ، عوام المسلمين على الفطرة يؤمنون بأن الله فوق؛ إلا من درس وَتَلَقَّنَ هذا المذهب؛ فالمذهب الأشعري إنما هو لنفس العلماء والدارسين ، كما يقال:(للمُنَظِّرِينَ فقط)، والمنظرون قلة؟!

فكيف يقال إنَّ خمسة وتسعين بالمائة من المسلمين يعتقدون

ص: 185

المذهب الأشعري في العلو والكلام وغير ذلك مما يختص به العلماء والدارسون لهذا المذهب؟! ولهذا العوام يتوجهون إلى الله بالدعاء رافعين أيديهم، ويرفعون نظرهم إلى السماء، ويسألون الله النظر إلى وجهه الكريم إذا دَعَوا، ولا يستحضرون هذه الاعتقادات الكلامية المحدثة، ولا تخطر ببالهم ولا تقبلها فطرهم.

ص: 186

والجواب عن السؤال الثاني

أن أبا الحسن الأشعري وغيره من أئمة المسلمين لا يَدَّعُونَ لأنفسهم العصمةَ من الخطأ؛ بل لم ينالوا الإمامة في الدين إلا حين عرفوا قدر أنفسهم وَنَزَّلُوهَا منزلتها، وكان في قلوبهم من تعظيم الكتاب والسنة ما استحقوا به أن يكونوا أئمة، قال الله تعالى:" وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ "[السجدة: 24]، وقال عن إبراهيم:" إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ "[النحل: 120 - 121].

ثم إنَّ هؤلاء المتأخرين الذين ينتسبون إليه لم يقتدوا به الاقتداءَ الذي ينبغي أن يكونوا عليه؛ وذلك أَنَّ أبا الحسن كان له مراحل ثلاث في العقيدة:

المرحلة الأولى: مرحلة الاعتزال: اعتنق مذهب المعتزلة أربعين عامًا يقرره ويناظر عليه، ثم رجع عنه وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم (1).

المرحلة الثانية: مرحلة بين الاعتزال المحض والسُّنَّةِ المحضةِ سلك فيها طريق أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب (2).

(1) قال المؤلف: مجموع الفتاوى (4/ 72).

(2)

قال المؤلف: مجموع الفتاوى (5/ 556).

ص: 187

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ص 471 / من المجلد السادس عشر من مجموع الفتاوى لابن قاسم): (والأشعري وأمثاله برزخ بين السلف والجهمية؛ أخذوا من هؤلاء كلامًا صحيحًا ومن هؤلاء أصولًا عقليةً ظنوها صحيحة وهي فاسدة). اهـ.

المرحلة الثالثة: مرحلة اعتناق مذهب أهل السنة والحديث الذين إمامهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما قرره في كتابه (الإبانة عن أصول الديانة) وهو من آخر كتبه أو آخرها.

قال في مقدمته: (جاءنا - يعني: النبي صلى الله عليه وسلم بكتابٍ عزيزٍ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خَلْفِهِ، تنزيل من حكيم حميد، جَمَعَ فيه عِلْمَ الأولين، وأكمل به الفرائض والدين، وهو صراط الله المستقيم، وحبله المتين، مَنْ تَمَسَّكَ به نَجَا، ومن خالفه ضَلَّ وغوى وفي الجهل تَرَدَّى، وَحَثَّ اللهُ في كتابه على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال عز وجل:" وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا "[الحشر: 7]. إلى أن قال: فأمرهم بطاعة رسوله كما أمرهم بطاعته، ودعاهم إلى التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما أمرهم بالعمل بكتابه، فنبذ كثير ممن غلبت شقوته، واستحوذ عليهم الشيطان، سنن نبي الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، وعدلوا إلى أسلاف لهم قلدوهم بدينهم ودانوا بديانتهم، وأبطلوا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضوها وأنكروها وجحدوها افتراءً منهم على الله " قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ " [الأنعام: 140].

ثم ذكر رحمه الله أصولًا من أصول المبتدعة، وأشار إلى بطلانها ثم قال: (فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والجهمية، والحرورية، والرافضة، والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون؟

ص: 188

قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز وجل وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - نَضَّرَ الله وجهه ورفع درجته، وأجزل مثوبته - قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل) ثم أثنى عليه بما أظهر الله على يده من الحق وذكر ثبوت الصفات، ومسائل في القدر، والشفاعة، وبعض السمعيات، وقرر ذلك بالأدلة النقلية والعقلية.

