الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى: ورد في حديث أبي هريرة
رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده، يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسمٍّ، فسمه بيده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً أبداً". ماذا يُقصد بهذه الأبدية؟ هل هي خاصة بقاتل نفسه؟ وهل يجوز الترحم على من فعل ذلك بنفسه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. هذا سؤال مهم جداً؛ وذلك أنه يأتي في الكتاب والسنة نصوص فيها فتح باب الرجاء والأمل الواسع؛ مثل أن يذكر الشارع بعض الأعمال الصالحة، ويرتب عليها تكفير السيئات، أو يرتب عليها دخول الجنة وما أشبه ذلك، فيأتي بعض الناس ويغلب جانب الرجاء على جانب الخوف، فيفرح ويستبشر بذلك ويقول: إذن فلا تضرني معصية، مادام هذا العمل اليسير يكفِّر عني السيئات، أو يكون سبباً في دخولي الجنة، وهذا فهم خاطىء لنصوص الرجاء.
وتأتي نصوص أخرى، تذكر بعض المعاصي، أو بعض الكبائر، وترتب عليها دخول النار، أو الخلود فيها، ولكنها لا
تخرج العبد من الإسلام، فتجد بعض الناس يتحسَّر وييأس، ويتمادى في ضلاله، وهذا فهم خاطىء أيضاً لنصوص الوعيد.
ولذلك انقسم أهل القبلة يعني الذين ينتسبون للإسلام انقسموا في هذه النصوص إلى ثلاثة أقسام: قسم غلَّب جانب نصوص الرجاء، وقال: لا تضر مع الإسلام معصية، وهؤلاء هم المرجئة، يغلبون جانب الرجاء على جانب الخوف، ويقولون: أنت مؤمن، اعمل ما شئت فلا يضرك مع الإيمان معصية.
وطائفة أخرى: غلبوا نصوص التخويف والزجر، وقالوا: إن فاعل الكبائر، مخلد في نار جهنم أبداً، ولو كان مؤمناً، ولو كان يصلي، ولو كان يزكي ويصوم ويحج، وهؤلاء هم (الوعيدية) من المعتزلة والخوارج، قالوا: إن الإنسان لو فعل كبيرة، كقتل نفسه مثلاً، أو قتل نفس غيره، أو زنى أو سرق، فهو خالد مخلد في نار جهنم.
وكل هؤلاء جانبوا الصواب، سواء الذين غلَّبوا نصوص الرجاء والرحمة، أو الذين غلبوا نصوص التخويف والوعيد.
وأهل السنة والجماعة وسط بين هذه الفرق، قالوا: نأخذ بالنصوص كلها؛ لأن الشريعة شريعة واحدة، صادرة عن مصدر واحد وهو الله عز وجل، إما في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الأمر كذلك، فإنه يكمل بعضها بعضاً، ويُقيد بعضها بعضاً، ويخصص بعضها بعضاً، فيأتي نص عام، ونص خاص، فيجب أن نحمل العام على الخاص، ويأتي نص مطلق، ونص مقيد، فيجب أن نحمل المطلق على المقيد؛ لأن الشريعة واحدة،
والمشرع واحد، فإذا كان كذلك فلا يمكن أن نأخذ بجانب دون الا?خر.
وبهذا يسلم الإنسان من إشكالات كثيرة، فقد ورد في القرآن قوله تعالى:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً عَذَاباً عَظِيماً} . هذه خمس عقوبات؛ جزاؤه جهنم، خالداً فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذاباً عظيماً. عندما تقرأ هذه الا?ية تقول: إن قاتل المؤمن عمداً مخلدٌ في النار، ولا يمكن أن يخرج منها، لأن الله قال:{وغضب الله عليه ولعنه} . ومن لعنه الله فقد طرده وأبعده عن رحمته، وهذا يقتضي أنه لا يمكن أن يخرج من النار إلى الجنة أبداً.
وكذلك ما أشار إليه السائل فيمن قتل نفسه، أنه خالدٌ مخلدٌ أبداً، صرح في الحديث بالتأبيد، وهذا يقتضي ألا يخرج منها، لأن هذا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم وخبر الرسول صدق، ولا يمكن أن يعتريه الكذب، ولا يمكن أن يتخلف مدلوله، ولهذا نقول: هذه الأشياء تكون سبباً لذلك، فقتل النفس سبب للخلود المؤبد في نار جهنم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن هناك موانع من الخلود، دلَّت عليها النصوص الشرعية؛ منها أن يكون الإنسان معه شيء من الإيمان، ولو أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من الإيمان، فإنه لا يخلد في النار، فنحمل هذه النصوص على هذه النصوص، ونقول: نصوص الوعيد جاءت عامة من أجل التنفير من هذا العمل والهروب منه، ولكن
ليس هناك خلود مؤبد إلا للكافرين، هذا وجه.
الوجه الثاني: أن بعض العلماء يقول: هذه النصوص على ظاهرها، وذلك أنه قد يصاب الذي يقتل نفسه بالانسلاخ من الإيمان، فيكون حين قتل نفسه غير مؤمن، وإذا كان غير مؤمن فهو كافر خالد في النار، لأنه إذا نحر نفسه فإن كان مجنوناً فلا شيء عليه، وإن كان عاقلاً، فلابد أنه فعل ذلك لسبب، وهذا السبب في الغالب لكي يستريح من النكبة أو الضائقة التي حلت به على زعمه.
ومن زعم أنه إذا قتل نفسه نجا من الضائقة التي ألمت به فقد أنكر البعث، وأنكر عقوبة الا?خرة، وإذا أنكر البعث، وعقوبة الا?خرة، كان بذلك كافراً، فيكون مستحقًّا للخلود المؤبد في النار، لأنه ليس من المعقول أن شخصاً يقتل نفسه ليستريح مما هو فيه، إلا لظنه أنه ينتقل إلى ما فيه الراحة له، ولا يمكن ذلك وقد قتل نفسه، فيكون شاكًّا في البعث أو جاحداً لعذاب الا?خرة، وبذلك يكون كافراً. هكذا قال بعض أهل العلم.
الوجه الثالث: يرى بعض العلماء أن قوله: "خالداً مخلداً" وهم من الراوي. والمهم أنه يجب أن نعلم أن نصوص الكتاب والسنة يقيد بعضها بعضاً، ويخصص بعضها بعضاً، ولا تناقض بين نصوص الكتاب والسنة أبداً.