الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقل كذا، فلما أُدخلت عليه ورآني قال: لا مرحباً، ولا أهلاً، جئتني ولست في الشرف من قومك، ولا عريفاً ففعلت وفعلت، ثم خرجت عليَّ؟ وأنا ساكت فقال: تكلّم. فقلت: أصلح الله الأمير، كلّ ما قلته حقّ، ولكنّا قد اكتحلنا بعدك السهر، وتحلَّسنا الخوف، ولم نكن مع ذلك بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء، فهذا أوان حقنت لي دمي، واستقبلت بي التوبة. قال: قد فعلت ذلك (1).
6 - ابن سيرين يذب عن الحجاج ويدفع غيبته:
سمع ابن سيرين رجلاً يسبّ الحجاج، فأقبل عليه فقال له: مهْ أيها الرجل، فإنك لو قد وافيت الآخرة، كان أصغر ذنب عملته قط أعظم عليك من أعظم ذنب عمله الحجاج، واعلم أن الله تعالى حَكَمٌ عَدْلٌ، إن أخذ من الحجاج لمن ظلمه، فسوف يأخذ للحجاج ممن ظلمه، فلا تشغلن نفسك بسب أحد (2).
7 - مواقفه مع محمد ابن الحنفية:
عن الحسن بن علي بن محمد ابن الحنفية عن أبيه قال: لما صار محمد بن علي إلى الشعب سنة اثنتين وسبعين، وابن الزبير لم يقتل، والحجاج محاصره، أرسل إليه أن يبايع لعبد الملك، فقال ابن الحنفية: قد عرفت مقامي بمكة، وشخوصي إلى الطائف وإلى الشام، كل هذا إباءً مني أن أبايع ابن الزبير أو عبد الملك، حتى
(1) سير أعلام التابعين، ص101، 103، وانظر: سير أعلام النبلاء، 4/ 294 - 319، برقم 113، والطبقات الكبرى، 6/ 259 - 267، برقم 2316، وتهذيب الكمال، 14/ 18 - 40، برقم 3042.
(2)
سير أعلام التابعين، ص 114، وانظر: سير أعلام النبلاء، 4/ 606 - 622، برقم 246، وحلية الأولياء، 2/ 298 - 320، برقم 193.
يجتمع الناس على أحدهما، وأنا رجل ليس عندي خلاف، لما رأيت الناس اختلفوا اعتزلتهم حتى يجتمعوا، فأويت إلى أعظم بلاد الله حرمة، يأمن فيه الطير، فأساء ابن الزبير جواري، فتحولت إلى الشام، فكره عبد الملك قربي، فتحوّلت إلى الحرم، فإن يقتل ابن الزبير، ويجتمع الناس على عبد الملك أبايعك، فأبى الحجاج أن يرضى بذلك منه حتى يبايع لعبد الملك، فأبى ذلك ابن الحنفية، وأبى الحجاج أن يقرّه على ذلك، فلم يزل محمد يدافعه حتى قتل ابن الزبير.
فلما اجتمع الناس على عبد الملك، وبايع ابن عمر، قال ابن عمر لابن الحنفية: ما بقي شيء فبايع، فكتب ابن الحنفية إلى عبد الملك:
بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين من محمد بن علي أما بعد، فإني لما رأيت الأمة قد اختلفت اعتزلتهم، فلما أفضى هذا الأمر إليك، وبايعك الناس كنت كرجل منهم، أدخل في صالح ما دخلوا فيه، فقد بايعتك، وبايعت الحجاج لك، وبعثت إليك ببيعتي، ورأيت الناس قد اجتمعوا عليك، ونحن نحب أن تؤمّننا، وتعطينا ميثاقاً على الوفاء، فإن الغدر لا خير فيه، فإن أبيت فإن أرض الله واسعة.
فلما قرأ عبد الملك الكتاب قال قبيصة بن ذؤيب وروح بن زنباع: ما لك عليه سبيل، ولو أراد فتقاً لقدر عليه، ولقد سلّم وبايع، فنرى أن تكتب إليه بالعهد والميثاق بالأمان له، والعهد لأصحابه. ففعل فكتب إليه عبد الملك: إنك عندنا محمود، أنت أحب وأقرب بنا رحماً من ابن الزبير، فلك العهد والميثاق وذمة رسوله أن لا
تهاج، ولا أحد من أصحابك بشيء تكرهه، ارجع إلى بلدك، واذهب حيث شئت، ولست أدع صلتك وعونك ما حييت، وكتب إلى الحجاج يأمره بحسن جواره وإكرامه، فرجع ابن الحنفية إلى المدينة.
وعن زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: وفدت مع أبان بن عثمان على عبد الملك بن مروان وعنده ابن الحنفية، فدعا عبد الملك بسيف النبي صلى الله عليه وسلم، فأتي به، ودعا بصيقل فنظر إليه فقال: ما رأيت حديدة قط أجود منها. قال عبد الملك: ولا والله ما أرى الناس مثل صاحبها، يا محمد هبْ لي هذا السيف، فقال محمد: أينا رأيت أحقّ به فليأخذه. قال عبد الملك: إن كان لك قرابة، فلكلٍّ قرابة وحق، قال: فأعطاه محمدٌ عبدَ الملك، وقال: يا أمير المؤمنين إن هذا - يعني الحجاج وهو عنده - قد آذاني، واستخفّ بحقي، ولو كانت خمسة دراهم أرسل إليّ فيها، فقال عبد الملك: لا إمرة لك عليه. فلما ولّى محمد، قال عبد الملك للحجاج: أدركه فسُلّ سخيمته. فأدركه فقال: إن أمير المؤمنين أرسلني إليك لأسلّ سخيمتك، ولا مرحباً بشيء ساءك. فقال محمد. ويحك يا حجاج، اتقّ الله، واحذر الله، ما من صباح يصبحه العباد إلا لله في كل عبد من عباده ثلاثمائة وستون لحظة، إن أخذ أخذ بمقدرة، وإن عفا عفا بحلم، فاحذر الله. فقال له الحجاج: لا تسألني شيئاً إلا أعطيتكه، فقال له محمد: وتفعل؟ قال له الحجاج: نعم. قال: فإني أسألك صَرم الدهر. قال فذكر الحجاج ذلك لعبد الملك، فأرسل عبد الملك إلى رأس الجالوت، فذكر له الذي قال محمد، وقال: إن رجلاً منا ذكر حديثاً ما سمعناه إلا منه. وأخبره بقول محمد، فقال رأس الجالوت: ما