الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما في الأعراس فكذلك أيضاً لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم خطيباً يخطب الناس، ولا عن الصحابة فيما نعلم، بل إنه لما ذكر له أن عائشة رضي الله عنها زفت امرأة لرجل من الأنصار قال:"يا عائشة ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو"، فدل ذلك على أن لكل مقام مقالاً، ولأن الإنسان إذا قام خطيباً في الأعراس، فإنه قد يثقل على الناس، وليس كل أحد يتقبل، قد يكون أحد الناس ما رأى أقاربه أو أصحابه إلا في هذه المناسبة، فيريد أن يتحدث إليهم ويسألهم ويأنس بهم، فإذا جاءتهم هذه الموعظة وهم متأهبون للحديث مع بعضهم، ثقلت عليهم، وأنا أحب أن تكون المواعظ غير مثقلة للناس؛ لأنها إذا أثقلت على الناس كرهوها، وكرهوا الواعظ ولكن: لو أن أحداً في محفل العرس طلب من هذا الرجل أن يتكلم، فحينئذ له أن يتكلم، ولاسيما إذا كان الرجل ممن يتلقى الناس قوله بالقبول. كذلك لو رأى منكراً، فله أن يقوم ويتكلم عن هذا المنكر ويحذر منه ويقول: إما أن تكفُّوه أو خرجنا. فلكل مقام مقال، وإذا تلقى الناس الموعظة بانشراح وقبول كان أحسن، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة مخافة السآمة يعني الملل.
* * *
سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى: ما مشروعية الموعظة عند القبر
؟ فقد سمعنا من يقول: إنها ما
وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن يقول: إنها سنَّة؟
فأجاب فضيلته بقوله: القول بأنها ما وردت على إطلاقه غير صحيح، والقول بأنها سنة غير صحيح، ووجه ذلك أنه لم يرد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقف عند القبر، أو في المقبرة إذا حضرت الجنازة ثم يعظ الناس ويذكرهم كأنه خطيب جمعة، وهذا ما سمعنا به، وهو بدعة وربما يؤدي في المستقبل إلى شيء أعظم، ربما يؤدي إلى أن يتطرق المتكلم إلى الكلام عن الرجل الميت الحاضر، مثل أن يكون هذا الرجل فاسقاً مثلاً، ثم يقول: انظروا إلى هذا الرجل، بالأمس كان يلعب، بالأمس كان يستهزىء، بالأمس كان كذا وكذا، والا?ن هو في قبره مرتهن، أو يتكلم في شخص تاجر مثلاً، فيقول: انظروا إلى فلان، بالأمس كان في القصور، والسيارات والخدم، والحشم وما أشبه ذلك، والا?ن هو في قبره.
فلهذا نرى ألا يقوم الواعظ خطيباً في المقبرة، لأنه ليس من السنة، فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقف إذا فرغ من دفن الميت أو إذا كان في انتظار دفن الميت، يقوم ويخطب الناس، أبداً ولا عهدنا هذا من السابقين، وهم أقرب إلى السنة منا. ولا عهدناه أيضاً فيمن قبلهم من الخلفاء، فما كان الناس في عهد أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم فيما نعلم يفعلون هذا، وخير الهدي هدي من سلف إذا وافق الحق.
وأما الموعظة التي تعتبر كلام مجلس، فهذا لا بأس بها، فإنه قد ثبت في السنن. أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج إلى بقيع (الغرقد) في