المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب السياق وما يضاف إليه الكلام - التعليق على القواعد المثلى

[عبد الرحمن بن ناصر البراك]

فهرس الكتاب

- ‌قواعد في أسماء الله - تعالى

- ‌أسماء الله تعالى كلها حسنى

- ‌أسماء الله - تعالى - أعلام وأوصاف

- ‌أسماء الله تعالى إن دلت على وصف متعد، تضمنت ثلاثة أمور (1):أحدها: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل.الثالث: ثبوت حكمها ومقتضاها

- ‌دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة، وبالتضمن، وبالالتزام

- ‌أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها

- ‌أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد مُعَيَّن

- ‌الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها

- ‌قواعد في صفات الله تعالى

- ‌صفات الله تعالى كلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه (1)؛ كالحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والرحمة، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، وغير ذلك

- ‌باب الصفات أوسع من باب الأسماء

- ‌صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: ثبوتية، وسلبية

- ‌الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال؛ فكلما كثرت وتنوعت دلالتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر

- ‌الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية، وفعلية

- ‌يلزم في إثبات الصفات التخلي عن محذورين عظيمين:أحدهما: التمثيل.والثاني: التكييف

- ‌صفات الله توقيفية لا مجال للعقل فيها

- ‌قواعد في أدلة الأسماء والصفات

- ‌الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته هي (1):1 -كتاب الله - تعالى -،2 -وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛فلا تثبت أسماء الله وصفاته بغيرهما

- ‌الواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف،لاسيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها

- ‌ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار، ومجهولة لنا باعتبار آخر، فباعتبار المعنى هي معلومة، وباعتبار الكيفية التي هي عليها مجهولة

- ‌ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب السياق وما يضاف إليه الكلام

- ‌فصلٌ

- ‌المثال الأول:

- ‌المثال الثاني:

- ‌المثال الثالث:

- ‌المثال الرابع:

- ‌المثال الخامس، والسادس:

- ‌تتمة

- ‌تنبيه

- ‌تنبيهٌ ثالث

- ‌المثال السابع والثامن

- ‌المثال التاسع والعاشر

- ‌المثال الحادي عشر

- ‌المثال الثالث عشر

- ‌المثال الرابع عشر

- ‌المثال الخامس عشر

- ‌الخاتمة

- ‌والجواب عن السؤال الثالث من وجهين

- ‌قال شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌مراجع التحقيق

الفصل: ‌ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب السياق وما يضاف إليه الكلام

القاعدة الرابعة:

‌ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب السياق وما يضاف إليه الكلام

(1)

فالكلمة الواحدة يكون لها معنى في سياق، ومعنى آخر في سياق، وتركيب الكلام يفيد معنى على وجه ومعنى آخر على وجه.

فلفظ (القرية) - مثلًا - يراد به: القوم تارة، ومساكن القوم تارة أخرى.

فمن الأول: قوله تعالى: " وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً "[الإسراء: 58].

ومن الثاني: قوله تعالى عن الملائكة ضيف إبراهيم: " إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَة "[العنكبوت: 31].

وتقول: صنعت هذا بيدي، فلا تكون اليد كاليد في قوله تعالى:" لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ "[ص: 75]؛ لأن اليد في المثال أضيفت إلى المخلوق فتكون مناسبة له، وفي الآية أضيفت إلى الخالق فتكون لائقة به، فلا أحد سليم الفطرة صريح العقل يعتقد أن يد الخالق كيد المخلوق أو بالعكس.

(1) منهاج السنة (2/ 115 - 116)، شرح الرسالة التدمرية (211 - 214، 234 - 236، 256 - 272).

ص: 111

ونقول: ما عندك إلا زيد، وما زيد إلا عندك، فتفيد الجملة الثانية معنى غير ما تفيده الأولى مع اتحاد الكلمات، لكن اختلف التركيب فتغير المعنى به.

إذا تقرر هذا فظاهر نصوص الصفات ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني.

وقد انقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام (1):

القسم الأول: مَنْ جعلوا الظاهر المتبادر منها معنى حقًا يليق بالله عز وجل وأبقوا دلالتها على ذلك، وهؤلاء هم السلف الذين اجتمعوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والذين لا يصدق لقب أهل السنة والجماعة إلا عليهم.

وقد أجمعوا على ذلك كما نقله ابن عبد البر فقال: (أهل السنة مُجْمِعُوْنَ على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن الكريم والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة)(2) اهـ.

