الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: قصود أبي سفيان المدينة للمفاوضات
أحست قريش بخطأٍ فادح وقعت فيه، غير واعية للأحداث التي
غيّرت مجرى الأحوال، وذلك بعدد أن أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إليها بقبول أحد الشروط الآتية:
أ - إما أن تدفع ديات من قتل من خزاعة.
ب - إما أن تحلّ نفسها من عهد بني بكر.
ج - إما أن تعلن أن صلح الحديبية أمسى لاغياً.
فردّت قريش بقبول الشرط الأخير.
وقد أسرع أبو سفيان للمدينة، يحاول أن يصلح ما وقع فيه
القرشيون من النقض الصارخ للصلح (1)، بيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغفل
(1) قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وقد بعثته قريش [يعني أبا سفيان] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليشدّ العقد، ويزيد في المدّة، وقد رهبوا الذي صنعوا، ثم خرج أبو سفيان حتى قدم المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، طوته عنه، فقال: يا بُنيّة، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ فقالت: بل هو فِراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مشركٌ نجسٌ، فقال: والله لقد أصابك بعدي شرّ [لا والله بل أصابها الخير].
ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلّمه، فلم يردّ عليه شيئاً، ثم ذهب إلى أبي بكر، فكلمه أن يكلّم له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أنا بفاعل، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلَّمه، فقال: أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوالله لو لم أجد إلا الذِّرَّ لجاهدتكم به، ثم جاء فدخل على عليٍّ بن أبي طالب، وعنده فاطمة، وحسنٌ غلام يدبّ بين يديهما، فقال: يا عليّ، إنك أمسُّ القوم بي رحماً، وإني قد جئت في حاجة، فلا أرجعنَّ كما جئت خائباً، اشفع لي إلى محمد، فقال: ويحك يا أبا سفيان، والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلّمه فيه، فالتفت إلى فاطمة فقال:((هل لك أن تأمري ابنك هذا، فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ قالت: والله ما يبلغ ابني ذاك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا أبا الحسن، إني أرى الأمور قد اشتدّت عليَّ، فانصحني، قال: والله ما أعلم لك شيئاً يغني عنك، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجِرْ بين الناس، ثم الحق بأرضك، قال: أو ترى ذلك مغنياً عني شيئاً، قال: لا والله ما أظنه، ولكني ما أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان في المسجد فقال: أيها الناس! أني قد أجرتُ بين الناس، ثم ركب بعيره، فانطلق، فلمّا قدم على قريش، قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمداً فكلَّمته، فوالله ما ردَّ عليّ شيئاً، ثم جئت ابن أبي قُحافة، فلم أجد فيه خيراً، ثم جئت عمر بن الخطاب، فوجدته أعدى العدو، ثم جئت عليّاً فوجدته ألين القوم، قد أشار عَليَّ بشيء صنعته، فوالله ما أدري، هل يغني عني شيئاً، أم لا؟ قالوا: وبم أمرك؟ قال: أمرني أن أجير بن الناس، ففعلت، فقالوا: فهل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا. قالوا: ويلك، والله إن زاد الرجل على أن لعب بك. قال: لا والله، ما وجدت غير ذلك)) [زاد المعاد، 3/ 397 - 398].
المكيدة، فلم يقبل المساومة (1).
(1) قال ابن كثير في الفصول، ص174 - 175: وذهب أبو سفيان حتى قدم المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورَضْيَ اللَّهُ عنْهَا، فذهب ليقعد على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنعته، وقالت: إنك رجل مشرك نجس. فقال: والله يا بنيّة لقد أصابك بعدي شرٌّ. ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه ما جاء له، فلم يجبه صلى الله عليه وسلم بكلمة واحدة، ثم ذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه، فطلب منه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى عليه، ثم جاء إلى عمر رضي الله عنه، فأغلظ له، وقال: أنا أفعل ذلك؟! والله لو لم أجد إلا الذّرّ لقاتلتكم به، وجاء علياً رضي الله عنه، فلم يفعل، وطلب من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورَضْيَ اللَّهُ عنْهَا أن تأمر ولدها الحسن أن يجير بين الناس، فقالت: ما بلغ بني ذلك، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار عليه علي رضي الله عنه أن يقوم هو فيجير بين الناس، ففعل، ورجع إلى مكة، فأعلمهم بما كان منه ومنهم، فقالوا: والله ما زاد – يعنون علياً – أن لعب بك.
وانظر: السيرة النبوية لابن هشام، 4/ 55 - 56، وزاد المعاد لابن القيم، 3/ 397 - 398، وانظر أيضاً: أحمد السايح، معارك حاسمة في حياة المسلمين، ص88، و89.