الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - الفوائد المقتطفة من الحديث
د. خليل، الأحد 21/ 6/1422هـ
الحديث الأول:
* أخرج أبو داود بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا: أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هو الطهور ماؤه، الحلّ ميتته)) (1).
* ترجمة راوي الحديث:
أبو هريرة: هو الصحابي الجليل، الحافظ، المكثر من الرواية، اختلف في اسمه، واسم أبيه.
قال ابن عبد البر: الذي تسكن النفس إليه من الأقوال أنه عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وبه قال إسحاق وغيره، وقد اشتهر بكنيته حتى لا يكاد يذكر باسمه.
أسلم عام خيبر، وشهدها مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولازم الرسول عليه
(1) أخرجه أبو داود، برقم 83، واللفظ له، والترمذي، برقم 69، وابن ماجه، برقم 386، والنسائي، برقم 59، وأحمد، برقم 7233، وابن أبي شيبة، برقم 1389، وصححه ابن خزيمة، برقم 111، وأخرجه مالك، 2/ 29، والشافعي، برقم 42، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 76.
الصلاة والسلام. حتى كان أكثر الصحابة حديثاً. قال أبو أحمد الحاكم: ذكر لأبي هريرة في مسند بقي بن مخلد: 5374 حديثاً، وهو أكثر الصحابة حديثاً، فليس لأحد من الصحابة هذا القدر من الرواية، ولا ما يقاربهُ.
ويرجع إكثاره إلى أسباب: ومنها:
1 -
ملازمة أبي هريرة للرسول صلى الله عليه وسلم.
2 -
دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام له بالحفظ.
3 -
صفاء ذهنه وشدة ذكائه.
4 -
حرصه، وتعاهده لمجالس الحديث.
5 -
تفرّغه، وانعدام ما يشغله.
6 -
تأخُّر وفاته حتى احتاج الناس إليه.
وقد كثر تلاميذه، حتى قال الإمام البخاري رحمه الله: رَوَى عن أبي هريرة أكثر من ثمانمائة رجل من صاحب وتابع، وقد استعمله عمر على البحرين ثم عزله، ثم أراده على العمل فامتنع. أخرج له الشيخان 325 حديثاً، وانفرد البخاري بـ93، ومسلم بـ189 حديثاً، وتوفي في المدينة سنة 7، أو 8، أو 59هـرحمه الله، ورضي عنه.
قوله: ((هو الطهور)): أي المطهر، قال ابن الأثير: والماء الطهور في الفقه هو الذي يرفع الحدث، ويزيل النجس؛ لأن فعولاً من أبنية المبالغة،
فكأنه كناها في الطهارة، والماء الطاهر غير الطهور هو الذي لا يرفع الحدث، ولا يزيل النجس، كالمستعمل في الوضوء والغسل. وقال الزرقاني: الطهور هو البالغ في الطهارة، ومنه قوله:(الطهور) أي طاهراً في ذاته مُطهِّراً لغيره، قال الصنعاني:((فأفاد [النبي]صلى الله عليه وسلم: أن ماء البحر طاهر مطهر لا يخرج عن الطهورية .. )) ص17 - 18. من سبل السلام.
- حلول الميتة في الماء لا تخرجه عن الطهورية، كما هو الحال في البر.
قوله عليه الصلاة والسلام: ((ماؤه)) بالرفع: فاعل الطهور، وقوله:((الحل)): أي الحلال كما في رواية الدارقطني عن جابر، وأنس، وابن عمرو.
((ميتته)): بالرفع فاعل الحل، وقد اختلف أهل العلم في حل غير السمك من دواب البحر.
وفيما يلي عرض لأهم أقوالهم:
1 -
قال الحنفية: يحرم أكل ما سوى السمك.
2 -
قال مالك: يباح كل ما في البحر.
