المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الأغنام))، ثم يعودون قبل غروب الشمس، ويسمّونه الرّواح، فيقولون: راحت - مجموع رسائل عبد الرحمن بن وهف القحطاني

[عبد الرحمن بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الرسالة الأولىسيرةالشاب الصالح

- ‌المقدمة

- ‌أولاً: مولده:

- ‌ثانياً: نشأته:

- ‌ المدرسة الابتدائية

- ‌ ثم درس المتوسطة

- ‌ ثم انتقل إلى المرحلة الثانوية

- ‌ ثم تخرّج من هذه الثانوية

- ‌ ثم انتقل إلى المرحلة الجامعية

- ‌ مشايخه في كلية الشريعة قسم الشريعة:

- ‌ زملاؤه في كلية الشريعة

- ‌ثالثاً: طلبه للعلم خارج المدارس النظامية:

- ‌ بحوث مفيدة:

- ‌الأول: الجنة والنار من الكتاب والسنة المطهرة

- ‌الثاني: غزوة فتح مكة في السنة المطهرة

- ‌الثالث: أبراج الزجاج في سيرة الحجاج

- ‌ تعليقات مفيدة على بعض كتبه

- ‌أ - فضل العلم:

- ‌ب - آداب طالب العلم:

- ‌جـ - عقبات في طريق العلم:

- ‌رابعاً: الحِكَمُ التي كتبها رحمه الله قبل وفاته:

- ‌خامساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

- ‌سادساً: أخلاقه العظيمة رحمه الله تعالى:

- ‌سابعاً: وفاته مع شقيقه وسيرة عبد الرحيم رحمهما الله:

- ‌ثامناً: ما قاله عنه: العلماء، ومعلموه، وزملاؤه:

- ‌أ - ما قاله العلماء

- ‌1 - (1) الحمد لله على قدره وقضائه واختياره لعبده

- ‌2 - (2) علوُّ الهمةِ وصِدقُ العزيمةِ

- ‌3 - (3) يا فتى الطُّهرِ طِبتَ حيّاً وميّتاً

- ‌4 - (4) أنتم شهداء الله في الأرض

- ‌5 - (5) صاحب الروح الطيبة والسيرة العطرة

- ‌ب - ما قاله معلموه:

- ‌6 - (1) - دمعة على فراق أبي سعيد

- ‌7 - (2) ورحل…عبد الرحمن

- ‌8 - (3) ورحل عبد الرحمن

- ‌ج - قال عنه زملاؤه:

- ‌9 - (1) عاجل بشرى المؤمن

- ‌10 - (2) أعظم الأماني الشهادة في سبيل الله تعالى

- ‌11 - (3) الأمر بالمعروف مع سعة الصدر

- ‌12 - (4) عبد الرحمن لم تمت أخلاقه وبقيت معالمها

- ‌13 - (5) يا رب فارحمه ووسِّع قبره وانشر له نوراً بكل مكان

- ‌14 - (6) الخشوع والإخبات لله تعالى

- ‌15 - (7) حكم وفوائد عظيمة

- ‌الفوائد التي اقتطفها الابن عبد الرحمن رحمه الله من أساتذة كلية الشريعة:

- ‌1 - الفوائد المقتطفة من علوم القرآن (تفسير)

- ‌مركز السنة من القرآن:

- ‌2 - الفوائد المقتطفة من التفسير

- ‌ أسباب النزول:

- ‌3 - الفوائد المقتطفة من مصطلح الحديث

- ‌4 - الفوائد المقتطفة من الحديث

- ‌5 - الفوائد المقتطفة من مقدمة أصول الفقه

- ‌6 - الفوائد المقتطفة من الفقه

- ‌الروض المربع (مع حاشية ابن قاسم)

- ‌7 - الفوائد المقتطفة من النظم الإسلامية

- ‌الخاتمة

- ‌الرسالة الثانيةالجنة والنار

- ‌مقدمة المحقق

- ‌وعملي في هذه الرسالة على النحو الآتي:

- ‌مقدمة المؤلف رحمه الله تعالى

- ‌الباب الأولالجنة والنار: (تعريف وبيان)

- ‌الفصل الأولتعريف الجنة والنار، وذكر أسمائهما

- ‌المبحث الأول: تعريف الجنة، وذكر أسمائها:

- ‌ومن أسماء الجنة:

- ‌المبحث الثاني: تعريف النار وذكر أسمائها:

- ‌ ومن أسماء النار نعوذ بالله منها:

- ‌الفصل الثانيهل الجنة والنار موجودتان؟ وأين مكانهما

- ‌المبحث الأول: إثبات وجود الجنة والنار:

- ‌ومن الأحاديث الدالة على وجود الجنة الآن:

- ‌المبحث الثاني:‌‌ مكان الجنةوالنار:

- ‌ مكان الجنة

- ‌ مكان النار:

- ‌الباب الثانينعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار

- ‌الفصل الأولنعيم أهل الجنة

- ‌المبحث الأول: النعيم النفسي:

- ‌المبحث الثاني: النعيم الحسي لأهل الجنة:

- ‌[1 - أنهار الجنة]

- ‌[2، 3] الحور العين، ومساكن أهل الجنة:

- ‌[4، 5] أَكلُ أهل الجنة، وشرابهم:

- ‌الفصل الثانيعذاب أهل النار

- ‌المبحث الأول: العذاب النفسي:

- ‌المبحث الثاني: العذاب الحسي لأهل النار:

- ‌من عذاب أهل النار: الجحيم، والزقوم:

- ‌الباب الثالثالطريق إلى الجنة، والنجاة من النار

- ‌الفصل الأولالطريق إلى الجنة، وأسباب دخولها

- ‌المبحث الأول: أسباب دخول الجنة:

- ‌المبحث الثاني: دخول الجنة برحمة الله لا بالعمل

- ‌الفصل الثانيالنجاة من النار، وأسباب دخولها

- ‌المبحث الأول: الأسباب الموصلة إلى النار:

- ‌المبحث الثاني: كيف نقي أنفسنا وأهلينا من النار

- ‌من الأسباب الواقية من النار:

- ‌الخاتمة

- ‌الرسالة الثالثةغزوة فتح مكة

- ‌مقدمة المحقق

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولالأسباب التي دعت إلى فتح مكة والإعداد له

- ‌الفصل الأول: الأسباب التي دعت إلى فتح مكة

- ‌المبحث الأول: سبب الفتح

- ‌المبحث الثاني: قصود أبي سفيان المدينة للمفاوضات

- ‌الفصل الثاني: الإعداد للفتح

- ‌المبحث الأول: عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على التجهز والحشد

- ‌المبحث الثاني: محاولة نقل نبأ الغزو

- ‌الباب الثانيمسيرة الجيش النبوي

- ‌الفصل الأول: توزيع الجيش، وتحركه، والوضع المكي

- ‌المبحث الأول: توزيع الجيش عسكرياً

- ‌المبحث الثاني: زحف الجيش، وتحركه، والوضع المكي

- ‌الفصل الثاني: تجسس قريش للأخبار

- ‌المبحث الأول: إسلام العباس، وتجسسات قريش للأخبار النبوية

- ‌المبحث الثاني: إسلام أبي سفيان، والعرض العسكري أمامه

- ‌الباب الثالثدخول مكة المكرمة

- ‌الفصل الأول: ترتيبات العسكر الإسلامي في الدخول

- ‌المبحث الأول: ترتيبات الدخول

- ‌المبحث الثاني: اشتباك مع فرسان خالد بن الوليد:

- ‌الفصل الثاني: دخول المسجد الحرام، وتحطيم الأصنام

- ‌المبحث الأول: دخول المسجد الحرام، وتحطيم الأصنام

- ‌المبحث الثاني: أخبار المهدرة دماؤهم

- ‌الباب الرابعالآثار الاستراتيجية للفتح ومقومات الانتصار

- ‌الفصل الأول: الآثار الاستراتيجية للفتح، ودروس منه

- ‌المبحث الأول: الآثار الاستراتيجية للفتح

- ‌المبحث الثاني: دروس من الفتح

- ‌الفصل الثاني: مقومات الانتصار في الفتح

- ‌المبحث الأول: الهدف

- ‌المبحث الثاني: الوسيلة

- ‌الخاتمة

- ‌الرسالة الرابعةأبراج الزجاجفي سيرة الحجاج

- ‌مقدمة المحقق

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولمن هو الحجاج

- ‌الفصل الأولنسبه ومولده، وأسرته

- ‌المبحث الأول: نسبه، ومولده:

- ‌المبحث الثاني: أسرته:

- ‌الفصل الثانيأولاده وزوجاته

- ‌المبحث الأول: أولاد الحجاج:

- ‌ وللحجاج ذرية في دمشق، منهم:

- ‌ كما أن للحجاج في باجه بالأندلس ذرية:

- ‌المبحث الثاني: زوجات الحجاج، وأخباره معهن:

- ‌الباب الثانيالحجاج وبداية الإمارة

- ‌الفصل الأولما قبل الإمارة، وقتل ابن الزبير

- ‌المبحث الأول: ما قبل الإمارة:

- ‌المبحث الثاني: قتل ابن الزبير:

- ‌الفصل الثانيالحجاج وإمارته على العراق

- ‌المبحث الأول: إمارة العراق

- ‌المبحث الثاني: فتوحات الحجاج:

- ‌المبحث الثالث: صفات الحجاج وإصلاحاته:

- ‌ من صفات الحجاج:

- ‌1 - حفظه للقرآن وفقهه:

- ‌2 - الصدق:

- ‌3 - عقليته وسياسته:

- ‌4 - قبوله للنصح:

- ‌أما إصلاحات الحجاج فمنها:

- ‌الباب الثالثالحجاج والأدب العربي

- ‌الفصل الأولالشعر العربي

- ‌المبحث الأول: ما قيل فيه من مدح:

- ‌المبحث الثاني: ما قيل فيه من هجاء:

- ‌الفصل الثانيالحجاج والخطابة

- ‌المبحث الأول: الخطب:

- ‌المبحث الثاني: الرسائل:

- ‌الباب الرابعنقد الحجاج ونهايته

- ‌الفصل الأولنقد الحجاج

- ‌المبحث الأول: آراء العلماء وأهل الحديث فيه:

- ‌المبحث الثاني: الرُّؤى والأحلام في الحجاج:

- ‌الفصل الثانينهاية الحجاج

- ‌المبحث الأول: موته، ووقته:

- ‌المبحث الثاني: أثر وفاته:

- ‌[مواقف الحجاج مع التابعين ومواقفهم معه

- ‌1 - موقفه مع الحسن البصري:

- ‌2 - موقفه مع سعيد بن المسيّب:

- ‌3 - خروج ابن الأشعث على الحجاج:

- ‌4 - موقفه مع سعيد بن جبير:

- ‌5 - مواقفه مع الشعبي:

- ‌6 - ابن سيرين يذب عن الحجاج ويدفع غيبته:

- ‌7 - مواقفه مع محمد ابن الحنفية:

- ‌8 - شقيق بن سلمة يدعو على الحجاج ثم يعتذر، ويدفع غيبته:

- ‌9 - مواقفه مع سالم بن عبد الله بن عمر:

- ‌الخاتمة

- ‌الرسالة الخامسةمواقف لا تنسىمن سيرة والدتي رحمها الله

- ‌المقدمة

- ‌ أولاً: ولادتها:

- ‌ ثانياً: نشأتها:

- ‌ ثالثاً: زواجها

- ‌ رابعاً:

- ‌ خامساً:

- ‌ سادساً:

- ‌ سابعاً:

- ‌ ثامناً:

- ‌ تاسعاً: صلاتها:

- ‌ عاشراً: نوافل الصلاة:

- ‌ الحادي عشر: صيامها:

- ‌ الثاني عشر: ذكرها لله تعالى:

- ‌ الثالث عشر: حجّها:

- ‌ الرابع عشر: عُمَرُها:

- ‌ الخامس عشر: صدقاتها، وكرمها:

- ‌ السادس عشر: أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر:

- ‌ السابع عشر: برُّها بأمها وأبيها رحمهم الله تعالى:

- ‌ الثامن عشر: ذريتها:

- ‌ التاسع عشر: مرضها العظيم:

- ‌ العشرون:

- ‌ الحادي والعشرون:

الفصل: الأغنام))، ثم يعودون قبل غروب الشمس، ويسمّونه الرّواح، فيقولون: راحت

الأغنام))، ثم يعودون قبل غروب الشمس، ويسمّونه الرّواح، فيقولون: راحت الأغنام إذا وصلت البيوت بعد الرعي مساءً، ويقولون: سرحت إذا ذهبت صباحاً.

*‌

‌ رابعاً:

بعد سنتين من زواجها تقريباً حملت بابنها الأكبر، وهو بكرها: سعيد، كاتب هذه الأسطر: عفا الله عني، وتجاوز، وغفر، وعن والدتي الغالية، ووالدي العزيز، وعن ذريتهما، وجميع المؤمنين المخلصين.