وقال القاضي أبو يعلى في كتاب إبطال التأويل: (لا يجوز رَدُّ هذه الأخبار، ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات الله، لا تشبه صفات سائر الموصوفين بها من الخَلْق، ولا يعتقد التشبيه فيها، لكن على ما روي عن الإمام أحمد وسائر الأئمة) اهـ. نَقَلَ ذلكَ عنِ ابنِ عبدِ البر والقاضي = شيخُ الإسلامِ ابنُ

(1) الحموية (ص 539).

(2)

التمهيد (7/ 145).

ص: 112

تيمية في الفتوى الحموية (ص 87 - 89 جـ 5) من مجموع الفتاوى لابن القاسم.

وهذا هو المذهب الصحيح، والطريق القويم الحكيم، وذلك لوجهين:

الأول: أنه تطبيق تام لما دل عليه الكتاب والسنة من وجوب الأخذ بما جاء فيهما من أسماء الله وصفاته، كما يعلم ذلك من تتبعه بعلم وإنصاف.

الثاني: أَنْ يُقَال: إن الحق إما أن يكون فيما قاله السلف أو فيما قاله غيرهم؛ والثاني باطل، لأنه يلزم منه أن يكون السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان تكلموا بالباطل تصريحًا أو ظاهرًا، ولم يتكلموا مرة واحدة لا تصريحًا ولا ظاهرًا بالحق الذي يجب اعتقاده.

وهذا يستلزم أن يكونوا إما جاهلين بالحق وإما عالمين به لكن كتموه؛ وكلاهما باطل، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم، فتعين أن يكون الحق فيما قاله السلف دون غيرهم.

القسم الثاني: مَنْ جعلوا الظاهر المتبادر من نصوص الصفات معنى باطلًا لا يليق بالله، وهو التشبيه، وأبقوا دلالتها على ذلك، وهؤلاء هم المشبهة ومذهبهم باطل محرم من عدة أوجه:

الأول: أنه جناية على النصوص وتعطيل لها عن المراد بها، فكيف يكون المراد بها التشبيه وقد قال الله تعالى:" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ "[الشورى: 11]؟.

الثاني: أن العقل دل على مباينة الخالق للمخلوق في الذات والصفات، فكيف يُحْكَمُ بدلالة النصوص على التشابه بينهما؟

ص: 113

الثالث: أن هذا المفهوم الذي فهمه المشبه من النصوص مخالف لما فهمه السلف منها فيكون باطلًا.

فإنْ قالَ المُشَبِّهُ: أنا لا أعقل مِنْ نزولِ اللهِ ويده إلا مثل ما للمخلوق من ذلك، والله - تعالى - لم يخاطبنا إلا بما نعرفه ونعقله؛ فجوابه من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن الذي خاطبنا بذلك هو الذي قال عن نفسه: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ "[الشورى: 11]، ونهى عباده أن يضربوا له الأمثال، أو يجعلوا له أندادًا فقال:" فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ "[النحل: 74]، وقال:" فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ "[البقرة: 22]، وكلامه - تعالى - كُلُّهُ حق يُصَدِّقُ بعضه بعضًا، ولا يتناقض.

ثانيها: أن يقال له: ألست تعقل لله ذاتًا لا تشبه الذوات؟

فسيقول: بلى!

فيقال له: فلتعقل له صفات لا تشبه الصفات؛ فإن القول في الصفات كالقول في الذات، ومَنْ فَرَّقَ بينهما فقد تناقض!.

ثالثها: أن يقال: ألست تشاهد في المخلوقات ما يتفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية؟

فسيقول: بلى!

فيقال له: إذا عقلت التباين بين المخلوقات في هذا؛ فلماذا لا تعقله بين الخالق والمخلوق؟!، مع أن التباين بين الخالق والمخلوق أظهر وأعظم؛ بل التماثل مستحيل بين الخالق والمخلوق - كما سبق في القاعدة السادسة من قواعد الصفات - (1).

(1) في صفحة (80).

ص: 114

القسم الثالث: مَنْ جعلوا المعنى المتبادر من نصوص الصفات معنى باطلًا، لا يليق بالله وهو التشبيه، ثم إنهم من أجل ذلك أنكروا ما دلت عليه من المعنى اللائق بالله، وهم أهل التعطيل سواء كان تعطيلهم عامًا في الأسماء والصفات، أم خاصًا فيهما، أو في أحدهما، فهؤلاء صرفوا النصوص عن ظاهرها إلى معانٍ عينوها بعقولهم ، واضطربوا في تعيينها اضطرابًا كثيرًا، وسموا ذلك تأويلًا، وهو في الحقيقة تحريف.

