الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - الفوائد المقتطفة من مقدمة أصول الفقه
د. ثابت، الاثنين 14/ 6/1422هـ
المستوى الأول شريعة
مقدمة أصول الفقه
تعريف أصول الفقه: لفظ أصول الفقه له اعتباران: أحدهما قبل أن يجعل علماً ولقباً على هذا العلم المعروف المخصوص، والآخر بعد جعله علماً ولقباً عليه، فإذا نظرنا بالاعتبار الأول وجدناه مركباً إضافيّاً من كلمتين: هما: أصول - وفقه، وحينئذ يتوقف معرفة أصول الفقه على معرفة هاتين الكلمتين.
فلا يعرف معنى هذا اللفظ إلا إذا عرف معنى أصول الفقه، وإذا نظرنا إليه باعتبار الثاني، أي بعد جعله لقباً وعلماً على علم أصول الفقه وجدناه: لفظاً مفرداً لا يدل جزؤه على جزء معناه، فكلمة أصول وحدها لا تدلّ على شيء، وإنما الذي يدلّ على المقصود: هو مجموع الكلمتين، ولهذا لابد من تعريف أصول الفقه بالاعتبارين.
أصول الفقه: باعتبار معناه الإضافي (قبل جعله علماً ولقباً).
سبق أن ذكرنا أن أصول الفقه قبل جعله علماً ولقباً على هذا العلم: مركب من كلمتين (تركيب إضافي)، هما:(أصول)، و (فقه)، ومعلوم أن معرفة المركب متوقفة على معرفة جميع أجزائه، وحينئذ لابد من معرفة كل جزء على حدة حتى يمكن معرفة هذا المركب.
أصول: جمع أصل، والأصل في اللغة: يطلق على ما يُبنى عليه غيره؛ سواء كان الابتناء حسيّاً أم عقليّاً.
فالابتناء الحسي: مثل ابتناء السقف على الحائط.
والابتناء العقلي: مثل ابتناء المدلول (وهو الحكم) على الدليل، مثل قوله سبحانه:{وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ} (1): فإن هذا الدليل أصل لوجوب الصلاة.
(الأصل في الاصطلاح):
وهو يختلف باختلاف المصطلحين، فما اصطلح عليه أهل علم غير ما اصطلح عليه أهل علم آخر.
فالأصل عند الفقهاء: يطلق على الدليل التفصيلي، فيقولون: الأصل في وجوب الصلاة: قوله سبحانه: {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ} .
(وأما الأصل عند الأصوليين) فيطلق على ما يلي:
1 -
يطلق على القاعدة الكلية مثل: كل أمر للوجوب فهو يعتبر قاعدة للوجوب كلية، وأصلاً من أصولهم يعتمد عليه.
2 -
يطلق على الدليل الإجمالي، وهو: الكتاب، السنة، الإجماع، القياس، وغيرها من الأدلة المختلف فيها مثل: الاستحسان، المصالح المرسلة، وقول الصحابي، وغير ذلك.
3 -
قد يطلق الأصل على المقيس عليه: كقوله: الخمر أصل للنبيذ.
(1) سورة البقرة، الآية:43.
أي المحل الذي قيس النبيذ عليه.
4 -
قد يطلق الأصل على الراجح مثل: الأصل في الكلام الحقيقة، أي الراجح في الكلام الحقيقة دون المجاز.
5 -
يطلق الأصل على المستصحب، كقولهم: تعارض الأصل والطارئ: أي تعارض الشيء المستصحب.
والراجح من هذه الإطلاقات: أن الأصل يطلق على الدليل الإجمالي؛ لأنه هو الذي يبحث عنه علم الأصول.
(والفقه يطلق في اللغة بثلاث إطلاقات):
1 -
أن الفقه في اللغة: مطلق الفهم، سواء كان الفهم دقيقاً أم جليّاً، غرضاً لمتكلم أو ليس غرضاً له، وإلى هذا ذهب الآمدي، وهو الراجح.
2 -
أن الفقه في اللغة: خاص بفهم غرض المتكلم من كلامه، دقيقاً أم جليّاً (أي الغرض)، فلا يطلق على غيره مما ليس غرضاً، كالطير والحيوان، وإلى هذا ذهب الإمام الرازي.
3 -
أنه خاص بفهم الأشياء الدقيقة، سواء أكان غرضاً لمتكلم أم لا، فلا يطلق على الأمور الجلية الظاهرة، فلا يقال: فهمت (فقهت) أن السماء فوقنا، وإلى هذا ذهب أبو إسحاق المروزي.