والمتأخرون الذين ينتسبون إليه أخذوا بالمرحلة الثانية من مراحل عقيدته، والتزموا طريق التأويل في عامة الصفات، ولم يثبتوا إلا الصفات السبع المذكورة في هذا البيت:

حي، عليم، قدير، والكلام له

إرادة، وكذاك السمع، والبصر

على خلاف بينهم وبين أهل السنة في كيفية إثباتها.

ولما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ما قيل في شأن الأشعرية (ص 359 / من المجلد السادس من مجموع الفتاوى لابن قاسم) قال: (ومرادهم الأشعرية الذين ينفون الصفات الخبرية، وأما مَنْ قَالَ منهم بكتاب (الإبانة) الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يُظْهِر مقالةً تُنَاقِضُ ذلك؛ فهذا يعد من أهل السنة). وقال قبل ذلك في (ص 310): (وأما الأشعرية فعكس هؤلاء، وقولهم يستلزم التعطيل، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، وكلامه معنى واحد، ومعنى آية الكرسي وآية الدين، والتوراة والإنجيل واحد، وهذا معلوم الفساد بالضرورة). اهـ.

ص: 189

وقال تلميذه ابن القيم في النونية (ص 312 من شرح الهراس ط الإمام):

واعلم بأن طريقهم عكس الـ

طريق المستقيم لمن له عينان

إلى أن قال:

فاعجب لعميان البصائر أبصروا كون المقلد صاحب البرهان

ورأوه بالتقليد أولى من سوا

هـ بغير ما بَصَرٍ ولا برهان

وعموا عن الوحيين إذ لم يفهموا معناهما عجبًا لذي الحرمان

وقال الشيخ محمد أمين الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان (ص 319 / جـ 2) على تفسير آية استواء الله - تعالى - على عرشه التي في سورة الأعراف: (اعلم أنه غَلِطَ في هذا خلقٌ لا يُحصى كثرةً من المتأخرين، فزعموا أن الظاهر المتبادر السابق إلى الفهم من معنى الاستواء واليد - مثلًا - في الآيات القرآنية هو مشابهة صفات الحوادث، وقالوا: يجب علينا أن نصرفه عن ظاهره إجماعًا). قال: (ولا يخفى على أدنى عاقل أن حقيقة معنى هذا القول أن الله وصف نفسه في كتابه بما ظاهره المتبادر منه السابق إلى الفهم الكفر بالله - تعالى - والقول فيه بما لا يليق به - جل وعلا -، والنبي صلى الله عليه وسلم الذي قيل له:" وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ "[النحل: 44] لم يبين حرفًا واحدًا من ذلك مع إجماع مَنْ يُعْتَدُّ به من العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، وأحرى في العقائد لا سِيَّمَا ما ظاهره المتبادر منه الكفر والضلال المبين ، حتى جاء هؤلاء الجهلة من المتأخرين فزعموا أن الله أطلق على نفسه الوصف بما ظاهره المتبادر منه لا يليق، والنبي صلى الله عليه وسلم كتم أن ذلك الظاهر المتبادر كفرٌ وضلال يجب صرف

ص: 190

اللفظ عنه، وكل هذا من تلقاء أنفسهم من غير اعتماد على كتاب أو سنة، سبحانك هذا بهتان عظيم.

ولا يخفى أن هذا القول من أكبر الضلال، ومن أعظم الافتراء على الله - جل وعلا - ورسوله صلى الله عليه وسلم.

والحق الذي لا يشك فيه أدنى عاقل أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ وَصَفَ الله به نفسه، أو وَصَفَهُ به رسوله صلى الله عليه وسلم فالظاهر المتبادر منه السابق إلى فهم مَنْ في قلبه شيء من الإيمان هو التنزيه التام عن مشابهة شيء من صفات الحوادث). قال: (وهل ينكر عاقل أَنَّ السابق إلى الفهم المتبادر لكل عاقل هو منافاة الخالق للمخلوق في ذاته وجميع صفاته؟ لا والله، لا ينكر ذلك إلا مكابر.

