الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى: عن حكم قول:
(إلى روح الفقيد، أيتها الروح المقيمة فينا) ؟
فأجاب فضيلته بقوله: بعض الناس يقول إذا عمل عملاً صالحاً هذا هدية إلى روح فلان أو لروح فلان، وهذه الكلمة لا حاجة لها؛ لأن الإنسان ينوي العمل للشخص المسلم قبل أن يبدأ به، ونيته في قلبه تغني عن التلفظ، لكن لو تلفظ وقال: اللهم اجعل ثواب ما أعمله لفلان فلا حرج.
أما قولهم: روح الفقيد بيننا، فلا يحل لقوله تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} ونحن لا نعلم أن روح الفقيد بيننا، أو فينا، لذلك يكون هذا القول داخلاً فيما نهى الله عنه.
* * *
رسالة
من
…
إلى سماحة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين وفقه الله إلى كل خير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
لقد انتشر في هذا الزمن كثير من الأمور المشتبه فيها والتي تتعلق بالجنازة وتشييعها، نرجو من سماحتكم أن تبينوا للناس الحكم الشرعي فيها وجزاكم الله خيراً، وهي كما يأتي:
1 نقل الميت من بلد إلى آخر وتكرار الصلاة عليه في أكثر من مسجد.
2 اصطفاف أقارب الميت أو من سيقوم بدفنه مع الإمام حال الصلاة مع سعة المكان.
3 دخول المشيعين المقبرة بسياراتهم من غير حاجة وسبق الجنازة إليها مما يسبب ازدحام السيارات وإذهاب الخشوع المقصود من تشييع الجنازة وزيارة القبور.
4 تسليم الناس بعضهم على بعض وتبادل التحيات مع المعانقة والمصافحة في داخل المقبرة.
5 التحدُّث في أمور الدنيا.
6 بقاء أهل الميت في المنزل لاستقبال المعزين لمدة ثلاثة أيام مع الإعلان في الصحف عن مكان العزاء وكتابة
المراثي فيها وإقامة الولائم أثناء العزاء لأهل الميت من أقاربهم وغيرهم.
أثابكم الله ونفعنا وجميع المسلمين بعلمكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم الشيخ
…
حفظه الله تعالى
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
كتابكم المؤرخ 22/21 من السنة الماضية وصل، وما تضمنه من الأسئلة فإليكم جوابها سائلين الله تعالى أن يوفقنا للصواب.
1 نقل الميت من بلد إلى آخر وتكرار الصلاة عليه، إن كان المقصود به تكرار الصلاة عليه فهذا بدعة منكرة مخالفة لهدي السلف الصالح، ومخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإسراع بالميت، وفيها فتح باب لتباهي الناس بأمواتهم، حتى يكون تشييع الميت كأنه حفل عرس. ويغني عنه أن يصلى عليه في البلد الآخر صلاة الغائب إن قلنا بمشروعيتها.
والصحيح أنه لا يصلى على الميت صلاة الغائب إلا من مات في محل لم يصل عليه فيه، أو بأمر الإمام.
أما الأول فلأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي صلاة الغائب، وأما الثاني فلئلا يشق عصا الطاعة في أمر اجتهادي.
وإن قصد بنقل الميت اختيار أن يدفن في بلد آخر إما لكون
الدفن فيه أفضل، أو لكون أهله فيه ونحو ذلك فهذا لا بأس به، لكن إن منع منه الإمام خوفاً من تزاحم الناس على المكان الفاضل، وضيق المكان، والعجز عن القيام بواجب الدفن فلا ينقل، وكذلك لو كان يتحمل نفقات باهظة تضر بحق الورثة في التركة ونحو ذلك.
وربما يكون النقل واجباً كما لو مات بدار كفار ليس فيها مقابر للمسلمين ولا يمكن دفنه في هذه الدار في مكان آخر فإنه لابد من نقله إلى بلاد المسلمين.
وأما نقل الميت من مسجد إلى آخر في البلد ليصلى عليه في عدة مساجد فهو أيضاً من البدع المنكرة، وفيه من المحذور ما سبق والميت يؤتى إليه، ولا يطاف به بين الناس ليصلى عليه.
2 اصطفاف أقارب الميت مع الإمام حين الصلاة عليه إن كان المكان ضيقاً لا يمكنهم أن يصطفوا خلف الإمام ولو بينه وبين الصف الأول فلا بأس، لأن هذا حاجة، ويقفون عن يمين الإمام وعن شماله، وإن كان المكان واسعاً فلا يصفون مع الإمام، لأن هذا خلاف السنة في صلاة الجماعة، لكن رأينا بعض أقارب الميت يتقدمون عمداً ليصفوا مع الإمام ظنًّا منهم أن هذا سنة، وهذا غلط ينبغي للأئمة أن ينبهوا عليه، ويبينوا للناس أن هذا ليس من السنة.
3 دخول السيارات للمقبرة من غير حاجة لا ينبغي؛ لأنها أحياناً تضيق على الناس، وتجعل مشهد الجنائز كمشهد الأعراس مما ينسي الناس تذكرة الا?خرة.