ومذهبهم باطل من وجوه:

أحدها: أنه جناية على النصوص حيث جعلوها دالة على معنى باطل غير لائق بالله ولا مراد له.

الثاني: أنه صرف لكلام الله - تعالى - وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم عن ظاهره، والله - تعالى - خاطب الناس بلسان عربي مبين، ليعقلوا الكلام ويفهموه على ما يقتضيه هذا اللسان العربي، والنبي صلى الله عليه وسلم خاطبهم بأفصح لسان البشر؛ فوجب حمل كلام الله ورسوله على ظاهره المفهوم بذلك اللسان العربي؛ غير أنه يجب أن يصان عن التكييف والتمثيل في حق الله عز وجل.

الثالث: أن صرف كلام الله ورسوله عن ظاهره إلى معنى يخالفه، قول على الله بلا علم وهو محرم؛ لقوله - تعالى -:" قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ "[الأعراف: 33]. ولقوله - سبحانه -: " وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً "[الإسراء: 36].

فالصارف لكلام الله - تعالى - ورسوله عن ظاهره إلى معنى

ص: 115

يخالفه قد قَفَا ما ليس له به علم، وقال على الله ما لا يعلم من وجهين:

الأول: أنه زعم أنه ليس المراد بكلام الله - تعالى - ورسوله كذا، مع أنه ظاهر الكلام.

الثاني: أنه زعم أن المراد به كذا لمعنى آخر لا يدل عليه ظاهر الكلام.

وإذا كان من المعلوم أن تعيين أحد المعنيين المتساويين في الاحتمال قول بلا علم؛ فما ظنك بتعيين المعنى المرجوح المخالف لظاهر الكلام؟!

مثال ذلك: قوله - تعالى - لإبليس: " مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي "[ص: 75]، فإذا صرف الكلام عن ظاهره، وقال: لم يرد باليدين اليدين الحقيقيتين وإنما أراد كذا وكذا.

قلنا له: ما دليلك على ما نفيت؟! وما دليلك على ما أثبت؟! فإن أتى بدليل - وأَنَّى له ذلك - وإلا كان قائلًا على الله بلا علم في نفيه وإثباته.

الوجه الرابع في إبطال مذهب أهل التعطيل: أن صرف نصوص الصفات عن ظاهرها مخالف لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها؛ فيكون باطلًا، لأن الحق بلا ريب فيما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وسلف الأمة وأئمتها.

الوجه الخامس: أن يقال للمعطل:

هل أنت أعلم بالله من نفسه؟

فسيقول: لا.

ثم يُقَالُ له: هل ما أخبر الله به عن نفسه صدق وحق؟

ص: 116

فسيقول: نعم.

ثم يقال له: هل تعلم كلامًا أفصح وأبين من كلام الله - تعالى -؟

فسيقول: لا.

ثم يقال له: هل تظن أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يعمي الحق على الخلق في هذه النصوص ليستخرجوه بعقولهم؟

فسيقول: لا.

هذا ما يقال له باعتبار ما جاء في القرآن.

أما باعتبار ما جاء في السنة؛ فيقال له:

هل أنت أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم؟

فسيقول: لا.

ثم يقال له: هل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحق صدق وحق؟

فسيقول: نعم.

ثم يقال له: هل تعلم أن أحدًا من الناس أفصح كلامًا، وأبين من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

فسيقول: لا.

ثم يقال له: هل تعلم أن أحدًا من الناس أنصح لعباد الله من رسول الله؟

فسيقول: لا.

فيقال له: إذا كنت تقر بذلك؛ فلماذا لا يكون عندك الإقدام والشجاعة في إثبات ما أثبته الله - تعالى - لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم على حقيقته وظاهره اللائق بالله؟ وكيف يكون عندك الإقدام والشجاعة

ص: 117

في نفي حقيقته تلك، وصرفه إلى معنى يخالف ظاهره بغير علم؟

وماذا يضيرك إذا أَثْبَتَّ لله - تعالى - ما أثبته لنفسه في كتابه، أو سنة نبيه على الوجه اللائق به، فأخذتَ بما جاء في الكتاب والسنة إثباتًا ونفيًا؟

أليس هذا أسلم لك وأقوم لجوابك إذا سئلت يوم القيامة: " مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ "[القصص: 65].

أفليس صرفك لهذه النصوص عن ظاهرها، وتعيين معنى آخر مخاطرة منك؟! فلعل المراد يكون - على تقدير جواز صرفها - غير ما صرفتها إليه.

