المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: قتل ابن الزبير: - مجموع رسائل عبد الرحمن بن وهف القحطاني

[عبد الرحمن بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الرسالة الأولىسيرةالشاب الصالح

- ‌المقدمة

- ‌أولاً: مولده:

- ‌ثانياً: نشأته:

- ‌ المدرسة الابتدائية

- ‌ ثم درس المتوسطة

- ‌ ثم انتقل إلى المرحلة الثانوية

- ‌ ثم تخرّج من هذه الثانوية

- ‌ ثم انتقل إلى المرحلة الجامعية

- ‌ مشايخه في كلية الشريعة قسم الشريعة:

- ‌ زملاؤه في كلية الشريعة

- ‌ثالثاً: طلبه للعلم خارج المدارس النظامية:

- ‌ بحوث مفيدة:

- ‌الأول: الجنة والنار من الكتاب والسنة المطهرة

- ‌الثاني: غزوة فتح مكة في السنة المطهرة

- ‌الثالث: أبراج الزجاج في سيرة الحجاج

- ‌ تعليقات مفيدة على بعض كتبه

- ‌أ - فضل العلم:

- ‌ب - آداب طالب العلم:

- ‌جـ - عقبات في طريق العلم:

- ‌رابعاً: الحِكَمُ التي كتبها رحمه الله قبل وفاته:

- ‌خامساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

- ‌سادساً: أخلاقه العظيمة رحمه الله تعالى:

- ‌سابعاً: وفاته مع شقيقه وسيرة عبد الرحيم رحمهما الله:

- ‌ثامناً: ما قاله عنه: العلماء، ومعلموه، وزملاؤه:

- ‌أ - ما قاله العلماء

- ‌1 - (1) الحمد لله على قدره وقضائه واختياره لعبده

- ‌2 - (2) علوُّ الهمةِ وصِدقُ العزيمةِ

- ‌3 - (3) يا فتى الطُّهرِ طِبتَ حيّاً وميّتاً

- ‌4 - (4) أنتم شهداء الله في الأرض

- ‌5 - (5) صاحب الروح الطيبة والسيرة العطرة

- ‌ب - ما قاله معلموه:

- ‌6 - (1) - دمعة على فراق أبي سعيد

- ‌7 - (2) ورحل…عبد الرحمن

- ‌8 - (3) ورحل عبد الرحمن

- ‌ج - قال عنه زملاؤه:

- ‌9 - (1) عاجل بشرى المؤمن

- ‌10 - (2) أعظم الأماني الشهادة في سبيل الله تعالى

- ‌11 - (3) الأمر بالمعروف مع سعة الصدر

- ‌12 - (4) عبد الرحمن لم تمت أخلاقه وبقيت معالمها

- ‌13 - (5) يا رب فارحمه ووسِّع قبره وانشر له نوراً بكل مكان

- ‌14 - (6) الخشوع والإخبات لله تعالى

- ‌15 - (7) حكم وفوائد عظيمة

- ‌الفوائد التي اقتطفها الابن عبد الرحمن رحمه الله من أساتذة كلية الشريعة:

- ‌1 - الفوائد المقتطفة من علوم القرآن (تفسير)

- ‌مركز السنة من القرآن:

- ‌2 - الفوائد المقتطفة من التفسير

- ‌ أسباب النزول:

- ‌3 - الفوائد المقتطفة من مصطلح الحديث

- ‌4 - الفوائد المقتطفة من الحديث

- ‌5 - الفوائد المقتطفة من مقدمة أصول الفقه

- ‌6 - الفوائد المقتطفة من الفقه

- ‌الروض المربع (مع حاشية ابن قاسم)

- ‌7 - الفوائد المقتطفة من النظم الإسلامية

- ‌الخاتمة

- ‌الرسالة الثانيةالجنة والنار

- ‌مقدمة المحقق

- ‌وعملي في هذه الرسالة على النحو الآتي:

- ‌مقدمة المؤلف رحمه الله تعالى

- ‌الباب الأولالجنة والنار: (تعريف وبيان)

- ‌الفصل الأولتعريف الجنة والنار، وذكر أسمائهما

- ‌المبحث الأول: تعريف الجنة، وذكر أسمائها:

- ‌ومن أسماء الجنة:

- ‌المبحث الثاني: تعريف النار وذكر أسمائها:

- ‌ ومن أسماء النار نعوذ بالله منها:

- ‌الفصل الثانيهل الجنة والنار موجودتان؟ وأين مكانهما

- ‌المبحث الأول: إثبات وجود الجنة والنار:

- ‌ومن الأحاديث الدالة على وجود الجنة الآن:

- ‌المبحث الثاني:‌‌ مكان الجنةوالنار:

- ‌ مكان الجنة

- ‌ مكان النار:

- ‌الباب الثانينعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار

- ‌الفصل الأولنعيم أهل الجنة

- ‌المبحث الأول: النعيم النفسي:

- ‌المبحث الثاني: النعيم الحسي لأهل الجنة:

- ‌[1 - أنهار الجنة]

- ‌[2، 3] الحور العين، ومساكن أهل الجنة:

- ‌[4، 5] أَكلُ أهل الجنة، وشرابهم:

- ‌الفصل الثانيعذاب أهل النار

- ‌المبحث الأول: العذاب النفسي:

- ‌المبحث الثاني: العذاب الحسي لأهل النار:

- ‌من عذاب أهل النار: الجحيم، والزقوم:

- ‌الباب الثالثالطريق إلى الجنة، والنجاة من النار

- ‌الفصل الأولالطريق إلى الجنة، وأسباب دخولها

- ‌المبحث الأول: أسباب دخول الجنة:

- ‌المبحث الثاني: دخول الجنة برحمة الله لا بالعمل

- ‌الفصل الثانيالنجاة من النار، وأسباب دخولها

- ‌المبحث الأول: الأسباب الموصلة إلى النار:

- ‌المبحث الثاني: كيف نقي أنفسنا وأهلينا من النار

- ‌من الأسباب الواقية من النار:

- ‌الخاتمة

- ‌الرسالة الثالثةغزوة فتح مكة

- ‌مقدمة المحقق

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولالأسباب التي دعت إلى فتح مكة والإعداد له

- ‌الفصل الأول: الأسباب التي دعت إلى فتح مكة

- ‌المبحث الأول: سبب الفتح

- ‌المبحث الثاني: قصود أبي سفيان المدينة للمفاوضات

- ‌الفصل الثاني: الإعداد للفتح

- ‌المبحث الأول: عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على التجهز والحشد

- ‌المبحث الثاني: محاولة نقل نبأ الغزو

- ‌الباب الثانيمسيرة الجيش النبوي

- ‌الفصل الأول: توزيع الجيش، وتحركه، والوضع المكي

- ‌المبحث الأول: توزيع الجيش عسكرياً

- ‌المبحث الثاني: زحف الجيش، وتحركه، والوضع المكي

- ‌الفصل الثاني: تجسس قريش للأخبار

- ‌المبحث الأول: إسلام العباس، وتجسسات قريش للأخبار النبوية

- ‌المبحث الثاني: إسلام أبي سفيان، والعرض العسكري أمامه

- ‌الباب الثالثدخول مكة المكرمة

- ‌الفصل الأول: ترتيبات العسكر الإسلامي في الدخول

- ‌المبحث الأول: ترتيبات الدخول

- ‌المبحث الثاني: اشتباك مع فرسان خالد بن الوليد:

- ‌الفصل الثاني: دخول المسجد الحرام، وتحطيم الأصنام

- ‌المبحث الأول: دخول المسجد الحرام، وتحطيم الأصنام

- ‌المبحث الثاني: أخبار المهدرة دماؤهم

- ‌الباب الرابعالآثار الاستراتيجية للفتح ومقومات الانتصار

- ‌الفصل الأول: الآثار الاستراتيجية للفتح، ودروس منه

- ‌المبحث الأول: الآثار الاستراتيجية للفتح

- ‌المبحث الثاني: دروس من الفتح

- ‌الفصل الثاني: مقومات الانتصار في الفتح

- ‌المبحث الأول: الهدف

- ‌المبحث الثاني: الوسيلة

- ‌الخاتمة

- ‌الرسالة الرابعةأبراج الزجاجفي سيرة الحجاج

- ‌مقدمة المحقق

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولمن هو الحجاج

- ‌الفصل الأولنسبه ومولده، وأسرته

- ‌المبحث الأول: نسبه، ومولده:

- ‌المبحث الثاني: أسرته:

- ‌الفصل الثانيأولاده وزوجاته

- ‌المبحث الأول: أولاد الحجاج:

- ‌ وللحجاج ذرية في دمشق، منهم:

- ‌ كما أن للحجاج في باجه بالأندلس ذرية:

- ‌المبحث الثاني: زوجات الحجاج، وأخباره معهن:

- ‌الباب الثانيالحجاج وبداية الإمارة

- ‌الفصل الأولما قبل الإمارة، وقتل ابن الزبير

- ‌المبحث الأول: ما قبل الإمارة:

- ‌المبحث الثاني: قتل ابن الزبير:

- ‌الفصل الثانيالحجاج وإمارته على العراق

- ‌المبحث الأول: إمارة العراق

- ‌المبحث الثاني: فتوحات الحجاج:

- ‌المبحث الثالث: صفات الحجاج وإصلاحاته:

- ‌ من صفات الحجاج:

- ‌1 - حفظه للقرآن وفقهه:

- ‌2 - الصدق:

- ‌3 - عقليته وسياسته:

- ‌4 - قبوله للنصح:

- ‌أما إصلاحات الحجاج فمنها:

- ‌الباب الثالثالحجاج والأدب العربي

- ‌الفصل الأولالشعر العربي

- ‌المبحث الأول: ما قيل فيه من مدح:

- ‌المبحث الثاني: ما قيل فيه من هجاء:

- ‌الفصل الثانيالحجاج والخطابة

- ‌المبحث الأول: الخطب:

- ‌المبحث الثاني: الرسائل:

- ‌الباب الرابعنقد الحجاج ونهايته

- ‌الفصل الأولنقد الحجاج

- ‌المبحث الأول: آراء العلماء وأهل الحديث فيه:

- ‌المبحث الثاني: الرُّؤى والأحلام في الحجاج:

- ‌الفصل الثانينهاية الحجاج

- ‌المبحث الأول: موته، ووقته:

- ‌المبحث الثاني: أثر وفاته:

- ‌[مواقف الحجاج مع التابعين ومواقفهم معه

- ‌1 - موقفه مع الحسن البصري:

- ‌2 - موقفه مع سعيد بن المسيّب:

- ‌3 - خروج ابن الأشعث على الحجاج:

- ‌4 - موقفه مع سعيد بن جبير:

- ‌5 - مواقفه مع الشعبي:

- ‌6 - ابن سيرين يذب عن الحجاج ويدفع غيبته:

- ‌7 - مواقفه مع محمد ابن الحنفية:

- ‌8 - شقيق بن سلمة يدعو على الحجاج ثم يعتذر، ويدفع غيبته:

- ‌9 - مواقفه مع سالم بن عبد الله بن عمر:

- ‌الخاتمة

- ‌الرسالة الخامسةمواقف لا تنسىمن سيرة والدتي رحمها الله

- ‌المقدمة

- ‌ أولاً: ولادتها:

- ‌ ثانياً: نشأتها:

- ‌ ثالثاً: زواجها

- ‌ رابعاً:

- ‌ خامساً:

- ‌ سادساً:

- ‌ سابعاً:

- ‌ ثامناً:

- ‌ تاسعاً: صلاتها:

- ‌ عاشراً: نوافل الصلاة:

- ‌ الحادي عشر: صيامها:

- ‌ الثاني عشر: ذكرها لله تعالى:

- ‌ الثالث عشر: حجّها:

- ‌ الرابع عشر: عُمَرُها:

- ‌ الخامس عشر: صدقاتها، وكرمها:

- ‌ السادس عشر: أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر:

- ‌ السابع عشر: برُّها بأمها وأبيها رحمهم الله تعالى:

- ‌ الثامن عشر: ذريتها:

- ‌ التاسع عشر: مرضها العظيم:

- ‌ العشرون:

- ‌ الحادي والعشرون:

الفصل: ‌المبحث الثاني: قتل ابن الزبير:

‌الفصل الأول

ما قبل الإمارة، وقتل ابن الزبير

‌المبحث الأول: ما قبل الإمارة:

كان الحجاج بن يوسف قد لحق بروح بن زنباع الجذامي وزير عبد الملك بن مروان، فكان في عديد شرطته، إلى أن رأى عبد الملك انحلال عسكره، وأن الناس لا يرحلون برحيله، ولا ينزلون بنزوله، فشكا ذلك إلى روح بن زنباع، فقال له: إن في شرطتي رجلاً لو قلده أمير المؤمنين أمر عسكره، لأرحل الناس برحيله، وأنزلهم بنزوله، يقال له الحجاج بن يوسف، قال: فإنا قد قلدناه ذلك، فكان لا أحد يقدر على أن يتخلف عن الرحيل والنزول إلا أعوان روح بن زنباع

(1).

