الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: ترتيبات العسكر الإسلامي في الدخول
المبحث الأول: ترتيبات الدخول
في ذي طوى، المنطقة التي تدعى اليوم في مكة بـ (الزاهر) قسم الرسول صلى الله عليه وسلم الجيش إلى خمس فرق، وقد ترأس الفرقة الأولى عليه الصلاة والسلام، أما الفرق الأخرى فهي على النحو الآتي:
1 -
الزبير بن العوام، ومهمة فرقته السيطرة على البقعة الشمالية من مكة.
2 -
خالد بن الوليد، كلفت مجموعته دخول مكة من الناحية الجنوبية (1).
3 -
أبو عبيدة بن الجراح، وقد أعطيت فرقته السيطرة على الجهة الشمالية الغربية.
4 -
قيس بن سعد بن عبادة، وقد كلفت مجموعته بالدخول إلى مكة من الناحية الجنوبية الغربية.
وقد تحركت الفرق بالوقت المطلوب على النحو الآتي:
1 -
الزبير بن العوّام: تحرّك رتله من الشمال، وقد أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتوقّف بفرقته، ويركز رايته عند الحجون (2).
(1) قال أبو هريرة رضي الله عنه: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى، وجعل الزبير بن العوام على المجنبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادي)) مسلم، كتاب الجهاد، باب فتح مكة، برقم 86 - (1780، والبياذقة: هم الرجَّالة.
(2)
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز رايته عند الحجون، قال عروة: وأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس يقول للزبير بن العوام: يا أبا عبد الله، هاهنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية. أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح؟، برقم 4280.
2 – بالنسبة لخالد بن الوليد فقد تحرّك بمجموعته المكونة من المشاة، لكي يدخل مكة من الجنوب (المسفلة) اليوم.
3 – أما أبو عبيدة، فقد تحرّك بمجموعته المكونة من المشاة؛ لكي يدخل مكة من زاويتها الشمالية الغربية.
4 – أما قيس بن سعد، فقد اندفع ليدخل مكة من غربها (1) الجنوبي (2).
(1) قال ابن كثير في الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، 178: وقد جعل صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه على المقدمة، وخالد بن الوليد رضي الله عنه على الميمنة، والزبير بن العوّام رضي الله عنه على الميسرة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في القلب، وكان أعطى الراية سعد بن عبادة رضي الله عنه، فبلغه أنه قال لأبي سفيان حين مرّ عليه: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحلّ الحرمة، والحُرمة: هي الكعبة، فلما شكا أبو سفيان ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((بل هذا يوم تعظَّم فيه الكعبة))، فأمر بأخذ الراية من سعد، فتعطى علياً، وقيل: الزبير، وهو الصحيح. اهـ. وانظر: زاهية الدجاني، فتح مكة نصر مبين، ص71 - 73.
(2)
روى الإمام مسلم، وأبو داود عن عبد الله بن رباح، قال: وفدت وفود إلى معاوية، وذلك في رمضان - فكان يصنع بعضنا لبعض طعاماً، فكان أبو هريرة رضي الله عنه مما يكثر أن يدعونا إلى رحله، فقلت: ألا أصنع طعاماً فأدعوهم إلى رحلي؟ فأمرت بطعام يُصنع، ثم لقيت أبا هريرة من العشي، فقلت: الدعوة عندي الليلة، فقال: سبقتني؟ فقلت: نعم، فدعوتهم، فقال أبو هريرة: ألا أُعلِمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟ ثم ذكر فتح مكة، فقال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالداً على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحُسَّر، فأخذ [وا] بطن الوادي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبةٍ، قال: فنظر فرآني، فقال: أبو هريرة؟ قلت: لبيك يا رسول الله، فقال: اهتف، لا يأتيني إلا أنصاري – ومن الرواة من قال: اهتف لي بالأنصار، قال: فأطافوا به، ووبشت قريش من أوباش لها وأتباع، وفي رواية: ووبشت قريش أوباشها وأتباعها، فقالوا: نقدم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سلبنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم؟ ثم قال بيديه – إحداهما على الأخرى – ثم قال: حتى توافوني بالصفا، قال: فانطلقنا، فما شاء أحد منا أن يقتل أحداً إلا قتله، وما أحد منهم يوجه إلينا شيئاً، قال: فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله، أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي – وكان إذا جاء [الوحي] لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي – فلما قضي الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: قلتم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته؟ قالوا: قد كان ذلك، قال: كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، المحيا محياكم، والممات مماتكم، فأقبلوا إليه يبكون، ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضنّ بالله وبرسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ورسوله يصدقانكم، ويعذرانكم، قال: فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان، وأغلق الناس عليهم أبوابهم، قال: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت قال: فأتى على صنم إلى جانب البيت كانوا يعبدونه، قال: وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس، وهو آخذ بسية القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعن في عينه، ويقول:{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} فلما فرغ من طوافه أتى الصفا، فعلا عليه حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه، فجعل يحمد الله، ويدعو ما شاء أن يدعو)).