الوجه السادس في إبطال مذهب أهل التعطيل: أنه يلزم عليه لوازم باطلة؛ وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.

فمن هذه اللوازم:

أولًا: أن أهل التعطيل لم يصرفوا نصوص الصفات عن ظاهرها إلا حيث اعتقدوا أنه مستلزم أو موهم لتشبيه الله - تعالى - بخلقه، وتشبيه الله - تعالى - بخلقه كفر؛ لأنه تكذيب لقوله - تعالى -:" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ "[الشورى: 11]. قال نعيم بن حماد الخزاعي أحد مشايخ البخاري - رحمهما الله -: من شَبَّهَ الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهًا. اهـ.

ومن المعلوم أَنَّ مِنْ أَبْطَلِ الباطلِ أَنْ يُجْعَلَ ظاهرُ كلامِ اللهِ - تعالى - وكلامِ رسوله صلى الله عليه وسلم تشبيهًا وكفرًا أو موهمًا لذلك.

ثانيًا: أن كتاب الله - تعالى - الذي أنزله تِبْيَانًا لكل شيء، وهدى للناس، وشفاءً لما في الصدور، ونورًا مبينًا، وفرقانًا بين

ص: 118

الحق والباطل لم يبين الله - تعالى - فيه ما يجب على العباد اعتقاده في أسمائه وصفاته، وإنما جعل ذلك موكلًا إلى عقولهم، يثبتون لله ما يشاءون، وينكرون ما لا يريدون؛ وهذا ظاهر البطلان.

ثالثًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها، كانوا قاصرين أو مقصرين في معرفة وتبيين ما يجب لله - تعالى - من الصفات أو يمتنع عليه أو يجوز؛ إذ لم يرد عنهم حرف واحد فيما ذهب إليه أهل التعطيل في صفات الله - تعالى - وسموه تأويلًا.

وحينئذٍ؛ إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون وسلف الأمة وأئمتها قاصرين لجهلهم بذلك وعجزهم عن معرفته، أو مقصرين لعدم بيانهم للأمة، وكلا الأمرين باطل!!

رابعًا: أن كلام الله ورسوله ليس مرجعًا للناس فيما يعتقدونه في ربهم وإلاههم الذي معرفتهم به من أهم ما جاءت به الشرائع؛ بل هو زبدة الرسالات، وإنما المرجع تلك العقول المضطربة المتناقضة، وما خالفها فسبيله التكذيب إن وجدوا إلى ذلك سبيلًا، أو التحريف الذي يسمونه تأويلًا إن لم يتمكنوا من تكذيبه.

خامسًا: أنه يلزم منه جواز نفي ما أثبته الله ورسوله، فيقال في قوله - تعالى -:" وَجَاءَ رَبُّكَ "[الفجر: 22] إنه لا يجيء؛ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: " ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا "(1) إنه لا ينزل؛ لأن إسناد المجيء والنزول إلى الله مجاز عندهم، وأظهر علامات المجاز عند القائلين به صحة نفيه، ونفي ما أثبته الله ورسوله من أبطل الباطل، ولا يمكن الانفكاك عنه بتأويله إلى أمره؛ لأنه ليس في السياق ما يدل عليه.

(1) سبق تخريجه في صفحة (

).

ص: 119

ثم إن من أهل التعطيل من طرد قاعدته في جميع الصفات، أو تعدى إلى الأسماء - أيضًا -.

ومنهم من تناقض فأثبت بعض الصفات دون بعض؛ كالأشعرية والماتريدية: أثبتوا ما أثبتوه بحجة أن العقل يدل عليه، ونفوا ما نفوه بحجة أن العقل ينفيه أو لا يدل عليه.

فنقول لهم: نَفْيُكُم لما نفيتموه بحجة أن العقل لا يدل عليه يمكن إثباته بالطريق العقلي الذي أثبتم به ما أثبتموه كما هو ثابت بالدليل السمعي.

مثال ذلك: أنهم أثبتوا صفة الإرادة، ونفوا صفة الرحمة.

أثبتوا صفة الإرادة لدلالة السمع والعقل عليها.

أما السمع:

فمنه قوله تعالى: " وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ "[البقرة: 253].

وأما العقل:

فإن اختلاف المخلوقات وتخصيص بعضها بما يختص به من ذات أو وصف دليل على الإرادة.

ونفوا الرحمة؛ لأنها تستلزم لِيْنَ الراحمِ وَرِقَّته للمرحوم، وهذا محال في حَقِّ الله - تعالى -.