والراجح من هذه الإطلاقات هو الإطلاق الأول، وهو أن الفقه في اللغة: مطلق الفهم؛ لأنه مؤيَّد بالقرآن، وبكلام العرب.
أما من القرآن: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ} (1) الآية وقال: {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (2)} وجاء في كلام العرب: (الفقه فهم الشيء).
الفقه في الاصطلاح:
هو العلم بالأحكام الشرعية العملية، المكتسب من أدلة الأحكام (أدلتها) التفصيلية.
شرح التعريف:
قوله: العلم: مطلق الإدراك الشامل للتصور والتصديق، سواء أكان إدراكاً للذات، كالعلم بذات محمد، أم إدراكاً للنسب التامة التي يحسن السكوت عليها، كالعلم بأن محمداً قائم، أو النسب الناقصة، وهي التي لا يحسن السكوت عليها، كغلام محمد.
وقوله: بالأحكام: قيد أول، وبدخوله على العلم، انصرف لفظ العلم إلى الإدراك الجازم المطابق للواقع، الناشئ عن الدليل.
فيكون العلم بالأحكام تصديقاً لا تصوراً، فإن تصور الأحكام ليس من الفقه، والأحكام: جمع حكم، وهو في العرف اللغوي: ثبوت أمر لأمر آخر أو نفيه عنه، كثبوت الوجوب للصلاة في قولنا: (الصلاة
(1) سورة هود، الآية:91.
(2)
سورة النساء، الآية:78.
واجبة)، والحرمة للزنا في قولنا:(الزنى حرام)، أو نفي الحكم عن الشيء مثل (الوتر ليس بواجب).
وقوله: الشرعية: أي المأخوذة من الشرع، وهو قيد ثان، والمراد بالشرع: أدلته، وهي: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والأدلة المختلف فيها، مثل: الاستحسان، المصالح المرسلة وغيرها.
وخرج بقيد الشرعية:
أ - الأحكام العقلية، كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين.
ب - الأحكام الحسية: كالعلم بأن الشمس محرقة.
ج - الأحكام الوضعية اللغوية: كالعلم بأن الفاعل مرفوع.
وقوله: العملية: قيد ثالث، والمراد به: الأحكام المتعلقة بالعمل من حيث الكيفية.
والعمل يطلق في العرف على ما يشمل أعمال العقلاء، فلا يشمل إذاً البهائم.
والمراد هنا: أفعال الجوارح الظاهرة: كالصدقة، والزكاة، والحج. والباطنة: مثل: النية، والرياء، والحسد (والمراد بالباطنة هنا غير الاعتقادية)، فإن هذه الأعمال باطنة، وغير اعتقادية.
وقوله: المكتسب: قيد رابع، وهو صفة للعلم؛ ولذلك يقرأ بالرفع، ولا يصح أن يكون مجروراً على أنه صفة للأحكام.
والأحكام جمع، والمكتسب مفرد؛ ولأن الأحكام مؤنثة والمكتسب مذكر، ولا يصح أن يكون صفة للأحكام؛ لأن الصفة تأخذ حكم الموصوف إفراداً وتذكيراً. والمراد بالمكتسب: الحاصل بعد أن لم يكن، فخرج بذلك علم الله بالأحكام؛ لأن علمه بالأحكام ليس مكتسباً، وإنما هو أزلي قائم بذاته تعالى؛ ولأنه ليس حاصلاً بعد أن لم يكن؛ لأن ذلك يستدعي سبق الجهل، وهو محال في حقه تعالى.
ومعنى اكتساب العلم بالأحكام من الأدلة التفصيلية: استنباطها من الدليل التفصيلي، من جهة دلالة الدليل الدال عليها.
وقوله: من أدلته (أدلتها) التفصيلية: المراد به أدلة الأحكام، وجيء بهذا القيد بالاحتراز عن العلم المكتسب من غير أدلة، كعلم جبريل، فإنه حاصل من اللوح المحفوظ، ومأخوذ منه، فهو ضروري لا كسبي، وخرج به أيضاً علم الرسول صلى الله عليه وسلم بالأحكام غير اجتهادية؛ فإن علمه بها مأخوذ من الوحي، وخرج به أيضاً علم الصحابة بالأحكام التي تلقوها عن الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة؛ لأنه مأخوذ بالتلقي، وخرج بالتفصيلية: علم المقلِّد؛ لأنه ليس مكتسباً من الدليل التفصيلي، وخرج به العلم الحاصل للخلافي، وهو من نصَّب نفسه لحفظ أحكام إمامه؛ لوجود ما يقتضيها، وعدم ما يخالفها.