وكانت ولادتها ببكرها سعيد في شهر الفطر 25/ 10/ عام 1372 تقريباً، كما أخبرتني الوالدة رحمها الله، وكانت حالة الوضع صعبة جداً، فقد أخبرتني الوالدة رحمها الله أنها سرحت بالأغنام في ذلك اليوم من شهر الفطر من ذلك العام، وكان الوقت صيفاً، وفي حرٍّ شديد، فكانت تُطْلَقُ طلقاً شديداً في الرّمضاء الحارّة الشديدة في منتصف النهار، فدخلت رحمها الله تحت سدرة تستظلّ، ويسمّون السّدْر ((العِلْب))، فوضعت تحت شجرة السدرة وقت الظهر تقريباً، وهي عند الأغنام، وليس معها أحد إلا الله عز وجل، وقد جَهَّزَت سكّيناً معها؛ لتقطع السرَّ للمولود، وفعلاً قطعت السرّ، وقد كانت بكراً لا تُحسن القطع للسرِّ رحمها الله، فلم تربط السرّ، بل قطعته، وتركته ينزف دماً، وحملت الطفل الغالي عندها جداً، بعد أن لَفَّته في خرقة، وقامت تسوق الغنم حتى وصلت بيت الشعر قبل غروب الشمس، وعندما رأتها عمّتها أخت أبيها، وهي أمُّ زوجها، مهرة بنت محمد بن جازعة استقبلتها، ودعت لها وبرّكت، وهالها ما

ص: 317

رأت من الدماء المتدفّقة من سرِّ المولود، فما كان من عمّتها مهرة إلا أن ربطت السرّ، فوقفت الدماء، وقد كاد الطفل أن يموت لولا رحمة الله تعالى، وأنه تعالى جعل جدتي مهرة المذكورة سبباً في حياة الطفل، رحمها الله، وقد كانت جدتي مهرة من الذاكرات الله كثيراً، وخاصة في آخر حياتها، ومما سمعته من ذكرها في طفولتي: أنها كانت تستغفر الله كثيراً، وتسبّح، وتهلِّل، وتكبّر، ومن ذلك أنها كانت تقول: ((أستغفر الله ألفاً في ألف، عدد حروف القرآن حرفاً حرفاً، والملائكة تكتب، والله يعفو

))، وكنت أسمع دويَّ صوتها بالذكر في غرفتها كدويّ صوت النحل، وكانت إذا شربت لبناً أو حليباً قالت بعد الشرب:((الحمد لله الذي أخرجه لي من بين فرثٍ ودمٍ))، أو:((الحمد لله الذي سقاني هذا من بين فرثٍ ودمٍ)).

وقد كانت لا تقرأ ولا تكتب، ولكن دعاءها هذا مقتبس من قول الله تعالى:{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ} (1)، وقوله تعالى:{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} (2).

وكان مكان حادثة الولادة المذكورة -كما أخبرتني الوالدة رحمها الله، وكما أخبرتني أمي من الرضاعة زوجة أبي صالحة بنت دغش أحسن الله لنا ولها الخاتمة - في جبال السّود شرق وادي العلوبي أسفل العرين، في

(1) سورة النحل، الآية:66.

(2)

سورة المؤمنون، الآية:21.

ص: 318

ظهر جبال السّود، في شِعبٍ يُقال له شوحطة، وَسَيْلُه يقع في وادي الإسلي، ووادي الإسلي في الجهة الغربية الجنوبية لوادي الأمواه، وسيل الإسلي يقع في وادي العَوَص غرب الأمواه، وسيل وادي العَوَص يقع في تثليث.

واستمرَّت الوالدة مع الوالد، ومع أمي من الرضاعة زوجة أبي صالحة، ومع عمتها أخت أبيها أم زوجها مهرة، يتنقَّلون من شِعبٍ إلى شِعبٍ يتتبعون مواقع القطر، وشعف الجبال بأغنامهم، وكانوا يحملون الماء على الحمير في القِرَب، وربما حملوها على الإبل، لكن الجمال في الغالب يحملون عليها الأثاث وبيوت الشَّعْر، ويركبون عليها، أما الماء فيحملونه على الحمير في الغالب.