وَأَوَّلُوا الأدلة السمعية المثبتة للرحمة إلى الفعل أو إرادة الفعل ففسروا الرحيم بالمنعم أو مريد الإنعام.

فنقول لهم: الرحمة ثابتة لله - تعالى - بالأدلة السمعية، وأدلة ثبوتها أكثر عددًا وتنوعًا من أدلة الإرادة.

فقد وردت بالاسم مثل: " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "[الفاتحة: 3].

ص: 120

والصفة مثل: " وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ "[الكهف: 58].

والفعل مثل: " وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ "[العنكبوت: 21].

ويمكن إثباتها بالعقل: فإنَّ النِّعم التي تترى على العباد من كل وجه، والنِّقم التي تدفع عنهم في كل حين دالة على ثبوت الرحمة لله عز وجل، ودلالتها على ذلك أبين وأجلى من دلالة التخصيص على الإرادة، لظهور ذلك للخاصة والعامة، بخلاف دلالة التخصيص على الإرادة، فإنه لا يظهر إلا لأفراد من الناس.

وأما نفيها بحجة أنها تستلزم اللين والرِّقَّة؛

فجوابه: أن هذه الحجة لو كانت مستقيمة لأمكن نفي الإرادة بمثلها؛ فيقال: الإرادة ميل المريد إلى ما يرجو به حصول منفعة أو دفع مضرة، وهذا يستلزم الحاجة، والله - تعالى - مُنَزَّه عن ذلك.

فَإِنْ أُجِيْبَ: بأن هذه إرادة المخلوق أمكن الجواب بمثله في الرحمة بأن الرحمة المستلزمة للنقص هي رحمة المخلوق.

وبهذا تبين بطلان مذهب أهل التعطيل سواء كانت تعطيلًا عامًا أو خاصًا.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ طريقَ الأشاعرةِ والماتريديةِ في أسماء الله وصفاته وما احتجوا به لذلك لا تندفع به شبه المعتزلة والجهمية، وذلك من وجهين:

أحدهما: أنه طريق مبتدع لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا سلف الأمة وأئمتها، والبدعة لا تُدْفَعُ بالبدعةِ وإنما تدفع بالسنة.

الثاني: أن المعتزلة والجهمية يمكنهم أن يحتجوا لما نفوه على الأشاعرة والماتريدية بمثل ما احتج به الأشاعرة والماتريدية لما نفوه على أهل السنة؛ فيقولون: لقد أبحتم لأنفسكم نفي ما نفيتم من

ص: 121

الصفات بما زعمتموه دليلًا عقليًا وَأَوَّلْتُم دليله السمعي، فلماذا تحرمون علينا نفي ما نفيناه بما نراه دليلًا عقليًا، ونأوِّل دليله السمعي؟! فلنا عقول كما أن لكم عقولًا، فإن كانت عقولنا خاطئة فكيف كانت عقولكم صائبة؟!، وإن كانت عقولكم صائبة فكيف كانت عقولنا خاطئة؟! وليس لكم حجة في الإنكار علينا سوى مجرد التحكم واتباع الهوى.

وهذه حجة دامغة وإلزام صحيح من الجهمية والمعتزلة للأشعرية والماتريدية، ولا مدفع لذلك ولا محيص عنه إلا بالرجوع لمذهب السلف الذين يطردون هذا الباب، ويثبتون لله - تعالى - من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتًا لا تمثيل فيه ولا تكييف، وتنزيهًا لا تعطيل فيه ولا تحريف " وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ " [النور: 40].

تنبيه: عُلِمَ مما سبق؛ أن كل معطل ممثل، وكل ممثل معطل.

أما تعطيل المعطل فظاهر، وأما تمثيله فلأنه إنما عطل لاعتقاده أن إثبات الصفات يستلزم التشبيهَ فَمَثَّلَ أولًا، وعَطَّلَ ثانيًا، كما أنه بتعطيله مثله بالناقص (1).

(1) قال ابن القيم في الداء والدواء (ص 330): فإنَّ المشركَ المقرَّ بصفاتِ الرب خيرٌ من المعطل الجاحد لصفات كماله؛ كما أنَّ مَنْ أقرَّ لِمَلِكٍ بالمُلْك، ولم يجحد مُلكه، ولا الصفات التي استحقّ بها الملك، لكن جَعَلَ معه شريكًا في بعض الأمور يُقرِّبُهُ إليه = خيرٌ ممن جحد صفات المِلك وما يكون به مَلَكًا.