وفي رواية بهذا الحديث، وزاد في الحديث:((ثم قال بيديه، إحداهما على الأخرى: احصدوا حصداً)) قال: وفي الحديث: ((قالوا: ذاك يا رسول الله، قال: فما اسمي إذاً؟ كلا، إني عبد الله ورسوله)).
وفي رواية أخرى قال: ((وفدنا إلى معاوية بن أبي سفيان، وفينا أبو هريرة، وكان كل رجل منا يصنع طعاماً يوماً لأصحابه، فكانت نوبتي، فقلت: يا أبا هريرة، اليوم يومي، فجاءوا إلى المنزل، ولم يدرك طعامنا، فقلت: يا أبا هريرة، لو حدثتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدرك طعامنا؟ فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى، وجعل الزبير على المجنبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادي، فقال: يا أبا هريرة، ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فجاءوا يهرولون، فقال: يا معشر الأنصار، هل ترون أوباش قريش؟ قالوا: نعم، قال: انظروا إذا لقيتموهم غداً: أن تحصدوهم حصداً، وأحفى بيده، ووضع يمينه على شماله، وقال: موعدكم الصفا، قال: فما أشرف لهم يومئذ أحد إلا أناموه، قال: وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا [وجاءت الأنصار، فأطافوا بالصفا]، فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول الله، أُبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، قال أبو سفيان: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، فقالت الأنصار: أما الرجل: فقد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريته، ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلتم: أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريته؟ ألا فما اسمي إذا؟ – ثلاث مرات – أنا محمد عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم، قالوا: والله، ما قلنا إلا ضناً بالله ورسوله، قال: فإن الله ورسوله يصدقانكم، ويعذرانكم)). أخرجه مسلم.
وفي رواية أبي داود عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة سرَّح الزبير بن العوام، وأبا عبيدة بن الجراح، وخالد بن الوليد على الخيل، وقال: يا أبا هريرة، اهتف لي بالأنصار، فلما اجتمعوا قال: اسلكوا هذا الطريق، فلا يشرفنّ لكم أحد، إلا أنمتموه، فنادى منادٍ: لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل داراً فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، فعمد صناديد قريش فدخلوا الكعبة، فغص بهم، وطاف النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلف المقام، ثم أخذ بجنبتي الباب، فخرجوا، فبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام)). [رواه مسلم، برقم 1780 في الجهاد، باب فتح مكة، وأبو داود رقم 3024 في الخراج والإمارة باب ما جاء في خبر مكة].
شرح الغريب:
* (المجنبتين) المجنبة: جانب العسكر، وله مجنبتان: ميمنة، وميسرة.
* (على الحُسَّر) جمع حاسر، وهو الذي لا درع عليه، ولا مغفر، وقد روي في كتب الغريب (الحُبَّس) وهم الرَّجَّالة، سموا بذلك لتأخرهم عن الركبان، قال: وأحسب الواحد حبيساً، فعيل بمعنى مفعول، ويجوز أن [يكون] حابساً، كأنه يحبس من يسير الركبان بمسيره. قال الحميدي: والذي رأيناه من رواية أصحاب الحديث (الحسَّر)، والله أعلم.
* (وبَّشت أوباشها) الأوباش: الجموع من قبائل شتى، والتوبيش: الجمع، أي: جمعت لها جموعاً من أقوام متفرقين في الأنساب والأماكن.
* (أُبيدت خضراء قريش) أي: استؤصلت وأُهلكت، وخضراؤها: سوادها ومعظمها، والعرب تعبر بالخضرة عن السواد، وبالسواد عن الكثرة.
* (الضِّنُّ): البخل والشحّ، ضَنِنْتُ، وضَنَنْتُ أَضِنُّ.
* (فاستلمه): استلام الحجر الأسود: لمسه باليد.
* (سِيَة القوس) مخفقاً: طرفها إلى موضع الوتر.
* (زهق الباطل) أي: اضمحلّ، وذهب ضائعاً.
* (البياذقة): الرَّجًّالة، سموا بذلك لخفة حركتهم، وأنهم ليس معهم ما يثقلهم، وهذا القول ما يعضد رواية أصحاب الغريب في (الحُبَّس) موضع (الحُسَّر)، فإن الحبَّس: هم الرجَّالة على ما فسروه، فقد اتفقت الروايتان في المعنى، فقال مرة:(الحبَّس)، وقال مرة:(البياذقة) أراد بهما: الرَّجَّالة، بخلاف (الحسَّر)، وقد يمكن أن يجمع بين (الحسر)، و (البياذقة)، فإن (الحسر) هم الذين لا سلاح معهم، أو لا درع عليهم، ولا مِغفر، والغالب من حال الدَّارعين: أنهم الفرسان، وأن الرَّجَّالة: لا يكون عليهم دروع، لأمرين: أحدهما: أن الراجل يثقله الدرع، والآخر: أن الراجل لا يكون له درع لضعفه ورقة حاله، والله أعلم.
* (احصدوهم) الحصد: كناية عن الاستئصال، والمبالغة في القتل.
* (أحفَى) قال الحميدي: أحفى بيده: أشار بحافَّتِها، وصفاً للحصد والقتل.
* (أناموه) أي: قتلوه، ومنه سُمّي السيف مُنيماً، أي: مُهلكاً. [جامع الأصول، 8/ 373].