ولم تحمل الوالدة بعد ولدها الأول إلا بعد سنتين تقريباً، ثم حملت بالأخ الشقيق حسين أبي عليّ، مؤذّن الجامع الكبير بطريب، ومغسِّل الأموات هناك، أمدَّ الله في عمره على طاعته، ووضعت حملها في أسفل وادي العلوبي، وهو وادٍ في أسفل وادي العرين، يبعد عنه ثلاثين كيلو تقريباً، وسيله يصبُّ في وادي عرقة، وسيل عرقة يصبُّ في وادي تثليث، وقد كان مكان ولادة الأخ حسين شمال شرق وادي العلوبي، في شِعبٍ يقال له كُرَيْشة، وبداية سيل شعب كريشة تبدأ من أعلى جبال السود، ونهايته تصبُّ في وادي عرقة، وهي معروفة الآن بعرقة آل سليمان.

وكان ذلك ليلاً، حين جاء الوالدة الطلقُ، فتركتني في وسط الغنم،

ص: 319

وأمرت راعيةً عندنا أن تُشْغِلَني عنها ((والراعية هي رفعة بنت جبران بن محمد بن جازعة، وهي بنت عم الوالدة، وهي أم زوجتي أم عبد الرحمن))، فوضعت الوالدة في الجبل، وكان من عادة النساء إذا أردن الوضع أن تذهب إحداهن لأعلى الجبل، لتستتر عن الناس، وتبتعد عنهم حتى لا يسمعوا ما يحصل عند الوضع، والله أعلم.

وكان ذلك الزمن يُعرَف بخريف كويع، وهو سيل شديد قلع الأشجار، وأهلك كثيراً من الناس، وحصل به دمار عظيم، ومات فيه خلق كثير، منهم رجل يقال له: كويع، فأرّخوا به هذه الحادثة، وهو عام 1375هـ.

ثم لم تحمل الوالدة بعد الأخ حسين مدة ست سنين تقريباً، واستمرّوا على ما هم عليه من رعي الأغنام، والتنقلات من مكان إلى مكان على حسب الأمطار، ومواقع القطر، وشعف الجبال، والأودية، والشعاب.

وفي عام 1382هـ وضعت الوالدة الأخ الشقيق الدكتور سعداً أبا عبد العزيز، الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود، أمدَّ الله في عمره على طاعته.

وكنت على علمٍ بما يحدث، وكانت الولادة آنذاك في شعبٍ يقال له قرضة، في حدباء يُقال لها: البيضاء، وشِعب قرضة وحدباء البيضاء بداية سيلهما من جبال السود جنوب شعب شوحطة الذي وُلِدْتُ فيه، فإذا ذهب الذاهب إلى جبال السود من أعلى قرضة، وتجاوز الجبل، وقع في

ص: 320

شعب شوحطة.

وشعب قرضة مع حدباء البيضاء يقع سيلهما في وادي العلوبي الذي سبق ذكره.

وفي يومٍ من الأيام من عام 1382هـ وَلَدت أمي رحمها الله الأخ سعداً داخل بيت الشَّعْر، وليس معها أحدٌ إلاّ الله تعالى، وأظن أن الأغنام كانت محيطة بها في ذلك البيت، وأظن أن ذلك كان وقت العصر، ومن شدة التعب الذي حصل لها خرج الطفل أسود، والله المستعان.

ولكن أخبرني الأخ الشقيق حسين أنه كان عند الوالدة في ذلك اليوم، وكان في السابعة من عمره قال: ذهبتَ أنتَ يا أخي سعيد عند الغنم ترعاها في الجبال صباحاً، وبقيتُ أنا عند الوالدة في بيت الشعر، وفي الضحى أخرَجَتْني من البيت، فامتنعتُ، فأخذت ترميني بالحجارة حتى خرجتُ، وحينما كنتُ خارج البيت سمعتُ صوت الطفل يصرخ صُراخاً عظيماً، فجئتُ مسرعاً، وجاء الكلب من خارج البيت ينبح نُباحاً عظيماً لشدة صياح الصبي، وكاد الكلب أن يخطف الطفل من بين يدي الوالدة، فرمتْه رحمها الله بالتراب حتى خرج من البيت، ثم جئتَ أنت يا أخي سعيد بالأغنام وقت العصر.

وقد أخبرتني الوالدة رحمها الله أنها عندما وضعت الأخ سعداً، وسمع الأخ حسين صياح الطفل، ونباح الكلب، ورأى الكلب يقترب وينبح، فزع الأخ حسين فزعاً شديداً، وجاء إليها وقال: يا أمي لا تعطيهِ

ص: 321