قال الزركلي: ومازال يظهر الحجاج حتى قلده عبد الملك أمر عسكره، وأمره بقتال ابن الزبير، فزحف بجيش كبير، وقتل عبد الله، وفرّق جموعه، فولاّه عبد الملك: مكة، والمدينة، والطائف (2).

‌المبحث الثاني: قتل ابن الزبير:

بعد قتل عبد الملك لمصعب بن الزبير، بعث الحجاج إلى أخيه عبد الله بمكة، فحاصره بها، وأقام للناس الحج عامئذٍ، ولم يتمكن [الحجاج ومن معه من الطواف بالبيت، ولا تمكّن] ابن الزبير ومن عنده من الوقوف [بعرفة]، ولم يزل مُحاصره حتى ظفر به

ثم

(1) ابن خلكان، وفيات الأعيان، 2/ 30، وانظر: البداية والنهاية، 12/ 509.

(2)

خير الدين الزركلي، الأعلام، 2/ 175.

ص: 278

استنابه عبد الملك على مكة والمدينة والطائف واليمن (1)(2).

* وقصة قتل ابن الزبير هي (3):

(1) ابن كثير، البداية والنهاية، 9/ 125.

(2)

قال ابن عساكر في تاريخه، 12/ 117: أخبرتنا أم البهاء فاطمة بنت محمد، قالت: أنبأنا أبو طاهر ابن محمود الثقفي، نبأنا أبو بكر ابن المقرئ، أنبأنا أبو الطيّب الزَّرَّاد، نبأنا عبيد الله بن سعد قال: قال أبي: ودخل عبد الملك الكوفة، وبعث الحجاج بن يوسف إلى عبد الله بن الزبير، ورجع عبد الملك إلى دمشق، فحج الحجاج على الموسم سنة اثنتين وسبعين فلم يطف بالبيت، وحصر ابن الزبير قريباً من سبعة أشهر، انتهى.

(3)

قال ابن كثير في البداية والنهاية، 12/ 177 - 184:((فلما استهلت هذه السنة (أي سنة 73) استهلت وأهل الشام محاصرون أهل مكة، قد نصب الحجاج المنجنيق على مكة ليحصر أهلها، حتى يخرجوا إلى الأمان والطاعة لعبد الملك. وكان مع الحجاج خلق قد قدموا عليه من أرض الحبشة، فجعلوا يرمون بالمنجنيق فقتلوا خلقاً كثيراً، وكان معه خمسة مجانيق، فألحّ عليها بالرمي من كل مكان وحبس عنهم الميرة، فجاعوا، وكانوا يشربون من ماء زمزم، وجعلت الحجارة تقع في الكعبة، والحجاج يصيح بأصحابه: يا أهل الشام، الله، الله في الطاعة. فكانوا يحملون على ابن الزبير وليس معه أحد حتى يخرجهم من باب بني شيبة، ثم يكرّون عليه فيشدّ عليهم، فعل ذلك مراراً، وقتل يومئذ جماعة منهم، وهو يقول: خذها وأنا ابن الحواري. وقيل لابن الزبير: ألا تكلمهم في الصلح؟ فقال: والله لو وجدوكم في جوف الكعبة لذبحوكم جميعاً، والله لا أسألهم صلحاً أبداً.