3 -
عن الشافعية أقوال ثلاثة، وقد لخّصها ابن حجر: لا خلاف بين العلماء في حِلِّ السمك على اختلاف أنواعه، وإنما اختلفوا فيما كان على صورة حيوان البر: كالكلب، والخنزير، والثعبان، فعند الحنفية، وهو قول للشافعية: يحرم، ما عدا السمك، وعن الشافعية: الحل مطلقاً على الأصحّ المنصوص، وهو مذهب
مالك إلا الخنزير، وحجتهم في ذلك قوله سبحانه وتعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ
…
} (1) الآية. ومن السنة حديث أبي هريرة هذا.
وعن الشافعية قول ثالث: ما يؤكل نظيره في البر حلال، وما لا فلا. واستثنوا على الأرجح ما يعيش في البر والبحر، وهو نوعان:
- النوع الأول: ما ورد في منع أكله شيء يخصه كالضفدع للنهي عن قتله، والتمساح؛ لكونه يعدو بنابه، ومثله القرش، والثعبان، والعقرب، للاستخباث والضرر اللاحق من السم.
- النوع الثاني: ما لم يرد في حكمه مانع: فيحل أكله بشرط التذكية، كالبط وطير الماء.
وقد أجاب الأحناف عن قوله: ((الحل ميتته)) بأن المراد من الميتة السمك لا غيره. بدليل حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحلت لنا ميتتان ودمان .. )) (2) الحديث.
يؤخذ من الحديث الأحكام الآتية:
1 -
فيه أن الطهور: هو الماء المفطور على خلقته، السليم في نفسه، الخالي من الأعراض المؤثرة فيه.
(1) سورة المائدة، الآية:96.
(2)
أخرجه أحمد، برقم 5723، وابن ماجه، برقم 3314، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 2679.
2 -
فيه أن العالِم والمفتي إذا سُئل عن شيء وهو يعلم أن للسائل حاجة إلى معرفة ما وراءه مما يتصل بمسألته كان مستحباً له تعليمه إياه، والزيادة في جواب المسألة لأنهم سألوه عليه الصلاة والسلام عن ماء البحر فحسب، فأجابهم عن مائه وطعامه، لعلمه بحاجتهم إلى الماء والطعام.
3 -
فيه أن على العالم أن يُزيل ما قد يُشكل بالنسبة للسائل، فقد أخبرهم عليه الصلاة والسلام بأن ميتة البحر حلال، بخلاف سائر الميتات؛ لئلا يتوهموا أن ماء البحر ينجس بحلولها إياه.
4 -
فيه دليل على أن السمك الطافي حلال، وأنه لا فرق بين ما كان موته في الماء، وبين ما كان موته خارج الماء.
5 -
فيه دليل لمن ذهب إلى حكم جميع أنواع الحيوان التي تسكن البحر إذا مات فيه الطهارة، إلا ما استثني بدليل شرعي.
الحديث الثاني:
أخرجه الترمذي بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) (1).
(1) أخرجه أبو داود، برقم 66، والترمذي، برقم 66، والنسائي، برقم 325، وأحمد، برقم 2100، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 60.
وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد.
ترجمة راوي الحديث:
هو سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد (أبو سعيد الخدري) الأنصاري الخزرجي، مشهور بكنيته، وهو من أعلام الصحابة وفضلائهم، وكان من الحفّاظ لحديث رسول الله المكثرين، أول مشاهده الخندق، وغزا مع رسول الله اثنتي عشرة غزوة، وروى عنه من الصحابة: جابر، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر، وأنس، وابن الزبير وغيرهم، ومن الأتباع: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة، وعطاء بن يسار، وعُرف أبو سعيد بالاستقامة، والحرص على الحق، وهو الذي روى حديث النهي عن المنكر، وطبَّقه عمليّاً حيث جذب مروان بن الحكم من ثوبه عند تغييره السنة، بتقديم خطبة العيد على الصلاة.
روي له في كتب السنة 1170 حديثاً، اتفق الشيخان على 111 حديثاً، وانفرد البخاري بـ16، ومسلم بـ52.
توفي بالمدينة سنة 74 وله 86 سنة. (أسد الغابة)، 2/ 451. رحمه الله ورضي عنه.