هذا أمرٌ مسقر في سائر الفِطَر والعقول؛ فأين القدح في صفات الكمال والجحدُ لها، من عبادة واسطةٍ بين المعبود الحقّ وبين العابد يتقرَّب إليه بعبادة تلك الواسطة إعظامًا له وإجلالًا؟ فداء التعطيل هو الداء العضال الذي لا دواء له.

ص: 122

وأما تمثيل الممثل فظاهر، وأما تعطيله فمن ثلاثة أوجه:

الأول: أنه عطل نفس النص الذي أثبت به الصفة، حيث جعله دالًا على التمثيل مع أنه لا دلالة فيه عليه، وإنما يدل على صفة تليق بالله عز وجل.

الثاني: أَنَّهُ عَطَّلَ كُلَّ نَصٍّ يدل على نفي مماثلة الله لخلقه.

الثالث: أنه عَطَّلَ الله - تعالى - عن كماله الواجب حيث مَثَّلَهُ بالمخلوق الناقص.

التعليق

ما ذكره المؤلف رحمه الله في هذه القاعدة هو شرحٌ وتفصيلٌ لما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في القاعدة الثالثة من العقيدة التدمرية، وحاصل القول: إن الناس اختلفوا في ظاهر نصوص الصفات، وهل هو مرادٌ أو ليس بمرادٍ؟ على ثلاث طوائف.

وقبل ذكرها ينبغي أنْ يُعرف المراد بظاهر النصوص وظاهر الكلام؛ فإذا قيل: ظاهر الكلام كذا؛ فالمراد منه: ما يتبادر إلى ذهن سليم الفهم بلغة المتكلم وحاله.

فإذا قيل ما ظاهر نصوص الصفات؟ فالمراد: المعنى المتبادر منها، وهنا محلُّ النزاع.

فمذهب أهل السنة والجماعة: أنَّ ظاهر نصوص الصفات إثبات ما دلت عليه من المعاني صفاتٍ لله على ما يليق به ويختص به لا يشبه في ذلك صفات خلقه ولا يشبهه أحد من خلقه في شيءٍ من صفاته.

فظاهر النصوص عند أهل السنة والجماعة حقٌ يجب الإيمان به، وهو مراد الله من كلامه ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وأما المعطلة من الجهمية

ص: 123

والمعتزلة ومن وافقهم فظاهر نصوص الصفات عندهم وَصْفُهُ - تعالى - بما دلت عليه، وهذا عندهم تجسيم وتشبيه وتركيب، فظاهرها عندهم باطل لا يجوز اعتقاده، لأنه غير مرادٍ لله - تعالى - ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم، ثم منهم مَنْ لا يفسر هذه النصوص؛ بل يمرها ألفاظ من غير فهمٍ لمعناها؛ بل يقول: إنه لا معنى لها، أو لا يعلم معناها إلا الله، وهذه طريقة أهل التفويض من المعطلة.

ومنهم من يفسر هذه النصوص بخلاف ظاهرها للشُّبَهِ التي بنوا عليها نفيهم للصفات، فقالوا: يجب صرف هذه النصوص عن ظاهرها، لأنَّ ظاهرها كفرٌ وباطل، ويسمون صرف النصوص عن ظاهرها تأويلًا، ولذلك سُمُّوا أهل التأويل؛ والحق: أنه تحريف للكلم عن مواضعه.

وأما الطائفة الثالثة: وهم المشبهة فيقولون: إنَّ ظاهر نصوص الصفات، وصفه - تعالى - بصفاتٍ مثل صفاتنا، ويجب اعتقاد هذا المعنى، فيقول أحدهم: لله سمعٌ كسمعي، وبصرٌ كبصري، ويدٌ كيدي، وعلمٌ كعلمي، وقدرةٌ كقدرتي، ونحو ذلك.

فظاهر النصوص عندهم هو التشبيه وهو مراد، وظاهرها عند المعطلة التشبيه وليس بمراد؛ بناءً على اعتقادهم أنَّ إثبات الصفات لله تشبيه.

فمذهب أهل السنة حق محض، وهم وسط بين أهل التعطيل وأهل التمثيل؛ وأما مذهب المشبهة والمعطلة، فكل منهما فيه حق وباطل؛ فإثبات المشبهة للصفات حقٌ وتشبيه صفاته - تعالى - بصفات خلقه باطل؛ فلزم من قولهم تعطيل الرب من صفاته اللائقة به.

ونفي المعطلة التشبيه عن الله حقٌ ونفيهم للصفات باطل، وهو مستلزم لتشبيهٍ أقبح، فنفروا من تشبيهه - تعالى - بالموجودات فشبهوه بالمعدومات والناقصات والممتنعات؛ فكلٌ من المعطلة والمشبهة جمعوا بين التشبيه والتعطيل.