وذكر غير واحد: أنهم لما رموا بالمنجنيق، جاءت الصواعق والبروق والرعود، حتى جعلت تعلو أصواتها على صوت المنجنيق، ونزلت صاعقة فأصابت من الشاميين اثني عشر رجلاً، فضعفت عن ذلك قلوبهم عن المحاصرة، فلم يزل الحجاج يشجعهم، ويقول: إني خبير بهذه البلاد، هذه بروق تهامة ورعودها وصواعقها، وإن القوم يصيبهم مثل الذي يصيبكم، وجاءت صاعقة من الغد، فقتلت من أصحاب ابن الزبير جماعة كثيرة أيضاً، فجعل الحجاج يقول: ألم أقل لكم: إنهم يصابون مثلكم، وأنتم على الطاعة وهم على المخالفة؟ وكان أهل الشام يرتجزون وهم يرمون بالمنجنيق يقولون:

خطَّارة مثل الفنيق المزبد

نرمي بها عُوَّاد هذا المسجد

فنزلت صاعقة على المنجنيق فأحرقته، فتوقف أهل الشام عن الرمي والمحاصرة، فخطبهم الحجاج فقال: ويحكم ألم تعلموا أن النار كانت تنزل على من قبلنا فتأكل قربانهم إذا تقبل منهم؟ فلولا أن عملكم مقبول ما نزلت النار فأكلته، فعادوا إلى المحاصرة.

ومازال أهل مكة يخرجون إلى الحجاج بأمان، ويتركون ابن الزبير، حتى خرج إليه قريب من عشرة آلاف فأمّنهم، وقل أصحاب ابن الزبير جداً، حتى خرج إلى الحجاج حمزة وخبيب ابنا عبد الله بن الزبير، فأخذا لأنفسهما أماناً من الحجاج، فأمنهما، ودخل عبد الله بن الزبير على أمه، فشكا إليها خذلان الناس له، وخروجهم إلى الحجاج حتى أولاده وأهله، وأنه لم يبق معه إلا اليسير، ولم يبق لهم صبر ساعة، والقوم يعطونني ما شئت من الدنيا فما رأيك؟ فقالت: يا بني أنت أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق، وتدعو إلى حق، فاصبر عليه، فقد قتل أصحابك، ولا تُمكّن من رقبتك يلعب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا، فلبئس العبد أنت، أهلكت نفسك، وأهلكت من قتل معك، وإن كنت على حق، فما وهن الدين، وإلى كم خلودك في الدنيا؟ القتل أحسن. فدنا منها فقبل رأسها، وقال: هذا والله رأيي. ثم قال: والله ما ركنت إلى الدنيا، ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله أن تستحل حرمته، ولكني أحببت أن أعلم رأيك، فزدتيني بصيرة على بصيرتي، فانظري يا أماه، فإني مقتول من يومي هذا، فلا يشتدّ حزنك، وسلّمي لأمر الله، فإن ابنك لم يتعمّد إتيان منكر، ولا عمل فاحشة قط، ولم يَجُرْ في حكم الله، ولم يغدر في أمان، ولم يتعمّد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يبلغني ظلم عن عامل فرضيته، بل أنكرته، ولم يكن عندي آثر من رضا ربي عز وجل،اللهم إني لا أقول هذا تزكية لنفسي، اللهم أنت أعلم بي مني ومن غيري، ولكني أقول ذلك تعزيةً لأمي؛ لتسلو عني، فقالت أمّه: إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسناً إن تقدمتني أو تقدمتك ففي نفسي، اخرج يا بني حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمرك، فقال: جزاك الله يا أمه خيراً فلا تدعي الدعاء قبل وبعد لي. فقالت: لا أدعه أبداً، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق. ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة، وبرّه بأبيه وبي، اللهم إني قد سلمته لأمرك، ورضيت بما قضيت، فقابلني في عبد الله بن الزبير بثواب الصابرين الشاكرين. ثم قالت له: ادن مني أودعك. فدنا منها، فقبّلته ثم أخذته إليها فاحتضنته لتودعه، واعتنقها ليودعها، وكانت قد أضرت في آخر عمرها فوجدته لابساً درعاً من حديد، فقالت: يا بني ما هذا لباس من يريد ما تريد من الشهادة. فقال: يا أماه، إنما لبسته لأطيّب خاطرك وأسكّن قلبك به. قالت: لا يا بنيّ، ولكن انزعه، فنزعه، وجعل يلبس بقية ثيابه، ويتشدّد، وهي تقول: شمّر ثيابك. وجعل يتحفّظ من أسفل ثيابه لئلا تبدو عورته إذا قتل، وجعلت تذكره بأبيه الزبير، وجدّه أبي بكر الصديق، وجدّته صفيّة بنت عبد المطلب، وخالته عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترجّيه القدوم عليهم إذا هو قتل شهيداً. ثم خرج من عندها فكان ذلك آخر عهده بها رضي الله عنها وعن أبيه وأبيها، ثم قالت: امضِ على بصيرتك، فودّعها وخرج وهو يقول:

لست بمبتاع الحياة بسُبَّةٍ

ولا مرتقٍ من خشية الموتِ سُلّماً

قالوا: وكان يخرج من باب المسجد الحرام، وهناك خمسمائة فارس وراجل، فيحمل عليهم فيتفرقون عنه يمناً وشمالاً، ولا يثبت له أحد، وهو يقول:

إني إذا أعرف يومي أصبره

إذ بعضهم يعرف ثم ينكر

ويقول أيضاً:

الموت أكرم من إعطاء منقصةٍ

من لم يمت غبطة فالغاية الهَرَمُ

وكانت أبواب الحرم قد قلّ من يحرسها من أصحاب ابن الزبير، وكان لأهل حمص حصار الباب الذي يواجه الكعبة، ولأهل دمشق باب بني شيبة، ولأهل الأردن باب الصفا، ولأهل فلسطين باب بني جمح، ولأهل قنسرين باب بني سهم، وعلى كل باب قائد ومعه أهل تلك البلاد، وكان الحجاج، وطارق بن عمرو في ناحية الأبطح.

لو كان قرني واحداً كفيته

فيقول ابن صفوان وأهل الشام أيضاً: إي والله، وألف رجل.

ولقد كان حجر المنجنيق يقع على طرف ثوبه فلا ينزعج بذلك، ثم يخرج إليهم فيقاتلهم كأنه أسد ضارٍ، حتى جعل الناس يتعجبون من إقدامه وشجاعته، فلما كان ليلة الثلاثاء السابع عشر من جمادى الأولى من هذه السنة، بات ابن الزبير يصلي طول ليلته، ثم جلس فاحتبى بحميلة سيفه فأغفى، ثم انتبه مع الفجر على عادته، ثم قال: أذِّن يا سعد. فأذن عند المقام، وتوضأ ابن الزبير ثم صلّى ركعتي الفجر ثم أقيمت الصلاة، فصلى الفجر فقرأ سورة ((ن)) حرفاً حرفاً، ثم سلّم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال لأصحابه: ما أراني اليوم إلا مقتولاً، فإني رأيت في منامي كأن السماء فرجت لي فدخلتها، وإني والله قد مللت الحياة، وجاوزت سني اثنتين وسبعين سنة، اللهم إني أحبّ لقاءك فأحب لقائي. ثم قال: اكشفوا عن وجوهكم حتى أنظر إليكم، فكشفوا عن وجوههم وعليهم المغافر، فحرّضهم وحثّهم على القتال والصبر، ثم نهض بهم فحمل وحملوا حتى كشفوهم إلى الحجون، فجاءته آجُرَّةٌ فأصابته في وجهه، فارتعش لها، فلما وجد سخونة الدم يسيل على وجهه تمثّل بقول بعضهم:

فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا

ولكن على أقدامنا تقطر الدما

ثم رجع فجاءه حجر منجنيق من ورائه فأصابه في قفاه فوقذه، ثم وقع إلى الأرض على وجهه، ثم انتهض فلم يقدر على القيام، وابتدره الناس، فشدّ عليه رجل من أهل الشام، فضرب الرجل فقطع رجليه وهو متكئ على مرفقه الأيسر، وجعل يضرب وما يقدر أن ينتهض، حتى كثروا عليه، فابتدروه بالسيوف، فقتلوه رضي الله عنه، وجاءوا إلى الحجاج فأخبروه، فخر ساجداً قبَّحه الله، ثم قام هو وطارق بن عمرو حتى وقفا عليه وهو صريع، فقال طارق: ما ولدت النساء أذْكَرَ من هذا. فقال الحجاج: تمدح من يخالف طاعة أمير المؤمنين؟ قال: نعم هو أعذر لنا، إنا محاصروه، وليس هو في حصن ولا خندق ولا منعة ينتصف منا، بل يفضل علينا في كل موقف، فلما بلغ ذلك عبد الملك صوّب طارقاً.

وانظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير، 4/ 348 - 357، وتاريخ الطبري، 6/ 187 - 192، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي، 6/ 124 - 127.

ص: 279

بعد أن استعاد عبد الملك بن مروان العراق، بعث الحجاج بن يوسف الثقفي في جيش كبير من أهل الشام لاستعادة الحجاز، ومقابلة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وكتب معه أماناً لأهل مكة إن هم أطاعوه، وكان ذلك في سنة 72هـ، وعندما وصل الحجاج إلى مدينة الطائف، نزل بها، ثم سار إلى مكة المكرمة، وحاصرها، ودافع ابن الزبير وأصحابه عن مكة دفاعاً جيداً، وضربوا مثلاً رائعاً في البطولة، إذ استطاعوا أن يصمدوا أمام هذا الجيش المحاصر لهم، ومنعوه من أن يستولي على مكة قرابة سبعة أشهر.

لكن لطول الحصار من ناحية، وكثرة الجيش من ناحية أخرى، أضعف قوة المدافعين، فقلَّت المؤن، وأصابت أهلَ مكةَ مجاعةٌ شديدة اضطر معها المحاصرون إلى القتال، وقد صمد ابن الزبير في المعركة حتى قتل رضي الله عنه وعن والديه، وذلك سنة 73هـ (1).

(1) قال ابن عساكر في تاريخ دمشق، 12/ 120:((عن معاذ بن العلاء أخي أبي عمرو بن العلاء قال: لما قتل الحجاجُ بن يوسف ابنَ الزبير ارتجت مكة بالبكاء، فأمر الناس فاجتمعوا في المسجد، ثم صعد المنبر، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال بعقب حمد ربه: يا أهل مكة بلغني إكباركم واستفظاعكم قتل ابن الزبير، ألا وإن ابن الزبير كان من خيار هذه الأمة، حتى رغب في الخلافة، ونازع فيها أهلها، فخلع طاعة الله، واستكنّ بحرم الله، ولو كان شيء مانع العصاة لمنعت آدم حرمة الجنة، لأن الله تعالى خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأباحه كرامته، وأسكنه جنته، فلما أخطأ أخرجه من الجنة بخطيئته، وآدم على الله تعالى أكرم من ابن الزبير، والجنة أعظم حرمة من الكعبة، اذكروا الله يذكركم. وانظر البداية والنهاية لابن كثير))، 12/ 513 - 514.

وقال ابن عساكر أيضاً، 12/ 121:((عن عطاء بن زياد قال: كنت مع ابن الزبير في البيت فكان الحجاج إذا رمى ابن الزبير بحجر وقع الحجر على ابن الزبير على البيت، فسمعت للبيت أنيناً كأنين الإنسان: أوه)).

وقال ابن كثير في البداية والنهاية، 12/ 514: ((وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف، ثنا عوف عن أبي الصديق الناجي أن الحجاج دخل على أسماء بنت أبي بكر بعدما قتل ابنها عبد الله، فقال: إن ابنك ألحد في هذا البيت، وإن الله أذاقه من عذاب أليم، وفعل به وفعل، فقالت: كذبت، كان بارّاً بوالديه، صوّاماً قوّاماً، والله لقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخرج من ثقيف كذابان: الآخر منهما شر من الأول. وهو مبير

وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة، وسمعته يقول:((يخرج من ثقيف رجلان: كذاب ومبير، قالت: فقلت للحجاج: أما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت هو يا حجاج)).

وفي صحيح مسلم، رقم 2545/ 229 أن أسماء قالت:((أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذاباً ومبيراً، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا أخالك إلا إياه، فقام عنها ولم يراجعها)).

انظر: البداية والنهاية، 12/ 513 - 515، وتاريخ ابن عساكر، 12/ 121 - 122، وتاريخ الإسلام للذهبي، 6/ 316 - 317.

ص: 282

وعلى إثر ذلك دخل الحجاج مكة، فبايع أهلها لعبد الملك بن مروان، ثم سار إلى المدينة المنورة فدانت له، وبذلك يكون الحجاج قد أدخل الحجاز في طاعة الدولة الأموية (1).

(1) وزارة المعارف، التاريخ الإسلامي، ص13.

ص: 283