الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: الأسباب التي دعت إلى فتح مكة
المبحث الأول: سبب الفتح
في السنة الثامنة من الهجرة نقضت قريش عهدها (عهد صلح الحديبية)، فأصبح لاغياً؛ لأنها ظلت جامدة على كفرها وعنادها، غير واعية للأحداث الخطيرة في جزيرة العرب التي غيَّرت الأحداث والأحوال، وتوشك أن تغير العالم كله، [و] في ذلك العام اعتدت قبيلة بني بكر (حلفاء قريش) على خزاعة (حلفاء المسلمين)(1)، فقتلوا منهم
(1) قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ((وكان السبب الذي جرَّ إليه وحدا إليه، فيما ذكر إمامُ أهل السير والمغازي والأخبار محمد بن إسحاق بن يسار، أن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة عَدَتْ على خزاعة، وهم على ماء يُقال له: الوتير، فبيَّتوهم وقتلوا منهم، وكان الذي هاج ذلك أن رجلاً من بني الحضرمي يقال له: مالك بن عبَّاد خرج تاجراً، فلما توسّط أرض خزاعة، عَدَوْا عليه فقتلوه، وأخذوا ماله، فعدت بنو بكر على رجل من بني خُزاعة فقتلوه، فعدت خُزاعة على بني الأسود، وهم سَلْمى، وكلثوم، وذُؤيب، فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم [حجارة تجعل علامات بين الحل والحرم]، هذا كله قبل المبعث، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء الإسلام، حجز بينهم، وتشاغل الناس بشأنه، فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، وقع الشرط: أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، فَعَلَ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم، فعل، فدخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم، ودخلت خُزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، فلما استمرت الهدنة، اغتنمها بنو بكر من خزاعة، وأرادوا أن يصيبوا منهم الثأر القديم، فخرج نوفل بن معاوية الديلي في جماعة من بني بكر، فبيت خُزاعة وهم على الوتير، فأصابوا منهم رجالاً، وتناوشوا، واقتتلوا، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح، وقاتل معهم من قريش من قاتل مستخفياً ليلاً، ذكر ابن سعد منهم: صفوان بن أمية، وحُويطب بن عبد العزى، ومِكْرز بن حفص، حتى حازوا خُزاعة إلى الحرم، فلما انتهوا إليه، قالت بنو بكر: يا نوفل! إنا قد دخلنا الحرم، إلهك، إلهك. فقال كلمة عظيمة: لا إله له اليوم، يا بني بكر أصيبوا ثأركم، فلعمري إنكم لتسرِقُون في الحرم، أفلا تُصيبون ثأركم فيه؟! فلما دخلت خزاعة مكة، لجؤوا إلى دار بُديل بن ورقاء الخُزاعي، ودار مولى لهم يقال له: رافع، ويخرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قَدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فوقف عليه، وهو جالس في المسجد بين ظهراني أصحابه، فقال:
يا ربِّ إني ناشدُ محمّداً
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
حلف أبينا وأبيه الأتلدا
…
))
[زاد المعاد لابن القيم، 3/ 395 - 396]، وذكر الأبيات الكاملة، ويأتي ذكرها بعد قليل.
عدداً كبيراً، وقريش تمدهم بالسلاح وتعينهم على البغي في الحرم سراً.
وعلى الرغم من أن العقلاء من بني بكر حذّروا زعيمهم من القتال في الحرم، وقالوا: إلهك، إلهك، إلا أنه تمادى، وقال: لا إله لي اليوم، يا بني بكر أصيبوا ثأركم، فَلَعَمْري إنكم لتسرقون فيه، أفلا تُصيبون ثأركم فيه (1)؟
واستمرت المقاتلة في الحرم باشتراك رجال من قريش، وفزعت خزاعة مما حلّ بها، وبعثت وفداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنشد عمرو بن سالم قصيدة أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، [فَذُكِرَ عنه أنه صلى الله عليه وسلم] قال:((نُصرتَ يا عمرَو بنَ سالمٍ)) (2).
(1) انظر: السيرة النبوية لابن هشام، 4/ 46 - 47، ط مكتبة المنار، والفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لابن كثير، ص173، ط مكتبة المعارف، وط دار الصفا، ص122، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر، 7/ 519 - 520، ط مكتبة المعارف، دار الفيحاء، وزاد المعاد لابن قيم الجوزية، 3/ 395، ط مؤسسة الرسالة.
(2)
ذكر ابن هشام في السيرة، 4/ 10 - 11 الأبيات التي قالها عمرو بن سالم الخزاعي أمام رسول صلى الله عليه وسلم حيث قال:
…
يا ربّ إني ناشد محمّداً
…
حلفَ أبيه وأبينا الأتلدا
قد كنتم وُلداً وكنا والِدا
…
ثَمَّت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصر اً أعتدا
…
وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجرّدا
…
إن سِيم خسفاً وجهه تربَّدا
في فيلق كالبحر يجري مُزبداً
…
إن قريشاً أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكَّدا
…
وجعلوا لي في كَدَاءٍ رُصَّدا
وزعموا أن لست أدعو أحداً
…
وهم أذلّ وأقلّ عددا
هم بيَّتونا بالوتير هُجَّدا
…
وقتَّلونا ركَّعاً وسُجَّدا
وذكر هذه الأبيات أيضاً ابن القيم في الزاد، 3/ 396، وأضاف للبيت الرابع: أبيض مثل البدر يسموا صُعُدا، وجعل عجز البيت الرابع صدر البيت الخامس، وهكذا حتى نهاية الأبيات، فجاء عجز البيت الأخير في سطر مستقل، كما ذكر أن صدر البيت الأول: فانصر هداك الله نصراً أبداً.
قال الأرنؤوط في تحقيقه لزاد المعاد لابن القيم، 3/ 396: في قصة عمرو بن سالم وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((نصرت يا عمرو بن سالم)) أخرجه ابن هشام عن ابن إسحاق بلا سند، ووصله الطبراني في الصغير، ص 222 من حديث ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها بإسناد ضعيف)).
كما أن الحافظ ابن حجر ذكر الأبيات مختصرة، وفيها تقديم وتأخير، انظر: الفتح، 7/ 519 - 520، وانظر أيضاً: عمر بن عبد العزيز العبيدي، من معارك المسلمين في رمضان، ص27، 28.
شرح الكلمات الغريبة:
* ومعنى ناشد: طالب، ومذكّر.
* والأتلد: القديم.
* ونصراً أعتداً: أي حاضراً.
* والمدد: العون.
* وتجرّدا: شمّر، وتهيّأ لحربهم.
* وسيم خسفاً، معناه: طلب منه، وكلفه.
* وتربدا: تغيرا [حاشية سيرة ابن هشام، 4/ 11].