والجاهل المفتري الذي يزعم أن ظاهر آيات الصفات لا يليق بالله؛ لأنه كفر وتشبيه، إنما جَرَّ إليه ذلك تنجيس قلبه بقذر التشبيه بين الخالق والمخلوق، فَأَدَّاهُ شُؤْمُ التشبيهِ إلى نفي صفات الله - جل وعلا - وعدم الإيمان بها مع أنه - جل وعلا - هو الذي وصف بها نفسه، فكان هذا الجاهل مشبهًا أولًا، ومعطلًا ثانيًا، فارتكب ما لا يليق بالله ابتداءً وانتهاءً، ولو كان قلبه عارفًا بالله كما ينبغي، معظمًا لله كما ينبغي، طاهرًا من أقذار التشبيه لكان المتبادر عنده السابق إلى فهمه أن وصف الله - تعالى - بالغ من الكمال والجلال ما يقطع أوهام علائق المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون قلبه مستعدًا للإيمان بصفات الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن الكريم والسنة الصحيحة؛ مع التنزيه التام عن مشابهة صفات الخلق على نحو قوله:" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "[الشورى: 11]. اهـ. كلامه رحمه الله.

ص: 191

والأشعري أبو الحسن رحمه الله كان في آخر عمره على مذهب أهل السنة والحديث، وهو إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

ومذهب الإنسان ما قاله أخيرًا إذا صَرَّحَ بِحَصْرِ قولِهِ فيه كما هي الحال في أبي الحسن كما يُعْلَمُ مِنْ كلامِهِ في (الإبانة)، وعلى هذا فتمام تقليده اتباع ما كان عليه أخيرًا؛ وهو التزام مذهبِ أهل الحديثِ والسنةِ؛ لأنه المذهب الصحيح الواجب الاتباع الذي التزم به أبو الحسن نفسه.

التعليق

هذا الكلام الذي نقله الشيخ محمد عن الشيخ الشنقيطي - رحمهما الله - كلام جيد وعظيم ، وهذا هو الذي يقرره شيخ الإسلام ويبدي فيه ويعيد، يعني أن هذا الزعم (1) يتضمن الطعن في كلام الله وحكمة الله، والطعن في كلام الرسول والطعن في علم الرسول وفي نصح الرسول فيلزم على قول النفاة أنه لم يبين الحق الذي يجب اعتقاده في الله، إما لعدم علمه أو لعدم نصحه أو لعدم قدرته على البيان؛ وهو عليه الصلاة والسلام أعلمُ الناس وأفصحُهم وأنصحُهم ، فإذا كَمُلَت هذه المعاني فيه ، وَجَبَ أن يكون قد بَيَّنَ البيانَ الشافي ، وأوضحَ الطريقَ وأوضحَ للأمَّةِ ما يجب عليهم اعتقاده في ربهم وقد قرر ذلك الاستدلال في مقدمة الحموية (2)؛ فهذا الكلام الذي ذكره الشيخ الشنقيطي من فساد مذهب المعطلة ومناقضته للعقل السليم والفطرة السليمة هو الحقيقة،

(1) وهو أن الظاهر المتبادر من النصوص يقتضي مشابهة الخالق بالمخلوق.

(2)

الحموية (280 وما بعدها).

ص: 192

وكلام الشيخ واضح بَيِّن ، فإذا صُوِّرَ الشيءُ على حقيقَتِهِ اتضحَ فسادُهُ ، ولهذا يقال: إن هذا المعنى تصوره كافٍ في بطلانه ، لا يحتاج إلى أن تدلل على بطلانه.

أما كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن أبي الحسن فكأنه يختلف من مسألة إلى أخرى ، فكثيرًا من الأحيان يضيف إليه بإطلاق قولَهُ في الإيمانِ هو التصديق ، ويقول: إنه بقيت معه بعض أصول المعتزلة ، وعندما يذكر بعض هذه الأمور لا يقول: وذلك قبل أن يكون كذا وكذا؛ بل يضيف إليه بعض هذه الأمور ، مثل: نفي قيام الأفعال الاختيارية به - تعالى -، ومع هذا يُثْبِتُ - مثلًا - الاستواءَ على العرش ، لكن يقول: إنه ليس فعلًا قام بالرب؛ بل حقيقته فعل فعله بالعرش لا أنه فِعْلٌ قامَ به ، فهو ليس كالمعتزلة (1) ، أما أتباع الأشعري المتأخرين فينفون حقيقة الاستواء ، ويقولون: حالٌّ في كل مكان، أو يقول بعضهم: إنه لا داخل العالم ولا خارجه فهذا ليس من مذهب أبي الحسن رحمه الله؛ وانتماء العالم للسنة وتعظيمه لها لا يلزم منه أن يكون موافقًا لأهل السنة والجماعة في كل المسائل؛ بل قد يكون عنده أشياء، ولكن يصير الحكمُ عليه في الجملة ، والله أعلم.

ص: 193