وخرج عن هذا التعريف: الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة (كوجوب الصلاة) بالنسبة للعامي؛ فإنه لم يأخذها من دليل تفصيلي،
وإن كانت هذه الأحكام في الأصل مكتسبة من الدليل التفصيلي.
تعريف علم أصول الفقه باعتبار معناه اللقبي:
عرف العلماء أصول الفقه باعتبار معناه اللقبي: أنه معرفة دلائل الفقه إجمالاً، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد.
شرح التعريف:
قوله: معرفة: المراد بها مطلق الإدراك الشامل للتصور والتصديق، وهو جنس في التعريف، يشمل معرفة الأدلة، ومعرفة غيرها، وبإضافة المعرفة إلى الدلائل علمنا أن المراد: التصديق، لا التصور، وهو الإدراك الجازم المطابق للواقع، الناشئ عن دليل.
ودلائل: جمع دليل، والدليل في اللغة: المرشد للشيء والكاشف عن حقيقته، وهو في اصطلاح الأصوليين: ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري، سواء كان قطعيّاً أو ظنيّاً، وعلى هذا فهو يشمل جميع الأدلة المتفق عليها، والمختلف فيها، كالكتاب، والسنة، والإجماع، والاستصحاب.
كما يشمل الأدلة القطعية: كالكتاب، والسنة المتواترة، والأدلة الظنية التي هي أمارات وعلامات على الأحكام.
وبإضافة الدليل إلى الفقه (وبإضافة الدلائل إلى الفقه): خرج به معرفة دلائل غير الفقه، كمعرفة دلائل علم الكلام، ودلائل علم النحو، فلا تسمى معرفتها أصولاً؛ لأن الأصول: معرفة دلائل الفقه، وهذا هو
القيد الثاني في التعريف.
درس يوم الأحد 21/ 6/1422 هـ، د. ثابت.
والمراد من معرفة الأدلة: معرفة الأحوال المتعلقة بهذه الأدلة، مثل أن يعرف أن الأمر يفيد الوجوب، وذلك عند عدم القرينة الصارفة عنه، وأن الإجماع يفيد الحكم قطعاً أو ظنّاً، وأن القياس يثبت الحكم ظنّاً.
والإجمال لغة: الجمع والخلط.
وفي عرف الأصوليين: يطلق على عدم الإيضاح، ومنه المجمل، والمراد به:(الدلائل الإجمالية): الدلائل الكلية غير المعنية بالشخص، كمطلق أمر أو نهي، ومطلق إجماع، ومطلق قياس، هو قيد ثالث: خرج به الأدلة التفصيلية للأحكام الشرعية.
وقوله: وكيفية الاستفادة منها: مجرور بالعطف على دلائل، فيكون المعنى: معرفة دلائل الفقه، ومعرفة كيفية الاستفادة منها.
وقوله: وحال المستفيد: أي معرفة حال المستفيد، وهذا المستفيد، هو خصوص المجتهد: أي الفقيه الذي يطلب حكم الله، عن دليل تفصيلي، وقيل إن المراد بالمستفيد: هو مطلق طالب حكم الله، فيدخل فيه المجتهد والمُقلِّد، وذلك أن المجتهد يستفيد الأحكام من الأدلة، والمقلد يستفيد الأحكام من المجتهد.
والراجح هو الأول، ولا يصح إدخال المقلد في علم الأصول أصلاً.
ما هو موضوع علم أصول الفقه:
اختلف العلماء على أقوال في تحديد موضوع علم أصول الفقه:
الأول: أن موضوعه هو الأدلة السمعية الإجمالية الموصلة إلى الأحكام بطريق الاجتهاد بعد الترجيح عند تعارضها، وإلى هذا ذهب الجمهور، وعلى هذا فموضوع علم الأصول: هو الأدلة المتفق عليها: كالكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والأدلة المختلف فيها بأنواعها، وكذا الترجيح بين الأدلة عند تعارضها، والاجتهاد باعتبار أن المجتهد هو الذي يستنبط الحكم، وكذا البحث عن العوارض الذاتية للأدلة السمعية ومعرفة أنواعها.
الثاني: أن موضوعه: الأحكام الشرعية من حيث ثبوتها بالأدلة، وهي الأحكام التكليفية: كالإيجاب، والندب، والتحريم، والإباحة على القول بأنها تكليفية، والأحكام الوضعية: كالسببية، والشرطية، والمانعية، والصحة، أو الفساد، وهو قول بعض الحنفية.
الثالث: أن موضوعه الأدلة والأحكام الشرعية، وإلى هذا ذهب صدر الشريعة، ولكل قول من هذه الأقوال ما يدعمه ويقويه، وإن كان أرجحها هو الأول.