ص: 124

فالمعطلة شبهوا أولًا، ثم عطلوا ثانيًا، ثمَّ شبهوا ثالثًا؛ والمشبهة شبهوا أولًا، وعطلوا ثانيًا.

وقد أوضح المصنف رحمه الله هذه المذاهب، وميز الحق منها من الباطل بالأدلة العقلية والنقلية مما فيه إحقاق الحق وإبطال الباطل؛ فجزاه الله خيرًا، وأثابه على ما بَيَّن.

ومما جاء في كلامه رحمه الله أنَّ التعطيل: (جناية على النصوص حيث جعلوها دالة على معنى باطل غير لائق بالله ولا مراد له) يعني: جعلوها دالة على إثبات الصفات وإثبات الصفات تشبيه عندهم ، فجعلوها دالة على الكفر لأن تشبيه الله بخلقه كفر ، فيقولون: إن ظاهرها معنى باطل، وهو كفر فيجب تأويلها ولا يجوز اعتقاد ظاهرها.

ولاشك أن المذاهب الباطلة تستلزم أمورًا باطلة في العقل ، فذكر الشيخ قاعدة مهمة وهي:(إن بطلان اللازم يستلزم بطلان الملزوم)، فنفي الصفات عن الله وتحريف النصوص يستلزم هذه اللوازم الباطلة:

1 -

يستلزم تجهيل الرسول والصحابة والأئمة ، أو كتمانهم للحق.

2 -

ويستلزم الطعن في حكمة الله سبحانه وتعالى والطعن في كلامه.

3 -

ويستلزم أن ترك الناس بلا رسالة أهدى لهم.

فكل هذه معان باطلة؛ فإذا بطل اللازم بطل الملزوم.

وما ذكره الشيخ من هذه اللوازم ذكرها شيخ الإسلام في العقيدة الحموية (1) ، فقد ذكر الأدلة العقلية على أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد بيَّن للناس، وبلغ ما يجب عليهم اعتقاده في ربهم ، مما يجب له أو يجوز عليه أو يمتنع عليه ، وبين ما يستلزمه قول المعطلة النفاة من اللوازم الباطلة.

(1) الفتوى الحموية (ص 232 وما بعدها).

ص: 125

وما مستند مذاهب المعطلة؟!

لا مستند لهم من شرع ، إنما يعولون على ما يزعمونه من قولهم: إن إثبات الصفات يستلزم التشبيه ويستلزم التجسيم والتركيب ، فكأنهم يعترضون على الله ورسوله؛ فالله يخبر بهذه الصفات ثم يقولون: لا نثبت هذه الصفات.

وهذا المذهب كما ذكر شيخ الإسلام في العقيدة الحموية أن أصله مستمد من اليهود والصابئة والمجوس (1)؛ فهذا المذهب مستمد من أمم الكفر والإلحاد ، وليس لهم أي مستند من الشرع.

فما ذكره الشيخ هنا من هذا التفصيل وهذا البيان كثير منه معناه مبين في الفتوى الحموية للإمام ابن تيمية ، والشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله قد كان له عناية بالحموية حيث لخصها قديمًا في كتاب أسماه:(فتح رب البرية في تلخيص الحموية)(2).

ومما تضمنه كلام الشيخ رحمه الله: أن المعطلة طوائف وفرق متفاوتون في التعطيل ، فبعضهم أشد مبالغة في التعطيل ، ففيهم الغلاة، وغلاة الغلاة.

فالمعطلة المحضة هم: الذين ينفون الأسماء والصفات مطلقًا؛ وهذا مذهب الجهمية ، فالجهمية هم الأصل في هذا الباب ، فإنهم ينفون الأسماء والصفات، ويقولون عما جاء في النصوص كلها مجاز ، فالأسماء أسماء لبعض مخلوقاته، والصفات يتأولونها بشتى المعان التي تخرجها عن مراد الله ورسوله.

(1) الفتوى الحموية (ص 243).

(2)

وقد طُبِعَ الكتابُ عدةَ مرات، من آخرها الطبعة التي أشرفت عليها مؤسسة الشيخ ابن عثيمين لدى دار ابن الجوزي عام 1427 هـ.

ص: 126

وشَرٌّ منهم: الجهمية الباطنية فهم غلاة الغلاة؛ فإنهم ينفون النقيضين ، ينفون الصفات ونقائضها ، يقولون: ليس بسميع ولا أصم ، ولا بصير ولا أعمى ، ولا موجود ولا معدوم ، ذكر هذا شيخ الإسلام في مواضع من التدمرية وغيرها (1).

