الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تسلط الحجاج على أحد بعدي.
وسقط رأس سعيد على الأرض، الرأس التي كانت تحوي علوماً كثيرة، وتضم تفسير كلام رب العالمين، سقطت على الأرض، وذكر أهل التاريخ أن رأسه هلّلت ثلاث مرات: لا إله إلا الله، يفصح في الأوليين، ولم يفصح في الثالثة.
ومات سعيد الإنسان والجسد، ولكن لم تمت ذكراه، ولم يمت اسمه وعلمه وفقهه، ومات أيضاً الحجاج بعده بقليل شرّ ميتة، فاشتدّت عليه آلام المرض، وغصص الموت، فكان يهبّ مذعوراً وهو يقول: ما لي ولسعيد بن جبير، ويكرّرها، حتى أهلكه الله، وخلّص العباد والبلاد من شرّه وطغيانه، ورؤي الحجاج في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: قتلني الله بكل امرئ قتلة واحدة وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة (1).
5 - مواقفه مع الشعبي:
يقال إن الحجاج بن يوسف الثقفي قال للشعبي يوماً: كم عطاءك في السنة؟ فقال الشعبي: ألفين. فقال الحجاج: ويحك! كم عطاؤك؟ فقال الشعبي: ألفان. قال الحجاج: كيف لحنت أولاً؟! قال الشعبي: لحن الأمير فلحنت. فلما أعرب أعربت، وما أمكن أن يلحن الأمير وأعرب أنا. فاستحسن ذلك منه وأجازه.
وعن الشعبي قال: لما قدم الحجاج سألني عن أشياء من العلم، فوجدني بها عارفاً، فجعلني عريفاً على قومي الشعبيين، ومنكباً على جميع همدان، وفرض لي، فلم أزل عنده بأحسن منزلة، حتى كان
(1) سير أعلام التابعين، ص70 - 72. انظر: المراجع السابقة.
شأن عبد الرحمن بن الأشعث، فأتاني قُرّاء أهل الكوفة، فقالوا: يا أبا عمرو، إنك زعيم القرّاء، فلم يزالوا حتى خرجت معهم، فقمت بين الصفين أذكر الحجاج، وأعيبه بأشياء، فبلغني أنه قال: ألا تعجبون من هذا الخبيث أما لئن أمكنني الله منه لأجعلن الدنيا عليه أضيق من مَسْكِ جمل. قال: فما لبثنا أن هُزمنا، فجئت إلى بيتي، وأغلقت عليّ، فمكثت تسعة أشهر، فندب الناس لخراسان، فقام قتيبة بن مسلم، فقال: أنا لها، فعقد له على خراسان، فنادى مناديه: من لحق بعسكر قتيبة فهو آمن، فاشترى مولى لي حماراً، وزوّدني، ثم خرجت، فكنت في العسكر، فلم أزل معه حتى أتينا فَرْغانة؛ فجلس ذات يوم وقد برق؛ فنظرت إليه فقلت: أيها الأمير، عندي علم (ما تريد) فقال: ومن أنت؟ قلتُ: أعيذك ألا تسأل عن ذلك، فعرف أني ممن يخفي نفسه؛ فدعا بكتاب فقال: اكتب نسخة. قلت: لا تحتاج إلى ذلك، فجعلت أملي عليه وهو ينظر، حتى فرغ من كتاب الفتح. قال: فحملني على بغلة، وأرسل إلي بسرق من حرير، وكنت عنده في أحسن منزلة، فإني ليلة أتعشى معه، إذا أنا برسول الحجاج بكتاب فيه: إذا نظرت في كتابي هذا، فإن صاحب كتابك عامر الشعبي، فإن فاتك، قطعت يدك على رجلك وعزلتك. قال: فالتفت إليّ، وقال: ما عرفتك قبل الساعة، فاذهب حيث شئت من الأرض، فوالله لأحلفن له بكل يمين؛ فقلت: أيها الأمير، إن مثلي لا يخفى، فقال: أنت أعلم. قال: فبعثني إليه وقال: إذا وصلتم إلى خضراء واسط فقيّدوه، ثم أدخلوه على الحجاج.
فلما دنوت من واسط، استقبلني ابن أبي مسلم، فقال: يا أبا عمرو، إني لأضنُّ بك عن القتل، إذا دخلت على الأمير فقل كذا،