4 لا أعلم أصلاً عن السلف فيما يصنعه الناس أخيراً من المصافحة والمعانقة عند التعزية، وكذلك الاصطفاف للمعزين
لكن بعض الناس قالوا: إنهم يصطفون من أجل راحة المعزين حتى لا يتعبوا في طلب أهل الميت، لاسيما إذا كان المشيعون كثيرين، وأهل الميت ذوي عدد، وهذا ربما يكون غرضاً صحيحاً، وإن كان لا يعجبني فعلهم.
5 التحدُّث في أمر الدنيا لمتبعي الجنازة مخالف لما ينبغي أن يكون المتبع عليه من التفكُّر في حاله ومآله، وأنه الا?ن يشيع الموتى وغداً يشيعه الأحياء، ولا يدري متى يكون، ثم إن فيه كسراً لقلوب المصابين بالميت من أقاربه وأصدقائه، وقد كره بعض العلماء لمتبع الجنازة أن يتحدث في أمر الدنيا، وأن يجلس إلى صاحبه يمازحه ويضاحكه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إلى أصحابه رضي الله عنهم في المقبرة قبل أن يتم اللحد، فيحدثهم بما يناسب، ففي صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس (أي رأسه) فجعل ينكت بمخصرته وذكر الحديث، وفي المسند وسنن أبي داود وغيرهما من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض فقال:"استعيذوا بالله من عذاب القبر" مرتين أو ثلاثاً، ثم حدثهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن حال المؤمن وحال الكافر عند الموت، وبعده. وهو
حديث طويل عظيم، وبه وبحديث علي نعرف أن المشروع لمتبعي الجنائز أن يكون حديثه فيما يتعلق بالموت وما بعده.
هذا وقد أخذ بعض الناس من الحديثين أنه ينبغي أن يعظ الناس في هذه الحال، فيقوم خطيباً بين الناس يتكلم بما يتكلم به، لكن لا وجه لأخذه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقم خطيباً في أصحابه، بل كان جالساً بينهم يتحدث إليهم حديث الجالس إلى من كان بجنبه؛ لأنه إما أن يسكت، أو يتكلم بأمر لا يناسب المقام، أو يتكلم بما يناسب المقام وهذا هو الحاصل من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
6 بقاء أهل الميت في المنزل لاستقبال المعزين ليس معروفاً في عهد السلف الصالح، ولهذا صرح بعض العلماء بأنه بدعة، وقال في (الإقناع وشرحه) : ويكره الجلوس لها أي للتعزية بأن يجلس المصاب في مكان ليعزوه. ولما ذكر حكم صنع الطعام لأهل الميت قال: وينوي فعل ذلك لأهل الميت لا لمن يجتمع عندهم فيكره؛ لأنه معونة على مكروه، وهو اجتماع الناس عند أهل الميت، نقل المروذي عن أحمد، هو من أفعال الجاهلية، وأنكره شديداً، ثم ذكر حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:"كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة". وقال النووي في (شرح المهذب) : وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب على كراهته،
ونقله أبو حامد في (التعليق) وآخرون عن نص الشافعي قالوا: يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية، قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم. ا. هـ.
ثم إن فتح أهل الميت الباب ليأتيهم من يعزيهم كأنما يقولون للناس بلسان الحال: يا أيها الناس إنا قد أصبنا فعزونا، وكونهم يعلنون في الصحف عن مكان العزاء هو دعوة بلسان المقال أيضاً. وهل من السنة إعلان المصيبة ليعزى لها؟ أليس الواجب على المرء أن يصبر لحكم الله وقضائه، وأن يجعل ذلك بينه وبين ربه، وأن يتعزى بالله تعالى عن كل هالك؟! ثم إن الأمر قد تطور في بعض المناطق إلى أن تُهيأ السرادق، وتصف الكراسي، وتضاء الأنوار، ويكثر الداخل والخارج حتى لا تكاد تفرق بين هذا وبين وليمة العرس، وربما استأجروا قارئاً يقرأ كما يزعمون لروح الميت مع أن الإجارة على هذا فاسدة، والقارىء الذي قرأ من أجل المال لا ثواب له، فيكون في هذا إضاعة للمال، وإغراء لهؤلاء القرَّاء على الإثم.
فإن قال قائل: أليس قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما جاء خبر قتل جعفر وصاحبيه جلس في المسجد يعرف فيه الحزن؟
فالجواب: بلى، ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يجلس ليعزيه الناس، ولذلك لم يبلغنا أن أحداً جلس عنده
ليعزيه، فليس فيه دليل لفتح أبواب البيوت والجلوس لتلقي العزاء.
وأما الإعلان عن موت الميت في الصحف فإن كان لمصلحة مثل أن يكون الميت واسع المعاملة مع الناس بين أخذ وإعطاء وأعلن موته لعل أحداً يكون له حق عليه فيقضى أو نحو ذلك فلا بأس. كتبه محمد الصالح العثيمين في 24/1/1418 هـ.
* * *