ودون هؤلاء وأولئك: المعتزلة؛ فإن المشهور من مذهبهم أنهم يثبتون الأسماء ، لكنهم يجعلونها أسماء محضة ، لا تدل على

معانٍ ، إنما هي أعلام محضة (2) ، وينفون سائر الصفات ، ولا يثبتون هم والجهمية إلا ذاتًا مجردة عن جميع الصفات.

ودون هؤلاء: الأشاعرة والماتريدية؛ فهم أقرب إلى أهل السنة حيث يثبتون بعض الصفات على ما في إثباتهم من انحراف ومن فساد ، كما أنهم يثبتون - مثلا - صفة الكلام، لكنه ليس على الوجه المعقول والمشروع (3).

فكل من نفى شيئًا يسمي من أثبته مشبهًا ، فالغلاة يسمون الجهمية مشبهة ، والجهمية يسمون المعتزلة مشبهة لإثباتهم الأسماء ، والمعتزلة يجعلون الأشاعرة بناءً على مذهبهم مشبهة لأنهم يثبتون بعض الصفات ، والجميع يجعلون أهل السنة مشبهة.

وبهذا يتبين أنَّ فِرَقَ التعطيل متناقضون ، ومن طريقة شيخ الإسلام رحمه الله أن يضرب بعضهم ببعض (4) ، وهذا هو المعنى الذي نقله الشيخ بعباراته لكن مضمونه قد قرره شيخ الإسلام ابن تيمية ، فالأشاعرة قد فرقوا بين المتماثلات ، حيث أثبتوا بعض الصفات زاعمين أن العقل يدل عليها ، ونفوا بعض الصفات زاعمين أن العقل

(1) التدمرية (ص 85).

(2)

التدمرية (ص 92).

(3)

التدمرية (ص 116).

(4)

التدمرية (ص 116).

ص: 127

دل على نفيها أو لم يدل عليها ، والحق أنه لا فرق فالقول في بعض الصفات كالقول في بعض ، لا فرق بين الصفات (1) ، فإما إثبات الجميع أو نفي الجميع ، وبسبب هذا التناقض كل طائفة ترد على الأخرى.

فيمكن الرد على الأشاعرة فيما نفوه بما يردون به هم على المعتزلة فيما أثبتوه ، فما يحتجون به على المعتزلة يحتج به أهل السنة عليهم.

وكذلك المعتزلة مع الجهمية؛ فما يرد به المعتزلة على الجهمية يرد به الأشاعرة وأهل السنة على المعتزلة.

وهذا الأسلوب من الاحتجاج والرد قرره شيخ الإسلام في التدمرية في تقريره الأصل الأول (2)، في قوله:(القول في بعض الصفات كالقول في بعض) ، وذكر الأشاعرة لا باسمهم لكن بمذهبهم ، وأتبعهم بذكر المعتزلة ثم الجهمية ، ثم الجهمية مع من بعدهم من الغلاة ، وذكر هذا المعنى الذي ذكره الشيخ هنا في الرد على الأشاعرة ونحوهم في التناقض ، حيث لا فرق بين ما نفوا وبين ما أثبتوا. فيرد عليهم في الصفات التي أثبتوها زاعمين أن العقل يدل عليها ، بأن يقال: يمكن إثبات ما نفيتم بمثل ما أثبتم به تلك الصفات ، فشيخ الإسلام ابن تيمية هناك طبقها على الصفات السبع ، والشيخ محمد هنا طبقها على واحدة من الصفات السبع وهي الإرادة؛ فمن الصفات التي يثبتونها الإرادة ومن الصفات التي ينفونها الرحمة ، فيقال: لا فرق بين إثبات الإرادة والرحمة ، فإذا قلتم: إن الإرادة دل العقل عليها ، قلنا: يمكن إثبات الرحمة بالعقل؛ فإنعام الله على العباد ونفعهم بالإحسان يدل

(1) التدمرية (ص 116).

(2)

التدمرية (ص 116).

ص: 128

على الرحمة ، كدلالة التخصيص على الإرادة ، فيحسن أن يرجع طالب العلم إلى هذا في التدمرية، فإنه هو الأصل في تقرير هذا الاحتجاج.

والشيخ محمد هنا - أخيرًا - نَبَّهَ إلى أن المعطلة مشبهة ، والمشبهة معطلة؛ فكل معطل مشبه، وكل مشبه معطل ، وقد تقدم بيانه (1)؛ والله أعلم.

(1) في صفحة رقم (83

).

ص: 129